ثقافة وفن < الرئيسية

العالم للجميع

: مشاركة
2024-01-09 15:08:00 الصين اليوم:Source فانغ وي:Author

"العالم للجميع"، مفهوم سياسي مهم، له تأثير على السياسة الصينية والعالم الروحي للصينيين، منذ أن طرحه كونفوشيوس.

سُجل مفهوم "العالم للجميع" في كتاب ((لي جي "الطقوس")). وفقا للسجلات، شعر كونفوشيوس بخيبة الأمل عندما شارك في طقوس القرابين في الشهر الثاني عشر حسب التقويم القمري الصيني، إذ رأى ملك دويلة لو يتصرف بطريقة غير لائقة. أدرك كونفوشيوس أنه يعيش في عالم فوضوي انهارت فيه الطقوس. على عكس الوضع الاجتماعي في ذلك الوقت، كان كونفشيوس يتطلع إلى مجتمع متناغم يوظف الأكفاء، ويسوده الاحترام المتبادل والمساعدة المتبادلة والصدق والتناغم والسلام والسعادة؛ مجتمع جميل ليس فيه عصابات ولصوص وفوضى. كان كونفوشيوس يرى أن مفهوم "العالم للجميع" هو السمة الأبرز والمحتوى الأساسي للمجتمع المتناغم.

المجتمع المتناغم الذي يستند إلى مفهوم "العالم للجميع" ليس "مدينة فاضلة" خيالية، وإنما له تاريخ طويل في الصين. في عهد الأباطرة ياو وشون ويوي الذين حكموا الصين في الفترة من عام 4000 قبل الميلاد إلى عام 3000 قبل الميلاد، عمل الحكماء القدماء في ذلك الوقت على توحيد القبائل لتشكيل مجتمع سياسي واحد، وتنازل الأباطرة ياو وشون ويوي عن العرش، لتعيين الأكفاء المناسبين حسب قدراتهم على حماية الشعب. من المعروف أن الإمبراطور يوي مر بداره ثلاث مرات من دون أن يدخلها، بسبب انشغاله في مكافحة الفيضانات، في تجسيد واضح لتأثير مفهوم "العالم للجميع" في الصين القديمة.

في الحقيقة، اعترف الصينيون بمفهوم "العالم للجميع" قبل كونفوشيوس. ثمة نقوش على إناء "سويقونغشيوي" البرونزي الذي يعود تاريخه إلى منتصف وأواخر فترة أسرة تشو الغربية (القرن 11- 771 ق.م)، تحكي قصة قصة الإمبراطور يوي على النحو التالي: قام الإمبراطور يوي بتطهير مجارى الأنهار ومكافحة كوارث الفيضانات، وانتشرت فضائله في العالم، مما جلب الحياة السعيدة للشعب، وأنشأ مجتمعا متناغما. أشاد صاحب النقش على الإناء البرونزي بالحياة الهادئة التي أسسها الإمبراطور يوي، واعتبر الإمبراطور يوي نموذجا، مؤكدا على أن إدارة البلاد تتطلب تقديم الفضائل للشعب، وفي نفس الوقت، يجب توجيه الناس للتعامل مع الأمور حسب مبادئ الأخلاق.

في فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م) وفترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م)، رفض الأمراء والحكام اتباع أوامر إمبراطور أسرة تشو الشرقية (770- 256 ق.م)، وأشعلوا الحروب، فعانى الشعب في ذلك الوقت من الحروب والأزمات، وغرقوا في الشقاء والعذاب. كان الناس يتوقون إلى السلام والاستقرار، ويأملون أن تتوقف الحروب، التي لا نهاية لها، في أسرع وقت ممكن، لاستعادة الاستقرار الاجتماعي. لذلك، أصبح مفهوم "العالم للجميع" مفهوما اجتماعيا عالميا في ذلك الوقت. كان كونفوشيوس يضرب المثل بالإمبراطور ياو والإمبراطور شون الملك ون من أسرة تشو والملك وو من أسرة تشو، وكان يتمنى لو أنه عاش في زمن الإمبراطورين ياو وشون. اعتقد كونفوشيوس أن الإمبراطور ياو أدار الدولة حسب المبادئ السماوية فأنشأ مجتمعا سلميا يتسم بالوحدة والتفاهم المشترك، فصار ملكا عظيما ونبيلا. كما اعتقد كونفوشيوس أن الإمبراطور شون كان يعمل على كبح جماح نفسه وتحسينها وتعيين الأشخاص المناسبين وعدم التدخل في شؤون الدولة، فأقام مجتمعا مزدهرا. بالإضافة إلى كونفوشيوس، ركز لاو تسي وموه تسي وتشوانغ تسي وغيرهم من المفكرين في فترة ما قبل أسرة تشين (221- 207 ق.م) على مفهوم "العالم للجميع". يمكن القول إن مفهوم "العالم للجميع" صار إجماعا سياسيا وثقافيا في ذلك الوقت. بعد ذلك، تم إثراء المحتوى السياسي والفلسفي لمفهوم "العالم للجميع" خلال الممارسات السياسية ونشر شروح المفكرين في فترة أسرتي تشين وهان.

