التعليم سلوك غريزي في الحياة، وهو أيضا سلوك اجتماعي وثيق الصلة بتكاثر البشرية واستمرار الحضارة. يتضمن التعليم نقل الخبرات والمعارف والمهارات والأفكار والاعتقادات والقيم من جيل إلى جيل، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة للفرد والأسرة والمجتمع والدولة. كما أن التعليم هو مسعى مشترك للبشرية. بالنسبة إلى أي حضارة أو دولة أو مجموعة اجتماعية أو أسرة أو فرد، لا يمكن تحقيق التنمية من دون التعليم. ولذلك، فإن أهمية التعليم معترف بها في كافة المجتمعات والفترات التاريخية.
ظهر التعليم منذ عصور ما قبل التاريخ. كان التعليم في البداية غير رسمي وفردي، ويركز بشكل أساسي على نقل المعرفة والمهارات العملية المرتبطة مباشرة بالحياة اليومية وأنشطة الإنتاج.
بحلول زمن المجتمع العبودي، ومع تقدم المجتمع وظهور الكتابة، تم إنشاء مؤسسات تعليمية رسمية تديرها السلطات الحاكمة متخصصة في نقل المعرفة الثقافية، وظهرت مهنة مخصصة للتعليم، تستهدف الطبقة النبيلة المتميزة. وفي المجتمعات الإقطاعية، كان التعليم في البداية حكرا على النبلاء، ولكن مع مرور الوقت توسع ليشمل شريحة أوسع من الناس لتلبية احتياجات المجتمع من الأكفاء. ومع ظهور حركة التنوير والإنسانية في العصر الحديث، أصبح التعليم حقا متساويا لكل مواطن في المجتمع، وقد أدى هذا إلى إصلاحات ديمقراطية وحديثة في أنظمة التعليم، عززت تكافؤ الفرص.
التعليم الغربي
تعود جذور التعليم في الدول الغربية إلى اليونان القديمة وله ارتباطات عميقة بتعليم اليونان القديمة وروما. ثم بعد انقضاء فترة العصور الوسطى التي اتسمت بالتدين، وفترة عصر النهضة التي اتسمت بالعلمانية، تطور التعليم إلى شكله الحالي. سعى اليونانيون القدماء إلى تحقيق المثل الأعلى للتعليم الحر، بهدف تنمية أفراد متكاملين يتمتعون بمهارات متنوعة، وركزوا على القيم الأخلاقية والقدرات العقلية والفنون الجميلة والتربية البدنية كمحتويات أساسية، مما أدى إلى تشكيل "الفنون السبع"، وهي منهج أساسي في التعليم الغربي لعدة قرون، وتشمل: النحو وعلم البلاغة والمنطق والرياضيات والهندسة وعلم الفلك والموسيقى.
سقراط (469- 399 ق.م) فيلسوف ومعلم يوناني شهير، ولد في عائلة من الحرفيين في أثينا، فكان أبوه نحاتا وأمه قابلة. تعلم النحت من والده في شبابه، قبل أن يتفرغ للفلسفة والعلوم. سعى سقراط إلى الحصول على المعرفة من مصادر مختلفة، والتواصل مع المعلمين في مختلف العلوم ودراسة الأعمال المتاحة للشعراء والفلاسفة. شارك سقراط في عدة حروب، وتم اختياره خدم كعضو في مجلس الشيوخ الأثيني (البويل) المكون من خمسمائة عضو، وشغل منصب الرئيس التنفيذي لهذا المجلس لأكثر من شهر. لكن المسعى الرئيسي في حياته كان الانخراط في التعليم العام. كان يقوم بالتعليم في الميادين وورش العمل والأسواق والشوارع بطرق مختلفة مثل إلقاء الخطب وإجراء الحوارات، ولم يكن يتقاضى أجرا مقابل عمله بالتعليم. كان تلاميذه من النبلاء والأثرياء ومن السياسيين والجنرالات والضباط، بالإضافة إلى الرسامين والنحاتين وصانعي الدروع والحدادين ومختلف الحرفيين والفقراء؛ منهم الأحرار ومنهم العبيد. تضمنت طريقة سقراط في التدريس، المعروفة بـ"Maieutics" (المنهج السقراطي)، طرح الأسئلة لتعزيز التفكير وتوجيه التلاميذ نحو استكشاف أفكار ومفاهيم جديدة. لقد استخدم سقراط هذه الطريقة ذات مرة لتوجيه عبد غير متعلم إلى استنباط تعريف للهندسة.
