ثقافة وفن < الرئيسية

جينغتاي الزرقاء.. من قصور الأباطرة إلى بيوت العامة

: مشاركة
2021-08-24 17:56:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

جينغتاي الزرقاء (جينغتايلان بالصينية) هو نوع من الأشغال الفنية الصينية ذات الشهرة العالمية. وقد أخذ هذا الفن اسمه من اسم الإمبراطور جينغ تاي لأسرة مينغ، والذي ازدهرت في عهده الأواني من هذا النوع ونالت شهرة واسعة. كانت المادة المستخدمة فيها أساسا هي المينا الزرقاء.

ويقال إن قوبلاي خان (1215- 1294)، مؤسس أسرة يوان التي حكمت الصين، اكتشف مشغولات يدوية رائعة أثناء معاركه حول شبه الجزيرة العربية في منطقة أوراسيا. وسط المعارك الضارية، انتبه قوبلاي خان بدهشة وإعجاب إلى تلك المشغولات التي وجدها، والتي كانت سببا في إنقاذ حياة الحرفيين ونقلهم إلى الصين، حيث كلفهم بصنع مشغولات يدوية رائعة للنبلاء المنغوليين. كان الحرفيون يصنعون تلك المشغولات بطريقة خاصة، وهي تقنية قديمة لتطويع المعادن.

التزجيج بالمينا (الطلاء الزجاجي) أو الزخرفة المزججة بالأسلوب الصيني هو مزيج من التقنيات التي جاءت من الخارج في ذلك الوقت والحرف المتعلقة بمادة المينا المعدنية المحلية. ظهرت تقنيات هذا الفن "التزجيج أو الزخرفة المزججة" لأول مرة في اليونان القديمة. من القرن الرابع إلى القرن السادس، انتشرت هذه الحرفة إلى الإمبراطورية البيزنطية، ثم انتشرت في أوروبا. في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، انتشرت شرقا إلى بلاد فارس، إيران حاليا، ثم إلى الصين خلال فترة أسرة يوان قبل أكثر من سبعمائة عام.

جينغتاي الصيني مزيج فريد من النحت والرسم وصناعة الخزف والحدادة النحاسية، حيث يتم ثني شرائط رفيعة من النحاس وفقا لنمط زخرفي محدد ولحامها على سطح البرونز، لتشكل نتوءات مصغرة تلتقي وتخلق مساحات مثل خلايا صغيرة. يستخدم مسحوق المينا لملء الفراغات الشبيهة بالخلايا. ثم يتم تسخين أو تجفيف القطعة الفنية، وبعد التبريد، يمكن صقل السطح لإزالة أي عيوب، ولإضافة اللمعان.

في عهد الإمبراطور جينغ تاي (1449-1457) لأسرة مينغ، التي أعقبت أسرة يوان في الحكم، وصلت فنون إبداع الأواني والتحف المزخرفة المزججة بالأسلوب الصيني إلى مستوى عال من الجمال والحرفية. ولأن أواني المينا المصنوعة في تلك الفترة كانت عادة زرقاء اللون، كان يُطلق عليها جينغتاي الزرقاء.

لا تزال أعمال جينغتاي الزرقاء، بشكلها الأنيق وألوانها الزاهية، تتمتع بسمعة طيبة في تاريخ الحرف في العالم. في الصين، تعتبر هذه الأعمال الفنية جوهر الثقافة الصينية.

حرف يدوية ثمينة

اختلافا عن قطع الخزف الصينية العتيقة التي يجمعها الناس العاديون، نشأت أدوات المينا المصوغة بطريقة التزجيج، في البلاط الإمبراطوري، واعتبرت فنا إمبراطوريا. كانت تصنع حصريا للعائلة الإمبراطورية ولم تصل أبدا إلى أيدي عامة الناس. إلى جانب ذلك، كان البلاط الإمبراطوري يسيطر على منتجات هذه الحرفة، خاصة في فترة أسرتي مينغ وتشينغ عندما تم إنشاء مؤسسات إنتاج خاصة لها.

