ثقافة وفن < الرئيسية

الجذور الثقافية للفكر الديمقراطي في الصين

: مشاركة
2024-04-10 10:37:00 الصين اليوم:Source تساو جينغ نيان:Author

أشار الرئيس شي جين بينغ في تلخيصه لطريق التحديث الصيني النمط، إلى أن "النظرة الفريدة للعالم والقيم والتاريخ والحضارة والديمقراطية والبيئة وغيرها وما تأتي به من الممارسات العظيمة المشمولة في التحديث الصيني النمط، هي ابتكارات عظيمة في نظريات التحديث وممارساته في العالم." فمن الواضح أن مفهوم الديمقراطية وممارساتها من أهم ابتكارات الصين لنظريات وممارسات التحديث في العالم. والديمقراطية تعد من المحتويات المهمة للقيم الاشتراكية الصينية الجوهرية. وقد نجح الحزب الشيوعي الصيني، متحدا مع الشعب الصيني، في التماس طريق التنمية السياسية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وطرح مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة. وإن الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة هي ديمقراطية عميقة وشاملة تغطي جميع الجوانب، تتخذ من قيادة الحزب الشيوعي الصيني ضمانة أساسية، ونظام مجالس نواب الشعب حاملا مؤسسيا، والديمقراطية الاستشارية شكلا مهما، والديمقراطية القاعدية تجسيدا حيا، مما أظهر فهما جديدا للديمقراطية التي تعتبر إحدى القيم المشتركة للبشرية جمعاء. إن فكرة وممارسة الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة متجذرة بعمق في حضارة الصين العظيمة الممتدة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وهي من جينات الثقافة التقليدية الأصيلة.

الشعب هو مصدر سلطة الدولة

من أين تأتي السلطة؟ هذا هو السؤال الأول الذي يجب على جميع النظريات السياسية الإجابة عليه. حسب مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، السلطة من الشعب وإلى الشعب، ويتجسد هذا المفهوم بكل وضوح في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة.

في الثقافة الصينية، السلطة الأعلى للسماء، وإرادة السماء هي الإرادة الأكثر مصداقية وتقديسا، وابن السماء، كرمز للدولة، يستمد قوته من تفويض إرادة السماء. اعتقد الصينيون القدماء أنه لا سر في إرادة السماء، وأن إرادة الشعب هي إرادة السماء، وقد جاء في ((كتاب شانغشو)) (من روائع الكتب القديمة) قول: "كل ما يريده الشعب، تستمع إليه السماء في النهاية." وإرادة السماء هي إرادة الشعب، فقد جاء في هذا الكتاب: "تستمع السماء إلى ما يريده الناس." لذلك فإن سلطة ابن السماء تأتي اسميا من إرادة السماء، ولكنها في الحقيقة تأتي من إرادة الشعب، واختيار الشعب يمثل اختيار السماء، وإرادة الشعب هي المصدر الشرعي الوحيد للسلطة. لذلك، في الثقافة الصينية، إرادة الشعب هي دائما وجود أسمى لا يقل أهمية عن إرادة السماء وأوامرها.

المثقف الكبير منغ تسي (منشيوس) في عصر الممالك المتحاربة (475-221 ق.م) توارث وطور هذه الفكرة الديمقراطية. ومن أقواله المأثورة التي يعرفها كل الصينيين: "الشعب في المقام الأول، ثم "شه جي" أي إله الأرض والمحاصيل، ثم الحاكم، لذلك، من يكسب قلوب الشعب هو ابن السماء." "شه جي" هو الإله المسؤول عن الأرض والمحاصيل، وهو أهم معبود للصينيين. بيد أن منغ تسي آمن بأن مكانة الشعب ليست فقط أعلى من الحاكم، وإنما أيضا أعلى من الإله "شه جي"، وفقط بدعم وموافقة الشعب يمكن أن يكون الشخص ابن السماء. استشهد منغ تسي بالملك الحكيم القديم "شون" كمثال قائلا: كان شون قادرا على وراثة مكانة ابن السماء من ياو، لأن ياو "أوصى به إلى السماء، وقبلته السماء، وأوصى به إلى الشعب، وقبله الشعب." لذا فإن شون هو نموذج لابن السماء نتيجة لاختيار الشعب.

