السيد وانغ وي لي، وهو شارح للأفلام يبلغ عمره أربعة وستين عاما، عنده موعد مع مشاهدين مكفوفين في تمام الساعة التاسعة صباح كل يوم سبت في القاعة التاسعة بدار سينما مسرح باولي في شارع تشنغيانغمنواي بحي دونغتشنغ في بكين.
عندما يبدأ عرض الفيلم، يقوم وانغ وي لي على الفور بشرح الفيلم بشكل متزامن، حيث يفسّر كل تفاصيل المشاهد والشخصيات على الشاشة، فتجد من "المشاهدين" المكفوفين من يميل رأسه جانبا أو يقطب حاجبيه، وهم يتابعون إيقاعات الشرح بأحاسيس متفاعلة.
على مر سنوات، لخّص وانغ وي لي نظريته في شرح الأفلام، والتي تتمثل في سبر أغوار المقاصد الإبداعية للمخرج ووصف مناظر وصور شخصيات الفيلم بكل دقة، ونقلها إلى المشاهدين المكفوفين، مما يجعل الصور المرئية تدلف إلى قلوبهم.
وانغ وي لي، وهو مؤسس سينما شينمو (العين في القلب)، يتخذ الفيلم قناة هامة تربط المكفوفين بالمجتمع الواقعي.
النشأة في دار صغيرة
في تسعينات القرن العشرين، استقال وانغ وي لي من وظيفته في معهد علوم الأرض بالأكاديمية الصينية للعلوم وبدأ يمارس التجارة. كانت أخته الصغيرة معاقة ذهنيا، وكان يرعاها مع أمه، فهو يفهم وضع الأشخاص ذوي الإعاقة.
بعد أن نجح في ادخار مبلغ ليس كبيرا من المال، خطط وانغ وي لي وزوجته عمل فيلم وثائقي يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة. وخلال عملية إنتاج الفيلم، عرفا كثيرا من الأصدقاء المكفوفين.
ذات يوم في عام 2004، وبينما كان يشاهد الفيلم الأمريكي "المدمر" (The Terminator) في بيته، زاره صديق مكفوف. ولأن صديقه أعمى، بدأ يحكي مشاهد الفيلم له. كانت هذه أول مرة "شاهد" فيها صديقه فيلما خلال الأكثر من ثلاثين سنة الماضية. ومنذ ذلك اليوم، تأكد وانغ وي لي من أن المكفوفين يمكن أن "يشاهدوا" الأفلام.
قال وانغ وي لي: "من خلال شرح الفيلم يمكن توفير كمية كبيرة من الأشكال المرئية والمعلومات للمكفوفين خلال وقت قصير، مما قد يسد بعض الفجوات في الإدراك البصري لهم." بدأ وانغ وي لي يفكر في شرح الأفلام للمكفوفين. في البداية، كانت مساحة قاعة العرض عشرين مترا مربعا أو أكثر قليلا فقط، وهي غرفة صغيرة في شارع قولوشي بحي شيتشنغ في بكين. عندما قام بشرح الفيلم للمرة ثانية، صارت الغرفة الصغيرة مزدحمة ومكتظة بالمشاهدين المكفوفين الذين حثّوا الخطى للحضور بعد سماع الخبر، لدرجة أن "المشاهدون" الذين لم تتسع الغرفة لهم، جلسوا على درجات السلم خارج باب الغرفة. هكذا وضعت اللبنة الأولى لسينما شينمو.
في عام 2005، أسس وانغ وي لي مع زوجته مركز هونغداندان للثقافة والتعليم لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة. وفي يوليو من نفس العام، أسس رسميا سينما شينمو كمشروع خيري لشرح الأفلام للمكفوفين. كانت التجهيزات في قاعة العرض بسيطة ومتخلفة، تشتمل على جهاز تلفزيون ومكبر للصوت وجهاز عارض (VCD) وعشرات المقاعد فقط.
