ثقافة وفن < الرئيسية

تنس طاولة الصين.. مواجهة الخسارة في سبيل الفوز

: مشاركة
2023-09-20 13:51:00 الصين اليوم:Source مي عاشور:Author

أعتقد أن التحدي الأكبر للبشر في عصرنا، هو التمسك بالهدوء والخطى المتزنة، وسط وقع سريع يدفع بنا إلى مجاراته، بل ومسايرة كل التغيرات التي تحيط بنا. فضلا عن أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تترك في نفس المرء رغبة في الظهور والمنافسة، فنرى عبرها يوميا آلاف الصور التي توحي بشيء جميل، كإنجاز حقيقي أو حتى تجربة ناجحة. لكن يظن كثيرون أن هذه الصور هي كل شيء، ويغضون الطرف عن الجزء الغائب منها، والذي يحمل العديد من الخطوات الشاقة، والتي أدت إلى النجاح.

المحاولة هي الطريق الأوحد للنجاح، وهي كلمة تتضمن بداخلها سلسلة من المفاهيم المتصلة، والتي تصب في معاني الإصرار والمثابرة والدأب. من المستحيل تحقيق النجاح دون فشل، ولا يوجد فوز لم تسبقه خسارات متتالية، ولكن مربط الفرس هو الاستمرارية دون قنوط. وقد لمست هذا بوضوح في فيلم "تنس طاولة الصين"؛ لأنه لم يركز على الظفر في المقام الأول، لكنه لفت النظر إلى مواجهة وتقبل الخسارة في سبيل الوصول إلى الفوز، والمثابرة من أجل إدراك الهدف، رغم كل العثرات والإخفاقات، وعدم حصول المرء على ما يتطلع إليه من أول مرة. يقول مخرج وسيناريست الفيلم يوي باي مي في مقابلة عرضتها صحيفة ((الشعب اليومية)) الصينية، وشاهدتها عبر شبكة الإنترنت: "هذا الفيلم لا يقول لنا كيف ننجح، ولكنه يخبرنا كيف نجابه الخسارة، وكيف نتصرف عندما نتعرض لها أو للإحباط".

تنس الطاولة رياضة وطنية في الصين، برع الصينيون فيها، لدرجة أنني ظننت أنهم مخترعوها، ولكن سرعان ما علمت من الفيلم أنها في الأصل رياضة نشأت في إنجلترا. لا شك أن هناك مدرسة صينية مميزة في لعب تنس الطاولة؛ فمنذ تأسيس المنتخب الوطني الصيني لتنس الطاولة في عام 1952، حصد 254 ميدالية ذهبية. وفيلم "تنس طاولة الصين"، مبني على قصة إعادة المنتخب الوطني الصيني لتنس الطاولة إلى مجدها في الصين، وذلك تحديدا في تسعينات القرن العشرين. يبدأ الفيلم في إيطاليا، حيث يقرر المدرب داي مين جيا العودة إلى الصين لتدريب منتخبها الوطني لتنس الطاولة، ويرفض كل العروض والإغراءات التي تقدم له في سبيل البقاء هناك. وعندما يعود إلى الصين، يتعهد أمام الجميع بفوز المنتخب الصيني في بطولة "سوايثلينج" لتنس الطاولة بعد سنتين من التدريب. لكن رغم بذل مجهود مضن في التمرينات، في الأجواء والأماكن المختلفة، كتسلق اللاعبين لسور الصين العظيم، وركضهم على الثلج، وتدربهم على شاطىء البحر، يخسر المنتخب، في بطولة تنس الطاولة بمدينة غوتنبرغ في السويد عام 1993، وبالتالي يصاب الجميع بالإحباط، ويحدث هجوم كبير على المدرب داي مين جيا من الصحافة والإعلام، لدرجة أنه يقرر تقديم استقالته، وعندها يذهب إليه المدرب دا لي، ويقول له: "لو كان الفوز دائما بهذه البساطة، فما معناه إذا؟" ويقول له أيضا: "الخسارة مرعبة، لكن هل هي مرعبة بقدر الموت؟" ويشجعه بكلام آخر. يتمسك الجميع بالأمل مجددا، ولا يتخلون عن هدفهم، إلى أن يفوز المنتخب الصيني أمام نظيره السويدي في البطولة العالمية لتنس الطاولة لعام 1995، والتي أقيمت في مدينة تيانجين الصينية.

يقول المخرج يوي باي مي، عن اختياره لموضوع الفيلم، في حوار قرأته له على موقع صحيفة ((بكين اليومية)): "أنا مولع بالرياضة، وطالما راودتني أمنية لتصوير فيلم حولها. وتنس الطاولة رياضة لها تاريخ طويل في الصين، وخاصة إصرار المنتخب الوطني الصيني لتنس الطاولة للرجال على استعادة كأس ’’سوايثلينج‘‘ في بطولة العالم لتنس الطاولة عام 1995، ترك في نفسي انطباعا عميقا جدا، وإلى يومنا هذا لازلت أؤمن أنه المشهد الأكثر لمسا للقلوب على مدى تاريخ الرياضة الصينية."

كما قال أيضا إنه لم يستعن بلاعبين حقيقيين لتنس الطاولة، بل إن كل من أدوا الأدوار في الفيلم هم ممثلون، ولم تكن لديهم خبرة في هذه الرياضة، فبدأ تدريبهم من الصفر، مما استغرق ثمانية أشهر، كما يقول إن كل مشاهد اللعب الموجودة في الفيلم حقيقية. ويؤكد أن الفيلم قد أبرز روح المنتخب الوطني الصيني لتنس الطاولة، وهذه الروح هي تجسيد فعلي لروح الشعب الصيني. ويقول أيضا: "أثناء مرحلة كتابة سيناريو الفيلم، عندما كتبت عبارة "الشعب الصيني هو أكثر شعب دؤوب"، غلبتني دموعي. لا يوجد في العالم شعب كامل، ولكن عندما تُذكَر كلمة دأب، أوقن أنه لا يوجد في العالم شعب يمكن مقارنته بالشعب الصيني. ومثلما قيل في الفيلم، نتمرن بينما يتزلج الآخرون على الجليد، ونتدرب بينما يشرب الآخرون الشاي بعد الظهيرة، يتمرن الآخرون ألف مرة، أما نحن فنتمرن عشرة آلاف مرة. وعندما يفكر لاعبونا في ذلك أثناء المباريات، وسط أكثر اللحظات قلقا، والتي ترتجف فيها القلوب، يمنحون القوة لأنفسهم رغم كل شيء. لذلك في رأيي أن الدأب هو الورقة الأخيرة في يد الصينيين، هو أكثر ما نؤمن به، ومحفور بداخلنا."

الفيلم من إخراج يوي باي مي ودنغ تشاو، وبطولة دنغ تشاو وسون لي، ومجموعة لامعة من النجوم. عُرض الفيلم على شاشات السينما الصينية في فبراير 2023، رغم أن موضوعه متعلق بالرياضة في المقام الأول، جذب قطاعا كبيرا من المشاهدين، وكذلك نجح في الوصول إلى فئات أخرى من غير محبي الرياضة؛ وذلك لفكرته وروعة التصوير، وما يبثه من حماسة في نفوس المشاهدين.

--

مي عاشور، كاتبة ومترجمة من مصر.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4