التبادلات الودية بين الصين والدول العربية الممتدة منذ آلاف السنين، ظل ديدنها دائما السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة والتنافع. منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي، وخاصة بعد انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، دخلت التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية إلى مرحلة جديدة متمثلة في التطور السريع والشامل بالإرشاد من قادة الجانبين، مما أضفى طابعا إنسانيا وثقافيا وزخما روحيا قويا على المشاركة في بناء "الحزام والطريق" بجودة عالية من قبل الصين والدول العربية وإنشاء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية، كما يمثل مساهمة حكمة الشرق في تحسين التبادلات الحضارية وتعزيز التعايش السلمي في العالم في الوقت الحالي.
الزعماء يحثون خطى التبادلات الحضارية
منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، تبادل الزعماء من الصين والدول العربية الزيارات وجمعت بينهم اللقاءات عشرات المرات. وكان حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ القمة الصينية- العربية الأولى في الرياض، عاصمة السعودية، وقمة الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية وزيارته للسعودية في الفترة من السابع إلى العاشر من ديسمبر عام 2022، أكبر نشاط دبلوماسي صيني مع الدول العربية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة رئيسية في القمة الصينية- العربية وطرح "الأعمال الثمانية المشتركة" لتعزيز التعاون العملي بين الصين والدول العربية، ومن ضمنه العمل المشترك للحوار بين الحضارات من خلال تعزيز التبادلات بين الشخصيات الحزبية والتبادلات البرلمانية والإعلامية والفكرية من الجانبين الصيني والعربي، وتأهيل أكفاء في مجالي الثقافة والسياحة وتنفيذ مشروعات ترجمة الكتب والأعمال الأدبية الصينية والعربية، وتدعيم تبادل الخبرات في مجال الحوكمة والإدارة. إن دبلوماسية الزعماء لا تعزز الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والدول العربية ودفع التعاون الإستراتيجي بينهما فحسب، وإنما أيضا تلعب دورا توجيهيا لإرشاد التبادلات الإنسانية والثقافية بين الحضارتين الصينية والعربية، وبالتالي تساهم في الارتقاء بالتبادلات بينهما بقوة في العصر الجديد.
أقيمت أربع دورات لاجتماع وزراء الثقافة وعشر دورات لندوة العلاقات الصينية- العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، فضلا عن دورات من مهرجان الفنون العربية، ومنتدى التعاون الإعلامي الصيني- العربي وملتقى التعاون الصيني- العربي في مجال الإذاعة والتلفزيون في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي. ووقع الجانبان الصيني والعربي اتفاقيات توأمة بين أكثر من أربعين مدينة من كل جانب، وبدأ تشغيل مركز التبادل الإعلامي وبوابة شبكة المكتبة الصينية- العربية الإلكترونية، وتمت ترجمة ونشر نحو مائة كتاب كلاسيكي وعمل أدبي معاصر من مشروع تبادل ترجمة الأعمال الكلاسيكية الصينية والعربية.
يعتبر مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، مؤسسة فكرية مهمة في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي. نظم هذا المركز ثلاث عشرة دورة تدريبية للمسؤولين العرب ودورتين تدريبيتين للدبلوماسيين العرب المقيمين في الصين منذ عام 2017 وشارك فيها 385 مسؤولا من الدول العربية وجامعة الدول العربية، الأمر الذي يؤدي دورا مهما في دفع تبادل الخبرات بين الصين والدول العربية في مجالي الحوكمة والإدارة وبناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد.
تحت الإرشاد الإستراتيجي لدبلوماسية الزعماء، تشهد التبادلات الإنسانية والثقافية بين الصين والدول العربية في العصر الجديد تقدما كبيرا، يتمثل في الاندماج بين التبادلات الثنائية والتبادلات المتعددة الأطراف، والتبادلات الرسمية والتبادلات الشعبية. وقعت الحكومة الصينية مع حكومات العديد من الدول العربية، خططا تنفيذية سنوية لاتفاقيات التعاون الثقافي الثنائية، وتعزز الزيارات المتبادلة بين الوفود الثقافية الحكومية على المستوى الوزاري، وتدعو مئات الفرق الفنية للقيام بالزيارات المتبادلة، وتدعم التعاون بين عدد كبير من المؤسسات الثقافية الصينية والعربية. وذلك بالإضافة إلى آليات التبادلات الثقافية المتعددة الأطراف، في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي.
