تعد التبادلات الثقافية منصة مهمة للعلاقات الدولية الحديثة. فتقوم الصين والدول العربية بالتبادلات الثقافية متخذة التعاون في مجال الترجمة والنشر وسيلة، وهذا يعد عاملا رئيسيا لبناء رابطة المصير المشترك متكاتفين لمواجهة العصر الجديد، ويشكل مفتاحا مهما لتعميق التفاهم وتفادي سوء الفهم بين الشعبين، وبالتالي يعزز التواصل بين قلوب الشعوب في الصين والدول العربية.
التطوير المستمر للتعاون في مجال الترجمة والنشر
لدى الصين والدول العربية تاريخ طويل ومتنوع من التبادلات. مع تقدم وتعزيز مبادرة "الحزام والطريق"، حقق التبادل والتعاون بين الصين والدول العربية في مجال الترجمة والنشر إنجازات بارزة، واكتسب خبرات قيمة.
في السادس والعشرين من أغسطس عام 2015، وقع تان يويه، الرئيس التنفيذي لمجموعة النشر الصينية المحدودة، وعاصم شلبي، رئيس اتحاد الناشرين العرب، اتفاقية تعاون إستراتيجي نيابة عن مؤسستيهما. هذه الاتفاقية ذات أهمية كبيرة، إذ تعتبر أول تعاون على نطاق واسع في صناعة النشر والترجمة المتبادلة مع الدول الناطقة بالعربية؛ وتم تأسيس آلية تعاون لتعزيز صناعة النشر في الصين والدول العربية.
في الثاني من سبتمبر عام 2015، افتتح المنتدى الصيني- العربي للتعاون في مجال النشر في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي، حيث تضمن ست فعاليات، منها منتدى النشر الرفيع المستوى بين الصين والدول العربية، واللقاءات والمحادثات بين الجانبين حول حقوق الطبع والنشر لعام 2015، وحفل إصدار كتاب ((أعمال الكتاب المسلمين المعاصرين))، وإطلاق منصة تبادل المعلومات عن حقوق الطبع والنشر للصين والدول العربية، ومؤتمر الصين والدول العربية لترويج شبكة حقوق الطبع والنشر وغيرها. شارك في المنتدى الصيني- العربي للتعاون في مجال النشر ممثلون عن مؤسسات النشر من ثلاث وعشرين دولة، مثل مصر والسودان والمغرب وماليزيا، إلخ، وممثلون من أكثر من سبعين مؤسسة نشر صينية، حيث تم التباحث حول تبادل أعمال حقوق الطبع والنشر والتعاون في النشر والتوزيع وتبادل الثقافات والكتب وغيرها، وقد حقق المنتدى إنجازات مثمرة. وفي نفس الشهر، افتتح في بكين مكتب الصين التابع لاتحاد الناشرين العرب.
في السادس والعشرين من إبريل عام 2017، افتتح معرض أبو ظبي الدولي للكتاب لعام 2017، وكانت الصين ضيف الشرف. فأجرت مجموعة النشر الصينية المحدودة محادثات حول أعمال حقوق الطبع والنشر والتعاون في مجال النشر والتوزيع مع جمعية الناشرين الإماراتيين واتحاد الناشرين العرب، وأقيم منتدى القمة الصينية- العربية لتطوير النشر في ذات اليوم. بالإضافة إلى ذلك، شاركت السعودية والإمارات والمغرب والجزائر، كضيوف شرف في معرض بكين الدولي للكتاب لأعوام 2013 و2015 و2018 و2023 على التوالي.
في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 2018، أُقيم منتدى القمة الصينية- العربية للنشر والثقافة في مركز الصنوبر البحري للمعارض في الجزائر. شارك الناشرون الصينيون والعرب في مناقشات مكثفة حول التبادل والتعاون في مجال النشر بين الصين والجزائر والدول العربية.
