الصداقة بين الصين وسلطنة عمان عريقة الينبوع طويلة المجرى؛ حيث ربط "طريق الحرير البحري" المشهور شعبي البلدين برباط وثيق، ابتداء من القرن السادس الميلادي وكان ميناء قوانغتشو بالصين بداية لهذا الطريق. تعتبر الشعوب العربية قوانغتشو "بوابة الصين"، بينما كان ميناء صحار في سلطنة عمان نهاية هذا الطريق، وذلك يسمى بـ"البوابة إلى الصين".
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسلطنة عمان في 25 مايو 1978، مما سجل صفحة جديدة لـ"طريق الحرير البحري"، وأصبح التبادل الثقافي بين البلدين نشيطا. وفي عام 2007، عين المركز العماني لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات بوزارة الصناعة والتجارة العمانية الدكتورة ليو ينغ في منصب الممثل العام المقيم في الصين، مما أتاح لها فرصة المشاركة التبادلات الودية بين البلدين أكثر من عشر سنوات، حيث تمتعت عيناها بأطياف المناظر واستمعت أذناها لعجائب الحكايات، ما حرك أوتار فؤادها، فنظمت أبياتا على بحور الشعر الصيني التقليدي، حملتها صدق مشاعرها، واتخذت من "الأحجار" محورا للدلالة على أن ما يجيش في قلبها إنما هو انعكاس لتجاربها، وجمعت 69 قصيدة في 9 فصول لتأليف كتاب ((أحجار كريمة ملونة في سلطنة عمان- ديوان اليشم الجميل)).
شاهدة على العلاقات الودية بين الصين وعمان
قالت د. ليو ينغ، إنها تحب حكايات ((ألف ليلة وليلة)) منذ صغرها: علي بابا والأربعون حرامي، علاء الدين، بساط الريح العربي، إضافة إلى الأمير العربي... وغيرها، بعد أن تخرجت في الجامعة، أخذها سحر مصباح علاء الدين إلى سلطنة عمان على شاطئ البحر العربي، والتي تكتنفها الأصالة والغموض. هناك كانت نهاية طريق الحرير البحري قبل ألفي سنة، وهي أيضا بلد اللبان المشهور بوجود أروع ثريا بلورية وثاني أكبر سجادة منسوجة يدويا في العالم. وتنقلت بين بكين ومسقط راكبة "بساطة الريح العربي" منذ بضعة عشر عاما، ويمكن القول إن سلطنة عمان هي وطنها الثاني.
باعتبارها الممثلة العامة لوزارة الصناعة والتجارة العمانية والمقيمة في الصين، قامت برحلات مكوكية بين بكين ومسقط بلا كلل وشهدت تطور العلاقات الودية بين الصين وسلطنة عمان، وشهدت الأحداث الهامة للعلاقات الودية بين هذين البلدين الصديقين، مثلا، في عام 2007، أنشأ السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، "كرسي السلطان قابوس لدراسات اللغة العربية" في جامعة بكين؛ وفي 14 إبريل 2008، وصل تتابع شعلة أولمبياد بكين إلى العاصمة العمانية مسقط، وكانت سلطنة عمان الدولة العربية الوحيدة التي استقبلت تتابع شعلة أولمبياد بكين، وكانت د. ليو ينغ منسقة لجنة أولمبياد عمان والمقيمة في الصين؛ وفي نفس الوقت، وبعد حدوث زلزال ونتشوان المدمر، قدمت حكومة سلطنة عمان مساعدة مادية كبيرة للصين، وبنت "قرية بمساعدة من عمان" في مدينة قوانغيوان بمقاطعة سيتشوان؛ وفي أكتوبر 2009، قدم السلطان قابوس تبرعات لإعادة بناء المسجد الكبير الذي يعود تاريخه إلى ألف سنة في مدينة تشيوانتشو بمقاطعة فوجيان. تفيدنا الوثائق أن هذا المسجد بناه عمانيون في عام 1009؛ وفي عام 2010، كان جناح سلطنة عمان الوطني مجاورا لجناح الصين الوطني في معرض إكسبو شانغهاي العالمي، وعملت د. ليو ينغ كمنسقة لجناح سلطنة عمان الوطني، أربع سنوات لتحضير الجناح، وشاركت في المعرض؛ وفي نفس العالم استضافت عاصمة سلطنة عمان، مسقط، بنجاح الدورة الثانية للألعاب الآسيوية الشاطئية، ثم استضافت مدينة هاييانغ في الصين بنجاح الدورة الثالثة لتلك الألعاب عام 2012؛ وفي عام 2013، رممت حكومة سلطنة عمان النصب التذكاري لسفينة "صحار" الذي يرمز إلى الصداقة الصينية- العمانية.
على مر السنين، سلطنة عمان تنعم بالسلم والاستقرار بقيادة جلالة السلطان قابوس، وبساطة الشعب والحياة الثرية والتنمية المستقرة. بينما تشهد التنمية الاقتصادية المستدامة والازدهار الاقتصادي، كما لا تزال تحتفظ سلطنة عمان بمقوماتها الطبيعية والتاريخية المتميزة.
