ثقافة وفن < الرئيسية

تعليم اللغة الصينية في الدول العربية منذ بداية القرن الجديد

: مشاركة
2022-12-07 15:02:00 الصين اليوم:Source وانغ جيا شيوان:Author

اللغة هي التي تجعلنا بشرا، كما أن اللغة وسيط لا غنى عنه لتعزيز التفاهم بين الشعوب. لقد امتدّت اللغة الصينية كجسر يصل ما بين حديث وحديث، وفلسفة وفلسفة، وأمة وأمة أخرى، لقرابة 70 سنة منذ بدء تعليمها في العالم العربي، وأعني بالتعليم هنا التعليم النظامي في الجامعات والمدارس والبرامج الدراسية، بعد إرسال الصين أول معلم لغة صينية إلى جامعة القاهرة في عام 1954، فبدأت مسيرة تعليم اللغة الصينية كلغة أجنبية في الدول العربية والأفريقية. وبعد ذلك، اكتسبت اللغة الصينية حضورا متناميا على وجه العموم في الدول العربية، وأضحى هذا الحضور أكثر وضوحا وسرعة منذ دخولنا القرن الجديد.

في مستهل القرن الحادي والعشرين، طرحت الصين إستراتيجية "التوجه نحو الخارج"، ولم يمض وقت طويل حتى دعت وزارة الثقافة الصينية إلى الاندماج في المجتمع الدولي بموقف أكثر انفتاحا، وتعزيز وتوسيع التبادلات الثقافية مع الخارج، وتنفيذ إستراتيجية "التوجه نحو الخارج". بالتزامن مع هذا الاتجاه، شهدت الصين والدول العربية تفاعلا متزايدا في كافة المجالات الثقافية، من ضمنها تعليم اللغة الصينية، ويبرهن على هذا تزايد عدد المراكز الثقافية الصينية ومعاهد كونفوشيوس وأقسام وتخصصات اللغة الصينية التي تأسست واحدة تلو الأخرى في العالم العربي وقتذاك، إلى جانب ندوات ومنتديات تعليمية ولغوية وثقافية عديدة برعاية الجانب الصيني أو العربي.

وفي العشرية الثانية للقرن الجديد، أطلقت الصين مبادرة "الحزام والطريق" من منطلق إحياء طريق الحرير القديم حسب مقتضيات تنميتها الداخلية وظروفها الخارجية، وذلك في مساعيها لتطوير الشراكة الاقتصادية وتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك مع الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق"، الأمر الذي أرسى أساسا سليما لنشر اللغة الصينية في الخارج. وتجدر بنا الإشارة إلى أن العالم العربي جزء أساسي ضمن نطاق ذلك "الخارج". وأولت المبادرة اهتماما خاصا للتفاهم بين الشعوب، ما ضخّ بلا أدنى شك زخما قويا لتعزيز التواصل المعرفي والحوار الثقافي لدى الجانبين على أساس التعاون التعليمي واللغوي الأوثق، تأكيدا لمقولة "اللغة وعاء الفكر والثقافة".

وفي ضوء استقرار العلاقات السياسية، والمواءمة بين المبادرات والمشروعات الصينية والميول العربية في "التوجه نحو الشرق"، إن صحّ التعبير، وتعميق التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني- العربي باطّراد، أضحت اللغة الصينية بمثابة جسر يُعبَر من خلاله إلى عالم وحضارة "الآخر الصيني"، واختيار يلقى المزيد من الإقبال والاستحسان لدى الدول العربية في القرن الجديد.

أولا، اللغة الصينية في التعليم النظامي العربي.. من الندرة إلى الوفرة

في خمسينيات القرن العشرين، افتُتح قسم اللغة الصينية بجامعة عين شمس، ليصبح أول قسم لغة صينية بالجامعات العربية والأفريقية، حيث بدأت أقدم الأنشطة التعليمية المنهجية الخاصة باللغة الصينية في المنطقة. ثم افتُتحت أقسام أو تخصصات اللغة الصينية في مرحلة التعليم الجامعي في عدة دول عربية مثل تونس (1977) وموريتانيا (1987) والسودان (1993) على التوالي.

