ثقافة وفن < الرئيسية

ليو شياو بي يرسم الأحلام على الجدران

: مشاركة
2023-01-06 15:16:00 الصين اليوم:Source هوانغ يو هاو:Author

"ثلاثة، اثنان، واحد، ابتسم!" بهذه الكلمات، وبعد التصفيق مرتين، يبدأ ليو شياو بي (اسمه الحقيقي ليو تشي تشنغ) التقاط الصور مع القرويين أمام العمل الذي يفرغ من رسمه على الجدران. يقوم ليو شياو بي مع فريقه بتصوير مقاطع فيديو لتوثيق عملية الرسم على الجدران. يظهر ليو شياو بي في مقاطع الفيديو على سجيته ومرحا، ويناقش الرسم على الجدران مع القرويين مبتسما، ويلعب مع الأطفال، ويبدو مشدوها بما يرى في الرسم. يحمل بين يديه أدوات الرسم المتنوعة، وجسده مغطى بألوان مختلفة، ويرتدي قبعة بيضاء، ويمضى يومه كاملا يرسم على الحائط.

جذبت مقاطع الفيديو هذه ملايين المتابعين وحصلت على أكثر من ثمانية ملايين إعجاب على منصات التواصل الاجتماعي. في التعليقات على الشاشة، أشاد المشاهدون بفن ليو شياو بي الرائع في الرسم على الجدران، حتى أن البعض وصفه بالنسخة المعاصرة لشخصية ما ليانغ في قصة الأطفال "ما ليانغ والقلم السحري". ذهبت وكالة أنباء شينخوا ومحطة التلفزيون الصينية المركزية وغيرهما من وسائل الإعلام الرئيسية إلى قريته بمقاطعة يوننان لتغطية قصصه. وفي نظر الجميع، هو شاب نموذجي في "نهضة الريف".

في الواقع، عندما قرر ليو شياو بي العودة إلى القرية للرسم مجانا في الصيف الماضي، لم يخطر بباله أنه سيشارك في القضية العظيمة لـ"نهضة الريف"، وكان سبب عودته إلى القرية بسيطا وحقيقيا مثله، فقد أراد أن يبدع في الرسم على الجدران.

"لأنه رائع"

لم يخطر ببال ليو شياو بي أنه سيصبح رساما، إذ كان الرسم مجرد هواية له في صغره، ولم يرسم كثيرا، وذلك لأنه كان يظن أن الأشخاص الذين ينهمكون في الرسم يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي، وهو لا يريد ذلك، بل يتوق للتواصل مع العالم. إن إبداع رسم الشارع يتماشى بالضبط مع شخصيته، لأنه "مرئي وغير مقيد ولديه مساحة كبيرة للإبداع". أثناء المرحلة الجامعية، عندما رأى أعمال تشي شينغ هوا، أول فنان صيني لرسم الشارع الثلاثي الأبعاد، اشتعلت حماسته في الرسم تماما. تختلف أعمال تشي شينغ هوا اختلافا كبيرا عن رسومات الشارع الغربية، فهي تتمتع بأسلوب الرسم الحر وعناصر النمط الصيني، خاصة التنانين التي رسمها، فتأثر بها ليو شياو بي كثيرا وأعجب بها بشدة. كان يعتقد أنها رائعة، فترك الجامعة وذهب إلى مقاطعة خنان لدراسة الرسم على الجدران.

نظرا لأن ليو شياو بي لم يتعلم الرسم على الجدران من قبل، كان الأمر صعبا عليه في البداية، كما لم تكن طريقة تدريس المُعلّم مناسبة له. وعن ذلك قال: "لا يخبرك المعلم بطريقة الرسم الملموسة، بل يشرح المعارف الأساسية لتدركها وترسم بعض الرسومات الكرتونية البسيطة على الجدران. ثم يواصل زيادة درجة صعوبة الرسم ويجعلك تقلّد الرسم الأصعب، بدون شرح كيفية الرسم حتى تبذل كافة جهودك. وكلما وجد أنّك اجتزت الاختبار بدرجة صعوبة ما، يواصل زيادة درجة صعوبة الرسم." بالإضافة إلى الصعوبات في تعلم الرسم على الجدران، لم يتفهم الناس أنه ترك الجامعة لدراسة الرسم على الجدران، حتى أهله شعروا بالضجر، وقالوا له: "لن يجلب الرسم المال لك. يجب عليك تركه." ولكنّ ليو شياو بي لم يتراجع.

