ثقافة وفن < الرئيسية

مفهوم "التنوع" في "الوحدة"

: مشاركة
2024-03-08 14:11:00 الصين اليوم:Source فانغ وي:Author

مفهوم "التنوع" في "الوحدة"، أحد التقاليد الصينية وعنصر مهم في الثقافة الصينية التقليدية. وهو مفهوم متجذر ليس فقط في الثقافات المتنوعة للقوميات الصينية والثقافات الإقليمية المختلفة، وإنما أيضا يتجلى في التبادل والاندماج بين الثقافة الصينية والثقافات الأجنبية. في الوقت نفسه، خلال التطور التاريخي الطويل، شكل الشعب الصيني مفاهيم القيم والمساعي المشتركة، ودرجة عالية من التوافق مع القيم الأخلاقية مثل البرّ بالوالدين والمحبة الأخوية والوفاء والأمانة والأدب والعدالة والنزاهة والحياء، وهذا تجسيد مهم لوحدة الثقافة الصينية. إن مرونة "التنوع" واستقرار "الوحدة" قد منحا الثقافة الصينية قدرات إبداعية فريدة وتماسكا قويا، مما جعلها منظومة حضارية ذات خصائص بارزة وتأثير بعيد المدى.

ظهر مفهوم "التنوع" في "الوحدة" في المراحل الأولى لتطور الحضارة الصينية. قبل آلاف السنين، ونتيجة للتباين في الظروف الطبيعية مثل درجة الحرارة والتضاريس، أبدع أسلاف القبائل الصينية المختلفة ثقافات إقليمية متنوعة في حوض نهر اليانغتسي وحوض النهر الأصفر وحوض نهر شيلياو والمناطق الشاسعة المحيطة بها في الصين. وقبل أكثر من خمسة آلاف سنة، أبدعت تلك القبائل ثقافات زاهية متنوعة. وخلال الفترة من عام 2500 إلى عام 1900 قبل الميلاد، وكنتيجة للتأثير الشامل لتطوير وسائل الإنتاج وتغير المناخ وعوامل أخرى، انتقلت الثقافات الإقليمية المختلفة تدريجيا إلى السهول الوسطى للصين. بعد مرحلة التوطيد والتطوير خلال أسرات شيا وشانغ وتشو، قبلت الأقاليم ثقافة السهول الوسطى ونظام الطقوس والموسيقى مع المحافظة على خصائصها الثقافية الخاصة، فتشكلت حضارة واحدة جمعت كل تلك الخصائص الثقافية المتنوعة.

توفر النتائج المثمرة لعلم الآثار الصيني الحديث أدلة واضحة لمسيرة بزوغ وتطور الثقافات المتكاملة والمتنوعة على أساس حضارة واحدة. من بين مقتنيات المتحف الوطني الصيني للإثنولوجيا، وعاء فخاري مطلي يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ويُسمي بـ"الفخار ذي نقوش الدوامة المتعرجة"، وينتمي إلى ثقافة بانشان التابعة لثقافة ماجياياو قبل فترة تتراوح بين 4300 سنة و4700 سنة. تنتشر ثقافة ماجاياو بشكل رئيسي في المجاري العليا للنهر الأصفر. يمثل الفخار المطلي المكتشف ذروة فن الفخار الصيني المطلي في عصور ما قبل التاريخ، كما يحتل مكانة مهمة في تاريخ ثقافة الفخار المطلي العالمية. لم يظهر هذا النوع من الفخار المطلي من لا شيء، فهو مستوحى من ثقافة يانغشاو في السهول الوسطى. الصين من أوائل دول العالم التي اخترعت الفخار واستخدمته، وقد اكتُشف الفخار في أطلال ثقافات شانغشان وداديوان ويانغشاو وغيرها من الأنظمة الثقافية. ومن ثم، ظهرت ثقافة يانغشاو قبل 7000 إلى 5000 سنة، التي تشتهر بثقافة الفخار المطلي. علاوة على ذلك، أثبتت بعض الدراسات أن الفخار المطلي بنقوش الدوامة المتعرجة ارتبط إلى حد ما بانتشار الفخار المطلي ذي النقوش المتعرجة في تركمانستان بجنوبي آسيا الوسطى. "الوعاء الفخاري ذو نقوش الدوامة المتعرجة" يعد شاهدا على تطور ثقافة الفخار المطلي في مقاطعتي قانسو وتشينغهاي الواقعتين في شمال غربي الصين، وهو لا يعكس تأثير ثقافة السهول الوسطى على هذه المنطقة فحسب، وإنما أيضا يعكس التواصل والتعلم المتبادل بين الثقافات الصينية والغربية، ويُعتبر مثالا حيا للتطور المبكر لاندماج الثقافات المتنوعة في حضارة واحدة. يُعرض في متحف سانشينغدوي تمثال برونزي لإله على شكل قدم الطيور. يجسد هذا التمثال خصائص ثقافات شيا وشانغ وشو القديمة، ويعكس حضارات ليانغتشو ويانغشاو وشيجياخه، مما يثبت أن الثقافات الإقليمية المتنوعة شهدت تطورا وتبادلا في جميع المناطق الصينية على أساس الحضارة الصينية.

