ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ مفهوم "وحدة المعرفة والعمل" في عدة مناسبات، مؤكدا أن "المعرفة" هي الأساس والشرط المسبق، و"العمل" هو الهدف والمفتاح. وقال إن المعرفة والعمل يجب أن يسيرا معا ويساعد كل منهما الآخر.
مفهوم "وحدة المعرفة والعمل" من المفاهيم الأساسية في الفلسفة الصينية القديمة. يرجع النقاش حول "المعرفة والعمل" في الصين إلى فترة ما قبل أسرة تشين (ما قبل 221 قبل الميلاد)، فقد جاء في كتاب ((شانغشو)) ("السجلات"): "اكتساب بعض المعرفة ليس صعبا، الصعب هو وضعها موضع التنفيذ." إن العلاقة بين المعرفة والعمل من المحتويات المهمة في الفلسفة الصينية التي أبدعت مفاهيم مختلفة حول المعرفة والعمل، مثل "المعرفة قبل العمل" و"العمل قبل المعرفة" و"العمل أهم من المعرفة"، إلخ. وقد أكد الفيلسوف الجنرال وانغ يانغ مينغ (1472-1529) من أسرة مينغ، على وحدة "المعرفة" و"العمل"، وأبدع مفهوم "وحدة المعرفة والعمل"، الذي بات المفهوم الأكثر قبولا للمعرفة والعمل لدى الصينيين، وله تأثير عميق على الفلسفة الصينية والثقافة الصينية.
معنى "وحدة المعرفة والعمل" هو أن المعرفة والعمل بطبيعتهما وجهان لعملة واحدة، وهما مؤشر داخلي ومؤشر خارجي لمنزلة الشخص الأخلاقية. وفقا لكتاب ((مختارات كونفوشيوس))، لاحظ كونفوشيوس أن الحكيم لديه عقلية نشيطة، ومن ثم لديه ميل طبيعي لتدفق المياه الصافية، والشخص الفاضل هادئ ومنضبط، فمن طبيعته أن يحب الجبال العظيمة الراسخة. وما دامت المعرفة والعمل شيئا موحدا فإن المرء، من أجل تنمية شخصيته الأخلاقية يحتاج إلى صقل العقل والسلوك معا. يتضمن كتاب ((شي شو شين يو)) (سرد جديد لحكايات العالم) الذي يرجع إلى القرن الخامس الميلادي، ملاحظات وحكايات عن بعض الشخصيات التاريخية، ومنها قصة عن الصديقين الشابين قوان نينغ وهوا شين في القرن الثالث الميلادي. ذات يوم، عثر الشابان على سبيكة من الذهب أثناء عملهما في حقل للخضراوات، لم يبد قوان نينغ اهتماما بما عثرا عليه، بينما التقطها هوا شين، فكشف عمله هذا عن غير قصد جشعه للمال، والصينيون يعتقدون أن الكسب غير المشروع نقيصة مذمومة، ولما أدرك هوا شين قبح تصرفه، ألقى سبيكة الذهب بعيدا، متظاهرا بازدراء المال. وفي يوم آخر، وبينما كان الصديقان يقرآن كتاب معا، مرت أمام الباب عربة فاخرة فيها شخصية كبيرة، فواصل قوان نينغ القراءة كالمعتاد، في حين ألقى هوا شين كتابه وركض لرؤية العربة وقد بدت عليه أمارات الغيرة والحسد. كان هوا شين جشعا ومهووسا بالمال والسلطة، فقطع قوان نينغ صداقته معه.
هذه القصة مثال على الفكر الذي يتجلى تلقائيا في السلوك. لكي يكون المرء شخصا نبيلا، عليه أن يسعى إلى تحسين ذاته ظاهرا وباطنا، وتنقية عقله من الأفكار الخسيسة وإصلاح الأخطاء في أفعاله. ومهما اجتهد المرء لإخفاء نفسه، فإن الناس يظهرون ألوانهم عاجلا أو آجلا.
إن فكرة تطبيق ما تعلمه المرء في أفعاله تؤكد على قابلية التطبيق العملي. قال وانغ يانغ مينغ: "المعرفة بدون عمل تعادل الجهل، في حين أن العمل بدون معرفة يشبه المشي في الظلام." لا يمكن للناس أن يكتسبوا المعرفة الحقيقية إلا بعد اختبارها عمليا، ولا يتصرفوا بشكل مناسب إلا عندما يسترشدون بالحكم السليم والعقل. وكان تشاو كوه، أحد جنرالات مملكة تشاو خلال فترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م)، قد فهم هذا بصعوبة. وفقا لما ورد في كتاب ((تسوه تشوان))، كان تشاو كوه محبا للمعلومات العسكرية منذ طفولته، فقرأ كثيرا من الكتب العسكرية وتحدث عن فنون الحرب، من دون أن تكون له خبرة في المعارك الحقيقية. وكان يظن أنه أفضل إستراتيجي عسكري في كل البلاد. في عام 259 قبل الميلاد، شنت مملكة تشين حربا على مملكة تشاو من دون تحقيق تقدم بسبب المقاومة الشرسة بقيادة جنرال مملكة تشاو المخضرم ليان بو. فلجأت مملكة تشين إلى حيلة، إذ أرسلت أشخاصا إلى مملكة تشاو لإشاعة أن "أكثر ما يخشاه جيش تشين هو تشاو كوه". صدّق ملك تشاو الشائعة وكلف تشاو كوه بقيادة الجيش. تصرف تشاو كوه حسب الكتب العسكرية التي قرأها، وقاد 400 ألف جندي من قوات تشاو إلى الهلاك، وأصيب هو نفسه في المعركة بسهم أرداه قتيلا. بعد أن تم تعيينه قائدا للجيش، قام ببساطة بتقليد المنظرين الذين قرأ عنهم، وفشل في تعديل التكتيكات وفقا للوضع الفعلي في الجبهة، ومن ثم كانت أوامره غير منطقية وعديمة الجدوى.