يتضمن مفهوم "العالم للجميع" المبدأ السياسي المتمثل في إدارة العالم على أساس خدمة عامة الناس. مقارنة مع مفهوم "العالم ملك للأفراد"، يشير مفهوم "العالم للجميع" إلى أن العالم ينتمي إلى جماهير الشعب، حتى الملك لا ينبغي له أن يتعامل مع العالم باعتباره ملكا خاصا له. وان تشانغ، وهو أحد تلاميذ المفكر الكونفوشي الكبير منغ تسي، سأل معلمه عما إذا كان الملك شون قد ورث العالم من الملك ياو، فأجابه منغ تسي بأن الملك شون لم يرث العرش من الملك ياو، بل لأنه كان مدعوما من الشعب. هذا المفهوم يتطلب من السياسي أن يتحمل المسؤولية السياسية وإدارة العالم بالعدل وتعميم الفوائد على عامة الناس، وإلا سيفقد السياسي الدعم الشعبي، وبالتالي يفقد أساس الحكم. في الواقع، تعكس العديد من الأفكار السياسية الصينية مفهوم "العالم للجميع"، فأصبح هذا المفهوم أهم مفهوم في منظومة القيم السياسية الصينية التقليدية. حاليا، تولي الحكومة الصينية، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، اهتمامها الأكبر للوفاء باحتياجات وتوقعات الحياة السعيدة للشعب الصيني، وتبذل كل جهودها لتلبية تلك الاحتياجات والتوقعات، وتتمسك بمفهوم التنمية المتمحورة حول الشعب، وتسعى إلى خلق حياة سعيدة للشعب الصيني، على أساس ضمان حرية الشعب وتحقيق التنمية الشاملة، وهذه هي الممارسة المعاصرة لمفهوم "العالم للجميع".

يؤكد مفهوم "العالم للجميع" على مفهوم القيم المتمثل في الإنصاف والعدالة. إن الإنصاف والعدالة رمزان مهمان لتقدم الحضارة الإنسانية، والسعي المشترك لشعوب العالم. يبرز مفهوم "العالم للجميع" رغبة الشعب الصيني في الإنصاف والعدالة وبناء مجتمع عادل ومنصف. منذ انتهاج الإصلاح والانفتاح، تم تعزيز الإنتاجية الاجتماعية والقوة الوطنية الشاملة في الصين، مما يقدم أساسا متينا قويا لتحقيق العدالة في المجتمع. على أساس التنمية الاقتصادية، تعمل الحكومة الصينية على ضمان معيشة الشعب وتحسينها، وتتمسك بمسار تحقيق الرخاء المشترك، وتعزز العدالة والتناغم الاجتماعي. التحديث الصيني النمط هو تحديث يتمتع فيه أبناء الشعب كافة بالرخاء المشترك، وهو أيضا تنفيذ متعمق لمفهوم "العالم للجميع".

يسعي مفهوم "العالم للجميع" إلى استكشاف الطريق لتحقيق التعايش المتناغم بين مختلف الحضارات. خلال عملية التحديث في العالم على مدى مئات السنين، باتت جميع البلدان جزءا من نظام التنمية العالمي، ويحتاج البشر إلى تعلم كيفية التعايش. في سبتمبر عام 2015، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في المناقشة العامة للدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة: "يقول مثل صيني قديم: ’الهدف الأعظم هو إقامة عالم يتشارك فيه الجميع حقا.‘ السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، مبادئ مشتركة للبشرية جمعاء، وهي الأهداف السامية للأمم المتحدة." خلال مسيرة العولمة، تدعو الصين بقوة إلى تعزيز القيم المشتركة للبشرية جمعاء لدعم بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، مما يضفي قيمة وأهمية على مفهوم "العالم للجميع". نعتقد أن الصين تتمسك بمفهوم "العالم للجميع" في العصر الجديد لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي والأمن العالمي، وتعمل على دفع السلام العالمي والتنمية العالمية عبر شكل جديد من الحضارة.

إن مفهوم "العالم للجميع" يتضمن الحكمة الأساسية للحضارة والثقافة الصينية، ويؤثر تأثيرا قويا في التاريخ، ويتطور باستمرار مع الوضع الجديد، فهو ليس منهلا فكريا مهما للتنمية الاجتماعية الصينية فحسب، وإنما أيضا يقدم الحلول الصينية لمستقبل البشرية.

--

فانغ وي، باحث في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4