التعليم الصيني
الأمة الصينية ذات حضارة ممتدة لخمسة آلاف سنة. وقد لعب التعليم دورا حاسما في استمرار ونقل هذه الحضارة. من خلال التعليم، تمت المحافظة على الحضارة الصينية منذ العصور القديمة وحتى عصر المعلومات الرقمية اليوم. ظهرت المؤسسات التعليمية الحكومية الأولى في فترات أسر شيا وشانغ وتشو (حوالي 2070- 256 ق.م). في ذلك الوقت، كانت المدارس الحكومية المركزية تسمى بـ"تاي شيويه"، بينما كانت المدارس الحكومية المحلية تسمى بـ"شياو" أو "شيانغ" أو "شيوي". في الوقت نفسه، بدأ ظهور المدارس الخاصة. يعد كونفوشيوس علامة مهمة في التعليم الخاص الصيني، فقد دافع عن مفهوم "التعليم للجميع". كان بإمكان أي شخص تجاوز سن الخامسة عشرة ولديه الرغبة في التعلم، أن يكون تلميذا له. درس على يد كونفوشيوس أكثر من ثلاثة آلاف تلميذ، من بينهم أفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية كالنبلاء وعامة الشعب، مما أدى إلى تشكل الكونفوشية، وهي حركة فكرية وفلسفية بارزة في التاريخ الصيني. ومنذ فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م)، أصبح الفكر الكونفوشي الأيدلوجية الرسمية للدولة. وقد اعتمدت مدرسة "تاي شيويه" على خمسة كتب كلاسيكية لمذهب الكونفوشية كمحتوى تعليمي: ((كتاب الأغاني "شيجينغ")) و((كتاب شانغشو)) و((كتاب الطقوس "ليجي")) و((كتاب التغيرات "ييجينغ")) و((سجلات الربيع والخريف "تشونتشيو")). بحلول فترة سوي (581- 618م) وتانغ (618- 907م)، ظهر نظام "الاختبار الإمبراطوري"، الذي كان يتم بموجبه اختيار المسؤولين الحكوميين من خلال اختبارات عادلة نسبيا. ولكن التأثير السلبي الناتج عن ذلك هو أن التعليم الحكومي أصبح يستهدف بشكل متزايد "الاختبار الإمبراطوري". بسبب تزايد النزعة النفعية للتعليم الذي تديره الحكومة، بدأ العديد من العلماء والنخب في تأسيس أكاديميات التعليم الكلاسيكي الخاصة في فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، مما أدى إلى نشوء تيار "المحاضرات الحرة". استمر تطور أكاديميات التعليم الكلاسيكي حتى فترة أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ (1644- 1911م). في أواخر فترة أسرة تشينغ، أطلقت الحكومة المركزية حركة الإصلاح الدستوري والتحديث، متأثرة بالنماذج الغربية، وخاصة النظام التعليمي، وتطبيق إصلاحات تعليمية وفتح مدارس جديدة النمط. في عام 1905، تم إلغاء نظام "الاختبار الإمبراطوري"، وكان ذلك حدثا بارزا في تاريخ التعليم في الصين، دشن فصلا جديدا في تطوير التعليم الحديث في الصين.
في مسيرة تطور الأمة الصينية، على الرغم من أن نظام التعليم والمؤسسات التعليمية ومحتوى وأشكال تنظيم التعليم ونطاقه قد تغيرت عبر العصور المختلفة، لم تنقطع قط تقاليد التعليم، ولم تتوقف مهمة التعليم في تشكيل وصقل الأفراد.
