يُعد التعاون بين الدول العربية والصين في المجال الإعلامي، أحد المحاور الرئيسية ضمن آليات منتدى التعاون العربي- الصيني الذي تم تدشينه في 30 يناير عام 2004، وهو ما يتمثل في ندوة التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام، وملتقى التعاون العربي- الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيون. وقد كان الإعلام، وتحديدا وسائل الإعلام الصينية الناطقة باللغة العربية، وبشكل أكثر تحديدا مجلة ((الصين اليوم))، هي أول من كشف عن الإجراءات والخطوات التي كانت تجري لتأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني، وهو ما يفسر الأهمية الكبيرة التي يحظى بها البُعد الإعلامي ضمن آليات المنتدى.
دور مهم للإعلام في تحفيز التعاون العربي- الصيني
يلعب الإعلام دورا مهما في تفعيل التعاون العربي- الصيني في الوقت الراهن، وهو الدور الذي تؤكده العديد من العوامل والاعتبارات. أولها، دور الإعلام في نقل وتوضيح الصورة الحقيقية عن الأوضاع الخاصة بالجانبين العربي والصيني في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتكنولوجية وغيرها، بما يساهم في تشكيل توجهات الرأي العام عن الدول العربية والصين، وتعزيز الفهم المشترك بين الجانبين. ثانيها، تعميق الروابط بين الحضارتين والثقافتين العربية والصينية، وتعزيز الروابط بين الشعوب العربية والشعب الصيني. ثالثها، أهمية دور الإعلام في تعريف كل جانب بالآخر بموضوعية وحيادية، مقارنة بوسائل الإعلام الغربية التي تتبنى في معظمها وجهات نظر منحازة وغير إيجابية تجاه الدول العربية والصين. رابعها، مما يزيد من أهمية التعاون الإعلامي العربي- الصيني التحديات العديدة التي تواجه الإعلام لدى الجانبين العربي والصيني، وعلى رأسها التطورات المتسارعة المرتبطة بتزايد دور الذكاء الاصطناعي ومكافحة الأخبار الزائفة. خامسها، تعريف الرأي العام العربي والمواطن العربي بالمواقف التي تتبناها الصين تجاه القضايا والأحداث التي تشهدها المنطقة العربية.
سادسها، العلاقة القوية التي تربط بين الإعلام والسياسة الخارجية فى النظام الدولى الراهن، إذ يُعد الأول إحدى الوسائل المهمة لتنفيذ الثانية، حيث بات يؤدى دورا متزايد الأهمية فى تنفيذ أهداف السياسة الخارجية، والتى تتجسد فى تحقيق المصلحة الوطنية للفواعل الدولية المختلفة، عبر التأثير فى الرأى العام فى الدول الأخرى، وكذلك فى الرأى العام العالمى. حيث تعمل الصين فى إطار مشروعها للانطلاق إلى العالمية تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، على تبني سياسة خارجية تتسم بالنشاط والاستباقية، وهو ما يتضح فى دعوته إلى تعزيز القوة الناعمة للصين، وطرح رواية صينية جيدة، وإيصال رسائل بكين إلى العالم بشكل أفضل.
سابعها، الدفاع عن القضايا الجوهرية للجانبين العربي والصيني، والتى تمثل أولوية قصوى بالنسبة للسياستين الداخلية والخارجية لكل منهما، والتى غالبا ما تُعد سببا فى توجيه الانتقادات إليهما. وأخيرا، تفنيد التصورات الخاطئة لواشنطن تجاه بكين فى إطار سيطرة التنافس والصراع على العلاقات الصينية- الأمريكية، إذ تقوم وسائل الإعلام الصينية بتفنيد التصورات الخاطئة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين، ولا سيما سعى الأولى إلى الترويج لخطاب "التهديد الصينى"، والتدخل فى شؤون بكين الداخلية، وتشويه سياسة الصين الداخلية والخارجية، فى محاولة لاحتواء الأخيرة.