في عام 2023، قاد تشانغ جيان تشون، نائب رئيس دائرة الدعاية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفدا صينيا للمشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب في السعودية، وهي أول مشاركة لوفد صيني رفيع المستوى في معرض للكتاب بدولة عربية بعد القمة الصينية- العربية الأولى في عام 2022. خلال فترة المعرض، تم عقد المنتدى الصيني- العربي للتبادل والتعاون في مجال النشر، وتوقيع البرنامج التنفيذي بين هيئة الأدب والنشر والترجمة بالمملكة العربية السعودية والهيئة الوطنية للصحافة والنشر بجمهورية الصين الشعبية، مما أسهم في تطوير التبادل الحضاري والثقافي بين الصين والسعودية والدول العربية إلى مستويات جديدة.
في السنوات الأخيرة، تم تنفيذ عدة مشروعات للنشر والترجمة باللغات الأجنبية، مثل مشروع الترجمة والنشر المتبادل للأعمال الكلاسيكية بين الصين والسعودية، ومشروع ترجمة ونشر الأعمال الكلاسيكية الصينية، ومشروع النشر الدولي للأعمال الكلاسيكية الصينية، ومشروع ترجمة الأعمال الأكاديمية الصينية إلى اللغات الأجنبية، ومشروع طريق الحرير للكتب، ومشروع ترجمة الأعمال الصينية المعاصرة. وقد لعبت تلك المشروعات دورا إيجابيا في نشر الثقافة التقليدية الصينية والأدب الصيني في العالم العربي، وتعزيز التواصل والتفاعل بين مؤسسات النشر الصينية والعربية ومنظمي معارض الكتاب والقراء.
تحويل المشروعات الرئيسية إلى نماذج ناجحة
في مجال التعاون المتبادل في الترجمة والنشر والتوزيع بين الصين والدول العربية، يبدو أن إنشاء النماذج الناجحة والمثالية والمشروعات الرئيسية وتعزيز دورها الرائد والنموذجي مهم للغاية. على سبيل المثال، وقعت الصين والسعودية على مذكرة تفاهم بشأن "مشروع الترجمة والنشر المتبادل للأعمال الكلاسيكية والمعاصرة بين الصين والسعودية" في عام 2016، منذ ذاك، بذل الطرفان جهودا مشتركة لنشر العديد من ترجمات الأعمال الكلاسيكية السعودية في الصين، ولقيت ترحيبا وتقديرا من قبل القراء الصينيين. وقدمت مؤسسات النشر في الصين والسعودية، مثل مركز البحوث والتواصل المعرفي في السعودية ودار إنتركونتننتال للنشر ودار نشر جامعة بكين للمعلمين في الصين، مساهمات مميزة في تعزيز أعمال التعاون المتبادل في مجال النشر والتوزيع والترجمة بين البلدين. حتى يناير عام 2024، أوصى مركز البحوث والتواصل المعرفي بأربعة عشر كتابا باللغة العربية، وقامت دار إنتركونتننتال للنشر بترجمة ونشر ستة كتب منها، وهي: ((غراميات شارع الأعشى)) و((العصفورية)) و((أن تبحر نحو الأبعاد)) و((غفوة ذات ظهيرة)) و((مدن تأكل العشب)) و((10 سيناريوهات لتطور العلاقات بين السعودية والصين))؛ بينما قامت دار نشر جامعة بكين للمعلمين بترجمة ونشر ثمانية كتب منها، بما فيها: ((عرق وطين)) و((ثمن التضحية)) و((ثقب في رداء الليل)) و((تطور النقود في المملكة العربية السعودية)) و((بين الحقيقة والخيال روائع من موروثنا الشعبي)) و((غدا أنسى)) و((حمزة شحاتة: قمة عُرفت ولم تُكتشف)) و((ماما زبيدة)).