فيما بعد، طلب منه المعلم إكمال لوحة بدرجة صعوبة عالية، وليس لها مخطط محدد، ولكنها تتطلب العديد من المؤثرات الخاصة التي تجمع بين الغموض والوضوح، مع مراعاة الضوء والظل والأبعاد الثلاثية، وهو أمر معقد للغاية. كانت لوحة ليو شياو بي في حالة من الفوضى، وكان على وشك الانهيار. غادر الأستوديو محبطا للاسترخاء، وفي نفس الوقت فكر في نيته الأصلية في اختيار الرسم. وفي النهاية، تغلب الشغف على الهرب من الصعوبات والواقع، وعاد إلى الأستوديو بعد أسبوع لمواصلة الرسم. كافح لمدة شهرين حتى وجد أخيرا شعور إبداع الرسم على الجدران. رغم أنّه عانى كثيرا في الشهرين السابقين، حقق اختراقا شخصيا ومهد طريقا رائعا للمستقبل. قال: "شعرت فجأة أنني كنت مجرد متفرج من قبل، والآن أشعر وكأنني خطوت أول خطوة لدخول باب الرسم، وبدأت أفهم كيفية الرسم، وازدادت ثقتي بنفسي أيضا."

إبداع النمط الصيني

في مقطع فيديو قصير، تظهر حقول الأرز والجبال الخضراء المتدرجة والبحيرة الصافية والواسعة، وشبكة الممرات بين الحقول والسكان، وكأنك أمام لوحة للمناظر الطبيعية الريفية التقليدية الصينية الهادئة، ويظهر ليو شياو بي في الفيديو وهو يرسم.

هنا ولد ونشأ ليو شياو بي، الذي يحمل محبة عميقة وحنينا لهذه الأرض، ويحب بشكل خاص الإبداع الصيني النمط. كانت أعمال تشي شينغ هوا الصينية النمط أكثر ما أدهش ليو شياو بي في بداية اهتمامه بالرسم على الجدران. قال: "عندما كان الجميع يرون أن الرسم على الجدران الغربي رائع جدا، فجأة ظهر تنين صيني على الحائط وحظي بالكثير من الاهتمام، فنشأ شعوري الوطني بالفخر بشكل عفوي." في عام 2019، ظهرت التنانين التسعة، التي شارك ليو شياو بي في إبداعها في مدينة تشونغتشينغ، ضمن الموضوعات الأكثر بحثا على الإنترنت، وجذبت الكثير من الاهتمام.

لكن ليس كل الناس يوافقون على مفهومه للرسم على الجدران. في بداية عودته إلى القرية للرسم مجانا، خطط لرسم التنانين للقرويين، ولكنهم عارضوه لأنهم اعتقدوا أنه إن لم تستطع الأسرة كبح التنين، فسوف تعاني من سوء الحظ. إضافة إلى التنين، لا يفهم القرويون بعض الرسومات الأخرى لليو شياو بي. يرى العديد من القرويين أنه "إذا رسمت طائرا بشكل واقعي ودقيق، فأنت رسام ممتاز بالنسبة لهم. ولكن لو خرجت قليلا عن الواقع أو أجريت بعض التغييرات عن الواقع، فإنهم سيشعرون أنك لست جيدا في الرسم." لذلك، غالبا ما يحتاج ليو شياو بي إلى التواصل بصبر مع القرويين لإيجاد حل وسط بين الرسم الذي يريد ليو شياو بي إبداعه والرسم الذي يحبه القرويون.

بدأ ليو شياو بي يشعر أنه يحظى بالاعتراف عندما رسم باندا ثلاثية الأبعاد لعائلة رجل مسنا بالقرية. أحب الرجل حيوان الباندا الذي رسمه كثيرا، وصنع للرسام حلوى بينغفن (تشبه الجيلي مع فواكه مختلفة)، ودعاه ليأكل في منزله، بل وعرض عليه بعض المال مقابل عمله. أعطى اعتراف القرويين دفعة قوية لليو شياو بي. بالإضافة إلى الباندا، يرسم ليو شياو بي أيضا العادات والتقاليد المحلية، ولقيت رسوماته ذات العناصر الصينية، مثل لوحات المناظر الطبيعية وراعى البقر والنساجة وطائر الكركي، ترحيبا كبيرا في القرية.

