"العدالة" جزء مهم من القيم المشتركة للبشرية، والناس في جميع أنحاء العالم يسعون لتحقيق العدالة. من القصص التاريخية العديدة والتراث الشعبي في الصين واليونان القديمة والعالم الإسلامي، يمكن ملاحظة أن المجتمع البشري لديه العديد من القواسم المشتركة في فهمه للعدالة.
العدالة ستنتصر حتما على الشر
يزخر تاريخ الصين بقصص انتصار الخير على الشر. فوفقا لكتاب ((تسوه تشوان)) للمؤرخ العظيم تسو تشيو مينغ (502- 422 ق.م) في فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م)، رُزق الملك وو قونغ من مملكة تشنغ وزوجته وو جيانغ بولدين، هما وو شنغ ودوان. كانت ولادة وو شنغ عسيرة، عانت منها والدته كثيرا، فكانت تكرهه بشدة بينما أحبت ابنها الأصغر دوان. بعد وفاة الملك وو قونغ، ورث ابنه وو شنغ العرش، وصار يعرف باسم الملك تشوانغ قونغ لمملكة تشنغ. في ذلك الوقت، طلبت وو جيانغ من وو شنغ منح شقيقه الأصغر دوان "تشييي" كإقطاعية، لكن وو شنغ رفض بحجة أن الموقع الجغرافي لهذه المدينة مهم بالنسبة لمملكة تشنغ ولا يمكن تقسيمها بسهولة. عادت وو جيانغ وطلبت من وو شنغ منح شقيقه مدينة أخرى تابعة لمملكة تشنغ، وهي "جينغيي". اضطر وو شنغ للموافقة استجابة لمشاعر أمه. بعد أن حصل دوان على "جينغيي"، زاد طموحه. ومن أجل اختبار شقيقه الأكبر، طالب بأن تكون المناطق الحدودية الغربية والشمالية لمملكة تشنغ خاضعة ليست فقط لأوامر وو شنغ، وإنما أيضا لأوامره. لم يكبح وو شنغ رغبات دوان ورفض اقتراح كبار مسؤولي مملكة تشنغ بالتخلص من شقيقه الأصغر دوان. بعد فترة، استولى دوان على المناطق الحدودية الغربية والشمالية لمملكة تشنغ ومنطقة "لينيان" وضمها إلى إقطاعيته لتوسيع قوته بشكل أكبر، وتسامح وو شنغ مرة أخرى مع سلوك دوان. رأى دوان أن وو شنغ قد اتخذ موقفا متنازلا تجاهه غير مرة، معتقدا أن ثمة فرصة تلوح له، فأعد جيشا لمهاجمة عاصمة مملكة تشنغ، كما خططت وو جيانغ لفتح بوابات المدينة كاستجابة داخلية لهذا العمل. عندما سمع وو شنغ بالأمر، أدرك أن الوقت قد حان للتخلص من دوان، فأرسل قوات لقمع تمرده. في الوقت نفسه، كان سكان "جينغيي" غير راضين عن دوان، فاستجابوا لدعوة وو شنغ لقتال دوان، الذي اضطر للفرار إلى "ياندي"، لكن جيش وو شنغ هزمه هناك، ففر أخيرا إلى مملكة "قونغ" مسرعا. لقد انتهك دوان مرارا واجباته كأخ ومرؤوس، معتمدا على تفضيل والدته له وقوته المتزايدة، وأصبح عدوا علنيا لمملكة تشنغ، ونال في النهاية الخاتمة التي يستحقها، والتي تُعرف باسم "من ظلم نفسه قتل نفسه".
تُشدد الثقافة الإسلامية أيضا على أن الخير يُكافأ بالخير والشر يُكافأ بالشر، كما يتجلى في قصة "علي بابا والأربعون لصا" المعروفة من كتاب ((ألف ليلة وليلة)). كان علي بابا فقيرا لكنه طيب القلب، وكان شقيقه الأكبر قاسم غنيا لكنه جشع. عثر علي بابا بالمصادفة على الكهف الذي يُخفي فيه اللصوص كنزهم، وتعلم تعويذة الدخول والخروج من الكهف، لكنه عرف كيف يفعل ذلك باعتدال، ولم يأخذ سوى القليل من الذهب لتحسين حياته. عندما اكتشف قاسم الأمر، أجبر علي بابا على إخباره بالتفاصيل، واقتحم الكهف مع البغل، وحبس فيه بسبب جشعه المفرط ونسي التعويذة، وفي النهاية عثر عليه اللصوص العائدون وقتلوه. عندما علم اللصوص بدخول علي بابا إلى الكهف، أرادوا العثور عليه وقتله، لكن الجارية الطيبة الحكيمة مارجينا قتلتهم، واستولى علي بابا على جميع كنوز الكهف، وأُعيدت إلى مارجينا حريتها جزاء لعملها الطيب. في هذه القصة، يسحق قاسم والأربعون لصا العدالة ويهددانها، ورغم أن أعمالهم الشريرة قد تنجح لفترة، فإنها تنتهي بالفشل، ويكافأ علي بابا ومارجينا، اللذان يمثلان العدالة، وهذا جزاء مستحق. من هذا يتضح أن حقيقة انتصار العدالة على الشر حتما تتجلى بوضوح في مختلف الحضارات الإنسانية.
