كلنا شرق < الرئيسية

السياسات التنموية للحزب الشيوعي الصيني

: مشاركة
2022-10-17 13:39:00 الصين اليوم:Source د. خديجة عرفة:Author

على مدار أكثر من مائة عام، هي عمر "الحزب الشيوعي الصيني"، أكبر الأحزاب السياسية على مستوى العالم؛ حيث يضم في عضويته ما يربو على 7ر96 مليون عضو بنهاية عام 2021، تبنى الحزب مجموعة من السياسات ذات الأبعاد التنموية الهامة، وتحديدا منذ الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر 1949، والتي انعكست على العديد من المجالات داخليا وخارجيا، بحيث شكّلت التجربة الصينية نموذجا تنمويا فريدا قياسا إلى حجم الإنجازات المحققة في إطار زمني محدد؛ بحيث سعت دول عدة إلى دراسة تجربة التنمية الصينية للاستفادة مما حققته من إنجازات وبحث مدى إمكانية تطبيقها.

ونظرة إلى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتطورها على مدار العقود الماضية تكشف حجم الإنجاز التنموي، وقدرة السياسات التنموية التي انتهجها الحزب الشيوعي الصيني على تحقيق البلاد لمعدلات نمو حقيقية بما أسهم في تحقيق الرفاه والحياة الرغيدة للشعب الصيني من ناحية، وتعزيز مكانة البلاد إقليميا ودوليا من ناحية أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ نحو أربعة عقود حدد الحزب "التنمية" كهدف رئيسي له وأولوية قصوى يسعى للوصول إليه، بحيث تم تكييف سياسة البلاد الداخلية والخارجية وتسخير كافة الإمكانات بما يخدم هذا الهدف. وهو ما تحقق من خلال خطط متتالية ومحكمة؛ بدءا من التركيز على التوسع الزراعي والصناعي بالتوازي مع تطوير البنية التحتية، مع وضع نظام لحوكمة الشركات، وغير ذلك. هذه التحركات على المسار الاقتصادي ترافقت مع محاولات كسر الجمود الفكري فيما يخص القيود الأيديولوجية، وكذلك تطوير سياسة خارجية تخدم هذا الهدف.

وهناك مجموعة من المقومات التي عززت من الدور التنموي للحزب الشيوعي الصيني؛ فعلى المستوى الداخلي كان التركيز على إعلاء مصلحة الشعب الصيني مع التحرك نحو تحقيق حياة رغيدة لكافة الشعب الصيني. المقوم الآخر تمثل في التركيز على التطوير المستمر والتعديل المستمر في مسار الإصلاح، فمع المراحل المختلفة لتطور ونمو الحزب الشيوعي الصيني منذ نشأته وحتى الآن، كانت هناك مراجعات مستمرة، كما كانت هناك تدرج في تحركات الحزب. 

مبدأ آخر تمثل في النهج الخارجي الذي انتهجته البلاد؛ من خلال اتباع سياسة خارجية متوازنة مع تبني سياسة "الصعود السلمي" و"حسن الجوار الإقليمي" وهي السياسات التي ساعدت على تركيز البلاد على تحقيق أهداف التنمية الداخلية، خاصة أن الصين لم يكن لها تاريخ استعماري كما لم تسع للهيمنة أو فرض نظامها على دول أخرى. وذلك في إطار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي وهي: الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. وهي السياسة التي التزم الحزب الشيوعي بها. 

ومن أجل استعراض السياسات التنموية الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني، ومدى ارتباطها بمعدلات التنمية في الصين، يمكن الاعتماد على مجموعة من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SDG ومدى نجاح الصين في تحقيق تلك الأهداف، وذلك على النحو التالي:

القضاء على الفقر: شكل القضاء على الفقر الهدف الأول من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (2015- 2030)، من خلال القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان. وكما أوضحنا، فقد نجح الحزب الشيوعي الصيني في تحقيق تنمية شاملة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مع تحقيق درجة من الاستقرار السياسي والاجتماعي. أحد المجالات التي تحرك عليها الحزب في هذا الشأن هو القضاء على الفقر، وتُشير الأرقام إلى أن عدد الأشخاص الذين تم انتشالهم من براثن الفقر في الصين نحو 800 مليون شخص.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، انخفض المؤشر العددي للفقر (مقارنة بخط فقر 90ر1 دولار في اليوم للفرد) كنسبة من سكان البلاد من 6ر36% في عام 2002 إلى 10ر0% في عام 2019. كما انخفضت نسبة الفقراء، وفقا لخط الفقر الوطني، من 8ر49% من سكان البلاد في عام 2000 إلى صفر بالمائة في عام 2020. بحيث نجحت البلاد في تحقيق هذا الهدف بشكل كامل. كما تراجعت نسبة سكان الحضر الذين يعيشون في أحياء فقيرة من 37% إلى 25% خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2018.