الرسومات الثلاثة التي تركت انطباعا عميقا لدى ليو شياو بي هي ((تشينغ يي)) (دور المرأة في أوبرا بكين) و((طائر الكركي)) و((مكافحة الوباء)). الرسمان الأول والثاني أقرب إلى موضوع النمط الصيني الذي يريد ليو شياو بي إبداعه، وهما يبرزان على التوالي رموز أدوار الأوبرا التقليدية وميزة لوحات المناظر الطبيعية الصينية، ويمكنان المزيد من الناس من رؤية وفهم جمال الثقافة الصينية التقليدية عن طريق المؤثرات البصرية القوية. أما الرسم الثالث، فهو أشبه بالنمط الصيني في العصر الجديد، بهدف تكريم العاملين في الخطوط الأمامية لمكافحة الوباء، وهي اللوحة التي لاقت أكثر شهرة وترحيبا من قبل الجميع.

رسم بذور الأحلام

تأثر كثير من الأطفال بلوحة ليو شياو بي ((مكافحة الوباء))، حتى أخبره طفل أنه يريد أن يصبح طبيبا في المستقبل. إعطاء التشجيع للأطفال هو أكبر أمنية لليو شياو بي. قال: "أعتقد أن الأطفال في القرية بحاجة إلى بعض الإلهام. من تجربتي الخاصة، لا يوجد شيء مستحيل. لن تقيد القرية حياتك، طالما لديك أفكار وتفكير، يمكنك فعل الكثير." هناك العديد من الأطفال المتروكين في القرية بعد سفر آبائهم وأمهاتهم للعمل في المدن، ويأمل ليو شياو بي أنّ تشجع رسوماته الأطفال على السعي وراء الأحلام وتحقيقها.

في القرية، لا يحب ليو شياو بي أن ينصح الأطفال بصفته بالغا وكبير السن، بل يتواصل مع الأطفال كما لو كانوا على قدم المساواة معه، ويتحدث معهم عن الموضوعات التي يحبها الأطفال، ويشجعهم على المشاركة في الرسم، ويرشدهم إلى تشكيل القيم الصحيحة، وأن لا يشعروا بالنقص لمجرد أنهم ولدوا في الريف، وأعرب عن ثقته بأنهم سيحققون كل أحلامهم طالما يعملون بجد. في الوقت نفسه، تعاون ليو شياو بي مع مؤسسات خيرية للحصول على المزيد من موارد التنمية للأطفال في القرية. في المقابل، يحب الأطفال أيضا ليو شياو بي، ويذهبون دائما لرؤيته وهو يرسم، ويتواصلون ويلعبون معه، ويخبرونه بأحلامهم؛ منهم من يريدون أن يصبحوا أطباء أو جنودا أو غير ذلك.

قال ليو شياو بي: "إذا بدأت في التواصل مع طفل على قدم المساواة، فستحصل على مكان في قلبه. إذا فعلت أمرا رائعا، فسيحترمك ويقلدك ويعتبرك قدوة يحتذى بها. أعتقد أن الشخص القدوة ينبغي له أن يرشد الأطفال في العمل للتأثير على تفكيرهم وأفعالهم." في البداية، تأثر ليو شياو بي بتشي شينغ هوا وقرر تعلم الرسم على الجدران، والآن أصبح بالنسبة لأطفال القرية "تشي شينغ هوا"، وصار قدوتهم. وكما قال فينسنت فان غوخ: "حلمت بالرسم، ورسمت أحلامي." واليوم أصبح ليو شياو بي ممارسا لهذه العبارة.

مع ذلك، سيتلاشى الاهتمام الخارجي بما رسم تدريجيا مثل صورة التنانين التسعة في تشونغتشينغ، وستُرسَم جميع جدران القرية في يوم من الأيام حتى لا يجد جدارا يرسم عليه، فإلى أين سيذهب في المستقبل؟ يأمل ليو شياو بي مواصلة الرسم على الجدران في الريف مجانا، لأنّ رسمه في المدينة مثل زهرة على الديباج، لكنه في الريف يعتبر إهداء الفحم في يوم شديد البرودة.

بينما ذهب جميع أقرانه إلى المدن الكبرى للبحث عن الفرص، أصبح ليو شياو بي، الذي اختار الاتجاه العكسي وعاد إلى الريف، "الشخص المميز".

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4