من أجل معايشة عالم المكفوفين، أغمض وانغ وي لي عينيه وذهب إلى الشارع بمساعدة زوجته ليجرب "فقدان البصر"، سعيا إلى فهم المكفوفين بشكل أعمق. وبعد كتابة سيناريو شرح الفيلم، دعا زوجته إلى سماعه وهي مغمضة العينين، والتشاور معها.
قال وانغ وي لي إن الأفلام فن مرئي، وبالنسبة للمكفوفين الذين فقدوا البصر، لا بد له أن يصف لهم المشهد والوقت واللون والعمر والحركة وتعابير الوجه والملبس وغيرها من التفاصيل بدقة، ويشرح بلهجة تناسب الدور وتتفق مع المناظر، حتى تتشكل مشاهد الفيلم في أذهانهم.
الأفلام التي عُرضت في هذه القاعة الصغيرة من نسخ VCD، ومعظمها أفلام قديمة، فالأفلام الجديدة تُعرض في السينما فقط. بعد سنوات، ومن أجل عرض الأفلام الجديدة للمشاهدين المكفوفين، اتصل المتطوعون بدور السينما واحدة تلو الأخرى لبحث إمكانية التعاون معها. بعد التشاور، حصلت سينما شينمو على مساعدة دار سينما مسرح باولي، التي وفرت قاعة عرض، بدلا من تلك الغرفة الصغيرة.
قال شياو هوان ون، وهو من الدفعة الأولى لمشاهدي سينما شينمو، إن نفسه كانت فيها غصة معتقدا أن مصيره غير عادل. بعد "مشاهدة الأفلام" في سينما شينمو منذ سبتمبر عام 2006، أصبحت مشاهدة الأفلام في يوم السبت من كل أسبوع جزءا لا غنى عنه في حياته مثل كثير من المشاهدين المكفوفين. ربما لا يستطيع أن يشرح السبب في ذلك، ولكنه يعتقد أنه صار رحب الصدر ولا يستسلم لليأس.
قال وانغ وي لي إن الصين بها سبعة عشر مليون شخص من ذوي الإعاقة البصرية، ويكمن مفتاح تحسين حياتهم في مساعدتهم على الاندماج في المجتمع. ثمة تفاوت خطير في المعلومات بين المكفوفين والأشخاص الذين يتمتعون بنعمة البصر، فقيود البصر تجعل المكفوفين يواجهون صعوبات في الاندماج في المجتمع. ويرى وانغ وي لي أن تمكين المكفوفين من مشاهدة الأفلام الجديدة المعروضة في السينما، يعد نوعا من المساواة.
منذ عام 2005 حتى الآن، عرضت سينما شينمو أكثر من ألف فيلم للمكفوفين، وأصبح عدد متزايد من الناس يهتمون بالاحتياجات المعنوية والثقافية للمكفوفين.
القضية الخيرية لمساعدة المكفوفين
شرح الأفلام بشكل رائع ليس أمرا سهلا. من أجل تغنية الرموز البصرية وحاسّة الرؤية النفسية للمشاهدين المكفوفين، قاد وانغ وي لي المكفوفين للمس سور الصين العظيم، وسماع أمواج البحر على الساحل، ولمس نماذج الديناصور قبل مشاهدة فيلم "الحديقة الجوراسية". ولكنه وجد أن كل ذلك غير كاف، وتوفير كمية كبيرة من المعلومات للمكفوفين خلال وقت قصير يتطلب أفلاما مختلفة الأنواع.
من أجل تحقيق أفضل تأثير لشرح الأفلام، يقوم وانغ وي لي والمتطوعون بإعادة ترتيب قاعة العرض قبل كل موعد للعرض، لجعل صوت الشارح ينتقل إلى آذان المكفوفين من أجهزة الصوتيات الواقعة في مختلف الأمكنة.
بالإضافة إلى شرح الأفلام، قام مركز هونغداندان للثقافة والتعليم بالتبادلات الفنية مع مكتبة برايل اليابانية؛ وتعاون مع متحف اللوفر لقيادة المكفوفين في لمس النسخ المطابقة للتحف المحفوظة في المتحف؛ وطوّر خريطة حياة المكفوفين وغيرها من المنتجات التي تساعد المكفوفين على الارتباط بالمجتمع. واعتبر وانغ وي لي أن كل ذلك قضيته الخيرية لمساعدة المكفوفين.
