في مقطع فيديو قصير على الإنترنت، تسأل المذيعة وفي يدها بيضتان: "إذا سقطت بيضتان واحدة نيئة وأخرى مسلوقة في البحر العميق في نفس الوقت، فماذا سيحدث لهما؟ هل ستسطحان أم ستسحقان بسبب ضغط الماء؟"

مذيعة مقاطع الفيديو السيدة وو يوي رن، المعروفة بـ"الجدة وو"، أستاذة سابقة في جامعة تونغجي بشانغهاي، وبعد تقاعدها عن العمل، بدأت تبث مقاطع فيديو قصيرة لنشر المعارف العلمية الأساسية على شبكة الإنترنت، حيث تشرح النظريات الفيزيائية المعقدة بالتجارب العلمية البسيطة مما جعلها من مشاهير الإنترنت وصار لديها أكثر من مليوني متابع.

فرصة سانحة لتطوير لمشاهير الإنترنت ذوي الشعر الأبيض

"مشاهير الإنترنت ذوو الشعر الأبيض" عبارة ليست غريبة في الصين، فحسب نتائج التعداد السكاني الوطني السابع في عام 2021، فإنه بحلول عام 2020 تجاوز عدد سكان بر الصين الرئيسي في سن الستين فما فوق 260 مليونا، يمثلون 70ر18% من إجمالي عدد سكان البلاد. وحسب الإصدار الثامن والأربعين لـ((التقرير الإحصائي حول تطور الإنترنت في الصين))، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت من المسنين في الصين 123 مليونا، يمثلون 2ر12% من إجمالي مستخدمي الإنترنت بالبلاد والذين قدر عددهم بـ011ر1 مليار في يونيو عام 2021. وحسب تقرير عام 2021 لشركة QuestMobile الصينية لتكنولوجيا المعلومات حول تطور اقتصاد ذوي الشعر الأبيض، فإنه بحلول أكتوبر عام 2021، وصل عدد المستخدمين النشيطين شهريا على مواقع مقاطع الفيديو القصيرة من الصينيين ذوي الشعر الأبيض إلى 23ر195 مليونا، محققا زيادة بلغت نسبتها 3ر25% عن العام السابق، ومن بينهم بلغ عدد المستخدمين ذوي الشعر الأبيض النشيطين شهريا على تطبيق دوين لمقاطع الفيديو القصيرة 53ر111 مليون، بزيادة بلغت نسبتها 6ر49% في نفس الفترة.

مع زيادة عدد المستخدمين المسنين الصينيين لمواقع مقاطع الفيديو القصيرة بسرعة كبيرة، لم تعد مشاهدة مقاطع الفيديو الجاهزة ترضيهم، بل شرعوا ينتجون مقاطع الفيديو بأنفسهم. في التاسع من ديسمبر عام 2021، أصدرت شركة بيليبيلي الصينية لمقاطع الفيديو ((تقرير حالة صانعي مقاطع الفيديو في موقع بيليبيلي لعام 2021))، حيث بلغت نسبة من تجاوزت أعمارهم واحدا وثلاثين عاما 13% من الإجمالي، بزيادة بلغت نسبتها 80% عن العام السابق. فضلا عن ذلك، أشار ((تقرير حالة صانعي مقاطع الفيديو لتطبيق دوين لعام 2020)) إلى زيادة عدد صانعي مقاطع الفيديو القصيرة المتقدمين في العمر، فزادت حصة من تجاوزوا أربعين عاما بنسبة 434% عن العام السابق في تطبيق دوين. يرغب مشاهير الإنترنت ذوو الشعر الأبيض في إنتاج مقاطع الفيديو حول حياتهم اليومية والمعارف الأساسية والموضة والأزياء. يمكن القول إن مشاهير الإنترنت ذوى الشعر الأبيض دخلوا في مرحلة التطور الكبير.

تصنع "الجدة وو" مقاطع الفيديو القصيرة لنشر المعارف. على سبيل المثل، تشرح مسارات الأشعة الكونية باستخدام مقشة وتفسر مبادئ نظم التشغيل لإطلاق المركبة الفضائية شنتشو- 13 مستخدمة بالونة وقنينة ماء وتنشر المعلومات الأساسية لتلسكوب فاست الصيني باستخدام وعاء طبخ. وقد منحها مستخدمو الإنترنت لقب "الأستاذة الخصوصية الأعلى مستوى في شبكة الإنترنت". ومن بين التعليقات في حسابها على تطبيق دوين: "هذه أول مرة أفهم محتوى دروس الفيزياء فهما تاما"، "لا أشعر بالقلق من دروس الرياضيات والفيزياء والكيمياء مادامت الجدة وو تعلمني بصورة بسيطة وممتعة"، "لا أصدق أنني أدرس المعلومات الفيزيائية في تطبيق دوين."

