ثقافة وفن < الرئيسية

فن تنسيق الزهور في الصين

: مشاركة
2022-02-18 16:59:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

في الثقافة الصينية، ترمز النباتات والزهور إلى سمات شخصية في البشر؛ فاللوتس يرمز إلى النبل والفضيلة، ويرمز الخيزران إلى الاستقامة، وترمز زهور الأقحوان إلى الإباء؛ فهي تتفتح في وسط الصقيع؛ بينما ترمز زهور البرقوق إلى الشجاعة؛ فهي تتحدى برودة الطقس.

على مدى آلاف السنين، أضافت الحرف الصينية التقليدية المتعلقة بالنباتات والزهور، ومنها حرفة تنسيق الزهور، المزيد من الرونق والبهاء إلى جمال الزهور وأناقتها. تنسيق الزهور في الصين فن له تاريخ طويل يمتد لثلاثة آلاف عام، وله أنماطه الفريدة، وقد بات أصل وممثل فنون تنسيق الزهور في الشرق.

الزهرة، في فن تنسيق الزهور، هي الاسم العام للنباتات ذات القيمة الزخرفية، بما في ذلك الزهور والأغصان والأوراق والجذوع، والخشب الميت. الصين بلد مساحته شاسعة وتضاريسه متنوعة وذو مناخات مختلفة، مما يوفر الظروف الملائمة لكل أنواع الأشجار والشجيرات والكروم والأعشاب، ويوفر المواد اللازمة لفن ترتيب وتنسيق الزهور في الصين.

على مدى الثلاثة آلاف عام الماضية، تغيرت الأسرات الحاكمة، وتغيرت الظروف الاجتماعية والاقتصادية وكذلك الأساليب الفنية. مع الوفرة التي تشهدها الحياة الروحية للشعب الصيني حاليا، يزداد انتشار وشعبية فن تنسيق الزهور على نحو متزايد.

في السابع من شهر يونيو عام ألفين وثمانية، وافق مجلس الدولة الصيني على إدراج فن تنسيق الزهور التقليدي في الدفعة الثانية لقائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني، فبات هذا الفن يحظى بحماية ودعم الحكومة.

من الاستخدام العملي إلى التعبير عن المشاعر

في الصين القديمة، وبتأثير فلسفة الوحدة بين البشر والطبيعة والثقافة الزراعية، احترم الصينيون الطبيعة وأحبوها. كانت النباتات رفيقة ملازمة للأسلاف والأجداد. بالإضافة إلى ذلك، وبتأثير الأديان والمعتقدات البدائية (خاصة السحر)، اعتقد القدماء الصينيون أنه يمكن التواصل بين البشر والنباتات عن طريق توارد الأفكار، فاستخدموا الزهور والنباتات للتقرب إلى السماء، والصلاة من أجل الطقس الملائم، والتعبير عن الامتنان لأسلافهم لحمايتهم الطبيعة والنباتات.

شهدت تلك الفترة القديمة بداية الفن الصيني التقليدي لتنسيق الزهور، وكان يسمى بـ"ترتيب الزهور بدون حاوية"، حيث كان القدماء يصنعون الباقات وزينات الرأس بالزهور وبطريقة بسيطة للغاية من أجل الزينة في حياتهم اليومية. ولاحقا، تحولت الزهور المنسقة تدريجية من الاستخدام كنذور في طقوس القرابين إلى التعبير عن المحبة وتكريم الفضلاء والنبلاء.

في فترتي الربيع والخريف والممالك المتحاربة (770- 221 ق.م.)، كانت الزهور المقطوفة تستخدم على نطاق واسع في القصور الملكية وبين عامة الشعب. وفي طقوس القرابين، كان الناس يحملون الزهور ويتناقلونها أثناء الرقص. كما كانت تستخدم في أحيان كثيرة للتعبير عن المحبة وكهدايا في التوديع.

في فترة أسرة تشين (221- 207 ق.م.) وأسرة هان (202 ق.م- 220)، كان الزهور ترتب في حاويات. ثم، وتحديدا في فترة أسرة تانغ (618- 907) المزدهرة وفترة أسرة سونغ (960- 1279)، وصل فن تنسيق الزهور إلى ذروته. كان بلاط أسرة تانغ يقيم مسابقات لترتيب وتنسيق زهور الفاوانيا بإجراءات صارمة. ومنذ فترة أسرة سونغ، أمسى استخدام الزهور المنسقة عادة شائعة بين عامة الصينيين في تعاملاتهم مع بعضهم البعض.