وفي هذا السياق، أكدت الوثائق الصينية بشأن العلاقات بين الصين والدول العربية على الأهمية التي يمثلها الإعلام في تفعيل العلاقات بين الجانبين. حيث نصت "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، التي أصدرتها الصين في الثالث عشر من يناير 2016، على "تشجيع مؤسسات الإعلام والنشر لدى الجانبين على إجراء التواصل والتعاون، والعمل على تنفيذ مذكرة التفاهم حول الترجمة والنشر للكتب الصينية والعربية والأعمال العربية، وتشجيع ودعم مشاركة مؤسسات النشر لدى الجانبين في معارض الكتب الدولية المقامة في الجانب الآخر".
كما أكد البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي- الصيني 2020- 2022، فيما يتصل بالتعاون في مجال الإعلام على أهمية مواصلة تعزيز التواصل والتعاون العربي- الصيني في مجالات الإعلام والإذاعة والتلفزيون والسينما والنشر باستمرار في إطار المنتدى. وأكد الجانبان على ضرورة تعزيز التعاون بينهما في مجال الإعلام، بما في ذلك تشجيع التواصل بين المؤسسات الإعلامية العربية والصينية، ودعم الأنشطة الإعلامية المشتركة.
وبدورها، تؤكد جامعة الدول العربية على أهمية دور الإعلام في تفعيل الشراكة العربية- الصينية لتحقيق المصالح المشتركة، وأهمية الحاجة إلى مواكبة التطور السريع الذي طرأ على وسائل الإعلام والاتصال والانفتاح على مختلف التجارب، بما فيها التجربة الصينية في المجال التكنولوجي والرقمي.
إنجازات عديدة
حقق التعاون بين الدول العربية والصين في مجال الإعلام العديد من الإنجازات، سواء في إطار آلية ندوة التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام، والتي تم تدشينها في عام 2008، أو في إطار آلية ملتقى التعاون العربي- الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيون، والتي تم تدشينها في عام 2011.
ففي إطار التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام، جرى عقد أربعة دورات من ندوة التعاون الإعلامي العربي- الصيني. حيث استضافت بكين الدورة الأولى في الفترة من 23 إلى 25 إبريل عام 2008، تحت شعار "دفع التعاون الإعلامي من أجل تعزيز الصداقة الصينية- العربية". وقد اتفق الجانبان العربي والصيني في البيان الختامي على إنشاء آلية منتدى التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام، على أن يعقد المنتدى دورة كل سنتين بمشاركة مسؤولين من القطاعات المسؤولة عن الشؤون والمؤسسات الإعلامية ووسائل الإعلام الرئيسية من الصين والدول العربية، وإنشاء آلية للتواصل بين مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لتقييم مدى التقدم في التعاون بين الجانبين والإعداد للدورات القادمة لمنتدى التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام، وغيره من مشروعات التعاون المختلفة.
وعقدت الدورة الثانية في مدينة المنامة بالبحرين، في يومي 6 و7 مايو عام 2010، وذلك تحت شعار "استخدام وسائط الاتصال الحديثة والمرتقبة في مجال الإعلام". حيث أكد الجانبان على الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في تعزيز التقارب الفكري والثقافي وتعميق أواصر الصداقة بين الحضارتين العربية والصينية، من خلال التوظيف السليم لمختلف وسائل الإعلام، في تقريب الرؤي والأفكار، في إطار من التفاهم واحترام الخصوصية وجعل أي اختلافات عنصرا لإثراء هذه الصداقة، ويعتبر التعاون الإعلامي بوابة أساسية لتعميق هذا التعاون من خلال إبراز أهمية منتدى التعاون العربي- الصيني كإحدى أهم آليات التعاون إقليميا ودوليا.