على النقيض من ذلك، قدم وانغ يانغ مينغ، الذي كان متميزا في كل من الخدمات المدنية والعسكرية، مثالا جيدا لتطبيق "وحدة المعرفة والعمل". بعد إخماده ثلاث فتن، ومعالجته الشؤون العسكرية بصفته موظفا مدنيا، حصل على لقب "النبيل" من إمبراطور أسرة مينغ وأصبح واحدا من ثلاثة أكبر موظفين مدنيين حصلوا على الشرف العسكري في فترة الأسرة من عام 1368 إلى عام 1644. لم يكن طريق وانغ يانغ مينغ إلى النجاح سهلا. في السنوات الأولى بعد توليه المنصب في البلاط الإمبراطوري، أثار غضب خصم قوي يدعى ليو جين، فنُفي عام 1506 إلى لونغشانغ، وهي بلدة جبلية صغيرة في مقاطعة قويتشو الحالية. لم تثبط عزيمته قسوة الحياة في تلك المنطقة المتخلفة ثقافيا واقتصاديا، بل طفق يعلم المحليين الثقافة المتقدمة للسهول الوسطى، بما في ذلك الكونفوشية، فنال احترامهم. وفي الوقت نفسه كرس نفسه للدراسات الفلسفية التي أرست الأساس لمدرسته الفكرية. بعد سقوط خصمه ليو جين، أعيد وانغ إلى منصبه، فأظهر عبقريته العسكرية، وكُلف في عام 1517 بقيادة جيشٍ لقمع عصابات السرقة وحركات التمرد التي وقعت في مناطق جيانغشي وقوانغشي وقوانغدونغ. وبعد ذلك بعامين، أنهى في غضون شهر واحد فقط أعمال الشغب التي أثارها الأمير تشو تشين هاو. خلال حياته التي شهدت صعودا وهبوطا، كان يتبنى دائما المُثل الكونفوشية المتمثلة في السعي إلى تحسين الذات والعلاقات الأسرية الصحية والحكم الرشيد للدولة والسلام العالمي. لقد كان رابط الجأش حتى في أصعب الظروف. وفي كل موقع تقلده، خدم بلاده بمعارفه الأكاديمية ومآثره العسكرية، وكان بارعا في توحيد العلم والعمل.
ترى الماركسية، أن الممارسة هي الهدف والمقصد من اكتساب المعرفة، وللمعرفة تأثير ينعكس على الممارسة، لذا، فإن المعرفة الحق تؤثر تأثيرا عظيما على ممارسات الناس. ويتفق هذا مع الفكرة الصينية التقليدية التي تقول إن "اكتساب المعرفة هي بداية العمل، والعمل هو إتمام المعرفة". يؤكد كلاهما على الدور التوجيهي للمعرفة والمكانة المركزية للعمل.
إن مسيرة الحزب الشيوعي الصيني النضالية منذ تأسيسه قبل أكثر من مائة، هي عملية ممارسة لمفهوم "وحدة المعرفة والعمل". إن الغاية الأصلية للشيوعيين الصينيين ورسالتهم هما السعي من أجل سعادة الشعب الصيني ونهضة الأمة الصينية. يلتزم الشيوعيون الصينيون بالدمج بين المبادئ الأساسية للماركسية وواقع الصين والثقافة التقليدية الصينية الممتازة، وحققوا إنجازات نظرية للماركسية ذات الخصائص الصينية، تظل تمكن الحزب من التغلب على جميع الصعوبات لقيادة الأمة الصينية إلى الاستقلال والنهوض، وصولا إلى بناء دولة اشتراكية حديثة قوية في نهاية المطاف.
في الوقت الحاضر، على أساس مفهوم "وحدة المعرفة والعمل" الصيني التقليدي، قام الرئيس شي جين بينغ بتحويل المفهوم بشكل خلاق وتطويره بشكل مبتكر بشجاعة كبيرة لتجديد النظرية، مما جعله أحد الخصائص المهمة لأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وواحدة من الخصائص المهمة للممارسة العظيمة لشي جين بينغ حول الحكم الإدارة. "المعرفة" هي الأساس والشرط المسبق، أي تحقيق الحلم الصيني المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية، وهذا يعني أننا لن نسير طريق الرأسمالية القديم المعتمد على النهب والتوسع، ولا الطريق غير المستدام المتمثل في تلويث البيئة وإهدار الموارد، لكن، يجب علينا تعزيز الإصلاح والانفتاح بحزم، وأن نسير في طريق التنمية السلمية بحزم متضامنين ومتعاونين مع شعوب العالم، ونواصل استكشاف نظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وطريق التحديث الصيني النمط في ظل الظروف التاريخية الجديدة. "العمل" هو الجوهر والمفتاح، أي التمسك بأن الممارسة هي المعيار الوحيد لاختبار الحقيقة، فاستكشفنا ولخصنا باستمرار أثناء الممارسة، وطرحنا باستمرار مسارات تطوير جديدة، حتى التمسنا طريقا للتحديث الصيني النمط اعتمادا على الذات والتنمية السلمية، وحققنا رخاء للشعب وازدهارا للدولة بينما ارتقينا بوعينا بمفهوم "الوحدة بين المعرفة والعمل"، وطورنا النظرية الماركسية بتطبيقاتنا الملموسة، وقدمنا للدول النامية ممارسات الصين ومساراتها التي تستحق الرجوع إليها، وبذلك أبدعنا نمطا جديدا للحضارة الإنسانية.
--
تسوي وي فانغ، باحثة مساعدة بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.