كلنا شرق < الرئيسية

مساهمة قوات حفظ السلام الصينية في إعادة الإعمار بعد انفجار مرفأ بيروت ومساعدة اللبنانيين

: مشاركة
2021-10-13 16:59:00 الصين اليوم:Source د. تمارا برّو:Author

بتاريخ 4 أغسطس من عام 2020، هزّ انفجار ضخم مرفأ بيروت راح ضحيته نحو 214 شهيدا وما يزيد على 6 آلاف جريح، كما خلّف أضرارا مادية هائلة، وعلى إثر ذلك أُعلنت بيروت مدينة منكوبة. أحرق مشهد الضحايا والدمار قلوب الملايين حول العالم وسارعت الدول إلى إعلان تضامنها مع لبنان وإرسال المساعدات إلى الشعب اللبناني. ومن بين هذه الدول الصين التي أرسل رئيسها شي جين بينغ رسالة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون عبّر فيها عن خالص التعازي إلى ذوي الضحايا بالنيابة عن الصين حكومة وشعبا. كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين أن الصين على استعداد لتقديم المساعدة للبنان. وبالفعل، شاركت بكين في مؤتمرات الدعم الدولية التي عقدت لمساعدة شعب وجيش لبنان، وأرسلت مواد غذائية استفاد منها حوالي 15 ألف شخص متضرر من انفجار المرفأ. كما قامت بعض المنظمات الصينية غير الحكومية بتقديم المساعدات للمتضررين فضلا عن المساهمة في إعادة إعمار بعض البيوت التي دمرها الانفجار، كما قامت الجالية الصينية في لبنان وبعض أفراد المجتمع الصيني بتقديم المساعدات الغذائية للمتضررين من انفجار المرفأ.

 أمام المشهد الكارثي للانفجار، ونظرا لأعداد المصابين الكبيرة، كان من الضروري إرسال الفرق والمساعدات الطبية إلى مستشفيات بيروت، وإقامة المستشفيات الميدانية، فأرسلت قوات حفظ السلام الصينية المتواجدة في جنوبي لبنان، بناء على طلب من قوات اليونيفل، إلى بيروت فريقا طبيا يضم متخصصين في الجراحة والطب الباطني والحروق والتخدير، للمساعدة في معالجة المصابين، كما قدّمت الإمدادات الطبية.

وبعد وضوح هول الخراب الذي سببه الانفجار وتدمير أكثر من ثلث العاصمة بيروت، بدأت عملية إعادة الاعمار وشارك فريق الهندسة المتعدد الوظائف من الدفعة 19 لقوات حفظ السلام الصينية في أعمال إعادة الإعمار، فقام بإزالة وإصلاح حوالي 60 ألف متر مربع من الأنقاض في مرفأ بيروت والشوارع المحيطة التي تضررت ومبنى وزارة الخارجية في أقل من شهر، كما تولى مهمات أخرى منها جمع المواد القابلة لإعادة التدوير، والبحث عن الآثار الثقافية، وترميم وحماية المواقع التراثية المتضررة. وكان الضباط والجنود الصينيون يعملون حوالي 10 ساعات في اليوم و6 أيام في الأسبوع. ونظرا للكفاءة العالية التي تمتعوا بها وحرفيتهم في أداء المهام الموكلة إليهم، نالت الكتيبة الصينية إشادة اليونيفيل والجيش اللبناني والحكومة والشعب اللبناني.

ولم تسلم الصين من الانفجار، فقد أعلنت السفارة الصينية لدى لبنان إصابة شخص صيني بجروح، كما تضرر مكتب إحدى المنظمات الصينية غير الحكومية التي تقدم مساعدات للاجئين السوريين في لبنان.

إن تضامن الصين ومشاركة قوات حفظ السلام الصينية في المأساة التي تعرض لها لبنان والشعب اللبناني يعكسان تطبيق المصير المشترك للبشرية الذي أخذت الصين على عاتقها السير به تحقيقا للسلام والتنمية، ويعكسان أيضا روح المسؤولية لقوات حفظ السلام الصينية تجاه حفظ السلام والاستقرار في لبنان. كما أن وقوف أبناء الجالية الصينية في لبنان إلى جانب المتضررين ومساعدتهم بقدر إمكانياتهم يدل على متانة العلاقة والصداقة التي نشأت بين الجالية الصينية والشعب اللبناني ويعبّر عن المشاعر الودية من الشعب الصيني تجاه الشعب اللبناني.