قبل عام 2007، استثمر وانغ وي لي كل الأموال التي كسبها من التجارة والتعويض عن إزالة بناية قديمة مملوكة له، والتي تجاوزت مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات حاليا)، في هذه القضية الخيرية.
قال وانغ وي لي، إنه كلما صار مركز هونغداندان على وشك الإفلاس ظهرت بارقة أمل، حيث دعمت التبرعات المالية من شركة باير (Bayer) الألمانية للأدوية تشغيل سينما شينمو لفترة؛ وبفضل المساعدة المالية من المشروع الخيري للسفارة الألمانية، دفع وانغ وي لي معظم إيجار مقر المركز الذي تخلّف عن دفعه لثلاثة أشهر؛ وفي عام 2007، تبرع رجل أعمال في مقاطعة قوانغتشو بمليون يوان للمركز وكان ذلك أول تبرع مالي بمبلغ كبير للمركز. وشارك عدد متزايد من المتطوعين في أعمال المساعدة التي يقدمها المركز للمكفوفين، حيث بلغ عدد المتطوعين في المركز أكثر من عشرة آلاف شخص/ مرة، وتجاوز عدد المشاهدين المكفوفين في المركز أربعين ألف شخص/ مرة منذ عام 2005 حتى الآن.
بالإضافة إلى بكين، أنشأت سينما شينمو فروعا لها في مدن أخرى بالصين، مثل تيانجين وشيويتشو وتشنغتشو وكونمينغ. بينما تعاونت سينما شينمو مع أكثر من مائة مدرسة للمكفوفين في مشروع تدريب اللغات، كما أصدرت مجلة بكلمات كبيرة الحجم للمكفوفين.
توق الأنفس للعودة إلى قاعة العرض
اختلافا عن المتطوعين الذين يرشدون المكفوفين ويخدمونهم في قاعة العرض، تكون شروط شارح الأفلام أكثر صرامة، وينبغي أن يتميزوا بالقدرة على التعبير اللغوي وفن السرد.
الآن، يعمل في فريق متطوعي المركز أكثر من مائة شارح مبتدئ للأفلام، ولكن عدد الشارحين من المستوى العالي خمسة أشخاص فقط. قال وانغ وي لي إن الأكفاء في مجال شرح الأفلام قليلون. وبسبب نقص تجارب الحياة، يصعب على جيل الشباب من الشارحين أن يحدثوا صدى شعوريا في نفوس المشاهدين المكفوفين.
وجد وانغ وي لي أن اهتمام المجتمع بالأشخاص ذوي الإعاقة يتغير، حيث تم بناء المرافق الخالية من العوائق في المدن على نطاق واسع، وبدأت الاحتياجات المعنوية للمكفوفين مثل "مشاهدة الأفلام" تدخل مجال رؤية الجمهور.
عندما توقف عرض الأفلام في القاعة بسبب تفشي وباء كوفيد- 19، عرض وانغ وي لي وفرقته الأفلام عبر البث المباشر على شبكة الإنترنت لسد حاجة المشاهدين المكفوفين، ولكن تجربتهم في المشاهدة تقلّ عن التجربة في قاعة العرض. وبالنسبة إلى المشاهدين المكفوفين، تكون العتبة الأولى هي استخدام الهاتف النقال الذكي الذي يكون أمرا صعبا للمشاهدين مثل شياو هوان يي، فهو يفضل العرض في القاعة، لأن الأصدقاء المكفوفين الآخرين يحضرون قبل موعد العرض ويتبادلون آراءهم حول الأفلام وشؤون الحياة، فيعرف كثيرا من الأصدقاء الجدد، ويذهبون إلى محطة الحافلات معا بعد انتهاء عرض الأفلام. فهذا التواصل يُعد نشاطا اجتماعيا يستمتعون به.
--
تشيو هوي، صحفية في مجلة ((تقرير الصين))