منذ البداية، دمجت هذه التحف مهارات الرسم في الصين وعناصر ثقافتها الميمونة؛ وهي مزيج لمجموعة متنوعة من الحرف اليدوية، بما في ذلك تقنيات صهر البرونز والصياغة والمينا، فضلا عن تقنيات الرسم التقليدي ونقش المعادن.

هذه الحرفة الفنية التقليدية الصينية ليست سهلة. تتضمن العملية الأكثر روعة لحام شرائح النحاس على سطح الركيزة. يحتاج الحرفي إلى إمساك الشرائط النحاسية المسطحة بالملاقط ولحامها وفقا للنمط المصمم. هذه عملية فنية بالغة الأهمية وينبغي القيام بها دفعة واحدة. يجب أن يفهم الحرفي صورة التصميم وهيكله، على سبيل المثال، أن يتم رسم مخالب وعيني طائر، لجعلها حيوية تنبض بالحياة. وفي يد الحرفي الماهر، يمكن عمل تفاصيل زهرة متفتحة أو تنين طائر ميمون، بحرفية عالية.

هناك عملية أخرى هامة أيضا، وهي وضع معجون المينا الزجاجي على سطح القطعة الفنية. يخلط الحرفي أولا الطلاء وفقا للرسم، ثم يزخرف القطعة الفنية. أواني المينا في فن التزجيج تصنع يدويا بالكامل. وأي خطأ صغير يمكن أن يفسد قطعة جميلة.

مصنع بكين للمينا

منذ عهد الإمبراطور جينغ تاي، كان فن إنتاج هذه التحف المزججة بالأسلوب الصيني، يعتبر رفاهية إمبراطورية حتى فترة أسرة تشينغ. في عهد الإمبراطور تشيان لونغ، عندما بلغت القوة الوطنية للصين ذروتها، وصلت هذه الحرفة أيضا إلى ذورة أخرى من التطور.

بعد زوال أسرة تشينغ، تركت عقود من الحرب والاضطرابات الاجتماعية الناس في حالة فقر، وكانت أعمال فن "جينغتاي الزرقاء" على وشك الاندثار.

بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949، أولت الحكومة أهمية كبيرة لحماية الحرف التقليدية. بمبادرة من المشاهير في الأوساط الثقافية، مثل كو مو جو وشن تسونغ ون وليانغ سي تشنغ ولين هوي ين، تم إنشاء فريق إنقاذ للفنون والحرف التقليدية في جامعة تشينغهوا. تشيان مي هوا، التي كانت عضوة شابة في الفريق، صارت لاحقا خبيرة في هذه التقنية. في عام 1956، تم إنشاء مصنع المينا في بكين وكانت تشيان أول حرفية رئيسية فيه.

تم تصدير منتجات الحرف اليدوية لهذه الأعمال الفنية التي ينتجها مصنع بكين للمينا إلى دول أجنبية، مما ساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للصين. بعد تبني الصين سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978، تم تصدير هذه المنتجات على نطاق واسع لسنوات عديدة، ونالت إقبالا متزايدا من الصينيين. في عام 2006، تم إدراج حرفة جينغتاي الزرقاء في أول قائمة وطنية للتراث الثقافي غير المادي.

تجسيد للتفاني والإخلاص

تشونغ ليانغ شنغ، رئيس الحرفيين الحالي والمدير العام لمصنع المينا في بكين، وهو أيضا وريث وطني لفن مشغولات "جينغتاي الزرقاء". تلقى تدريبه في مصنع المينا في بكين عام 1978 عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. مرت 43 سنة منذ أن دخل تشونغ لأول مرة مصنع المينا في بكين وتعلم حرفة التزجيج بالمينا. بالنسبة له، هذه المنتجات بالأسلوب الصيني هي كل حياته.

قال تشونغ: "كانت تشيان أستاذتي. كانت لطيفة للغاية وكانت تتحدث دائما بصوت ناعم. كانت الابتسامة تكسو وجهها كلما تحدثت عن تجربتها الفنية وإبداعها. كانت تتذكر أيام ليانغ سي تشنغ ولين هوي ين في جامعة تشينغهوا. التأثير الأكبر للسيدة تشيان، الذي تركته في نفسي ومسيرتي هو تفانيها في الفن. منذ أن دخلت هذه الصناعة وهي شابة في العقد الثالث من عمرها وحتى بلوغ عمرها ثلاثة وثمانين عاما، كان فن جينغتاي الزرقاء كل حياتها، وكان تفانيها وشغفها والتزامها يلهمني دائما."