العدالة تفوق المنفعة
تعتقد الكونفوشية أنه عندما نواجه التناقض والصراع بين "العدالة والمنفعة"، يجب أن نتبنى موقف "العدالة تفوق المنفعة" وأن نعارض " تجاهل الأخلاق من أجل الربح".
كان تسوي تشو، وزيرا قويا في مملكة تشي في فترة الربيع والخريف، وقاد انقلابا سياسيا ونجح في قتل ملك تشي. وقد سجل مؤرخ البلاط في مملكة تشي الواقعة على شرائح الخيزران بأن "تسوي تشو قتل ملكه". عندما سمع تسوي تشو بذلك، أمر بإعدام المؤرخ وأمر إخوة هذا المؤرخ بإعادة كتابة السجلات، بيد أن شقيقي المؤرخ أصرا على تسجيل الواقعة كما هي، فأمر بإعدامهما. واصل شقيق آخر للمؤرخ تسجيل الحقيقة، ما صدم تسوي تشو الذي اضطر إلى الرضوخ. سمع مؤرخ آخر، في مملكة تشي، خبر قتل شقيقي المؤرخ، فهرع لإحضار شرائح الخيزران من نفس السجل، ولم يعد إلى منزله إلا بعد أن علم أن الواقعة قد تم تسجيلها بصدق. في هذه القصة، دفعت عائلة مؤرخ البلاط حياتها ثمنا للحقيقة والعدالة.
وبالمثل، هناك قصة "التضحية بالحياة من أجل العدالة" في اليونان القديمة. اضطهدت سلطات أثينا الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط وحكمت عليه بالإعدام. وعلى الرغم من أن أصدقاءه هيأوا له سبل الهرب من السجن، فإنه رفض ذلك بناء على قناعاته الفلسفية بأن احترام المبادئ الديمقراطية والقوانين واجب حتى لو كانت ظالمة، وتجرع السم ومات، دفاعا عن التقاليد الديمقراطية الأثينية. بالنسبة للفرد، لا مصلحة جوهرية أكثر من حياته الشخصية. لم يتردد مؤرخ البلاط في مملكة تشي وسقراط في التضحية بحياتهما للدفاع عن الحقيقة وتحقيق العدالة، والتي لا تزال تحظى بالإشادة حتى يومنا هذا، مما يدل على أن مبدأ "العدالة تفوق المنفعة" هو الحقيقة المشتركة والاختيار للقيم العالمية للبشرية عندما تواجه "التمييز بين العدالة والمنفعة".
الصلاح أهم من الفروع
مظاهر العدالة متنوعة، وهناك الصلاح والأمور الفرعية. تكشف قصة قوان تشونغ والملك هوان قونغ من مملكة تشي في فترة الربيع والخريف، عن حقيقة أن الصلاح أهم من الأمور الفرعية. بعد وفاة الملك شيانغ قونغ من مملكة تشي، تصارع ابناه على العرش، وأخيرا أصبح الابن الأصغر ملكا لمملكة تشي، وهو الملك هوان قونغ. في البداية، ساعد السياسي قوان تشونغ جيو، الابن الأكبر للملك الراحل، وبعد فشله في الصراع على العرش، هرب مع جيو إلى مملكة لو. بعد وفاة جيو، عاد قوان تشونغ إلى مملكة تشي. بناء على توصية من باو شو يا، كبير المسؤولين في مملكة تشي، عين الملك هوان قونغ السياسي الفيلسوف قوان تشونغ في منصب رئيس الوزراء لمملكة تشي. ساعد قوان تشونغ الملك هوان قونغ في إصلاحاته وجعل مملكته أقوى الممالك في فترة الربيع والخريف. في هذه القصة، إذا كان الملك هوان قونغ اهتم فقط بمساعدة قوان تشونغ لأخيه في الصراع على العرش في ذلك الوقت، ما كان سيعينه رئيسا للوزراء، ولكن من أجل مستقبل مملكة تشي، لم يفعل الملك هوان قونغ ذلك، فقد وضع الصلاح فوق الأمور الفرعية.