تركت فكرة "أن إرادة الشعب هي إرادة السماء" تأثيرا عميقا على تطور تاريخ الصين وسياستها، فعلق الأباطرة الحكماء والوزراء الفضلاء في الصين القديمة أهمية كبيرة على إرادة الشعب واتجاه قلوب الشعب، واعتبروها حجر الزاوية لاستقرار النظام وأعلى أساس للشرعية السياسية. واليوم، فإن السلطة السياسية الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي اختيار تاريخي واختيار الشعب، وهي تجسد بشكل كامل وشامل إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب الصيني.

الشعب هو غاية سلطة الدولة

الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، وهذا تجسيد مهم للديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتفكير التقليدي الموجه نحو حاجة الشعب. قال شيون تسي (عالم من عصر الممالك المتحاربة): "السماء ترعى كل الناس، وليس الإمبراطور وحده. بل العكس من ذلك، فإن الغرض من إقامة الدولة هو خدمة الشعب في حياته وإنتاجه." وهذا يمثل التفكير الثابت لعلماء الكونفوشية.

تسي قونغ (أحد تلاميذ كونفوشيوس) سأل معلمه ذات مرة قائلا: "إذا كان الشخص محسنا إلى الآخرين ومساعدا لغيره دائما، فهل يعتبر شخصا فاضلا؟" قال كونفوشيوس: "ليس فقط شخصا فاضلا، بل هو ملاك، وحتى الملوك العظماء، مثل ياو وشون، يظلون بعيدين عن ذلك." من وجهة نظر كونفوشيوس، إن رعاية عامة الناس ومساعدتهم هي الهدف الأساسي للدولة، وهي المطلب الأساسي للملك أيضا. فيما يتعلق بالمثل الأعلى للتناغم، جاء في كتابه ((الطقوس)) أن الحالة المثالية للحوكمة هي تمكين كل شخص في الدولة من الحصول على مكانه الخاص، وأن تكون له حياة ونمو وإنجاز ورعاية. دعا منغ تسي الملك إلى أن "يستمتع مع الشعب"، واعتقد أن أهم وظيفة للدولة هي حماية الممتلكات الأساسية والحياة اليومية للشعب. في أوائل أسرة تشينغ (1644- 1911م)، طرح العالم الكبير هوانغ تسونغ شي رأيا مهما مفاده أن "الشعب هم السيد، والملك هو الضيف"، مشيرا إلى أن الشعب هو الجسم الرئيسي للسياسة، والملك هو الهدف الذي تم إنشاؤه لمصالح الشعب. لا ينبغي للملك أن يعتبر الدولة ملكا خاصا له، ولكن يجب أن يخدم الشعب، ولا يسعى وراء المصلحة الخاصة، ولكن يسعى لمصالح الشعب، ولا يجعل الكارثة الشخصية كارثة عامة، ولكن يعمل على تخفيف كوارث الشعب. إن قول الأمين العام شي جين بينغ: "أنا لست ملكا لنفسي ولن أخيب آمال الشعب" ملخص وتفسير دقيق لجوهر هذا الفكر.

بشكل عام، اعتقد الصينيون القدماء أن الشعب هو غاية الخدمة والهدف النهائي لسلطة الدولة، وهذه الفكرة التي تسطع بإشراق روح الديمقراطية، تواصل سطوعها في شكل الديمقراطية الشعبية في العصر الجديد.

مشاركة الشعب في حكم الدولة بطرق متنوعة

الديمقراطية التشاورية هي ترتيب مؤسسي مهم للشعب الصيني لإفساح المجال كاملا لإحساسه بالملكية والمشاركة في الحوكمة الوطنية، وهي تجسيد مهم للنظام الديمقراطي في الصين، حيث يتم الاستماع بشكل كامل إلى آراء واقتراحات الشخصيات من كافة الأوساط الاجتماعية.