إن نمط تطور الحضارة الصينية، المتمثل في تطوير الثقافات المتنوعة على أساس حضارة واحدة، كان له تأثير عميق على المفاهيم والمعتقدات الثقافية والمفاهيم تجاه الوطن والسياسة. وإذا أخذنا مفهوم الأمة كمثال، نجد أن الدول الغربية تركز على ربط مفهوم الأمة بالتطابق بين الحدود الوطنية والقوميات واللغات، أما في الصين، فإن مفهوم الأمة يتمثل في "التنوع في الوحدة". "التنوع" يعني أن كل قومية في الصين لها تاريخها وثقافاتها الفريدة، وتشير "الوحدة" إلى رابطة المصير المشترك للأمة الصينية التي تشكلها الروابط الداخلية والمصالح المشتركة. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن الأمة الصينية، باعتبارها كيانا وطنيا واعيا بذاته، تشكلت خلال النضال ضد القوى الغربية الاستعمارية على مدى أكثر من مائة عام في العصر الحديث، إلا أنها، كرابطة المصير المشترك للأمة الصينية، لها تاريخ ممتد بطول الحضارة الصينية. ظهر مفهوم "الأمة الصينية" بين عامي 1840 و1949، وهو يعكس موقف الصين تجاه قضايا القوميات في ذلك الوقت في مواجهة تأثير النظام العالمي الحديث الذي تهيمن عليه الحضارة الغربية. مفهوم "الأمة الصينية هي كيان واحد" راسخ بعمق في قلوب الشعب عبر آلاف السنين من التطوير. في وعي الشعب الصيني، قام جميع أبناء القوميات بتطوير أرضنا الشاسعة، وسجلوا تاريخنا الطويل، وأبدعوا ثقافتنا الرائعة وروحنا العظيمة. ولذلك، فإن تاريخ الصين هو تاريخ قائم على التواصل والتبادل والمزج والتقارب بين مختلف القوميات، الأمر الذي شكل الأمة الصينية الموحدة ذات الثقافات المتنوعة. إن تاريخ جميع القوميات قد ساهم معا في إنشاء وتطوير وتوطيد الوطن الأم الموحد العظيم.

في الحقيقة، تُعتبر جدلية الوحدة والتنوع أبرز سمة للأمة الصينية. دمج "التنوع" في "الوحدة" هو مفتاح توارث الحضارة الصينية باستمرار ومصدر الإلهام لحيوية الأمة الصينية وإبداعها؛ بينما يُعد دمج "الوحدة" في "التنوع" السبب وراء تمتع الأمة الصينية بالتماسك وحشد القوة في عملية التنمية، وهو أيضا أساس الأمة الصينية. إن التنوع والوحدة مترابطان ويعزز كل منهما الآخر. تشكل الأجزاء المتنوعة كيانا واحدا، بينما يشمل الكيان الواحد أجزاء متنوعة. بفضل احترام الاختلافات والتسامح مع التنوع والتمسك بالوحدة، يمكن لمختلف القوميات الصينية أن تتضامن فيما بينها، كأنها حبات الرمان في الثمرة الواحدة، سعيا إلى حماية التضامن بين جميع القوميات ووحدة الدولة وتحقيق نهضة الأمة الصينية.

مفهوم "التنوع" في "الوحدة" ليس فقط عنصرا روحيا قويا يدعم التنمية الصينية المستقرة والطويلة الأجل، وإنما أيضا الحكمة القيمة التي ساهمت بها الأمة الصينية. في سياق انتشار مفهوم تنويع الثقافات على أساس حضارة واحدة، ظهر مفهوم "تيانشيا" (وفقا له تُعتبر الصين مركز العالم، وهي مكان التقاء السماء مع الأرض) قبل فترة أسرة تشين (221 - 207 ق.م). سعى مفهوم "تيانشيا" إلى بناء نظام يتجاوز حدود الدم والقبيلة والجغرافيا والبلد وما إلى ذلك. وإذا كان بعض الباحثين يعتبرون أن مفهوم "السياسة الوطنية" تشكل على أساس مفهوم "دولة المدينة" في اليونان، فإن مفهوم "تيانشيا" يشكل مفهوم "السياسة العالمية". من منظور عالمي، ينبغي للبشر أن يؤكدوا على قيمة ثقافات القوميات المختلفة بعقل أكثر انفتاحا لتحقيق التعايش بين الثقافات المتنوعة. يحث مفهوم "التنوع" في "الوحدة" على بناء القيم المشتركة للبشرية جمعاء مع تعزيز حضاراتها الخاصة وتعزيز تشكيل رابطة المصير المشترك، وبالتالي حل المشكلات المختلفة الناجمة عن الاختلافات والصراعات الثقافية بشكل فعال. وهذا هو السبب الذي يجعل مفهوم "التنوع" في "الوحدة" فعالا وحيويا.

تطور مفهوم "التنوع" في "الوحدة" تدريجيا في الظروف الثقافية الصينية الخاصة، مع تطور الحضارة الصينية، ولعب دورا فعالا في تطوير الحضارة الصينية، وشكل خصائص الأمة الصينية بعمق. وفي العصر الجديد، لا يزال مفهوم "التنوع" في "الوحدة" له تأثير غير مرئي على الطبيعة المعاصرة للصين الحديثة، وصار مفتاحا لفهم الصين.

 

____

فانغ وي، باحث في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4