القضاء على الجوع التام: يرتبط الهدف الأول من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بهدف آخر وهو القضاء على الجوع التام. وهو ما يتحقق من خلال تحقيق الأمن الغذائي وتحسين مستوى تغذية الأفراد وتعزيز الزراعة المستدامة. وتُشير الأرقام إلى انخفاض معدل انتشار سوء التغذية للأطفال دون الخامسة كنسبة من مجمل الأطفال الأقل من خمس سنوات في الصين من 8ر17% إلى 8ر4% وذلك خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2017، وذلك وفقا لبيانات البنك الدولي. وهو ما انعكس على تحسن في بعض الأمراض ومن بينها انتشار التقزم بين الأطفال الأقل من خمس سنوات، بحيث انخفضت النسبة بين الفتيات من 1ر17% عام 2000 إلى 2ر7% في عام 2013. وبالنسبة للذكور، انخفضت النسبة من 7ر22%% في عام 2002 إلى 8ر8% في عام 2013.  وإجمالا، انخفض معدل سوء التغذية بين مجمل سكان الصين من 10% إلى 3% وذلك خلال الفترة من عام 2001، وحتى عام 2019.

العمل اللائق ونمو الاقتصاد: ركزت سياسات الحزب الشيوعي الصيني خلال العقود الماضية على تحقيق معدلات مهمة للنمو الاقتصادي، بحيث قاد الحزب البلاد نحو نهضة اقتصادية حقيقية لتصبح الصين في الوقت الراهن ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، إضافة لكونها أكبر دول العالم من حيث تجارة السلع. وخلال الفترة من عام 1979 وحتى عام 2018 حقق الاقتصاد الصيني متوسط معدل نمو سنوي بلغ 4ر9% في حين بلغ المتوسط العالمي خلال ذات الفترة 9ر2%. وفي الوقت الراهن تزيد مساهمة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي عن 18%.

وتوضح المؤشرات الاقتصادية حدوث تحسن مهم خلال العقود الأخيرة، بحيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 21ر1 تريليون دولار أمريكي في عام 2000 ليصل إلى 73ر17 تريليون دولار أمريكي في عام 2021، بمعدل زيادة بلغ 3ر136%. وتجدر الإشارة إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 1952 كان 9ر76 مليار يوان. كما تحسن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 6175 دولارا أمريكيا في عام 2000 إلى 32.976 دولارا أمريكيا في عام 2021، بمعدل زيادة بلغ 434%. وتجدر الإشارة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين في عام 1952 كان 910ر568 يوانا.

هذا التطور في المؤشرات الاقتصادية صاحبه تطور في الهيكل الصناعي، والذي عُدّ أحد نتائج تبني سياسة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من تسارع لعملية التصنيع والتحول الحضري؛ ففي عام 2017 بلغت نسبة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي 9ر7%، وبلغت مساهمة قطاع الصناعة 5ر40% وقطاع الخدمات 6ر51%.

وفيما يتعلق بتجارة الصين الخارجية، فقد انضمت الصين في عام 2001 إلى منظمة التجارة العالمية حيث عملت على الاستفادة من تلك العضوية بشكل كبير لتصبح فاعلا نشيطا عالميا على المستوى التجاري. وإجمالا، فقد نما حجم التجارة الخارجية (صادرات وواردات) للصين خلال الفترة من عام 1950 وحتى عام 2018 من 13ر13 مليار دولار أمريكي إلى 6ر4 تريليونات دولار أمريكي.

الصحة الجيدة والرفاه: التركيز على الجوانب الاقتصادية رافقه تطوير العديد من السياسات الاجتماعية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم وغيرها. وتؤكد المؤشرات التطور في هذا الشأن. فيما يخص المؤشرات الصحية؛ تحسن العمر المتوقع للفرد عند الميلاد في الصين من 71 عاما إلى 77 عاما وذلك خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2020. كما انخفضت نسبة وفيات الأمهات لكل 100 ألف مولود حي من 59 سيدة إلى 29 سيدة، وذلك خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2017.  أحد المؤشرات الصحية المهمة معدل وفيات الأطفال دون خمس سنوات لكل ألف مولود حي والذي انخفض من 37 طفلا إلى 7 أطفال وذلك على مدى عقدين (من عام 2000 إلى عام 2020). وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2019، بلغ الإنفاق على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 4ر5%.

كما يرتبط بهذا الهدف للتنمية المستدامة هدف آخر، يتمثل في المياه النظيفة والمياه الصحية، وهو الهدف السادس من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وفي الصين توضح المؤشرات حدوث تحسن مهم بحيث زادت نسبة الأشخاص الذين يستخدمون خدمات مياه الشرب الأساسية كنسبة من السكان من 80% إلى 94% وذلك خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2020. أما فيما يخص نسبة الأشخاص الذين يستخدمون خدمات الصرف الصحي بأمان كنسبة من السكان، فقد زادت من 13% إلى 70% خلال الفترة ذاتها. وفيما يخص الأشخاص الذي يستخدمون خدمات الصرف الصحي الأساسية، تحسنت النسبة خلال ذات الفترة من 57% إلى 92%. وذلك وفقا لمؤشرات البنك الدولي.