وعقدت الدورة الثالثة في مدينة قوانغتشو بالصين، في يومي 24 و25 إبريل عام 2012، وذلك تحت عنوان "تعزيز التعاون الإعلامي ودفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية"، حيث أصدرت بيانا يسلط الضوء على أهمية التعاون الإعلامي في دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين. وعقدت الدورة الرابعة من ندوة التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام في 24 نوفمبر عام 2020، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، بمشاركة ممثلي هيئات الإعلام ورؤساء وسائل الإعلام الرئيسية من الصين والدول العربية، وركزت على موضوع "مسؤولية وسائل الإعلام في تعزيز التنمية الصينية- العربية المشتركة في ظل جائحة كوفيد- 19".
وفي سياق التعاون العربي- الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيون، جرى عقد ست دورات لملتقى التعاون العربي- الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيون، والذي لعب دورا مهما في تعزيز الحوار الإعلامي وتعميق التبادلات بين الدول العربية والصين. حيث أتاح الملتقى الفرصة للتبادل والتعاون بين الصين ووسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية العربية، وأصبح على نحو متزايد نافذة مهمة لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية في الصين للتواجد في الدول العربية.
وفي هذا الإطار، عقدت الدورة الأولى للملتقى بمدينة ينتشوان الصينية، في عام 2011، تحت عنوان "الاتصال والتعاون والتنمية المشتركة". وعقدت الدورة الثانية للملتقى في عام 2013، تحت عنوان "التبادل والتعاون والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك"، وخلال هذه الدورة وقعت الصين مع الجانب العربي على عدد من اتفاقيات التعاون الشاملة في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني، واتفاقية ترخيص لبث الأفلام والبرامج التلفزيونية الصينية. وعقدت الدورة الثالثة للملتقى في عام 2015، وركزت على مبادرة "الحزام والطريق"، باعتبار "تعزيز روح طريق الحرير وتعميق التعاون الإعلامي" موضوعا رئيسيا، مع التركيز على التبادلات والتعاون بين الصين والدول العربية في البرامج التلفزيونية والسينمائية. وعقدت الدورة الرابعة للملتقى في مدينة هانغتشو، في الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر عام 2019، تحت شعار "تعميق التعاون في النشر وإثراء محتويات الإبداع". وعقدت الدورة الخامسة للملتقى في بكين يوم 6 ديسمبر عام 2021، تحت عنوان "تعزيز الاندماج والنشر، وتحفيز التعلم المتبادل بين الحضارات"، وقد عقد الملتقى حضوريا بالنسبة للجانب الصيني في مدينتي بكين وهانغتشو، وعن طريق الاتصال المرئي عن بُعد بالنسبة للجانب العربي. وعقدت الدورة السادسة للملتقى في مدينة هانغتشو، خلال الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر 2023، تحت عنوان "تعزيز الصداقة الصينية- العربية والاستفادة المشتركة من تطور الصناعة المرئية والمسموعة".
وبالتزامن مع انعقاد القمة العربية- الصينية الأولى، عُقد منتدى التعاون الإعلامي العربي- الصيني بمدينة الرياض السعودية في ديسمبر 2022، وأطلق ثلاث مبادرات للتعاون الإعلامي بين السعودية والدول العربية مع الصين، تشمل مبادرة إنتاج برنامج تلفزيوني مشترك بين هيئة الإذاعة والتلفزيون في السعودية ومجموعة الصين للإعلام، ومبادرة "بث الأعمال المرئية الصينية في الدول العربية، وبث الأعمال العربية في وسائل الإعلام الصينية"، بهدف تعزيز تبادل نشر المحتوى الثقافي والفني والاجتماعي، فضلا عن مبادرة "تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام العربية والصينية"، والتي تضمنت تبادل الخبرات الفنية بين الدول العربية والصين، ورفع مستوى الالتزام بحماية مصداقية الأخبار، وتبادل الزيارات بين أبرز الإعلاميين في الصين والدول العربية. ودعا متحدثون خلال المنتدى إلى ضرورة أن يعمل الجانبان العربي والصيني بانفتاح وتسامح، لخلق نموذج متميز يعكس التناغم بين الشعوب، على أساس الاحترام المتبادل للقيم المتنوعة والإنصاف والعدالة الدولية.