أما في القرن الجديد، فقد افتتحت جامعة القاهرة قسم اللغة الصينية في سبتمبر عام 2004، وافتتحت الجامعة الأردنية دورات اختيارية في اللغة الصينية عام 2004 ثم قسم اللغة الصينية عام 2009؛ وقد أصبح تدريس اللغة الصينية أكثر حيوية وازدهارا في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، واحتضنت العديد من الدول العربية أول قسم أو تخصص للغة الصينية لها، حيث تم تفعيل برنامج اللغة الصينية والترجمة في جامعة الملك سعود عام 2010، وأنشأت جامعة محمد الخامس قسم اللغة الصينية لها في سبتمبر عام 2012، بينما أطلقت الجامعة اللبنانية قسما خاصا لتعليم اللغة الصينية كجزء من مناهج مركز اللغات والترجمة عام 2015، وافتُتح قسم اللغة الصينية بجامعة صلاح الدين، الأول من نوعه في العراق، في عام 2019.

وعلى صعيد آخر، قرّرت وزارة التربية والتعليم التونسية تدريس مادة اللغة الصينية كمادة اختيارية في الصف الثاني الثانوي عام 2003، ويعدّ ذلك من أوائل المحاولات الرسمية، من الجانب العربي، لتدريس اللغة الصينية في التعليم غير الجامعي. وفي عام 2006، أسست الصين والإمارات بشكل مشترك مدرسة اللغة الصينية بأبوظبي (تم تغيير اسمها في عام 2015 إلى مدرسة حمدان بن زايد في أبو ظبي)، لتكون المدرسة الابتدائية العامة الوحيدة التي تعلم اللغة الصينية في منطقة الشرق الأوسط آنذاك؛ وفي عام 2009، افتتحت المدرسة النموذجية للصداقة المصرية- الصينية التي بنتها شركة صينية، ومن ثم بدأت دورة تعليم اللغة الصينية في عام 2011 رسميا. إذا أمعنا النظر في واقع انتشار تعليم اللغة الصينية في هذه الفترة في المدارس العربية، فسنجد أن مثلها في ذلك مثل الجامعات، حيث زاد من عدد قليل بل ومن الصفر تقريبا إلى تعاظم عدد المدارس التي شرعت في تدريس اللغة الصينية.

علاوة على المؤسسات التعليمية كالجامعات والمدارس الرسمية، هناك جهات كثيرة أخرى اضطلعت بتدريس اللغة الصينية منذ بداية القرن الجديد، وعلى سبيل المثال لا الحصر: المكتبات، والمدارس الخاصة التي أسستها الجاليات الصينية والصينيون المقيمون بالخارج، والمراكز الثقافية الصينية، وجمعيات الصداقة بين الصين ومختلف الدول العربية، حتى بعض الدوائر الحكومية العربية، خصوصا دوائر الشرطة والثقافة والسياحة منها. والجدير بالذكر أن تعليم اللغة الصينية على نطاق معين في الإمارات، انطلق بمبادرة من أكاديمية شرطة دبي في مايو 2003، حيث أطلقت دورات اللغة الصينية بغية رفع مستوى الإدارة وتقريب المسافة مع الصينيين المحليين والأشخاص من أصول صينية.

ثانيا، اللغة الصينية المدرجة في المناهج التعليمية العربية.. تقدم ملحوظ ومفرح

السنوات الأربع الأخيرة شاهدة على تقدم واختراق لافتين للنظر في تعليم اللغة الصينية في الدول العربية، والأبرز بين هذه الثمار، إدراج اللغة الصينية في أنظمة التعليم الوطنية لكل من الإمارات والسعودية ومصر تباعا.

في التاسع عشر من يوليو عام 2018، أعلنت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة أن اللغة الصينية سوف تُدرّس في مائة مدرسة اعتبارا من عام 2019 من خلال الأندية الطلابية للطلاب من الصف التاسع إلى الصف الثاني عشر، بهدف تعزيز العلاقات بين الإمارات والصين وتعريف الدارسين بواحدة من أقدم لغات العالم وأعرق الثقافات، وارتفع هذا الرقم لاحقا إلى مائتي مدرسة حكومية في مختلف إمارات الدولة. وبعد ذلك بسنة واحدة، وتحديدا في الثاني والعشرين من يوليو عام 2019، وقّعت الإمارات مع الصين مذكرة تفاهم بين وزارة التربية والتعليم في الدولة ومعهد كونفوشيوس (هانبان) بشأن إدخال اللغة الصينية ضمن مناهج التعليم في مدارس الدولة، ما يرمز إلى إدراج اللغة الصينية ضمن التعليم الوطني الإماراتي رسميا. وبفضل الجهود الإماراتية الفذة، شهد تعليم اللغة الصينية في الإمارات تطورا شاملا وسريعا، إذ يوجد حاليا 158 مدرسة عامة تقدم دورات أو دروس اللغة الصينية في أنحاء الإمارات، وبلغ عدد دارسي اللغة الصينية فيها 54 ألف شخص، محققة تغطية كاملة للطلاب من مختلف المراحل التعليمية.