الجدة وو، التي تشرح المعارف العلمية الأساسية عبر الإنترنت بفضل تفوقها في المعرفة الفيزيائية، مثال لعدد كبير من مشاهير الإنترنت ذوي الشعر الأبيض الذين ينشرون المعارف المعقدة بطريقة بسيطة وممتعة اعتمادا على خبراتهم الوافرة. قال مستخدمو الإنترنت إن هؤلاء الأساتذة يرغبون في نشر المعارف الصعبة باستخدام التجارب العلمية البسيطة والأغراض اليومية، فهم الأساتذة الخصوصيون الأعلى مستوى في شبكة الإنترنت بكل تأكيد.

بالإضافة إلى نشر المعارف العلمية، يعرض كثير من مشاهير الإنترنت ذوي الشعر الأبيض أيضا المهارات في المجالات المختلفة ويلقون إقبالا كبيرا عليها من مستخدمي الإنترنت. على سبيل المثال، سون لي شين، الذي كان طاهيا كبيرا في مطعم هوادو ومستشارا عاما لمشروع قائمة الأطباق في مطاعم منطقة تشانغجياكو خلال دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية عام 2022، فتح حسابا في موقع لمقاطع الفيديو القصيرة وأنتج أكثر من خمسمائة مقطع فيديو وحظي بعشرات الملايين من المتابعين، حيث يعرض سون لي شين خطوات طبخ الأطباق المنزلية والفاخرة، وكل المكونات الغذائية والمقادير المطلوبة لها وتفاصيل الطبخ بصورة دقيقة في مقاطع الفيديو. فضلا عن ذلك، يجيب هو وأعضاء فريقه عن أسئلة المتابعين حول طهي الأطباق في موقع مقاطع الفيديو القصيرة بشكل شامل.

من خلال التعليقات التي كتبها مستخدمو الإنترنت، نجد أنهم يهتمون بجودة محتوى مقاطع الفيديو أكثر. إذا كان محتوى مقاطع الفيديو مفيدا لهم وبسيطا وسهلا الفهم، فإنهم يتابعونها بصورة مكثفة. هكذا، يحل بصورة تدريجية "السعي وراء الأفكار النافعة والمعلومات الجديدة" محل "السعي وراء الصور المثيرة" في محتوى الإنترنت.

نشر واسع للمعلومات غير المعروفة

بدأت الأستاذة وو يوي رن تنشر المعارف الأساسية قبل ستة عشر عاما، وكان عدد الطلاب الذين يتابعون معلوماتها قليلا. ولكن، مع استكشاف وتحسين طريقة النشر في السنوات السابقة، نجحت في إلقاء محاضرات عن المعارف الأساسية للفيزياء في كثير من المدارس والتجمعات السكنية والمعارض بشانغهاي. ثم، بعد أن شهدت الانتشار السريع وتطوير مقاطع الفيديو القصيرة، حولت وو انتباهها من شانغهاي إلى الصين بأكملها، فأنشأت في عام 2018 بالتعاون مع طالبها قوان دا يونغ وعشرة أساتذة "نادي عدم تكرار التمرينات" سعيا لنشر المعلومات بطرق جديدة.

في يناير عام 2019، أصدرت كلية الإعلام بجامعة تشينغهوا ودار جريدة ((العلوم الصينية)) وشركة بايتدانس تقرير ((فوائد المعلومات.. دراسة حول مقاطع الفيديو القصيرة ونشر المعلومات))، الذي أشار إلى أنه مع الزيادة السريعة لصنع مقاطع الفيديو القصيرة حول المعلومات المختلفة منذ عام 2018 والإقبال الواسع عليها من مستخدمي الإنترنت، بات صانعو هذه الأنواع من مقاطع الفيديو القصيرة مجموعة جديدة من مشاهير الإنترنت. وأضاف التقرير، أنه مع تطور صنع مقاطع الفيديو القصيرة، يزداد عدد الناس الذين يشاركون في إنتاج المعلومات، مما يساعد في كسر حواجز نشر المعرفة، ويعزز استفادة الشعب كافة من المعلومات. وأشارت التقرير إلى أن مقاطع الفيديو القصيرة لنشر المعارف الأساسية تعد أكثر أنواع مقاطع الفيديو القصيرة انتشارا من حيث عدد مرات البث وعدد "المعجبين" ومتوسط عدد المتابعين. وكلما زادت المعرفة "الصلبة"، زاد عدد المعجبين. على سبيل المثال، مشاهير الإنترنت الذين ينتجون مقاطع الفيديو القصيرة لنشر المعارف الأساسية ورفع مستوى فاعلية التعليم للطلاب لديهم مزيد من المتابعين، في حين أن مشاهير الإنترنت الذين لديهم معرفة بنمط الحياة والمواهب، ينشرون قدرا أكبر من المحتوى.

في الأيام الأولى للأستاذة وو يوي رن وفريقها لنشر المعلومات الفيزيائية في موقع مقاطع الفيديو القصيرة في عام 2018، كان عدد مرات البث يتراوح بين مئات وآلاف مرة فقط. وبرغم توسع نطاق النشر على شبكة الإنترنت، لم تنجح في إنتاج مقاطع فيديو قصيرة تحظى باهتمام واسع بين مستخدمي الإنترنت. ولكن ذاعت شهرتها كثيرا مع استكشاف وتحسين طريقة النشر ومحتوى مقاطع الفيديو بصورة تدريجية ومجيء عصر التعليم عبر الإنترنت.

مع تفشي جائحة كوفيد- 19 في عام 2020، شهدت شبكة الإنترنت تداول الأخبار الحقيقية والمفبركة. فأنشأت الصين موقعا رسميا لتصحيح الافتراءات والمفاهيم المغلوطة من أجل تقديم المعلومات المتخصصة والواضحة والموثوقة، وحققت نجاحا بين مستخدمي الإنترنت بسرعة. كما تتغير حاجة الناس للمعلومات بصورة تدريجية خلال فترة جائحة كوفيد- 19 والدخول إلى العصر ما بعد الجائحة، فيرغب مزيد منهم في مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة ذات المعلومات المفيدة أكثر من مقاطع الفيديو القصيرة الممتعة. بالإضافة إلى ذلك، بسبب تفشي الجائحة، بدأ الطلاب يدرسون عن بُعد في منازلهم، مما يبرز أهمية شبكة الإنترنت بصفتها وسيلة هامة للتعليم. اليوم، مع تطبيق سياسة "الخفض المزدوج" في مجال التعليم في الصين، التي تعني خفض كمية الواجبات المنزلية والأنشطة التعليمية غير المنظمة خارج المدارس، فقد أصبح لدى الطلاب مزيد من الوقت لدراسة المعلومات حسب هوايتهم عبر شبكة الإنترنت. وفقا لـ((تقرير حالة صانعي مقاطع الفيديو في موقع بيليبيلي لعام 2021))، فلقد تجاوز عدد الذين يدرسون في موقع بيليبيلي 183 مليونا، مما يعني وصول عصر التعليم على شبكة الإنترنت. أشار هذا التقرير إلى أن 49% من مقاطع الفيديو المتميزة بالجودة العالية في موقع بيليبيلي، ترتكز على نشر المعلومات المختلفة وازداد حجم صانعي هذه الأنواع من مقاطع الفيديو بنسبة 92% في العام السابق، وهم ينشرون المعلومات في مجالات علم الأحياء والطب والتاريخ والآداب وإلخ. فضلا عن المعارف العلمية، حصلت مقاطع الفيديو لعرض المهارات العملية على إقبال واسع أيضا. أشار ((تقرير حالة صانعي مقاطع الفيديو لعام 2021)) الصادر عن جريدة ((أخبار بكين)) ومؤسسة تشيانلونغ للأفكار في السابع من ديسمبر عام 2021، إلى أن عدد صانعي مقاطع الفيديو حول المهارات والتكتيكات ارتفع بنسبة 208% عما في العام السابق، وكسبت مقاطع الفيديو لهم عددا كبيرا من المتابعين والتعليقات وطلبات الخدمات الواقعية. مع تعزيز شعبية مقاطع الفيديو عن المهارات العملية، صار صانعوها مشاهير الإنترنت الجدد بفضل مهاراتهم المتفوقة وخبراتهم الوافرة.

تعمل شركة AgeClub على الابتكار التجاري لدفع تنمية صناعة ثقافة المسنين في الصين. قال تشو تشاو، مسؤول شؤون المحتويات بالشركة، إن المسنين يتميزون بوفرة من الخبرات مقارنة مع الشباب. لذلك، يمكنهم تقديم الأفكار العميقة والآراء المفيدة لحل المشكلات العائلية والزوجية. إذا قدموا تلك الأفكار والخبرات إلى مستخدمي الإنترنت من خلال مقاطع الفيديو، يمكن للمشاهدين أن يستفيدوا منها.

يرى تشو تشينغ آن، نائب عميد كلية الإعلام بجامعة تشينغهوا، أن ظهور مجموعة من مشاهير الإنترنت من ذوي الشعر الأبيض وتطورهم يتفقان مع رغبات المسنين في تقديم معلوماتهم وخبراتهم إلى الآخرين وحاجة مستخدمي الإنترنت في آن واحد، فهذا مهم جدا لرعاية المسنين وبناء المجتمع المتناغم في الصين.

--

تشانغ يان، صحفية بمركز إعلام آسيا والمحيط الهادئ