وتُعد الصين من القوى الدولية التي تحظى بصورة إيجابية قوية لدى دول وشعوب المنطقة العربية، إذ يُنظر إليها باعتبارها صديقا موثوقا به. فقد كشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته شركة "أصداء بي سي دبليو" للعلاقات العامة، ومقرها دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ونشرت في يونيو 2023، أن الصين جاءت في المرتبة الثانية، كأكثر الدول شعبية لدى الشباب في 18 دولة عربية، رأى 80% منهم أن الصين حليف لبلادهم. وهو ما يعكس النظرة الإيجابية لدى الشباب العربي تجاه الصين، باعتبارها صديقا مخلصا ووديا وموثوقا به.
رؤية مستقبلية
على الرغم مما حققه التعاون بين الدول العربية والصين من زخم كبير في المجال الإعلامي خلال الفترة الماضية، سواء في إطار علاقات الصين مع الدول العربية فرادى، أو في الإطار الجماعي ممثلا في منتدى التعاون الصيني- العربي ومنتدى التعاون الإعلامي لدول مبادرة "الحزام والطريق"، فإن التطورات المتسارعة التي تفرضها التقنيات الجديدة في مجال الإعلام، وخاصة تقنيات الذكاء الاصطناعي، تفرض على الجانبين العربي والصيني، ضرورة العمل على مواكبة هذه التطورات الجديدة، بهدف استكشاف ما تنطوي عليه من مزايا، وتحديد سُبل التعامل مع ما تفرضه من تحديات على التعاون الإعلامي بين الجانبين.
وفي هذا السياق، يمكن طرح الرؤى والأفكار الآتية:
أولا، أهمية عمل الدول العربية والصين على تطوير آليات التعاون الإعلامي بين الجانبين، بما يتواءم مع مواكبة التطورات المتلاحقة التي يشهدها المجال الإعلامي في الوقت الراهن، من خلال عقد الفعاليات التي تجمع بين الإعلاميين من الجانبين لمناقشة كيفية التعامل مع هذه التطورات والتحديات. بالإضافة إلى توسيع التبادل بين الإعلاميين من الجانبين وتعزيز التعاون بين وسائل الإعلام العربية والصينية.
ثانيا، التفكير في ضرورة قيام الدول العربية بإطلاق قناة إعلامية لمخاطبة الجانب الصيني باللغة الصينية، على غرار قيام الصين بإطلاق قناة ناطقة باللغة العربية موجهة للمنطقة العربية، خاصة وأن الجانب العربي يمتلك القدرات البشرية والإمكانيات المالية التي تمكنه من تحقيق هذا الهدف.
ثالثا، العمل على تطوير المحتوى الإعلامي العربي والصيني على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وتحديثه بشكل مستمر لمواكبة التدفق السريع وغير المسبوق للأحداث والتطورات التي تشهدها الدول العربية والصين، بالإضافة إلى أهمية توثيق التعاون الإعلامي بين الجانبين، ليكون متاحا للقارئ العربي والصيني، لإثراء المعرفة والوعي بالدور المهم الذي يقوم به الإعلام في تعزيز وتفعيل التعاون العربي- الصيني. وهناك العديد من المؤسسات الإعلامية ودور النشر لدى الجانبين التي يمكنها المساهمة في تحقيق وإنجاز هذا الهدف.
وأخيرا، من الأهمية بمكان أن تعمل وسائل الإعلام العربية والصينية بكافة أشكالها على إبراز الدور المهم الذي لعبه منتدى التعاون العربي- الصيني في تفعيل علاقات التعاون والشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية والصين، في ضوء الذكرى السنوية العشرين لتأسيس المنتدى. ومثلما كانت مجلة ((الصين اليوم)) أول وسيلة إعلامية تنفرد بالكشف عن تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني، ومتابعة مسيرة ومراحل تطوره، فإنها ستكون أيضا في طليعة وسائل الإعلام التي تبرز دوره وأهميته في الوقت الراهن.
--
عادل علي، إعلامي وباحث في الشؤون الصينية- مصر.