كلنا شرق < الرئيسية

أبعاد توسع منظمة شانغهاي للتعاون باتجاه الشرق الأوسط

: مشاركة
2021-11-18 12:49:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

تُعد مسألة توسع منظمة شانغهاي للتعاون من المسائل المطروحة باستمرار على أجندة عمل المنظمة، حيث تُبدي دول عديدة اهتماما ملحوظا بالانضمام إليها. ومؤخرا، صادقت المنظمة في قمتها الحادية والعشرين بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه يومي 16 و17 سبتمبر 2021، على بدء إجراءات قبول إيران كدولة عضو، ومنح كل من مصر والسعودية وقطر صفة شريك حوار جديد، وهي الصفة التي تحظى بها أيضا تركيا منذ عام 2012.

اللافت هنا، أن الدول المشار إليها تقع خارج النطاق الجغراسياسي للمنظمة، إذ تقع جميعها في منطقة الشرق الأوسط، كما تعتبر دولا رئيسية فيها. وهذا يطرح تساؤلات عدة بشأن أبعاد ودلالات توسع منظمة شانغهاي للتعاون نحو المنطقة، ودور الصين كأحد الدول الرئيسية المؤسسة للمنظمة بهذا الصدد، علاوة على دور تطورات البيئة الإقليمية والدولية في توجه المنظمة نحو التوسع، وعلاقة ذلك كله بالإطار الدولي الأشمل، ممثلا بشكل محدد في التنافس الجيوإستراتيجي الأمريكي- الصيني- الروسي، وكذلك تداعيات تلك الخطوة وسيناريوهاتها المحتملة.

ظروف نشأة المنظمة

في عام 1996، تم الإعلان عن إقامة مجموعة شانغهاي للدول الخمس، وهي: الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. وفي عام 2001، تغير اسم المجموعة إلى "منظمة شانغهاي للتعاون" وانضمت إليها أوزبكستان ليرتفع عدد دول المجموعة إلى ست دول. وفي يونيو عام 2002، تم توقيع ميثاق المنظمة، وإنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب، وتأسيس أمانة عامة لها مقرها بكين.

وقد مثّل اجتماع مجلس زعماء الدول الأعضاء عام 2005، خطوة أخرى هامة في بلورة وتطور المنظمة، حيث اتخذت قرارا مبدئيا بشأن منح صفة مراقب لثلاث دول آسيوية، وهي: الهند وإيران وباكستان، لتنضم هذه الدول إلى جمهورية منغوليا التي مُنحت هذه الصفة عام 2004، وهو ما كان إيذانا بتدشين التمدد الجغرافي للمنظمة. وقد مثّلت القمة التي عُقدت بكازاخستان في 8 و9 يونيو عام 2017، مرحلة جديدة في تطور المنظمة، حيث كان من بين نتائجها الرئيسية منح العضوية الكاملة لكل من الهند وباكستان. وهو التطور الذي ترتب عليه تعزيز قدرة المنظمة وتوسيع نطاق الفرص المتاحة لها في مجال مكافحة التحديات والتهديدات القائمة والناشئة.

وهكذا، يمكن القول إن المهمة الأساسية للمنظمة لدى تأسيسها في يونيو 2001، تمثلت في بناء الثقة المتبادلة وحماية الأمن عبر الحدود وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. وهو ما يعني أن التعاون الأمني هو الأساس وراء تأسيس المنظمة، وذلك بهدف تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، سعيا إلى التعامل مع التغيرات التي يشهدها الوضع في منطقة أوراسيا.

دور قيادي للصين

تولي الصين، باعتبارها الدولة المؤسسة لمنظمة شانغهاي للتعاون، أهمية كبرى لتطوير المنظمة وتقود تلك العملية. فقد لعبت دورا هاما في مسألة توسيع المنظمة بصفة عامة، وتمددها نحو الشرق الأوسط بصفة خاصة. إذ يُلاحظ أن الموافقة على انضمام تركيا إلى عضوية المنظمة كشريك حوار، جاءت في قمة بكين عام 2012، وأبدت مساندتها لانضمام أنقرة للمنظمة. كما رحبت الصين ودعمت رغبة إيران في أن تصبح عضوا رسميا في المنظمة، حيث أعرب الرئيس شي جين بينغ خلال زيارته لطهران في عام 2016، عن موافقته على عضوية إيران في المنظمة. وقد جاء الإعلان عن ضم إيران رسميا كعضو كامل العضوية على لسان الرئيس الصيني في خطابه عبر الفيديو للقمة، بقوله: "اليوم، سنطلق الإجراءات لإدخال إيران في عضوية منظمة شانغهاي للتعاون"، وهو الأمر الذي قوبل بترحيب من قادة المنظمة. وأكدت الصين على لسان وزير خارجيتها وانغ يي تأييدها انضمام مصر كشريك حوار في المنظمة.