وتُعدّ السعودية ثاني دولة عربية أعلنت إدراج اللغة الصينية في المناهج الدراسية كلغة أجنبية في السنوات الأخيرة. ففي فبراير عام 2019، كشفت السعودية عن خطة لإدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي في جميع المراحل التعليمية في المدارس والجامعات السعودية، في خطوة تدعم السعي السعودي لتعزيز العلاقات السعودية- الصينية على كافة المستويات وتعزيز التنوع الثقافي وفتح آفاق دراسية جديدة لطلاب المملكة.

بعد هذه الخطوة الطموحة، رأينا الباب مفتوحا على مصراعيه لتطوير اللغة الصينية في المملكة، ففي جامعة جدة مثلا، يُلزَم طلاب السنة الأولى بدراسة اللغة الصينية؛ كما كشف بيان الميزانية العامة السعودية لعام 2022، أن المشروعات المخططة لها في قطاع التعليم خلال عام 2022 تتضمن إدراج اللغـة الصينيـة فـي المرحلـة الثانويـة فـي 746 مدرسـة موزعـة علـى 47 إدارة تعليميـة فـي المملكـة. وفي المقابل، نظمت الصين، بجامعاتها وأجهزتها، عددا من الفعاليات والتدريبات حول اللغة الصينية والتي من شأنها إفادة الآلاف من المدرسين والدارسين والهواة السعوديين. وفي يوليو عام 2022، أقامت السعودية مسابقة "جسر اللغة الصينية" لإتقان اللغة الصينية لطلاب الجامعات، وهي أكبر مسابقة دولية عن الثقافة واللغة الصينية، بمنطقة واجهة الرياض، وذلك يُعدّ بمثابة خطوة مهمة إلى الأمام فيما يخص تطوير اللغة الصينية بالمملكة.

وتُعتبر مصر البلد العربي الثالث بعد الإمارات والسعودية في إدراج اللغة الصينية في مناهجها التعليمية. ففي سبتمبر عام 2020، وقعت الصين ومصر مذكرة تفاهم لتدريس اللغة الصينية في المدارس المصرية كلغة أجنبية اختيارية ثانية.

وفي سبتمبر عام 2022، بدأ البرنامج التجريبي لتعليم اللغة الصينية في اثنتي عشرة مدرسة حكومية في محافظات القاهرة والجيزة والمنوفية خلال العام الدراسي 2022- 2023، وتُمثّل هذه الخطوة إشارة البدء لإدراج اللغة الصينية مثل اللغات الفرنسية والأسبانية والإنجليزية والألمانية في المدارس المصرية، وسيتم تطوير هذا البرنامج لتغطية المدارس الإعدادية في جميع أنحاء مصر في المستقبل.

ثالثا، معهد كونفوشيوس.. تجربة جديدة وتطور سريع

تعليم اللغة الصينية في القرن الحادي والعشرين بلور نمطا جديدا له من خلال معهد كونفوشيوس (شكله الآخر فصل كونفوشيوس)، وهو مؤسسة تعليمية غير ربحية أنشأها شركاء صينيون وأجانب، تهدف إلى دفع عجلة تعميم اللغة الصينية على الصعيد الدولي، وتعميق فهم شعوب العالم للثقافة واللغة الصينية، وتعزيز التواصل الشعبي والتعليمي بين الصين والعالم.

وعلى وجه التحديد، فإن معاهد وفصول كونفوشيوس مسؤولة عن تدريس اللغة الصينية للراغبين والهواة والطلاب في خارج الصين، كما تنظم محاضرات تتطرق إلى موضوعات شتى كأوبرا بكين ورياضة الووشو والخط الصيني والطهي والأفكار الكونفوشية والطب الصيني التقليدي وتاريخ التبادل الصيني- العربي، وغير ذلك من مناحي الثقافة والفن والتاريخ. وتقيم أيضا أنشطة وفعاليات ثقافية متنوعة، وتنظم ندوات ومسابقات، فضلا عن إجراء الاختبار الدولي الموحد للغة الصينية (HSK)، والذي يساعد الطلاب في الحصول على المنح والوظائف.