تتماشى هذه النقطة مع المفهوم القديم لاختيار الأشخاص الأكفاء للخدمة العامة في الصين القديمة. كان هناك دائما مفهوم مهم للغاية في الثقافة الصينية مفاده أنه في الحكم الفعال للدولة لا ينبغي أن يكون الملك ديكتاتورا، ولكن يجب أن يستوعب تماما آراء الأشخاص الأكفاء، وأن الشخص، بغض النظر عن خلفيته، يمكن انتخابه لأجهزة الدولة وتولي مناصب حكومية. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الانتخابات ليس ما يسمى بـ"شخص واحد صوت واحد" كما هو الحال في الدول الغربية، ولكن من خلال أشكال مختلفة من الترشيح مثل التزكية والفحص والاختبار لاختيار الأشخاص الأكفاء حقا. يسمي بعض العلماء المعاصرين هذا النموذج السياسي بـ"سياسة الأكفاء". اختارت أسرة هان عددا كبيرا من أكفاء حكم الدولة من عامة الناس من خلال التزكية والفحص، مثل رئيس الوزراء قونغ سون هونغ. بعد فترة أسرة تانغ (618-907)، أصبح نظام الفحص الإمبراطوري الذي يركز على الاختبار الطريقة الرئيسية لاختيار الأكفاء، والتي كانت نظاما أكثر موضوعية وعدلا، مما عزز بشكل فعال التبادلات والتفاعلات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. تحت التأثير الواسع لنظام الفحص الإمبراطوري، ظهر في فترة أسرة سونغ (960-1279) مفهوم "الإمبراطور والمثقفون وكبار الموظفين يحكمون الدولة معا"، بحيث لم يعد حكم الدولة من اختصاص الإمبراطور فحسب، وإنما أيضا مسؤولية لا ينبغي أن يتنصل منها أي شخص ذي بصيرة. وقد أشاد المؤرخ الصيني في العصر الحديث تشيان مو، بالنظام الانتخابي في الصين القديمة والحكومة التي قامت عليه، واصفا إياها بحكومة المثقفين وكبار الموظفين وحكومة عامة الشعب، مما يشير بوضوح إلى أن الحكومة الصينية القديمة كانت تتمتع بقاعدة عريضة من المشاركة الشعبية.

بالإضافة إلى النظام الانتخابي، في الوحدات القاعدية على مستوى المحافظة وما دونها، أنشأ الصينيون القدماء أيضا أشكالا مختلفة من الحكم الديمقراطي الذاتي، ومن بينها نظام ميثاق القرية الذي ظهر في فترة أسرة سونغ. ميثاق القرية تنظيم قاعدي مستقل برئاسة شرفاء القرى، يتشكل من المتطوعين من أبناء القرى، وأعضاء التنظيم يرشحون القادة، ويناقشون أعراف القرية والتزاماتها، ويتوسطون في نزاعات أهلها، ويعالجون الشؤون العامة مثل الإغاثة والتعليم والضرائب فيها وما إلى ذلك، وكل ذلك وفقا لمبدأ التشاور الديمقراطي. إلى جانب ذلك، يدعو ميثاق القرية إلى الولاء والوئام والمودة بين الجيران. لعب ميثاق القرية دورا مهما في دفع أبناء الوحدات القاعدية إلى المشاركة بنشاط في إدارة الشؤون الداخلية واستقرار النظام الاجتماعي، وكان أيضا تجسيدا واضحا لروح الديمقراطية في المجتمعات القاعدية في الصين. اليوم، العديد من تدابير الحكم القاعدي في الصين، مثل الحكم الذاتي للقرويين وترقية حكماء القرى والتعاونيات وغيرها، وكلها تحمل ملامح نظام ميثاق القرية.

