مقولة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية" مأخوذة من ((كتاب التغيرات "يي جينغ")) الذي يرجع تاريخه إلى فترة ما قبل أسرة تشين (221- 207 ق.م)، والنص الأصلي هو "مثلما لا تتوقف السماء عن التقدم بقوة، ينبغي للرجل الفاضل السعي المتواصل لتحسين الذات." و"مثلما لا تتوقف الأرض عن حمل كل الأشياء، ينبغي للرجل الفاضل أن يكون قادرا على تحمل المهام السامية." وينبغي للرجل الفاضل أن يتبع "الداو" السماوي، وأن يكون شجاعا وقويا جدا، ويسعى جاهدا للتقدم، ولا يتوقف أبدا؛ ينبغي للرجل الفاضل أن يتبع "الداو" الأرضي، لاحتواء وحمل كل الأشياء بالأخلاق النبيلة. تجسد مقولة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية"، روح الثقافة الصينية المتمثلة في الاستيعاب بصدر رحب مثل المحيط الذي يستقبل مياه كل الأنهار والوعي بتحمل المسؤولية، والتي تعد تقليدا حميدا وبلورة لحكمة الأمة الصينية، وتوفر دعما روحيا قويا للتطور المستمر للأمة الصينية.
تحتوي مقولة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية" على جزأين: "الفاضل" و"قادر على تحمل المهام السامية"، وجوهرها هو "الأخلاق". معنى "الأخلاق" هو ألا تكون النظرة متحاملة، وألا يكون الفعل متحيزا. على أساس السلوك الصحيح، ومن خلال التهذيب المستمر للأخلاق، يكون الشخص أكثر نقاء ونبلا، أي "فاضلا"، ويتعاطى مع العلاقة بين الراعي والرعية بموقف متسامح وشخصية كريمة، أي يكون "قادرا على تحمل المهام السامية".
قال سيما تشيان، المؤرخ الصيني المشهور في أسرة هان الغربية (206 ق. م.- 220 م)، ذات مرة، إن المنطقة الخاضعة لولاية شانغتانغ تبلغ مساحتها حوالي 3848 كيلومترا مربعا، لكنها يمكن أن تصبح مثالا تقتدي به الممالك في العالم. كانت المنطقة الخاضعة لولاية الملك جي تشانغ، مؤسس أسرة تشو (1046- 256 ق.م)، تبلغ مساحتها حوالي 7854 كيلومترا مربعا فقط، لكنها استطاعت إخضاع الممالك الأخرى لها. السبب يرجع إلى التزامهما بفكرة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية". على العكس من ذلك، انتهى الأمر بالملوك المستبدين وغير الأخلاقيين مثل الملك دي شين (1105- 1046 ق.م) من أسرة شانغ (القرن 17- القرن 11 ق.م) والملك جي قونغ شنغ (795- 772 ق.م) من أسرة تشو بموتهما وهلاك مملكتيهما.
ومن منظور التاريخ الطويل للحضارة الصينية، فإن فكرة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية"، قد شكلت الطابع الخاص للأمة الصينية المتمثل في سعة الصدر ومحبة السلام والتضامن والوئام. في الاحتفال بالذكرى السنوية الأربعين للإصلاح والانفتاح، ألقى الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ خطابا مهما أشار فيه إلى مقولة "مثلما لا تتوقف السماء عن التقدم بقوة، ينبغي للرجل الفاضل السعي المتواصل لتحسين الذات"، موضحا أن الأمة الصينية قامت منذ العصور القديمة بتبادلات ثقافية إيجابية مع الأمم الأجنبية بصدر رحب واسع، تطبيقا لمقولة "كل من تحت السماء هم عائلة واحدة" و"ينبغي لجميع الأمم أن تعيش في وئام".
منذ فترة أسرة هان (206 ق.م- 220 م)، استكشفت الصين بنشاط الاتصال والتواصل مع البلدان الأجنبية. على سبيل المثال، قام تشانغ تشيان من أسرة هان الغربية (206 ق.م- 9 م) ببعثتين إلى المناطق الغربية، مما فتح الباب أمام التبادلات السلمية بين الصين وبلدان المناطق الغربية، وفتح طريق الحرير القديم، وعزز التبادلات الودية بين الصين ومختلف الأمم الأجنبية في المناطق الغربية. حملت بعثة أسرة هان معها كمية كبيرة من الحرير إلى المناطق الغربية، بل وإلى منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأبدى بلاط الإمبراطورية الرومانية ولعا شديدا بالحرير الصيني. كما عادت البعثة إلى الصين بنباتات وأطعمة وكنوز من روما وبلاد فارس والهند وأماكن أخرى. التزمت أسرة تانغ (618- 607) بمفهوم "الانسجام كعائلة واحدة"، وكان لثقافة مقاطع الكتابة الصينية والأساليب المعمارية والكونفوشية والأنظمة السياسية تأثير كبير على اليابان وشبه الجزيرة الكورية ومناطق أخرى. خلال فترة أسرة تانغ المزدهرة، لم تظهر الصين للعالم قوتها العسكرية، وإنما تسامحها وتأثيرها الثقافي. حتى يومنا هذا، لا تزال "الأحياء الصينية (تشينا تاون)" في جميع أنحاء العالم تظهر المزاج المتناغم والمتنوع لثقافة أسرة تانغ.
خلال فترة أسرة مينغ (1368- 1644)، قاد تشنغ خه أقوى أسطول في العالم في ذلك الوقت، وحمل إلى كل مكان ذهب إليه الخزف الصيني والحرير والشاي وما إلى ذلك، بالإضافة إلى المزروعات الصينية والمنسوجات وحتى مهارات صناعة الورق وبناء السفن المتقدمة، لكنه لم يغتصب شبرا واحدا من أراضي بلد آخر. اليوم، لا تزال تايلاند وإندونيسيا وأماكن أخرى تحتفظ بمعبد سانباو لإحياء ذكرى تشنغ خه، الذي يحظى باحترام عميق وتحتفل به الشعوب. إن الغرض من التبادل الحضاري ليس لقهر بعضنا البعض، ولكن للتعلم والتكامل المتبادلين، وهذا شكل دبلوماسية حسن الجوار القائمة على الثقافة الصينية، والتي تظهر انفتاح وشمول الحضارة الصينية.
منذ حرب الأفيون الأولى في عام 1840، عانت الأمة الصينية من كوارث غير مسبوقة. إن التقليد التاريخي والروح الوطنية المتمثلة في "السعي المتواصل لتحسين الذات" و"الفاضل قادر على تحمل المهام السامية"، قد دعم إيمان جيل بعد جيل من الصينيين بإنهاض الأمة الصينية. في عام 1914، اتخذ الكاتب والسياسي الصيني ليانغ تشي تشاو "الرجل الفاضل" عنوانا لخطابه في جامعة تشينغهوا، وشجع الطلاب الشباب على "السعي المتواصل لتحسين الذات" و"الفاضل قادر على تحمل المهام السامية". تتخذ جامعة تشينغهوا "السعي المتواصل لتحسين الذات" و"الفاضل قادر على تحمل المهام السامية" شعارا لها، مما يشجع الطلاب المميزين الذين يجمعون بين الأخلاق والكفاءة.
في الرابع من مايو 2014، قال الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ: "إنها فضيلة عظيمة أن تكون مصمما على خدمة الوطن الأم وخدمة الشعب، وفقط أولئك الذين يغرسون الفضائل العظيمة يمكنهم تحقيق قضايا عظيمة." هذا مطلب للشباب لدمج طموحاتهم الشخصية في الذات العظيمة للوطن الأم والشعب، وتربية شخصية نبيلة مع "الفضيلة العظيمة" للمثل والمعتقدات، وأن يتمتعوا بفضائل سامية ومحبة كبيرة ومشاعر عظيمة، ليكونوا خلفاء القضية العظيمة للنهضة الوطنية. في الوقت نفسه، فإن صياغة شي جين بينغ لـ"الفضيلة العظيمة" جاءت أيضا في إرشاداته بشأن تطوير الكوادر. في الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، أشار شي إلى أن "غرس الذات بالأخلاق، وإقامة المصداقية بالأخلاق، وإقناع الجمهور بالأخلاق، هي عوامل مهمة للكوادر لكي يتطورا ويصبحوا أكفاء." من الواضح أيضا أن تنمية المشاعر الأخلاقية النبيلة هي السبيل لأعضاء الحزب وكوادره لإقامة أسسهم المتينة. قال كونفوشيوس: "إن الأمير يجب أن يحكم دولته كالنجم القطبي الذي يحافظ على مكانه بين النجوم التي تدور حوله." في الواقع، أظهرت حقائق لا حصر لها على مر العصور أن القوة والكفاءة والفضيلة يمكن أن تكون جميعها مقنعة للآخرين، ولكن فقط بالأخلاق النبيلة يمكننا أن ننال احترام الآخرين، ونؤسس الهيبة، ونكسب دعم الناس.
بشكل عام، مقولة "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية" لا تمثل الدعم الروحي المستمر للحضارة الصينية فحسب، وإنما أيضا لها قيمة مرجعية مهمة لبناء الحضارة السياسية في العصر الجديد. في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، قال شي جين بينغ إن "بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هو مستقبل شعوب جميع دول العالم". إن بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية لا يتماشى مع مفهوم الانسجام العظيم للعالم والتعايش التكافلي الذي تؤمن به الأمة الصينية دائما، وإنما أيضا ميراث راسخ وتطوير لمفهوم "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية". وفي الوقت نفسه، فإن الأمة الصينية، التي تدعو إلى "الفاضل قادر على تحمل المهام السامية"، وتعارض أيضا بحزم الهيمنة وسياسة القوة، وتدعم السلام والهدوء العالميين، وتحترم تنوع حضارات العالم، تعمل مع شعوب جميع البلدان في العالم من أجل "تجاوز القطيعة بين الحضارات من خلال التبادل بين الحضارات، وتجاوز صراع الحضارات من خلال التعلم المتبادل بين الحضارات، وتجاوز تفوق الحضارات من خلال تعايش الحضارات"، والبناء المشترك لعالم متحضر يسوده السلام الدائم والأمن والانفتاح والتسامح.
--
لي تسوي، باحث في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.