استضاف متحف "تاريخ الصينيين المغتربين" في بكين في الفترة من الثامن عشر من مايو حتى الثامن عشر من يونيو عام 2024، "المعرض الأول للوحة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)) لتشونغ كاي تيان". هذه اللوحة التي يبلغ ارتفاعها 2ر1 متر وطولها خمسمائة متر وتزن 180 كيلوغراما، وأبدعها الرسام الشهير تشونغ كاي تيان في ثلاثة عشر عاما، تبرز إنجازات الأسطول البحري الذي قاده تشنغ خه قبل أكثر من ستمائة عام، وتبين مظاهر حياة الشعوب في دول آسيوية وأفريقية مختلفة.
رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي تعود إلى الأضواء
وُلد تشونغ كاي تيان في مدينة كونمينغ بمقاطعة يوننان، مسقط رأس تشنغ خه. قال تشونغ كاي تيان إنه أراد رسم لوحة صينية حول رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي قبل ثلاثين عاما، وأضاف: "قدمت رحلات تشنغ خه مساهمات عظيمة في نشر الحضارة الصينية وتعزيز العلاقات الودية السياسية والاقتصادية والثقافية بين الصين ودول آسيا وأفريقيا. آمل أن تسرد هذه اللوحة المليئة بالعناصر الصينية قصة تشنغ خه لمزيد من الناس."
شرع تشونغ كاي تيان في رسم لوحة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)) في عام 2010. بسبب تلف معظم السجلات حول رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي وندرة المصادر التاريخية المتبقية، واجه تشونغ كاي تيان صعوبات هائلة أثناء رسم اللوحة. قال تشونغ كاي تيان: "أعباء العمل الثقيلة وساعات العمل الطويلة اختبرت صبري وقوة إرادتي على مدى ثلاثة عشر عاما. عندما واجهتُ عقبات لا يمكن تجاوزها أثناء الرسم، فكرتُ في التخلي عن استكمالها، لكنني تمسكتُ بروح المثابرة حتى أكملت العمل."
قبل البدء في إبداع الرسوم الأولية، أمضى تشونغ كاي تيان أربع سنوات في دراسة العديد من المؤلفات والوثائق الصينية والأجنبية حول رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي، كما قام بجولات ميدانية في دول مثل سنغافورة وماليزيا وتايلاند وفيتنام وكمبوديا وكينيا لتتبع المسار التاريخي للرحلات. قال تشونغ كاي تيان: "في كل دولة زرتها، حرصت على زيارة المتاحف المحلية ولقاء الخبراء والعلماء من أجل جمع المعلومات التاريخية وتوثيق الحياة الاجتماعية والثقافية المحلية." خلال إجراء التحقيقات الميدانية في إندونيسيا، أدرك تشونغ كاي تيان أن أسطول تشنغ خه قد توقّف مرات عدة في مدينة سمارانغ، عاصمة مقاطعة جاوا الوسطى، خلال رحلاته السبع إلى المحيط الغربي. لم يجلب أسطول تشنغ خه الثروة المادية للسكان المحليين فحسب، وإنما أيضا قدم تقنيات زراعية صينية متقدمة آنذاك، مما ساعد على تحسين إنتاجهم الزراعي ومستوى الأعمال اليدوية. واليوم، يمكن للزوار زيارة كهف سان باو (اسم تشنغ خه الأصلي) الذي بناه السكان المحليون تخليدا لذكرى تشنغ خه وأسطوله البحري.
أمضى تشونغ كاي تيان أسبوعا كاملا في رسم النصب الحجري في إحدى مشاهد لوحته التي توثق وصول أسطول تشنغ خه إلى سيلان (سريلانكا الحالية). تم بناء هذا النصب الحجري في فترة أسرة مينغ (1368- 1644م)، واسمه نقش غالي بثلاث لغات، وهو موجود حاليا في متحف كولومبو الوطني بسريلانكا. يوثق النصب الحجري أسباب رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي باللغات الصينية والتاميلية والفارسية. لقد بذل تشونغ كاي تيان جهودا مضنية في رسم هذا النصب الحجري التاريخي المهم.
زار تشنغ خه أكثر من ثلاثين دولة ومنطقة خلال ثمانية وعشرين عاما، وشارك في رحلاته أكثر من 120 ألف شخص، وكان الصينيون المغتربون القوة الأساسية في هذه الرحلات. لذا، أدرج تشونغ كاي تيان في عمله الفني مشاهد كثيرة للحياة الاقتصادية والاجتماعية للصينيين المغتربين ومشاهد التعايش السلمي وصداقتهم مع المحليين.