مقولة الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو، "أحب معلمي ولكني أحب الحقيقة أكثر" هي أيضا قصة نموذجية لأهمية "الصلاح على الفروع". كان أرسطو تلميذا لأفلاطون، وكان يحترم معلمه كثيرا، لكنهما اختلفا حول بعض القضايا الفلسفية. رأى أفلاطون أن هناك عالمين: عالم الأفكار (أو المثل) وهو عالم الحقيقة الأبدية، وعالم الظواهر (أو العالم المحسوس) وهو العالم الذي ندركه بحواسنا وهو عالم متغير. كان أرسطو له رأي مختلف، فقد رأى أن العالم المادي هو الواقع الحقيقي ولا يوجد عالم آخر، ودعا إلى طلب الحقيقة من خلال الجمع بين المنطق والتجربة. في مواجهة أوجه القصور النظرية لدى معلمه، اختار أرسطو السعي وراء الحقيقة بموقف عقلاني ونقدي. يمكن ملاحظة أن أرسطو تمسك بالصلاح الذي هو الحق وفضله على الفرع الذي هو احترام معلمه. توضح لنا القصتان المذكورتان أعلاه من ثقافتين مختلفتين أنه عندما يكون هناك تعارض بين الصلاح والأمور الفرعية، ينبغي لنا أن نقدم الصلاح على الأمور الفرعية.
الإستراتيجية لصون العدالة
العدالة قيمة مشتركة للبشرية، والتمسك بالعدالة وتحقيقها طموح مشترك للبشرية. ومع ذلك، فإن صون العدالة لا يعتمد على الحماسة فحسب، وإنما أيضا على إستراتيجيات صحيحة، فاستخدام القوة الغاشمة بشكل أعمى لا يفشل فقط في تحقيق هدف صون العدالة، بل يؤدي أيضا إلى تضحية عبثية بالقوى التي تحميها، الأمر الذي يلحق الضرر بقضية العدالة نفسها. بعد وفاة الملك هوان قونغ من مملكة تشي في فترة الربيع والخريف، اندلعت حرب أهلية في مملكة تشي، مما أدى إلى تراجع قوتها الوطنية وفقدانها لمكانتها كقوة مهيمنة في منطقة السهول الوسطى في الصين القديمة. وكان شيانغ قونغ من مملكة سونغ يريد جعل مملكته القوة المهيمنة في منطقة السهول الوسطى من خلال تعزيز "الرحمة والبر". في ربيع عام 639 قبل الميلاد، دعا الملك شيانغ قونغ من مملكة سونغ مملكتي تشي وتشو لعقد اجتماع تحالف في لوشانغ (جنوب مدينة فويانغ بمقاطعة آنهوي حاليا). كان مو يي، الأخ الأكبر للملك شيانغ قونغ من مملكة سونغ، يرى أن مملكة تشو تطمع في أن تصبح المملكة المهيمنة في منطقة السهول الوسطى، وأن ملك مملكة تشو ليس محلا للثقة، فنصح الملك بأن يذهب إلى لوشانغ مع جيشه. لم يقبل الملك شيانغ قونغ بهذا الرأي، لافتا إلى أنه اقترح على ملكي تشي وتشو ألا يحضر أحد مع جيش، وأنه دعا بنفسه إلى الرحمة والبر، وعليه الوفاء بالوعد. على غير المتوقع، دبرت مملكة تشو كمينا للجيش في مكان انعقاد اجتماع التحالف وألقت القبض على الملك شيانغ قونغ من مملكة سونغ، وبعد وساطة مملكة لو، تم إطلاق سراح الملك شيانغ قونغ. في وقت لاحق، اندلعت حرب بين مملكة سونغ ومملكة تشو في هونغشوي (تقع على بعد 30 كيلومترا شمال محافظة تشتشنغ بمقاطعة خنان حاليا)، وكانت قوات مملكة تشو أكثر من مملكة سونغ، فاقترح مو يي أن يشن جيش مملكة سونغ هجوما مباغتا على جيش مملكة تشو عند عبور الأخير النهر، مما يعظم من فرصة هزيمة جيش مملكة تشو. لم يأخذ الملك شيانغ قونغ بهذا الاقتراح، معتقدا أن جيشه جيش رحمة وبر، ولا ينبغي له أن يستغل نقطة ضعف الآخرين، لذلك جعل جيش مملكة تشو يعبر النهر، وهزم جيش مملكة تشو بقواته المتفوقة جيش مملكة سونغ بعد عبور النهر. بعد هذه الهزيمة، فقدت مملكة سونغ تماما أملها في الهيمنة. كان الملك شيانغ قونغ قادرا على التأكيد على "الرحمة والبر" خلال فترة الربيع والخريف التي عمتها الفوضى، وحاول تعضيد العدالة بين الممالك، وهو بالطبع أمر ذو قيمة كبيرة، ولكن في تصرفاته المحددة لم يهتم بالإستراتيجية، بل كان مكبلا براية "الرحمة والبر"، وواجه الفشل مرارا وتكرارا، وأصبح أخيرا أضحوكة الأجيال اللاحقة.
من القصة السابقة يتبين أنه على الرغم من أن تحقيق العدالة هو اتجاه العصر، فإنه في العملية المحددة للسعي إلى العدالة والمحافظة عليها، من الضروري أن يكون لدينا الإستراتيجيات اللازمة، وأن نعزز قوتنا باستمرار وأن نستخدمها بعقلانية لصون العدالة.
--
ليو جيون بنغ، باحث مساعد في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.