شهد فن تنسيق الزهور أيضا العديد من التقلبات والانعطافات على طول التاريخ. في فترة أسرة يوان (1271- 1368)، تعرض هذا الفن التقليدي لضربة أولى عندما حكم المغول السهول الوسطى. حينذاك، لم يكن لدى الأدباء من قومية هان، الذين لم يرغبوا في العمل لدى المغول، اختيار سوى الاختباء في الجبال، فكرسوا أوقاتهم لنظم الشعر وتنسيق الزهور، في عزلة عن المجتمع، فانحدر فن تنسيق الزهور التقليدي إلى الحضيض. بعد ذلك، شهد هذا الفن ركودا في الفترة من سنة ألف وثمانمائة وأربعين في منتصف فترة أسرة تشينغ وحتى بداية الإصلاح والانفتاح في عام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين، ولم يشهد الازدهار إلا بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح.

إحياء فن تنسيق الزهور

على مدى عشرات السنين، كرست وانغ ليان ينغ الأستاذة في كلية هندسة المناظر الطبيعية بجامعة بكين للغابات، جهودها لفن تنسيق الزهور الصيني التقليدي. وبفضل جهود السيدة وانغ، التي جاوز عمرها الثمانين عاما، أضحى هذا الفن معروفا داخل البلاد وخارجها.

في سنة ألف وتسعمائة وست وخمسين، جاءت وانغ ليان ينغ من مسقط رأسها إلى بكين، لدراسة البستنة والتخضير. بعد تخرجها في سنة ألف وتسعمائة وستين، عملت بالتدريس، ومنذ ذاك بدأت مسيرتها ودورها الهام في المحافظة على فن تنسيق الزهور وتطويره.

قبل أن تنفذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978، كانت السوق المحلية تهيمن عليها فنون تنسيق الزهور الأجنبية، وخاصة الفرنسية واليابانية، ولم يكن هناك أثر لفن تنسيق الزهور التقليدي الصيني. قالت السيدة وانغ: "في ذلك الوقت، اتصل بي العديد من الفنانين المسنين في هونغ كونغ وقالوا إن مهارات تنسيق الزهور في بر الصين الرئيسي ليست جيدة، وإن بإمكانهم إرسال شخص للمساعدة في تحسين مهارات تنسيق الزهور لدينا إذا كنا نحتاج إلى ذلك. هنا شعرت بالحقيقة المرة."

قررت السيدة وانغ إحياء فن تنسيق الزهور في الصين، فأسست مع أحد زملائها جمعية بكين الفنية لتنسيق الزهور في عام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانين، وطفقت الجمعية تبحث عن الوثائق التاريخية المعنية بهذا المجال لما قبل أسرة ة تشينغ وتجمعها وترتبها. قالت السيدة وانغ إن أعضاء الجمعية سافروا إلى المتاحف والمعارض التاريخية في جميع أنحاء البلاد للحصول على معلومات، وتفقدوا العديد من المتاحف في شيآن وسجلوا جميع المواد المتعلقة بتاريخ فن تنسيق الزهور التقليدي وعادوا بالمعلومات إلى بكين. وفي عام 2002، تواصل معها موظفون وعاملون من وزارة العمل والضمان الاجتماعي آنذاك، من أجل إضافة مهنة "منسق الزهور" إلى قائمة فئات الوظائف الوطنية.

اليوم، بفضل جهود السيدة وانغ وزملائها في الجمعية، أصبح هذا الفن الصيني التقليدي نابضا بالحياة بشكل متزايد، بل وجزءا مهما من حياتها أيضا.

حرفة الطبيعة

قالت السيدة وانغ، إن الفن الصيني يولي أهمية كبيرة للدلالات الروحية التي تعبر عنها الأعمال الفنية، ويعتبر الفن المظهر الخارجي لشخصية الإنسان وأداة لتنمية العقل وكمال الشخصية.