جدير بالذكر أن التبادلات الحضارية بين الصين ودول الخليج العربية حققت تطورا سريعا وأصبحت مثالا رائدا في التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية، وتعد التبادلات الإنسانية والثقافية بين الصين والسعودية نموذجا بارزا. على سبيل المثال، كانت الصين ضيف الشرف لمهرجان الجنادرية في عام 2013، حيث قدمت معرضا متميزا جذب مجموعة هائلة من الزوار المحليين. وفي مارس عام 2017، حضر الرئيس شي جين بينغ وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود معا معرض "طريق العرب.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور". وفي الشهر ذاته، حضر الملك سلمان مراسم تدشين المكتبة الفرعية لمكتبة الملك عبد العزيز في جامعة بكين، وتم منحه شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة. وأقيم معرض "كنوز الصين" في السعودية والذي استمر من سبتمبر إلى نوفمبر عام 2018، وحظي بتقدير عال من الزوار السعوديين. بالإضافة إلى ذلك، سجلت التبادلات والتعاون بين الصين والسعودية في مجالات التعليم والمؤسسات الفكرية طفرة كبيرة. وقد أرسل الجانبان عددا متزايدا من الطلاب للدراسة في الجانب الآخر. وبفضل الدعم الكبير من ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان آل سعود، قررت السعودية إدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي ضمن مناهج جميع المراحل التعليمية في المدارس والجامعات السعودية. وقبيل القمة الصينية- العربية الأولى في ديسمبر عام 2022، كتب أكثر من مائة شاب سعودي يدرسون اللغة الصينية رسالة إلى الرئيس شي جين بينغ حول تجربتهم في تعلم اللغة الصينية وشعورهم به. رد الرئيس شي جين بينغ على رسالتهم وشجعهم على مواصلة تعلم اللغة الصينية لتقديم مساهمات جديدة لتعميق الصداقة بين الصين والسعودية وبين الصين والدول العربية. وأولت كل من الصين والسعودية اهتماما كبيرا لمشروع ترجمة الكتب الكلاسيكية الصينية والعربية، وقدمتا الدعم والتشجيع للمترجمين المشاركين بأشكال مختلفة، حيث حصل الأستاذ تشونغ جي كون من جامعة بكين والأستاذ تشو وي ليه من جامعة شانغهاي للدراسات الدولية على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في الدورتين الرابعة والسابعة على التوالي. ومع التبادلات المكثفة بين المؤسسات الأكاديمية والفكرية والشعبية في الصين والسعودية، يرتفع حجم الزيارات المتبادلة بين الأكاديميين والسياح والتجار يوما بعد يوم، الأمر الذي يشير إلى الرغبة القوية للتعارف والتفاهم بين الجانبين.
التشارك في بناء "الحزام والطريق" يوفر قوة كبيرة للتبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية في العصر الجديد
ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة رئيسية في مراسم افتتاح الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في يونيو عام 2014، حيث كشف عن دلالة روح طريق الحرير المتمثلة في "السلام والتعاون والانفتاح والشمول والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة"، داعيا إلى التشارك في بناء "الحزام والطريق" بين الصين والدول العربية، مما أثار استجابة حارة من الشعوب العربية، وأصبح موضوعا مهما في مجالات السياسة والتجارة والعلوم ووسائل الإعلام، وكذلك المؤسسات الفكرية وغيرها في الدول العربية. بالتالي، أعربت الشخصيات العربية من الأوساط السياسية والتجارية والعلمية عن رغبتها الكبيرة في التعرف على أفكار الحكم والإدارة ذات الخصائص الصينية وخبرات التنمية في "التحديث الصيني النمط"، وتطلعهم المتزايد إلى التشارك في بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية.
يشمل إطار التشارك في بناء "الحزام والطريق" أنشطة ثقافية متنوعة، مثل "عيد الربيع السعيد" و"رحلة الثقافة الصينية- العربية عبر طريق الحرير" و"فعالية الإحساس بروح الصين". وقدمت حركة ترجمة ونشر الكتب الرائعة عبر طريق الحرير، دعما كبيرا لترجمة أكثر من مائة مشروع لترجمة الكتب من اللغة الصينية إلى اللغة العربية. وشهد التعاون بين الصين الدول العربية في السياحة تقدما سريعا، حيث يعد كل من منتدى التعاون الصيني- العربي للسياحة والمؤتمر الصيني- العربي للوكالات السياحية منصة مهمة لتطوير السياحة وإجراء التعاون بين الجانبين. كما يزدهر التبادل السياحي بين الصين والدول العربية بشكل متزايد. وفقا للإحصاءات المعنية لعام 2018، بلغ عدد السياح العرب الذين زاروا الصين 8ر338 ألف شخص وتجاوز إجمالي عدد السياح الصينيين إلى الإمارات ومصر والمغرب 5ر1 مليون. فضلا عن ذلك، شهدت الصين والدول العربية تعاونا بارزا في مجالات الإذاعة والتلفزيون والإعلام والنشر. على سبيل المثال، أقيمت عبر الإنترنت الدورة الخامسة لملتقى التعاون الصيني- العربي في مجال الإذاعة والتلفزيون في ديسمبر عام 2021. تغطي إشارات القنوات العربية والإنجليزية والفرنسية التابعة لشبكة تلفزيون الصين الدولية الدول العربية وتحظى برامجها بإعجاب واسع النطاق بين المشاهدين العرب.
يعد التعاون اللغوي بين الجانبين الصيني والعربي نقطة مميزة في التبادلات الإنسانية والثقافية بين الجانبين، فقد أنشأت العديد من الجامعات الصينية تخصص اللغة العربية وفي المقابل يزداد عدد العرب الذين يتعلمون اللغة الصينية باستمرار. وأدرجت أكثر من 230 مدرسة وجامعة عربية اللغة الصينية في مناهجها التعليمية وأنشأت 13 دولة عربية عشرين معهد كونفوشيوس وأربعة فصول كونفوشيوس بحلول ديسمبر عام 2022.
التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية في العصر الجديد تقدم حكمة الشرق لتعزيز التعايش المتناغم في العالم
يمر العالم اليوم بتغيرات لم يسبق لها مثيل منذ مائة سنة، حيث تواجه الحضارة الإنسانية فرصا وتحديات جديدة في نفس الوقت. تعمل الصين بشكل إيجابي على الانخراط في الحوكمة العالمية في العصر الجديد وتولي اهتماما بالغا لتعزيز التبادل مع الحضارات المختلفة، بما فيها حضارات الشرق الأوسط. أكد الرئيس شي جين بينغ على أهمية التبادلات الحضارية بين الصين ودول الشرق الأوسط في كلماته التي ألقاها في أعوام 2014 و2016 و2018 على التوالي. وفي التاسع من ديسمبر عام 2022، وصف الرئيس شي جين بينغ في كلمته الرئيسية للقمة الصينية- العربية الأولى، "روح الصداقة الصينية- العربية" بالقول: "تتمتع الصين والدول العربية بتاريخ طويل من التبادلات الودية، فقد تعارف الشعبان وتصادقا عبر طريق الحرير القديم، وتقاسما السراء والضراء في النضال من أجل التحرر الوطني، وتعاونا على الكسب المشترك في خضم العولمة الاقتصادية العارم. لقد التزمنا بالأخلاق في ظل الوضع الدولي المتغير، وكثفنا روح الصداقة الصينية- العربية المتمثلة في’تبادل المساعدة والمساواة، والمنفعة والتسامح والتعلم‘." وقال في الكلمة الرئيسية بقمة الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية: "فلنكن شركاء في مسيرة النهوض بحضارتينا. علينا تعزيز التقارب بين شعوبنا، وتنويع التواصل الإنساني والثقافي، والاستفادة من الثمار الثقافية المتميزة لدى الجانبين وتكريس جوهر الحضارة الشرقية، بذلك نساهم مساهمة إيجابية في سبيل التطور والتقدم للحضارة البشرية."
تعرضت الأمتان الصينية والعربية للمعاناة في التاريخ الحديث وتمتلك الحضارتان الصينية والعربية خصائص حضارية فريدة خصائص. فضلا عن ذلك، هناك سمات مشتركة في قيمهما ومفاهيمهما، مثل التطلع إلى التقدم والاهتمام بفكرة الوسطية والاعتدال والوفاء والتسامح والانضباط الذاتي، وقد ساهمت الأمتان مساهمات كبيرة لدفع عجلة تقدم الحضارة البشرية. لطالما قدرت الحضارتان الصينية والعربية السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والفوز المشترك في تاريخ التعاملات الطويل بينهما. لذلك، تجعل أفكار الاهتمام بالسلام والتناغم مع التباين، التبادلات بين الحضارتين الصينية والعربية جيدة ومتواصلة ومتناغمة.
وخلال التبادلات الإنسانية والثقافية في العصر الجديد، على كل من الصين والدول العربية أن ترفع راية الحوار الحضاري عاليا، وتدعو إلى التعلم والاستفادة المتبادلتين، وتعزز التبادلات الثقافية، وتحث على تعميق التفاهم بين شعوب الجانبين، وتبحث عن نقاط الالتقاء بين التقاليد الثقافية الممتازة في حسن التعامل مع الآخر واتجاهات تطور عصرنا الحالي، وتدفع التحول الإبداعي والتطور المبتكر للثقافة التقليدية باستمرار، وتنفذ بكل نشاط مبدأ "تجاوز الفجوات الحضارية بالتبادل الحضاري، وتجاوز الصراعات الحضارية بالاستفادة الحضارية المتبادلة وتجاوز الاستعلاء والتفوق الحضاريين بالتناغم الحضاري"، وتبني طريقا سليما لتعايش الحضارات وتعامل بعضها مع البعض، فهذا لا يساعد على إعطاء زخم ثقافي وروحي لتعزيز التفاهم بين الشعب الصيني والشعوب العربية وبناء الشراكة الإستراتيجية الكاملة بين الصين والدول العربية فحسب، وإنما أيضا يقدم حكمة الشرق في التعامل بين الحضارات المختلفة، بل ويصبح نموذجا مثاليا متسما بالاستفادة المتبادلة والتعايش والتناغم في العالم اليوم.
ومع انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، تدخل العلاقات بين الصين والدول العربية أفضل فترة لها. ونحن نتطلع إلى إبراز الدور الحضاري لهما في تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية معا، وإضفاء قوة الاستقرار على العالم المضطرب ومنح أمل جديد للسلام والتنمية العالمية.
--
دينغ جيون، رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، نائب رئيس الجمعية الصينية لدراسات آسيا وأفريقيا، عضو الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط، عضو مركز الدراسات لمنتدى التعاون الصيني- العربي وباحث في فرع قانسو لجمعية الدراسات النظرية للجبهة المتحدة التابعة لإدارة عمل الجبهة المتحدة باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.