في حديثه عن أعمال تشيان، أبدى تشونغ إعجابه بشكل خاص بعمل على شكل قرص تم إبداعه بهذا الأسلوب الفني المميز، وهو يرمز إلى السلام. قال تشونغ: "ما زلت أتذكر في عام 2004 عندما كانت الأستاذة تشيان في المنزل ترتب مخطوطاتها القديمة، وأعطتني عملا لقرص بأسلوب التزجيج الصيني. أخبرتني أن العام التالي يصادف الذكرى السنوية الستين لنهاية الحرب العالمية ضد الفاشية، وإنها ترغب في تصميم ذلك العمل الفني. يبلغ قطر ذلك العمل 60 سم، مع أنماط من جداريات دونهوانغ لتشكيل عدة دوائر متحدة المركز. تمثل زهور الفاوانيا الصغيرة في العمل الرخاء والسلام والسعادة، وبعض الخضرة الصغيرة ترمز إلى حيوية الجنس البشري. في وسط الأسطوانة توجد حمامة سلام تحمل غصن زيتون. وقد ساعدناها في صنع ذلك العمل الفني الرائع."

في متناول الجميع

في القصر الإمبراطوري لأسرات يوان ومينغ وتشينغ، كانت تحف التزجيج بالمينا تستخدم للعرض والتزيين، أو كزخارف للقرابين. على مر السنين، واصل تشونغ ليان شنغ والمتدربون على يديه، توسيع مجال تطبيق هذه الحرفة. استنادا إلى الميراث والابتكار، أدخلوا هذه الحرفة في الحياة اليومية للناس.

التصميم الأكثر تأثيرا هو مزيج من الزخارف الخشبية وحرفية جينغتاي الزرقاء في قاعة جيشيان في مركز المؤتمرات والمعارض الدولية ببحيرة يانتشي في بكين، المكان الرئيسي الذي احتضن قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) 2014. داخل قاعة جيشيان، كانت زخارف الأعمدة الخشبية الثمانية عشر والعديد من الزخارف الجدارية وزخارف مقابض الأبواب، كلها من عناصر جينغتاي الزرقاء، والتي لفتت انتباه الضيوف من الداخل والخارج.

إضافة لذلك، تم تزيين محطة جينغتاي لخط مترو أنفاق بكين، رقم 14، وهي بالقرب من مصنع المينا ببكين، بصور زهرة اللوتس التي اشتهرت في عهد الإمبراطور جينغ تاي في أسرة مينغ. بجانب ذلك، يتم أيضا عرض العملية الكاملة للحرفيين الذين كانوا يبدعون هذه الأعمال الفنية ​​بطريقة تزجيج المينا في عهد الإمبراطور جينغ تاي، على الجدران الداخلية للمحطة.

يرى تشونغ أن تأثير هذه الفنون ازداد ​​تدريجيا في العقود الماضية، حيث استمرت الصين في الترويج لهذه الفنون من خلال حملات الدعاية. كما أسهمت أسعار المزاد المرتفعة بإضافة الكثير لشهرتها. يعتقد تشونغ أن هذه هي الفترة التي وصل فيها هذا الفن الأصيل إلى أكثر فتراته إشراقا ونضجا في التاريخ، ودخلت إبداعاته أيضا لحياة وقلوب الشعب الصيني.

إتقان المهارة يعني أنه من الصعب جدا الابتكار الجديد فيها. ولدى تشونغ توقعان لجيل الشباب من الفنانين: الأساس الفني الجيد، والشغف الكبير. قال: "الآن، أصبحت تقنيات هذا الفن مثالية تقريبا، حتى أن رسم الخط لا تشوبه شائبة بالفعل. من الصعب جدا الابتكار، ولكن طالما أنك تولي الاهتمام، فإن الحياة نفسها لديها الكثير من الأشياء التي يمكن أن تطلق شرارة إلهامك."

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4