تصحيح الانحراف بنظام المؤرخ الإمبراطوري والمراقبة المتبادلة بين السلطات

أدرك الصينيون القدماء في وقت مبكر خطر السلطة التعسفية، وأولوا أهمية كبيرة للمراقبة وتوازن السلطات، وتجسد ذلك في نظام المؤرخ الإمبراطوري، وهو المراقب في نفس الوقت. تتمثل الواجبات الأساسية للمؤرخ الإمبراطوري في مراقبة الإمبراطور ووزرائه، وتصحيح القرارات الخاطئة، وتصحيح الميول غير السليمة، وطرح الآراء والاقتراحات بشأن السياسات الوطنية الرئيسية.

نظام المؤرخ الإمبراطوري له تاريخ طويل في بلادنا. ففي العصور القديمة، كان الإمبراطور محاطا بمثل هذه المناصب الرسمية. وتتمثل إحدى وظائف المؤرخ الإمبراطوري الأساسية في مراقبة سلوك الإمبراطور وتصحيح أخطائه. منذ فترة أسرة تشين، تم إنشاء منصب المؤرخ الإمبراطوري رسميا، وكان مسؤولا بشكل أساسي عن المراقبة، وهذا المنصب يشكل مع رئيس الوزراء المسؤول عن الإدارة والقائد الأكبر المسؤول عن الشؤون العسكرية، أجهزة السلطة الثلاثة الرئيسية تحت الإمبراطور. على مدى أكثر من ألفي عام، ثبت واكتمل المنصب باستمرار، وتحول إلى هيئة مراقبة شاملة ذات وظائف واضحة وعمليات مستقلة، مثل جهاز المراقبة الإمبراطوري في فترة أسرتي تانغ ويوان، ومركز التفتيش في فترة أسرتي مينغ وتشينغ. وقد لعب هذا النظام دورا حاسما في تسيير أعمال سلطات الدولة وساهم مساهمات عظيمة في تعديل الأخطاء، وتطهير الحكم من الفساد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي العصور القديمة، امتلك عديد من المؤرخين الجرأة على كشف الأخطاء واعترضوا على الأعمال غير القانونية، غير مبالين بالتضحية بأرواحهم، حتى لقب البعض منهم بـ"المؤرخ الإمبراطوري الحديدي". وفازوا بالثناء الواسع، وسجلوا أسماءهم في التاريخ. وفي العصر الحديث، أشاد صون يات صن، الرائد العظيم للثورة الصينية، بنظام المؤرخ الإمبراطوري ودمج سلطة المراقبة في صياغته لـ"دستور السلطات الخمس". كما استوعب نظام فحص الانضباط والمراقبة في الصين حاليا مزايا نظام المؤرخ الإمبراطوري التقليدي، وأنشأ نمطا من التغطية الكاملة لـ"المراقبات الأربع" وهي مراقبة الانضباط، ومراقبة جهاز التفتيش، وبعث فرق المراقبة، والمراقبة بالتفقد الدوري، حتى أصبحت ميزة مؤسسية مهمة في البناء الديمقراطي الصيني في العصر الجديد.

الديمقراطية هي إبداع روحي عظيم للمجتمع البشري، أكد القيمة السياسية لكل شخص عادي ودوره الذي لا غنى عنه في إدارة شؤون الدولة. ومع ذلك، إن الديمقراطية ليست فكرة مجردة، ولكل أمة أفكارها الديمقراطية الخاصة والفريدة في سياق تطورها التاريخي. إن النجاح الهائل الذي تحققه الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة في الصين حاليا، لا ينفصل عن الينابيع الثرية لثقافة الديمقراطية في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة. وعلى أساس أفكار المحبة والقرب من الشعب واعتبار الشعب أساسا، قام الصينيون القدماء باستكشاف فعال وبناء مثمر لروح ونظام الديمقراطية في العديد من الجوانب، ولا تزال جهودهم ملهمة حتى يومنا هذا. من خلال امتصاص العناصر الغذائية للثقافة التقليدية الممتازة، سيصبح النظام الديمقراطي الصيني أكثر اكتمالا، وذلك سيساهم بمزيد من الحكمة الصينية في تقدم الحضارة السياسية الإنسانية في ظل النظام العالمي الجديد.

--

تساو جينغ نيان، باحث في قاعدة أبحاث التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4