التعبير عن المحبة شعرا
د. ليو ينغ، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في الإدارة الصناعية والتجارية، هي رسول لسلطنة عمان. تعمل في الشؤون الخارجية والتجارة، ولكنها أيضا شاعرة نابغة تتميز بتراكم وافر للتراث الثقافي الصيني التقليدي وعضوة بالجمعية الصينية للشعر. في إبريل عام 2017، أصدرت دار العالم الجديد ديوان شعر ليو ينغ الذي يحمل عنوان ((أحجار كريمة ملونة في سلطنة عمان- ديوان اليشم الجميل))، وأقيمت احتفالية الإصدار الأول لهذا الديوان في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب في 26 إبريل 2017. وتلقت د. ليو ينغ رسالة تهنئة من صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة في عمان للتهنئة بإصدار الديوان، وحُفظ هذا الديوان في المكتبة الوطنية الصينية في عام 2018.
استخدمت د. ليو ينغ أحجار اليشم عناوين للفصول التسعة بالديوان، وهي: ((أحجار كريمة متناثرة في دياري)) و((أحجار كريمة متناثرة في الحظ)) و((أحجار كريمة متناثرة مع صوت الموسيقى)) و((أحجار كريمة متناثرة في الصداقة)) و((أحجار كريمة متناثرة في المناظر)) و((أحجار كريمة متناثرة بجانب الزهور)) و((أحجار كريمة متناثرة في أشواقي)) و((أحجار كريمة متناثرة في مشاعري)) و((أحجار كريمة متناثرة في العزيمة)). وكتبت عن المناظر الرائعة والعادات والتقاليد الشعبية البسيطة في عمان، مثلا، "خضرة الربيع تطوق بأس الغصون، ينعم البشر بحليبه اللبني" في قصيدة ((شجرة اللبان))؛ وكتبت عن حرصها على الحظ المقدر وفهمها له، مثل "أعيش حياتي لا أخشى الكراهية والحقد، لن أمارس النفاق من التزلّف والتملق" في قصيدة ((تهذيب النفس))؛ وكتبت عن آلة قوتشين (إحدى الآلات الموسيقية الصينية) التي تسعد القلوب، "الصديق العزيز ومنبسط النفس ورفيع الذوق، اليد الماهرة تكتب المشاعر بحبر الرسم" في قصيدة ((الكتابة عن قوتشين))؛ وكتبت عن طموح الشباب، "الرخ ينشر جناحيه ليصعد عاليا، يطير محلقا آلاف الأميال إلى عنان السماء" في قصيدة ((طائر الرخ)). وقد أثنى عبد السلام بن محمد المرشدي الرئيس التنفيذي للصندوق الاحتياطي العام للسلطنة على الديوان قائلا، إن هذا الديوان يعكس عمق الأحاسيس والمفاهيم المتأصلة التي تكنها د. ليو ينغ للثقافة العربية الإسلامية المتمثلة برموز ثقافية وحضارية من سلطنة عمان، وربطها مع مفردات مقابلة في الحضارة الصينية بذكاء يدل على فهم عميق لنقاط التلاقي بين الحضارتين. وقال سفير سلطنة عمان لدى الصين الشيخ عبد الله بن صالح بن هلال السعدي: "تأثرت بالأبيات الشعرية في هذا الديوان كثيرا، كونها تنم عن نبالة نيتها العميقة وروعة عواطفها الجياشة وفتنة أسلوبها الرقيق، فالشعر كشاعره في جمال الروح وصدق التعبير. جمعتني بالشاعرة صداقة أسرية خلال عملي في الصين واكتشفت منها حبها الكبير لبلدي الغالي سلطنة عمان."
وصور مستشار جلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي معالي محمد بن الزبير، بعض المناظر العمانية واختار بعض الصور للمناظر الطبيعية في سلطنة عمان بدقة لترفق مع تلك القصائد حول سلطنة عمان في هذا الديوان، مما جعل الديوان يقدم للقراء وجبة معرفية وأدبية وبصرية. وسجل تشاو رونغ قونغ نائب رئيس الجمعية الصينية لتعميم وتشجيع الفنون والثقافة الصينية والخطاط الكبير، القصائد بفن الخط الصيني المتفوق. إن المقاطع الصينية تكمن فيها رموز الثقافة التقليدية الصينية، وخط اليد يعبر عن المعاني العميقة في كل مقطع، لذلك لا يضاهيها الكومبيوتر، فزاد ذلك الديوان جمالا على جمال.

أمنية جميلة للعلاقات الصينية- العمانية
قالت د. ليو ينغ إن التبادلات الودية بين الصين وعمان مستمرة منذ قديم الزمان. على سبيل المثال، تُحفظ في متحف بيت الزبير العماني أعمال الأواني الخزفية، وبينها الأعمال الخزفية المرسوم عليها صور الزهور والطيور التقليدية والخطوط العربية، لتكون أعمالا فنية تجمع بين الثقافة الصينية والثقافة العربية وترمز إلى التبادلات الثقافية الصينية- العربية.
الآن، تعمل د. ليو ينغ على تعزيز التعاون والاستثمار بين الصين وعمان في صندوق الاحتياطي العام للدولة التابع لوزارة المالية العمانية، وتواصل في ذات الوقت هوايتها في كتابة القصائد. قالت إن الشعب العماني يكن كل معاني الصداقة للشعب الصيني، وتقدم حكومة سلطنة عمان دعما صريحا للصين في القضايا الهامة ذات العلاقة بمصالح الصين الجوهرية. وحاليا، دخل التعاون بين الصين وعمان مرحلة جديدة بمبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، فتتمنى أن يصبح ديوانها هذا حجرا من الأحجار الكريمة الملونة في ثقافة "طريق الحرير". وبفضل الاهتمام البالغ الذي توليه عمان للتعاون مع الصين، سوف يحقق الجانبان الازدهار والاستقرار والتعايش المتناغم لـ"طريق الحرير البحري" في العصر الجديد.