وافتتحت جامعة القديس يوسف في لبنان، أول معهد كونفوشيوس في الدول العربية والشرق الأوسط بالتعاون مع جامعة صينية في فبراير عام 2007، وحتى الآن، سجّل المعهد حوالي أربعة آلاف طالب وطالبة، وارتفع متوسط الالتحاق السنوي به إلى حوالي 400 طالب حاليا.

ما تقوله الأرقام والبيانات الواردة في الموقع الإلكتروني لمعهد كونفوشيوس، يشير إلى أن الصين فتحت تسعة عشر معهد كونفوشيوس وثلاثة فصول كونفوشيوس في اثنتي عشرة دولة عربية، ما أسهم بدوره في تمكين المزيد من الأصدقاء العرب من تجربة ومعرفة السحر الفريد للثقافة واللغة الصينية، وبالتالي تعزيز التبادل الإنساني والشبابي والثقافي الصيني- العربي.

لقد قال الفيلسوف اليوناني سقراط "تكلم حتى أراك". في السنوات الخمس المنصرمة، سجل معهد كونفوشيوس حضورا متزايدا في الدول العربية، إذ تم إنشاء أو توقيع اتفاقية لإنشاء أول معهد كونفوشيوس في خمس دول عربية، وهي تونس وموريتانيا وفلسطين والسعودية وجيبوتي على التوالي.

في عام 2018، افتُتح أول معهد كونفوشيوس في مقر المعهد العالي للغات بتونس العاصمة، وبدأ التدريس في نوفمبر نفس العام. كما فُتحت قاعات لتعليم اللغة الصينية في عدد من المركبات الشبابية لفائدة الطلبة والمهنيين والمهتمين بتعلم اللغة الصينية، وبلغ عدد المسجلين في المعهد نحو ألف شخص حتى اللحظة.

في يونيو عام 2019، تم تدشين معهد كونفوشيوس بجامعة نواكشوط العصرية، وهو الأول من نوعه في موريتانيا، وقد سجل فيه مئات الموريتانيين المهتمين بدراسة اللغة الصينية حتى الآن، كما أقام المعهد "ركن اللغة الصينية"، و"اليوم المفتوح" لمعهد كونفوشيوس، ومعرض الصور ومحاضرات عديدة، وما إلى ذلك من الفعاليات والأنشطة المختلفة.

في ديسمبر عام 2019، تم تدشين معهد كونفوشيوس الأول والوحيد من نوعه في فلسطين بجامعة القدس، ليصبح قاعدة لنشر وتطوير اللغة الصينية في فلسطين، حيث يوفر الكتب والمناهج التعليمية الصينية وغيرها من المواد التعليمية، ويوفر المدرّسين الموفدين إلى بقية الجامعات والكليات الفلسطينية التي تدرّس فيها اللغة الصينية.

وفي ديسمبر عام 2019، وقعت جامعة جدة اتفاقية مع مقر معهد كونفوشيوس الصيني لإنشاء فرع للمعهد فيها. وفي إبريل 2020، وافقت الحكومة الصينية على إنشاء المعهد، ليكون أول معهد كونفوشيوس في السعودية.

وفي فبراير عام 2022، تم توقيع اتفاقية لإنشاء أول معهد كونفوشيوس في جيبوتي، وقد بدأ أنشطته التعليمية رسميا في شهر سبتمبر، ويخطط المعهد حاليا للتعاون مع خمس مدارس ثانوية بجيبوتي العاصمة، وقبول خمسمائة طالب وطالبة من المدارس ضمن الدفعة الأولى من طلابه لدراسة اللغة الصينية.

خلاصة القول، فإن التعاون العملي بين الصين والدول العربية منذ بداية القرن الجديد قد أتى بالنفع الملموس على الطرفين، وأتى في نفس الوقت بالفرص والإمكانات الكبيرة لجميع دارسي لغة الطرف الآخر، كما قال ابن خلدون "إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم".

وباعتبار ما سبق، فلا عجب أن نجد موجة بل موجات من "حمى اللغة الصينية" وحتى "حمى الصين" في الكثير من البلدان العربية، والتي تحمل في طياتها ثقة المهتمين والدارسين بمستقبلهم المرهون باللغة الصينية من جهة، والتغيرات في وجهات نظر الكثير للصين من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق، نحن على يقين بأن اللغة الصينية ستكتسي أهمية وشعبية متزايدتين في العالم العربي، وأن الصين ستجذب المزيد ممن يحرصون على تعلم لغتها وفهم ثقافتها.

--

وانغ جيا شيوان، إعلامي صيني متخصص في الشؤون العربية والصينية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4