يُعرّف معجم ((شوه ون جيه تسي)) الصيني القديم، "الإخلاص" بأنه "الالتزام بالعهود"، كما يُعرّف "الالتزام بالعهود" بأنه "الإخلاص". هذا يعني أن "الإخلاص" و"الالتزام بالعهود" مترادفان، وإن كانت بينهما فروق؛ فـ"الإخلاص" يشير عادة إلى الموقف الحقيقي للمرء وسجاياه، بينما ينطوي "الالتزام بالعهود" في الغالب على علاقة المرء بالآخرين، بما في ذلك تأثير أقواله وأفعاله عليهم، وموقفهم تجاهه. يؤكد "الإخلاص" على الطبيعة الداخلية، أولا وقبل كل شيء، الطبيعة الداخلية لنفسي؛ بينما يؤكد "الالتزام بالعهود" على الطبيعة الخارجية، بشكل عام الطبيعة الخارجية للآخرين. يتجلى الإخلاص القلبي في "الالتزام بالعهود"، و"الإخلاص" هو أساس "الالتزام بالعهود"، و"الالتزام بالعهود" هو المظهر الخارجي لـ"الإخلاص"، والاثنان متحدان. النزاهة جانب مهم من الأخلاق الصينية التقليدية، والمبدأ الأساسي للتربية الأخلاقية للذات وتكوين الصداقات، فضلا على أنها معيار مهم لإدارة وحكم البلاد.
النزاهة هي المبدأ الأساسي للتربية الأخلاقية. قال كونفوشيوس: "لست متيقنا من أن أي شخص لا يفي بكلمته يمكن أن يكون شخصا صالحا". النزاهة هي الفضيلة الجوهرية للتعامل مع الناس، وإذا لم يكن لدى المرء نزاهة، فلن يجد لنفسه موطئ قدم له في المجتمع. طلب تسي تشانغ ذات مرة من معلمه كونفوشيوس النصيحة حول كيفية تحسين الأخلاق الشخصية وتمييز الخداع، وكانت النقطة الأولى التي أجاب بها كونفوشيوس هي أن "الالتزام بالعهود يجب أن يكون الشيء الرئيسي عند القيام بالأشياء". سأل تسي تشانغ كونفوشيوس: "كيف يمكن أن يصبح المرء خيّرا؟" أجاب كونفوشيوس: "إذا استطاع المرء ممارسة الفضائل الخمس، فسيصبح خيّرا." سأل تسي تشانغ: "وما هي الفضائل الخمس؟" أجاب كونفوشيوس: "الاحترام والتسامح والالتزام بالعهود والاجتهاد والمحبة". "الالتزام بالعهود" من تلك الفضائل الخمس المهمة. في فترة أسرة هان (206 ق.م - 220م)، كانت الفضائل الخمس هي: والخير والبر واللياقة والحكمة والالتزام بالعهود، وفي فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، كانت الفضائل الثماني هي: بر الوالدين والمحبة الأخوية والولاء والالتزام بالعهود واللياقة والاستقامة والنزاهة والحياء. لا يزال "الالتزام بالعهود" من تلك الفضائل. اليوم، لا تزال "النزاهة" واحدة من العناصر المهمة للثقافة الصينية.
النزاهة هي المبدأ الأساسي لتكوين الصداقات. عند التعامل مع الأصدقاء، كن صادقا وحافظ على كلمتك. كان تسنغ تسي، تلميذ كونفوشيوس، يفكر في نفسه كل يوم، وكان يفكر فيما إذا كان صادقا مع أصدقائه. قال تسي شيا، وهو تلميذ آخر لكونفوشيوس، "إذا كان المرء يقدر فضيلة زوجته بدلا من مظهرها، ويخدم والديه بكل إخلاص، ويمكنه الولاء للملك، والتحدث بأمانة وإخلاص إلى أصدقائه، حتى لو قال إنه لم يدرس، يجب أن أقول إنه قد درس." عندما سأل تسي لو معلمه كونفوشيوس عن تطلعاته، أجاب كونفوشيوس: "أن يشعر المسنون بالراحة، وأن يثق بي الأصدقاء، وأن يفتقدني الشباب." نلاحظ هنا أن كونفوشيوس اعتبر كسب ثقة أصدقائه أحد تطلعاته الرئيسية الثلاثة. من ناحية أخرى، اعتبر منشيوس، العالم الكبير في فترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م)، الجدارة بالثقة بين الأصدقاء واحدة من العلاقات الأخلاقية الخمس المهمة التي تميز البشر عن الوحوش.
النزاهة هي معيار مهم لإدارة وحكم البلاد. قال كونفوشيوس، إنه لحكم بلد بألف مركبة عسكرية، من الضروري التعامل مع شؤون البلاد بصرامة، وفي نفس الوقت أن نكون صادقين من دون خداع. كما قال تسي شيا، إن الرجل الفاضل يجب أن يكتسب أولا ثقة الناس قبل أن يتمكن من خدمة الجماهير، وإلا سيعتقد الناس أنه يعذبهم. الأمر نفسه مع الرؤساء، يجب أن يثق الملك بك قبل أن تتمكن من تقديم المشورة، وإلا سيعتقد الملك أنك تشهر به. في حوار بين كونفوشيوس وتلميذه تسي قونغ، سأل التلميذ معلمه: "كيف يجب أن تُحكم الدولة؟" فقال كونفوشوس: "مقومات الحكم هي أن يتوفر طعام كاف وتجهيزات عسكرية كافية وثقة الشعب في حاكمه." فسأل التلميذ: "إن لم يكن من بُد، ويجب الاستغناء عن واحد من تلك، أي منها يجب التخلي عنه أولا؟" رد كونفوشيوس: "التجهيزات العسكرية". فقال التلميذ: "إن لم يكن من بُد، ويجب الاستغناء عن واحد من الاثنين الباقيين، أيهما يجب التخلي عنه أولا؟" قال كونفوشيوس: "الطعام، فمن قديم الزمان الموت هو مصير كل البشر، ولكن إن لم يكن لدى الشعب إيمان بحكامه، فلا مبرر لوجود الدولة." الغذاء هو الضرورة القصوى للناس، وبدون الغذاء الكافي، لا يمكن الإبقاء على الحياة. وبدون تجهيزات عسكرية، يصعب على البلد أن يقاوم الصراعات الداخلية والتهديدات الخارجية. ومع ذلك، من وجهة نظر كونفوشيوس، فإن المصداقية في بعض الأحيان أكثر أهمية للنظام من الجيش القوي والاقتصاد المزدهر. هذا لأنه فقط عندما تشدد الحكومة على الصدق سيقول الشعب الحقيقة، وستتشكل أجواء من النزاهة في المجتمع بأسره، وسيتم تنفيذ سياسات الدولة وأوامرها بسلاسة. من ناحية أخرى، إذا لم تكن الحكومة نزيهة، فإن الشعب سيخدع أيضا، ولن يتمكن المجتمع من تحقيق الاستقرار الحقيقي، ناهيك عن التطور والتقدم.
مر جي تشونغ أر، الذي لقب بالملك ون قونغ لمملكة جين (1033- 376 ق.م)، بمصاعب كثيرة، ولكنه في النهاية جعل مملكة جين قوة مهيمنة خلال فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م)، وكان العامل المهم هو أنه نال ثقة الشعب. وقد وردت قصة كهذه في كتاب ((هان فيّْ تسي))، للفيلسوف السياسي القانوني الصيني هان فيّْ (280- 233 ق.م). قاد جي تشونغ أر الجيش لمهاجمة مملكة يوان، وأعد الجيش إمدادات تكفي لعشرة أيام، لذلك اتفق مع جنوده على إنهاء الهجوم في عشرة أيام. بعد وصوله إلى مملكة يوان، مرت عشرة أيام من دون أن يتمكن من الاستيلاء عليها، فقرر سحب قواته. في هذا الوقت، قال رجل قد فر من مملكة يوان: "لقد نفد الطعام في مملكة يوان، ويمكن الاستيلاء عليها في ثلاثة أيام فقط." وقد جاءت نصيحة الوزراء على النحو التالي: "نفد طعام وقوات مملكة يوان، فلننتظر لفترة أطول قليلا." أجاب جي تشونغ أر: "لقد حددت موعدا مع الجنود لمدة عشرة أيام، وإذا لم نغادر، فسوف أنكث وعدي. لن أفعل ذلك وأفقد مصداقيتي من أجل الاستيلاء على مملكة يوان." فجمع قواته وغادر. عندما سمع أهل مملكة يوان هذا الخبر، قالوا: "إن ثمة ملكا يفي بوعده، فكيف لا ندين له بالخضوع؟" لذلك، استسلم أبناء مملكة يوان لمملكة جين. عندما سمع أهل مملكة وي هذا الخبر، قالوا: "ثمة ملك يفي بوعده، فكيف لا ندين له بالخضوع؟" لذلك استسلم أبناء مملكة وي لمملكة جين أيضا. عندما سمع كونفوشيوس عن ذلك، علق قائلاً: "إن السر في هجوم مملكة يوان والاستيلاء على مملكة وي يكمن الوفاء بالوعود."
على مر العصور، احتلت النزاهة مكانة مهمة في التقاليد الثقافية لجميع دول العالم. هناك مثل في الغرب: "خمسون غراما من الصدق تيساوي طنا من الذكاء الجاد ذي القيمة". قصة "الذئب قادم" في ((خرافات إيسوب)) و"ملابس الملك الجديدة" في ((حكايات هانس أندرسن الخيالية)) كلاهما تؤكدان على النزاهة. الفرق هو أن النزاهة في الصين تؤكد على التربية الأخلاقية، بينما في الغرب تتجلى غالبا في روح العقد، وتستقر في نهاية المطاف على القواعد المؤسسية. قال الفيلسوف اليوناني أفلاطون: "الغش هو شكل من أشكال الباطل والخداع". إنكار السلوك غير النزيه للسعي وراء الربح، هو أيضا دعوة للنزاهة. طرح جان جاك روسو "نظرية العقد"، ووفقا لها، فإنه فقط من خلال تكوين علاقة تعاقدية بين الناس يمكن ضمان النظام الاجتماعي. وأشار توماس هوبز إلى أن الالتزام بالعهود هو مصدر العدالة. لذلك، فإن ثقافة النزاهة في الصين وروح العقد الغربية هي نفسها.
في الإسلام، الإخلاص والالتزام بالعهود من فضائل النبي محمد، واعتقاد أساسي يجب على كل مسلم اتباعه. ويُروى أن رجلا اسمه عبد الله بن أبي الحمساء كانت بينه وبين النبي محمد، قبل بعثته، تجارة، وقال عن ذلك: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثمَ تذكرت بعد ثلاثة أيام، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: "يا فتى لقد شققت علي أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك." وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ." قال كونفوشيوس أيضا إن تكوين صداقات مع أشخاص مستقيمين وصادقين ومتعلمين مفيد للتقدم الشخصي. يمكن ملاحظة أن النزاهة فضيلة في كل من الإسلام والثقافة الصينية التقليدية.
جاء في كتاب ((قوانتسي))، الذي يرجع تاريخ تأليفه إلى فترة ما قبل أسرة تشين (221- 208 ق. م.) في الصين القديمة، أن الالتزام بالنزاهة هو مفتاح قواعد السلوك في العالم. إن النزاهة لا تتعلق بالثقافة الأخلاقية للفرد فحسب، وإنما أيضا تتعلق بالصورة العامة للأمة والدولة. فقط عندما يكون الناس صادقين يمكن للمجتمع أن يكون متناغما ومستقرا؛ فقط من خلال التأكيد على الصدق بين الدول يمكن للعالم أن يتطور بسلام.
--
لو تشينغ لان، باحثة في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.