في هذا السياق، ظهرت العديد من القصص الكلاسيكية حول الاهتمام بالتعليم والمعلمين البارزين. ومن بينها، قصة والدة منغ تسي (منشيوس) (حوالي 372- 289 ق.م)، وهو أحد الشخصيات البارزة في الفلسفة الكونفوشية خلال فترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م). عندما كان منغ تسي صغيرا، انتقلت والدته عدة مرات للبحث عن بيئة مناسبة لتربيته، واستقرت أخيرا بجوار مدرسة، مما سهل على منغ تسي تعلم آداب السلوك. في ذلك الوقت، كان منغ تسي لا يواظب على دراسته ويهرب من المدرسة. ذات مرة، عندما عاد إلى المنزل، أخذت أمه بمقص وقطعت به خيط نسيج إلى نصفين. كان غرضها أن تبين له عواقب التوقف عن العمل في منتصف الطريق، وحثه على الدراسة بجد من دون انقطاع.
التعليم في الدول العربية
قبل القرن السابع الميلادي، كانت المنطقة العربية في حالة من الجهل. في بداية القرن السابع، دعا النبي محمد (حوالي 570- 632م) إلى الإسلام، وأنشأ دولة إسلامية في المدينة المنورة، موحدا شبه الجزيرة العربية. بدأت المنطقة العربية في الصعود، وطورت ثقافتها وتعليمها بوتيرة سريعة، من خلال توارث ودمج نتائج الثقافات الشرقية والغربية. يتميز التعليم في المنطقة العربية باحترام المعلمين والاهتمام بالتعليم، وتشجيع البحث الأكاديمي والترجمة، وتوفير فرص التعليم بشكل متساو نسبيا. في العالم العربي، يحترم الناس المعلمين. المكتبات في الدول العربية متطورة، فهي لا تحتضن الكتب والمخطوطات الشرقية والغربية فحسب، وإنما أيضا تربي العديد من العلماء والمثقفين. المسجد مكان مقدس للمسلمين للعبادة، كما أنه مركز تعليم مهم، حيث يتحمل وظيفة التعليم الابتدائي وحتى التعليم العالي. العديد من المساجد تدعو علماء مشهورين لإلقاء المحاضرات لنقل المعرفة العميقة، وتشمل المقررات التي يتم تدريسها، الحديث والفلسفة والتاريخ والأدب والقانون والرياضيات وعلم الفلك، وغيرها. يمكن حتى للمارة الاستماع إلى دروس الأحاديث النبوية في المساجد.
بفضل تقاليد احترام المعلمين والاهتمام بالتعليم والسياسة الثقافية والتعليمية المنفتحة، حقق العرب إنجازات كبيرة في الرياضيات وعلم الفلك والطب والفلسفة وغيرها من المجالات، مما ساهم في مجال التعليم الثقافي للبشرية، وأثر في النهضة الأوروبية. على سبل المثال، أسس عالم الرياضيات محمد بن موسى الخوارزمي (حوالي 780- 850م) علم الجبر، ومن خلال مؤلفه ((الجبر والمقابلة))، ساعد على انتشار الأرقام العربية في الغرب.
على مر التاريخ الطويل، أبدعت البشرية وراكمت حضارات متنوعة. وفي عصرنا الحالي، يتشارك الناس الإنجازات الثقافية المتنوعة لمختلف البلدان والخلفيات الثقافية حول العالم. إن السبب الذي يجعل البشرية قادرة على إبداع الحضارة ومراكمتها ومشاركة ثمارها، يرتبط ارتباطا وثيقا باهتمام الدول والشعوب من مختلف الحضارات بالتعليم.
من خلال التعليم والتوارث بين الأجيال، استطاعت الحضارات المتنوعة أن تنتقل من جيل إلى جيل، وازدهرت الثقافات المتنوعة. يتطور عالم اليوم بفضل التقاليد التعليمية التي تشكلت على مدار آلاف السنين، ومن خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة وتقنية المعلومات، يدفع التعليم في العصر الرقمي والعصر الذكي نحو التقدم بجودة أفضل وإنصاف أكثر واستدامة أعمق.
--
ليو مين، باحثة مساعدة في قاعدة أبحاث التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد بحوث كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.