رسم تشونغ كاي تيان أيضا مشاهد توقف أسطول تشنغ خه في ميناء ملقا وتأسيس محطات التجارة المؤقتة وقواعد الإبحار لتخزين المواد التجارية، والشوارع المزهرة المفعمة بالطابع الصيني والحانات والمقاهي ومحلات الحرير والخزف على جانبيها وعروض الرقص الصيني التقليدي للسكان المحليين، مثل رقصتي التنين والأسد. في ماليزيا، بعض الماليزيين الصينيين في ملقا هم أحفاد أفراد طاقم أسطول تشنغ خه الذين بقوا في ملقا. يوجد في ملقا حتى اليوم متحف تشنغ خه الثقافي ومعبد سان باو وبئر تشنغ خه وجبل سان باو. يأمل تشونغ كاي تيان أن يرسم هذه المشاهد لتسجيل تاريخ الصينيين المغتربين في ماليزيا.
تتألف لوحة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)) من ثلاثة أجزاء وتضم ثمانية عشر فصلا، وتعرض أكثر من ثلاثمائة مشهد لرحلات تشنغ خه، وتتضمن أكثر من سبعة عشر ألف شخصية وأكثر من ألف عربة وسفينة وأكثر من ألف وخمسمائة طائر وحيوان. وصف تشونغ كاي تيان اللوحة بأنها تدمج العناصر الصينية مع المنظور الغربي وعلم الألوان الغربي، مما حقق اختراقات في طول اللوحة وحجمها ومدة الرسم والمشاهد والشخصيات.
أشاد الخبراء والعلماء بالإنجازات الفنية للوحة الصينية الطويلة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)). قال فنغ يوان، نائب رئيس المعهد المركزي للثقافة والتاريخ ونائب رئيس الاتحاد الصيني للدوائر الأدبية والفنية والرئيس الفخري لجمعية الفنانين الصينيين، إن المظهر العام في لوحة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)) يأسر القلب، ويجسد روحا بسيطة وكريمة ومهيبة وبطولية، ويجسد روح الأمة الصينية. قال نينغ يي، نائب مدير متحف "تاريخ الصينيين المغتربين"، إن لوحة ((رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي)) الطويلة أعادت عرض الأحداث التاريخية لرحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي ونمط حياة المحليين والمناظر الجغرافية في الدول التي زارها تشنغ خه من زوايا متعددة وبشكل بانورامي، مما وفر معلومات قيمة لدراسة ونشر وعرض تاريخ وثقافة الصينيين المهاجرين إلى الخارج.
بالنسبة لتشونغ كاي تيان، فإن ما يهمه أكثر هو تعريف المزيد من الناس بالجينات الثقافية للأمة الصينية، التي تدعو إلى السلام منذ العصور القديمة، من خلال معرفة قصة تشنغ خه. قال تشونغ كاي تيان: "السبب في أن رحلات تشنغ خه إلى المحيط الغربي قد خلدها التاريخ ليس لأنها اعتمدت على الأسلحة الثقيلة والسفن الحربية، بل لأنها اعتمدت على سفن الكنوز والصداقة. حاليا، طرحت الصين مبادرة ’الحزام والطريق‘ لتفتح فصلا جديدا من التعاون الدولي ومواصلة كتابة قصة الاندماج الثقافي والازدهار المشترك."
إلهامات اللوحة
قال تشونغ كاي تيان: "إن الفضول القوي والرغبة في المعرفة هما مصدر إلهامي في رسم هذه اللوحة." خلال طفولته، عاش تشونغ كاي تيان في منطقة جبلية، حيث جالت في ذهنه العديد من الأفكار، كم عدد النجوم في السماء؟ ما هي الكائنات الحية الموجودة تحت الماء؟ وكان يتوق دائما لمعرفة العالم خارج تلك الجبال.
دفع الفضول والرغبة في المعرفة تشونغ كاي تيان لاستكشاف الفن. بدأ تشونغ كاي تيان تعلم الرسم في المدرسة الابتدائية، ودرس الرسم الصيني والغربي تباعا. ظهرت موهبة تشونغ كاي تيان في الرسم، عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، ونشر العديد من أعماله الفنية في الصحف. في عام 1962، في السنة الثانية لالتحاقه بالجيش، شارك بعمله الفني "عودة الجنود الجدد إلى المنزل" في معرض للرسم نظمته منطقة كونمينغ العسكرية، وحظي بإشادة واسعة، وشرع منذ ذلك الحين في طريق الإبداع.
شكلت تجربة حياة تشونغ كاي تيان الغنية أسلوبا فنيا ذا دلالات غنية بعظمة وبساطة ووقار. قال تشونغ كاي تيان بفخر: "كنتُ جنديا وقائد فريق ونائب قائد فصيلة ومحررا في صحيفة، كما شغلت مناصب كثيرة، منها فنان في منطقة كونمينغ العسكرية ومدير قسم الإبداع الفني في منطقة يوننان العسكرية وغيرها."