وفي الخطاب المشار إليه، طرح الرئيس شي جين بينغ العديد من المقترحات والأفكار الإيجابية بشأن مستقبل المنظمة، بما يعكس الدور الريادي للصين في قيادة المنظمة. حيث أكد أن منظمة شانغهاي للتعاون تقف عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة، داعيا إلى ضرورة رفع راية "روح شانغهاي" (المبدأ الأساسي الذي قامت عليه المنظمة) عاليا وفهم مسار الاتجاه التاريخي لإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وتعزيز التنمية المشتركة للبشرية، وبناء رابطة مصير مشترك لمنظمة شانغهاي للتعاون، وتقديم مساهمات أكبر للسلام العالمي الدائم والازدهار المشترك. وطرح السيد شي خمسة اقتراحات بهذا الشأن، وهي: أخذ مسار الوحدة والتعاون وتقاسم الأمن والأمان والانفتاح والتكامل والتعلم المتبادل والانصاف والعدالة.

دوافع إقليمية ودولية للتوسع

يرتبط توجه منظمة شانغهاي للتعاون نحو التوسع بمجموعة من الدوافع المرتبطة بالسياقات الإقليمية والدولية. فعلى المستوى الإقليمي، تواجه منظمة شانغهاي للتعاون مع بداية العقد الثالث على تأسيسها، مستجدات إقليمية بالغة التعقيد، تلقي بظلالها على الأوضاع في الدول الأعضاء بالمنظمة، نتيجة التطورات داخل دول الجوار الجغرافي، ومنها أفغانستان العضو المراقب بالمنظمة منذ عام 2012، والتي تشترك في الحدود مع العديد من الدول الأعضاء، وهي تطورات سيكون لها تداعياتها الأمنية وإلاستراتيجية على هذه الدول، في ظل وصول حركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان. هذا بجانب التهديدات العديدة التي تواجهها دول آسيا الوسطى على خلفية الانسحاب المتسرع وغير المسؤول للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، ويأتي على رأسها احتمال تدفق اللاجئين الأفغان إلى أراضيها، والإرهاب وتهريب المخدرات.

ومن الناحية الاقتصادية، فإنه لا يمكن فصل توسع منظمة شانغهاي للتعاون نحو الشرق الأوسط عن مبادرة "الحزام والطريق" والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهما المبادرتان المهمتان اللتان تقف وراءهما الصين وروسيا. بالإضافة إلى المصالح الكبيرة التي تربط دول المنظمة، وخاصة الصين وروسيا، بالمنطقة، ولاسيما في مجالات الطاقة والاقتصاد والخدمات اللوجستية، وهي المصالح التي يرتبط ازدهارها بوجود بيئة أمنية مستقرة في المنطقة.

ويضاف إلى العوامل المرتبطة بالسياق الإقليمي للمنظمة، عوامل أخرى مرتبطة بالسياق الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزها: 1- الأهمية الجيوإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، من حيث الموقع الجغرافي، والأهمية الاقتصادية لعوامل عدة، أبرزها النفط والغاز الطبيعي والثروات المعدنية والطبيعية؛ 2- أن بعض دول الشرق الأوسط تعتبر امتدادا طبيعيا لآسيا الوسطى في الشرق الأوسط. حيث تقع في منطقة غربي آسيا، ما يجعل اندماجها في منظمة شانغهاي للتعاون يُعد بمثابة تطور طبيعي وثابت للمنظمة؛

3- امتلاك كل من مصر والسعودية وتركيا وإيران قدرات عسكرية كبيرة وإمكانيات اقتصادية وتجارية ضخمة، بالإضافة إلى الحجم السكاني الكبير والموقع الإستراتيجي الهام لكل منها؛ 4- وجود مساع معلنة من جانب بعض دول الشرق الأوسط للحصول على عضوية منظمة شانغهاي للتعاون، قوبلت بصدى إيجابي من قبل المنظمة، مقترنة باتخاذ إجراءات عملية بهذا الصدد؛ 5- الارتباط الوثيق بين أمن أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون في أوراسيا ومنطقة الشرق الأوسط، حيث لم يعد من الممكن النظر إلى مصالح هاتين المنطقتين على حدة؛ 6- وجود رؤية مشتركة وتوافق في التوجهات بين دول الشرق الأوسط والدول الأعضاء في المنظمة بشأن مساعي تعزيز الاستقرار والأمن في أراضي أعضائها.

وعلى المستوى الدولي، تمر العلاقات الدولية في الوقت الراهن بمرحلة تحول عميق، تتجلى أبرز ملامحه في بروز مراكز نفوذ سياسية واقتصادية جديدة، وتشكل نظام عالمي قائم على مبادئ التعددية القطبية، وتزايد المستوى الإقليمي للحوكمة العالمية، بجانب تنامي دور البلدان النامية. بالإضافة إلى بروز اتجاه لتصعيد التوترات في المناطق المتاخمة لفضاء المنظمة، وظهور بؤر ساخنة جديدة لعدم الاستقرار الدولي. وتوجه الصين وروسيا نحو مواجهة المحاولات الأمريكية لفرض السيطرة على الساحة الدولية. حيث لا يمكن فصل توجه منظمة شانغهاي للتعاون للتوسع نحو الشرق الأوسط عن الصراع والتنافس الجيوإستراتيجي بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، والذي بدت أبرز ملامحه في الآونة الأخيرة في تبني واشنطن سياسة جديدة ترتكز وفقا لمراقبين على سياسة الأحلاف القديمة، وهو ما تجسد في الظهور المفاجئ لتحالف "أوكوس" العسكري الذي يجمعها مع بريطانيا وأستراليا لمواجهة الصين، واستمرار تمركزها في المناطق التي تطوق الصين وروسيا في شبه الجزيرة الكورية والجزر اليابانية، فضلا عن قواعدها في منطقة الخليج العربي وجنوب شرقي آسيا. بالإضافة إلى إحياء واشنطن لمجموعة "كواد" (الحوار الأمني الرباعي)، بهدف تضييق الخناق الجيوسياسي على الصين، والالتفاف عليها من البر والبحر بهدف التضييق على المصالح السياسية والتجارية الصينية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