يتضمن فن تنسيق الزهور الصيني التقليدي أربعة أشكال أساسية لتشكيل تنسيق متوازن تمام، وهي: المستقيم والمائل والأفقي والمتدلي. هناك أيضا ثلاثة مبادئ أساسية، وهي: اتباع الطبيعة والتعلم من الطبيعة وفق الطبيعة.

عند اختيار مواد الزهور، يسعى فنانو تنسيق الزهور إلى "اتخاذ شكلها والبحث عن معناها وفهم دلالاتها". هذه الخطوات لا تُظهر جمال الزهرة الطبيعي فحسب، وإنما أيضا تنقل ما ترمز إليه من الصفات الإنسانية. على سبيل المثال، عند إدخال زهور اللوتس في مزهرية، لا ينبغي للفنان إظهار جمال الزهور الأنيق والرائع فحسب، وإنما أيضا إبراز طابعها النبيل.

بصفتها وريثة لهذا التراث الثقافي غير المادي، تلتزم السيدة وانغ منذ سنوات بتعزيز مهارات تنسيق الزهور التقليدية، إذ تنظم وزملاؤها برامج تدريبية ودورات في جامعة بكين للغابات. لدى وانغ العديد من التوقعات وتضع أحلامها في جيل الشباب؛ وهي تأمل أن يحبوا دائما حياة الزهور والنباتات، وأن يتبعوا شكلها الطبيعي في الإبداع الفني لتكون أعمالهم فنية نابضة بالحياة. وفي المستقبل، تخطط الجمعية لتدريب فناني تنسيق الزهور التقليديين ليصبحوا محترفين في هذا المجال.

الروابط والخطوط الخشبية في تنسيق الزهور

في كل قطعة من الأعمال الفنية لتنسيق الزهور، توجد دائما خطوط خشبية طبيعية، ولا سيما أغصان النباتات المختلفة.

الأغصان وأوراق الشجر متعددة الوظائف في يد منسق الزهور، الذي يقوم في عمله الفني ببناء الإطار الأساسي، وإضافة المزيد من الألوان والحيوية للزهور، وتقسيم المساحة، وإضافة طبقات إلى النموذج بأكمله.

الخطوط الخشبية أيضا مثيرة عاطفيا. أشكال الخطوط المختلفة تذكر الناس بمشاعر مختلفة. الخطوط العمودية تخلق أجواء من الجدية والصلابة، والخطوط الأفقية تعبر عن الحرية وتظهرها، والخطوط المائلة تبدو حية، بينما الخطوط المتموجة تبدو رياضية للغاية وتعطي إحساسا بالإيقاع.

حاويات للزهور المنسقة

لم تبدأ الصين في الاحتفاظ بسجلات للزهور المرتبة في حاويات أو مزهريات حتى فترة أسرة هان، قبل أكثر من 2000 عام، وفقا للمعلومات التاريخية. تم اكتشاف إناء فخاري أخضر مزجج به شجرة فخار بداخله من فترة أسرة هان.

تعتبر حاويات الفخار والخزف من السمات الرئيسية لفن تنسيق الزهور الصيني التقليدي. قبل تنسيق وترتيب باقة من الزهور، يضع الفنان في الاعتبار الهيكل بأكمله والعلاقة بين الأجزاء المختلفة. يتم دائما النظر في الزهور والأغصان أولا قبل الحاوية، ويجب أن يكون شكل العناصر الأخيرة وملمسها ولونها متناغما مع العناصر السابقة.

أول متحف صيني لفن تنسيق الزهور

المتحف الصيني لفن تنسيق الزهور في حي فنغتاي بمدينة بكين، هو أول متحف في الصين مخصص لفن تنسيق الزهور. المتحف الذي تبلغ مساحته 2500 متر مربع، يحرص منذ إنشائه على دعوة كبار الفنانين الحرفيين في هذا المجال للمشاركة في تصميم وبناء قاعة المعرض. هذا المتحف يجمع جهود كبار فناني تنسيق الزهور من جميع أنحاء البلاد، وقد تبرع العديد منهم للمتحف بالبيانات التاريخية التي بحثوا عنها وجمعوها لسنوات عديدة. يعد المتحف كذلك مركزا للتبادل الثقافي الدولي لفن تنسيق الزهور. المتحف مجهز تجهيزا جيدا بمرافق العرض التقليدية والحديثة لتزويد الزوار من الداخل والخارج بتجربة مكانية وبصرية فريدة من نوعها.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4