باتت الصين اليوم قوة هامة وأساسية في عمليات حفظ السلام، فهي تُعد ثاني أكبر مموّل لعمليات حفظ السلام، وأكبر دولة مساهمة بقوات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي. تنتشر قوات حفظ السلام الصينية في العديد من الدول، ولبنان من بين البلدان التي تتواجد فيها قوات حفظ السلام الصينية منذ عام 2006، حيث أرسلت الصين أول كتيبة لها للمشاركة في قوات حفظ السلام في لبنان بناء على طلب الأمم المتحدة، وأوكل إلى هذه القوات القيام بمهمتين أساسيتين؛ وهما تقديم المساعدات الإنسانية، ونزع الألغام التي خلفتها إسرائيل في جنوبي لبنان. وخلال حرب تموز 2006، أسندت إلى هذه القوات مهام إضافية كفتح الطرقات أمام المدنيين، وانتشال جثث الشهداء، وإمداد المدنيين بالمواد الغذائية. ويبلغ عدد أفراد الكتيبة الصينية 410 أفراد. وتقسّم الكتيبة الصينية إلى وحدة هندسية متعددة الوظائف، ووحدة هندسة بناء، وفريق طبي. يقوم فريق نزع الألغام التابع للوحدة الهندسية في الكتيبة الصينية بنزع الألغام والذخائر العنقودية غير المنفجرة على طول الخط الأزرق، وتمشيط المناطق التي تتولى مسؤوليتها الكتيبة الصينية في منطقتي الحنية وزبقين وسواهما. وبعد تنظيف الأرض من الألغام، يقوم فريق هندسي آخر تابع للكتيبة الصينية برسم الحدود. وتشمل مهمة فريق نزع الألغام أيضا التوعية من مخاطر الألغام ومساعدة الضحايا. وقد تمكنت الكتيبة الصينية حتى عام 2020 من تنظيف مساحة تزيد على 10000 متر مربع من الأراضي الملوثة بالألغام والقنابل العنقودية. ويتمتع أفراد الكتيبة بكفاءة عالية في مجال إزالة الألغام والذخائر العنقودية. وفي إطار التعاون بين الجيش اللبناني والكتيبة الصينية، تُقدّم هذه الأخيرة للجيش اللبناني العتاد والمعدات المخصصة لنزع الألغام، بهدف دعم الفرق الهندسية التابعة له، كما تُنظم محاضرات بين ضباط من الكتيبة الصينية وضباط من الجيش اللبناني تتناول عمليات إزالة الألغام.

أما الفريق الطبي في قوات حفظ السلام الصينية، فيوفر العلاج لأفراد اليونيفيل والسكان المدنيين القاطنين في جنوبي لبنان. وبهدف مساعدة لبنان في مكافحة جائحة كوفيد- 19، ونتيجة لنقص الأدوية التي يعاني منها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها، قدّمت الوحدة الطبية معدات طبية وأدوية إلى بعض المناطق في جنوبي لبنان؛ فمثلا منحت الوحدة الطبية لقوات حفظ السلام الصينية لمركز الصليب الأحمر اللبناني في بلدة حاصبيا بجنوب شرقي لبنان مساعدات طبية. كما قدّم جنود حفظ السلام أدوات طبية وقرطاسية وتجهيزات رياضية لبعض المدارس في المنطقة. وتساهم المساعدات التي يقدمها أفراد الكتيبة الصينية في توطيد العلاقات بينهم وبين المواطنين اللبنانيين.

يتميز أفراد الكتيبة الصينية بتحمل أي نوع من المهام الشاقة، وتنفيذ المهام الموكلة إليهم بإخلاص واحترافية، وتخطي المصاعب والمخاطر التي يتعرضون لها، لا سيما فريق نزع الألغام، الذي تكون حياته محفوفة بالمخاطر أثناء قيامه بواجباته. ونظرا لكفاءتهم العالية، وإخلاصهم في عملهم، ودورهم الكبير في عملية السلام، منحت الأمم المتحدة أفراد الكتيبة الصينية وسام الشرف للسلام؛ فمثلا في عام 2021، مُنح جميع ضباط وجنود الدفعة التاسعة عشرة من قوات حفظ السلام الصينية في لبنان، ميدالية الشرف للسلام للأمم المتحدة.

إن قوات حفظ السلام الصينية في لبنان دائما على استعداد لتقديم المساعدات في مختلف المجالات، على الرغم من الصعوبات التي تواجهها والتي تعالجها بإرادة صلبة وعزيمة عالية. وحظيت الكتيبة الصينية بإشادة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني والشعب نتيجة للدور الذي تؤديه والجهود الحثيثة والتضحيات الكبيرة التي تبذلها، فضلا عن تقديمها المساعدات الإنسانية بكل أمانة وإخلاص.

لن ينسى الشعب اللبناني تضحيات قوات حفظ السلام الصينية التي وقفت إلى جانبه في أحلك ظروفه وقامت بكل ما في وسعها كي توفر له الأمن والأمان منذ عام 2006 حتى يومنا هذا.

--

د. تمارا برّو، باحثة في الشأن الصيني من لبنان.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4