في السنوات الأخيرة، أقامت مؤسسات النشر الصينية والسعودية أنشطة متنوعة وكثيرة، سعيا إلى توسيع تأثير المنشورات المعنية في إطار التعاون الصيني- السعودي وتعزيز ترويج المنشورات باستمرار. على سبيل المثال، خلال معرض بكين الدولي للكتاب في عام 2019، أقامت دار نشر جامعة بكين للمعلمين مع جمعية صداقة الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية وجمعية الصداقة الصينية- العربية وجامعة بكين للدراسات الأجنبية حفل إشهار مشروع النشر الصيني- السعودي للأعمال الكلاسيكية والحديثة ومكتبة الصداقة الصينية- العربية وحوار الحضارات الشرقية، وتم إطلاق الدفعة الأولى من منجزات مكتبة الصداقة الصينية- العربية. وخلال معرض الرياض الدولي للكتاب في عام 2022، أقامت دار إنتركونتننتال للنشر ومركز البحوث والتواصل المعرفي حفل إشهار منجزات مشروع الترجمة والنشر المتبادل للأعمال الكلاسيكية والمعاصرة بين الصين والسعودية، كما قدمت دار إنتركونتننتال للنشر جائزة "أفضل شريك للتعاون الخارجي" إلى شريكها السعودي؛ مركز البحوث والتواصل المعرفي السعودي، تقديرا لمساهمته البارزة في تعزيز التبادل الثقافي والترجمة المتبادلة والنشر بين الصين والسعودية. في مارس عام 2021، أقام مركز البحوث والتواصل المعرفي مع سفارة الصين لدى السعودية حفل إطلاق الدفعة الثانية من منجزات مشروع الترجمة والنشر المتبادل للأعمال الكلاسيكية والمعاصرة بين الصين والسعودية بحضور تشن وي تشينغ سفير الصين لدى السعودية. في أكتوبر عام 2023، أقام مركز البحوث والتواصل المعرفي مع دار إنتركونتننتال للنشر الندوة العربية- الصينية للتعاون والتبادل في مجال النشر في الرياض.
يتطور التعاون الصيني- العربي في الترجمة المتبادلة والنشر بشكل مزدهر، وينطلق نحو آفاق واسعة. في المستقبل، من المتوقع أن تعمل الصين والدول العربية معا على تقديم المزيد من الأعمال المتميزة للقراء، سعيا إلى التخلص من الصور النمطية وتحسين التفاهم بين الشعبين الصيني والعربي. على هذا الأساس، توجد مساحة كبيرة في مجالات البحث العلمي والنشر المشترك وتنظيم المعارض بين الصين والدول العربية.
التقدم جنبا إلى جنب لمواجهة التحديات
على الرغم من تحقيق إنجازات وخبرات قيمة، ما زالت الصين والدول العربية تواجه تحديات ومشكلات عديدة في التبادل والتعاون في مجال الترجمة والنشر، ومنها قلة التنوع في أنواع الكتب المترجمة وعدم استقرار جودة الترجمة وضآلة حصة الأعمال في سوق الطرف الآخر. بالنسبة للصين، على الرغم من أن الدول العربية تشهد اهتماما متزايدا بالصين، لا يزال اهتمام الشباب العرب بالصين وثقافتها أقل من اهتمامهم بالبلدان الآسيوية الأخرى مثل اليابان وجمهورية كوريا. وبالمثل، فإن الشباب الصينيين لا يعرفون كثيرا عن الدول العربية وثقافتها، بالمقارنة مع معرفتهم عن الثقافة الغربية. وهذا يظهر نقص الجهود في مجال النشر في كل من الصين والدول العربية. من ناحية إعداد الأعمال ونشرها، هناك حاجة إلى توسيع نطاق موضوعات الكتب التي تترجم وتنشر في الصين والدول العربية، ويجب تعزيز جهود ترويج المشروعات وتوزيع الأعمال المعنية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الطرفين الصيني والعربي العمل على جذب الزبائن والقراء، وحث المزيد من الناس في مختلف المجالات على التركيز على الأعمال الناجحة والمشروعات الثقافية المتميزة، وبالتالي يتوسع تأثير الأعمال وتزيد جاذبيتها.
من أجل مواجهة التحديات، لا بد لكلا الجانبين الصيني والعربي التعاون والسير قدما معا لجعل التعاون في الترجمة المتبادلة والنشر في العصر الجديد يصبح مفتاحا مهما لبناء رابطة المصير المشترك، ويقدم قوة محركة مستدامة.
____
لي شي جيون، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية وباحث مساعد في مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية.