جاء في ((كتاب الوثائق "شانغشو"))، وهو مجموعة من الوثائق التاريخية في الصين القديمة، ويرجع تاريخه إلى فترة ما قبل أسرة تشين (ما قبل 221 قبل الميلاد)، "السماء والأرض هما أبوا كل شيء، والناس أسمى من كل شيء. وتعد هذه الفكرة حجر الزاوية لرؤية الحياة في الحضارة الصينية. لا تؤكد هذه الفكرة على مركزية الإنسان في النظام الطبيعي فحسب، وإنما أيضا تبرز الفهم العميق لقدسية الحياة. عندما ننظر إلى مسار تطور الثقافة الصينية، من مقولة "أعظم فضيلة للسماء والأرض هي الخلق"، التي وردت في ((كتاب التغيرات "ييجينغ"))، إلى فكرة منغ تسي (منشيوس) "الأخيار يحبون الآخرين"، نجد أن أهمية قيمة الحياة متأصلة في النظام الأخلاقي التقليدي الصيني. تُظهر هذه الرؤية العميقة للحياة فرضية أساسية: الحياة ليست شرطا أساسيا لفهم البشرية للعالم فحسب، وإنما أيضا هي الأساس لبناء الحضارة وتحقيق القيم. ولهذا السبب، ينبغي أن يحظى كل كائن حي بالاحترام والتقدير الكاملين.
تؤكد أفكار كونفوشيوس حول "الرحمة"، وجوهرها هو "محبة الآخرين"، على احترام الحياة ورعاية الآخرين، مما يعكس الفهم العميق لقيمة الحياة في الفكر الكونفوشي. يشير ((كتاب بر الوالدين "شياوجينغ")) إلى أن "أجسادنا، من شعرة واحدة إلى قطعة من الجلد، مشتقة من والدينا، فلا ينبغي لنا أن نجرحها أو نؤذيها بأي شكل من الأشكال، هذه هي بداية بر الوالدين." هذا هو الأساس الأخلاقي لرؤية الكونفوشية للحياة. في فترة أسرة هان الشرقية (25- 220م)، عندما كان فان شوان في الثامنة من عمره، وبينما كان يقطف الخضراوات في الحديقة الخلفية لمنزله خدش إصبعه عن غير قصد، فبكى بشدة. وعندما سئل ما إذا كان يبكي بسبب الألم، أجاب: "لا أبكي من الألم، وإنما لأنني أعلم أن جسدي وشعري وبشرتي كلها عطايا من والديّ، فلا يجب أن تُجرح. لذلك أبكي." بالنسبة له، كان عدم المحافظة على الجسد، الذي هو عطية والديه له، يعد تقصيرا في بر والديه. تقدير الحياة، في النظام الأخلاقي الكونفوشي، ليس مطلبا أخلاقيا أساسيا فحسب، وإنما أيضا تجسيد مباشر لـ"البر". فقط من خلال احترام الحياة ورعاية الجسم والعقل، يمكن الوفاء بالبر، ومن ثم الوصول إلى المعنى السامي للحياة والسمو الروحي.
لا يقتصر تقدير الحياة على احترام حياة النفس فحسب، وإنما أيضا يشمل الرعاية العامة لحياة الآخرين. جاء في كتاب ((محاورات كونفوشيوس "لونيوي")) قصة ذات مغزى عميق: احترق إسطبل منزل كونفوشيوس، وكانت أول جملة قالها عند عودته إلى المنزل هي: "هل جرح أحد؟" ولم يسأل عن الخسائر من الخيول. يعكس هذا التفصيل بشكل حي الفكرة المركزية للفكر الكونفوشي والتي تركز على الإنسان، ويظهر الاحترام العميق لقيمة حياة الإنسان. احترام الحقوق الأساسية والاختيارات المستقلة لكل فرد، ومد يد العون للآخرين في أوقات الشدة؛ والامتناع بحزم عن أي شكل من أشكال العنف والتمييز والأذى، والمحافظة بوعي على السلام الاجتماعي؛ والاهتمام بظروف معيشة الفئات الضعيفة وحمايتها، وتعزيز العدالة الاجتماعية، هذه الممارسات هي تعبير ملموس عن رعاية الحياة. ومع ذلك، فإن تقدير الكونفوشية للحياة ليس مجرد "خوف من الموت". بل على العكس، هو تأكيد على أن قيمة الحياة يجب أن تُعزز من خلال الممارسات الأخلاقية. عندما تتعارض حياة الفرد مع مبادئ أخلاقية أعلى، تدعو الفلسفة الكونفوشية إلى اختيار روحي يُعرف بـ"الإيثار على النفس من أجل الصالح العام"، هذه الرؤية للحياة تربط بشكل وثيق وجود الفرد بالعائلة والمجتمع.
تقدير الحياة ليس مطلبا أساسيا للأخلاق الفردية فحسب، وإنما أيضا المسؤولية الأساسية لإدارة الدولة. إن الحكمة السياسية المتمثلة في "الحرب خطيرة ومخيفة" في الصين القديمة تشكل تحذيرا عميقا للحكام: إن استخدام القوات العسكرية بشكل عشوائي وشن حروب غزو بشكل مستمر سيؤدي بالتأكيد إلى خسارة في أرواح المدنيين. وقد استمرت هذه الفكرة منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، وخاصة في التطور الإبداعي لفلسفة الحكم للحزب الشيوعي الصيني. أصبح مفهوم "الحياة فوق كل شيء" مبدأ أساسيا في حكم الدولة، ويظهر أيضا بقوة كبيرة في الممارسات العملية. في الثاني والعشرين من مايو عام 2020، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ مرة أخرى، خلال مشاركته في مداولة مع النواب من وفد منطقة منغوليا الداخلية للدورة الثالثة للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني، على أن "الشعب فوق كل شيء، والحياة فوق كل شيء، وحماية سلامة حياة وصحة الشعب بأي ثمن."
تظهر العديد من الدول العربية أيضا تقاليدها الثقافية العميقة في تقدير الحياة. جاء في القرآن الكريم: "من قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا." (المائدة: 32). هذه الوصية المقدسة تثبت أساس أخلاقيات الحياة في الحضارة الإسلامية، وترفع حماية الحياة إلى مستوى الواجب المقدس. في ممارسات الحكم للدول العربية المعاصرة، تم تفسير وتطوير هذا المفهوم بشكل حي ومبتكر. تولي الحكومة الأردنية أهمية كبيرة لحياة ورفاه اللاجئين، حيث تعد سياستها فيما يخص اللاجئين نموذجا يحتذى به في إنفاذ الحياة كمبدأ أساسي. على الرغم من الموارد المحدودة، فإن هذا البلد استوعب بروح إنسانية مثيرة للإعجاب، أكثر من مليون لاجئ قادمين من سوريا والعراق وفلسطين، وقدم لهم خدمات طبية وتعليمية مجانية لضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ وتعاون مع المنظمات الدولية لتوفير الغذاء والماء الصالح للشرب والمأوى للاجئين. تمكن العديد من اللاجئين في الأردن من المحافظة على حياتهم، واكتسبوا أيضا الأمل. تظهر تجربة الأردن أن مفهوم تقدير الحياة يمكن أن يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية ليصبح قيمة مشتركة بين البشر.
في ظل التطور المتسارع للتغيرات التي لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، يشهد نظام الحوكمة العالمي تغيرات عميقة غير مسبوقة. أصبح بناء نظام دولي جديد يقوم على مجتمع المستقبل المشترك للكائنات الحية على الأرض، جوهر جدول أعمال التنمية المستدامة في عالم متعدد الأقطاب. يرفع جدول أعمال الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة قيمة أخلاقيات الحياة إلى مستوى إستراتيجي في الحوكمة العالمية من خلال الالتزام الجاد بـ"عدم ترك أي شخص خلف الركب". تعمل دول العالم على تعزيز التعاون وتحسين النظم الصحية العامة، والتصدي معا للأزمات الصحية العالمية؛ وتقليل انبعاثات الكربون، ودفع التحول نحو الطاقة الخضراء؛ وحماية التنوع البيولوجي، والمحافظة على توازن الأنظمة الإيكولوجية للأرض؛ وتعزيز السلام والأمن والتنمية، وحماية حياة الإنسان وصحته ورفاهه. وقد قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون: "جوهر التنمية المستدامة هو تنمية الحياة." يكشف هذا التصريح بعمق أنه من خلال وضع قيمة الحياة في مركز الحوكمة العالمية، يمكن إنشاء وطن عالمي مترابط. في ظل التحديات العالمية المتزايدة مثل تغير المناخ والأزمات الصحية العامة والحروب، فإن فلسفة الحكم هذه، القائمة على الحياة، ليست ضرورة للاختيار الأخلاقي فحسب، وإنما أيضا شرط لبقاء الحضارة الإنسانية. يحتاج المجتمع الدولي إلى مواصلة تعزيز هذه الفلسفة بحكمة سياسية أكبر وعزيمة أقوى.
في الحادي والعشرين من إبريل عام 2022، طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة "الأمن العالمي" خلال مراسم افتتاح منتدى بوآو الآسيوي؛ وفي الخامس من مارس عام 2025، أشار رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ مرة أخرى في ((تقرير أعمال الحكومة)) إلى دفع تنفيذ مبادرة "الأمن العالمي". يمكننا أن نقول إن "تقدير الحياة" هو القيمة الأساسية لمبادرة "الأمن العالمي"، وهو أيضا مسؤولية وهدف مشترك لكافة مجتمعات البشر. إنها ليست مجرد موقف، بل هي مسؤولية. إنها ليست فقط احتراما وحبا لأنفسنا، بل أيضا رعاية والتزاما تجاه الآخرين والطبيعة والعالم بأسره. وهذا يتطلب منا أن نتعامل مع الحياة بتقدير وتفاؤل وامتنان، بينما نفي بمسؤوليتنا تجاه الحياة بالمحبة وتحمل المسؤولية والعمل الفعلي.
الحياة ليست فقط أغلى منحة في الكون، بل هي أيضا المعيار الأساسي لقيمة الحضارة. دعونا نتعامل مع الحياة بتقدير، ونحميها بروح المسؤولية، ونكتب معا فصلا جديدا في حضارة البشرية. هذا ليس إرثا للماضي فحسب، وإنما أيضا تعهد تجاه المستقبل.
--
هان منغ دونغ، مترجمة من الدرجة الثالثة في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.