على مدار سنوات، عكف تشونغ كاي تيان على الإبداع، حيث كان يزور قرى الأقليات القومية لرسم الأعمال التي تتميز برؤية فنية فريدة وتكوينات غنية وأفكار حول الحياة والتأمل الفلسفي. سعى تشونغ كاي تيان جاهدا لتحقيق ثلاثة شروط أساسية في أعماله: أولا، المحافظة على الثقافة الصينية وإبراز روح الأمة الصينية؛ ثانيا، دمج أساليب التعبير الحديثة في اللوحة الصينية التقليدية لتمكين الأجانب من قبولها وتقديرها؛ ثالثا، تجسيد ملامح الأمة الصينية في العصر الحديث وإضفاء روح العصر على الأعمال الفنية.
إبداع أعمال فنية مناسبة للعصر
يُعتبر الفن تجسيدا خارجيا لمشاعر الفنان، وهو أيضا وسيلة مهمة لتحقيق تطوره الذاتي. في العصر الجديد، يجب على الفنانين أن يدركوا بعمق رسالتهم، ويفهموا أهمية العمل الفني، ويواكبوا العصر، ويمجدوا هذا الزمن العظيم، ويتوافقوا مع اتجاه العصر.
يربط تتشونغ كاي تيان دائما مشاعره الشخصية وسعيه الفني بمصير الأمة الصينية في العصر الحالي، محملا بشعور بالمسؤولية تجاه مصير العالم وواجباته الوطنية. من خلال الزيارات وإلقاء المحاضرات والمعارض في الخارج، قام تشونغ كاي تيان بأبحاث معمقة في مقارنة الثقافات الشرقية والغربية، لاستكشاف معنى الرسم الصيني في العصر الحديث وروحه العصرية ومستقبله بشكل منهجي من منظور نظرية الفن وممارسته الفنية. يعتقد تشونغ كاي تيان أن الرسم الصيني يركز على التهذيب الثقافي، بما في ذلك التهذيب المعرفي والأخلاقي، ويظهر مشاعر الإنسان وطبائعه. يعتبر الدراسات الصينية التقليدية روحا للخط والرسم الصيني. من أجل رسم اللوحات الصينية، يجب الاطلاع على الكلاسيكيات الصينية القديمة ودراسة المظاهر المادية والروحية ومعرفة الأفكار الصينية التقليدية. إذا لم يدرس الدراسات الصينية التقليدية بجدية ولم يشكل الأسس الفكرية العميقة حول الدراسات الصينية التقليدية، فلن يتمكن من إبداع أعمال فنية رائعة. قال تشونغ كاي تيان: "في طفولتي، كان والدي يُلزمُني بحفظ ((ألف حرف كلاسيكي)) و((الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمسة))، وتعلم الخط التقليدي من خلال تقليد مخطوطات المشاهير مثل يان تشن تشينغ وتشاو منغ فو واستيعاب أفكار كونفوشيوس ولاو تسي. لذلك، يمكنني القول إن الثقافة التقليدية الصينية متجذرة في دمي منذ ذلك الحين."
أشار تشونغ كاي تيان إلى أن الحياة هي منبع الفن، فأي شكل من أشكال الإبداع الفني لا ينفصل عن الحياة. فيجب على الفنانين أن يتعرفوا على حياة الناس المحليين بعمق من خلال العيش والعمل معهم. يركز تشونغ كاي تيان على رسم الأشياء من الطبيعة، وكل شيء يرسمه مستوحى من مشاهداته الشخصية، مثل أزهار القطن التي يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار وقطرات الماء الصغيرة على أوراق اللوتس والطيور الصغيرة الواقفة على الأحجار والطاووس الذي يتجول على العشب. قال تشونغ كاي تيان: "فقط من خلال الاندماج الحقيقي مع الناس والطبيعة، يمكنك إبداع أعمال فنية حية ومؤثرة." وأضاف: "من أجل رسم أعمال فنية ممتازة، يجب على الفنانين التزام الهدوء والتخلي عن التفكير النفعي والعودة إلى المعنى الحقيقي للفن واحترام الطبيعة الحقيقية للفن. ينبغي للفنانين أن يتساءلوا دائما بوعي واضح حول ما يمكنهم تقديمه للمجتمع، وعلى هذا الأساس، يمكنهم دمج الماضي بالحاضر، والجمع بين الشرق والغرب لإبداع أعمال فنية تتميز بالطابع الصيني والوعي العصري وروح العصر. أكد تشونغ كاي تيان: "لقد أثبت التاريخ أن الرسم الصيني ليس مجرد نوع عادي من الفن، بل هو فن يؤكد على المحافظة على التراث الثقافي للأمة الصينية، فيجب تطويره على أساس الهوية الثقافية الصينية. لذلك، فإن الاختراقات والتجديدات في الرسم الصيني لا تتعلق بالإبداع في الأساليب والتقنيات فحسب، وإنما أيضا تتطلب تجديد النظام الفني ذاته."
حاليا، لا يزال تشونغ كاي تيان يكرس نفسه بشغف كبير للعمل الفني والإبداعي للاستجابة لنداء العصر وازدهار الفن.