ومن جانبها، تسعى دول الشرق الأوسط للانضمام إلى عضوية منظمة شانغهاي للتعاون للعديد من الدوافع، لعل من أهمها: 1- المكانة المحورية التي باتت تحظى بها المنظمة على الصعيد الدولي، حيث أصبحت بعد عشرين عاما على تأسيسها أكبر منظمة إقليمية للتعاون على مستوى العالم؛ 2- أن المنظمة تعتبر منصة فعالة وكفؤة للجمع بين المصالح الوطنية للدول الأعضاء والمصالح الإقليمية، وتنفيذ المبادرات العابرة للقارات والإقليمية؛ 3- أن المنظمة أصبحت "مركز جذب" فعالا للعديد من بلدان العالم، حيث تقوم الدول الأعضاء في المنظمة ببناء شراكات بناءة وغير منحازة وغير تصادمية وليست موجهة ضد أطراف "ثالثة"؛ 4- أن المنظمة تُعد في إدراك وتصور بعض دول الشرق الأوسط، ولاسيما إيران، رمزا لتحويل ديناميكيات القوة في النظام العالمي بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية ونحو المجموعة غير الغربية.

تداعيات وسيناريوهات محتملة

هناك العديد من التداعيات المحتملة التي تطرحها مسألة توسع منظمة شانغهاي للتعاون باتجاه الشرق الأوسط، سواء على المدى القصير أو على المدى الطويل. على المدى القصير ترتبط تلك التداعيات بشكل محدد بالنتائج التي ستترتب على انضمام إيران كدولة عضو بالمنظمة، ولعل من أبرزها: مساعدة المنظمة في تسوية الأزمة الأفغانية؛ زيادة تعاونها مع المنظمة في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات مع الدول الأعضاء الأخرى؛ بناء علاقات أقوى مع الصين وروسيا وهما أكبر قوتين في المنظمة؛ إضافة إلى تنامي دور المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وموازنة المصالح المؤيدة للغرب.

وعلى المدى الطويل، فإن توسع منظمة شانغهاي للتعاون في الشرق الأوسط، سيؤدي إلى تعزيز المكانة الدولية للمنظمة؛ وتنامي دورها على المستوى الدولي؛ وكذلك لدول الشرق الأوسط المرشحة للانضمام لعضوية المنظمة. بجانب أنه يتيح لها المشاركة في إدارة شؤون المنطقة، والانخراط المتزايد في ملفاتها المختلفة، ولاسيما التعامل مع القضايا الأمنية وخاصة مكافحة الإرهاب. ويضاف إلى ما سبق، تفعيل مكانة دول الشرق الأوسط على الساحة الدولية، من خلال الارتباط بالقوى الدولية صاحبة التأثير والنفوذ الأكبر في العالم في الوقت الراهن بالمنظمة، وهي الصين وروسيا والهند. كذلك، فإن توسع المنظمة باتجاه الشرق الأوسط يتيح لدول المنطقة إمكانيات كبيرة للولوج إلى أسواق دول المنظمة، وبالتالي تعزيز وتنمية اقتصاداتها.

ومع ذلك، فإن مدى استفادة كل من تركيا ومصر والسعودية وقطر من الانضمام لعضوية منظمة شانغهاي للتعاون، يرتبط بالمدى الزمني الذي يمكن أن تستغرقه مسألة حصولها على العضوية الكاملة، والتي تحكمها قواعد محددة. ومن هنا، فإن المسألة تتطلب إنضاج الظروف اللازمة لترقية وضعها إلى عضو بصفة مراقب وتاليا عضو كامل العضوية. ومن دون شك، فإن المصالح القوية المتبادلة بين الدول المشار إليها والمنظمة، ستلعب دورا هاما في تسريع وتيرة التقارب بين الجانبين بما يختصر الفترة الزمنية اللازمة لترقية وضع هذه الدول إلى عضو كامل بالمنظمة، على الرغم مما قد تواجهه تلك المسألة من تعقيدات ومحاولات لعرقلتها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للحيلولة دون تنامي دور الصين وروسيا، الدولتين القائدتين في منظمة شانغهاي للتعاون، في الشرق الأوسط.

--

عادل علي، إعلامي وباحث في الشؤون الصينية من مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4