وفيما يخص حصول الأفراد على الطاقة، زادت نسبة الأشخاص الذي لديهم كهرباء من 97% في عام 2000 إلى 100% في عام 2020. وفيما يتعلق بالحصول على الوقود النظيف للطهي، تحسنت النسبة أيضا من 42% إلى 79% خلال الفترة ذاتها.

التعليم الجيد: حددت الأمم المتحدة تعريف هذا الهدف في ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. وفي هذا السياق، وفي سبيل تحقيق التنمية أولى الحزب الشيوعي الصيني أهمية خاصة للتعليم بهدف تقليل الفجوة بين الريف والحضر وتقليل معدلات الأمية من خلال زيادة المخصصات للإنفاق على التعليم والبحث العلمي. كما تم التركيز على الابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا. ووفقا لمؤشرات البنك الدولي، فقد زاد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الشباب. في الشريحة العمرية من 15- 24 سنة، زادت النسبة من 99% من تلك الشريحة العمرية في عام 2000 لتصل إلى 100% في الوقت الراهن. كما بلغ معدل الإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 5ر3% وذلك وفقا لإحصاءات عام 2018. كما زاد الانفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 89ر0% في عام 2000 إلى 4ر2% في عام 2020.

المساواة بين الجنسين: شكل تحقيق المساواة بين الجنسين الهدف الخامس من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من خلال التركيز على توفير كافة السبل بما يعزز من تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وفي هذا السياق، تُشير الأرقام إلى حدوث تحسن فيما يخص وضع النساء في البلاد، فعلى المستوى السياسي، زادت نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في مجلس نواب الشعب من 22% في عام 2000 إلى 25% في عام 2021. كما تحسن وضع النساء وفقا لمؤشر الأعمال والقانون للسيدات والذي يتراوح من (1- 100) حيث زادت قيمة المؤشر من 5ر62 نقطة في عام 2000 إلى 6ر75 نقطة في عام 2021.

وتجدر الإشارة إلى أن سعي الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق التنمية لم يقتصر على الداخل الصيني، بل امتد ليشمل دولا خارجية وذلك من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، والتي أطلقها الرئيس الصيني في سبتمبر 2013، وتهدف الصين من خلال المبادرة إلى إقامة شبكة من الطرق البرية والبحرية لربطها بمختلف مناطق العالم، حيث تركز المبادرة على البنى التحتية وخاصة الموانئ والطرق، وشبكات الكهرباء، وخطوط الاتصالات، وأنابيب نقل النفط والغاز. وقد دعت الصين دول العالم للانضمام للمبادرة، لما تحققه من فائدة مشتركة من خلال دورها في زيادة التجارة والاستثمارات المشتركة. وتُشير الأرقام إلى أنه فيما يخص الجسر البري الأوراسي، وهو شبكة من القطارات تربط الصين بالقارة الأوروبية، فبعد مرور تسع سنوات على إطلاق المبادرة أصبحت تلك القطارات تصل إلى 200 مدينة في 24 دولة أوروبية. وخلال السنوات التسع المنصرمة، بلغ أيضا حجم تجارة الصين مع الدول الواقعة على مسار الحزام والطريق نحو 11 تريليون دولار أمريكي، مع استثمارات متبادلة قُدّرت بنحو 230 مليار دولار أمريكي. وبنهاية عام 2021، كانت الصين قد قامت ببناء 79 منطقة للتعاون الاقتصادي في 24 دولة على مسار الحزام والطريق. وبحلول منتصف عام 2022، كانت الصين قد وقعت ما يزيد على 200 اتفاقية للتعاون مع 149 دولة و32 منظمة دولية. ويتوقع البنك الدولي، أنه بحلول عام 2030 قد تًسهم المشروعات المنفذة في إطار مبادرة الحزام والطريق في خروج 6ر7 ملايين شخص من براثن الفقر المدقع و32 مليون شخص من الفقر. 

وختاما، نجحت السياسات التنموية للحزب الشيوعي الصيني في تقديم تجربة مهمة للتطور والتقدم على العديد من المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وهي تجربة مهمة واجهت مسيرتها العديد من المعوقات خاصة أن الصعود الصيني فرض ضغوطا تنموية كان على الحزب الشيوعي الصيني مواجهتها. وإن ظلت هناك العديد من الملفات التنموية المهمة التي من المهم التحرك نحوها ومن أبرزها الاهتمام بالبيئة وتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خاصة في ظل التزام الصين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. وفي هذا السياق، تُظهر المؤشرات تراجعا في استخدام الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة بالبلاد من 6ر29% إلى 45ر14% وذلك خلال عام 2019- 2020. كذلك زاد نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من 7ر2 طن متري إلى 6ر7 أطنان خلال الفترة ذاتها. وهو ما يتطلب المزيد من الجهود في هذا الشأن.

--

د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية من مصر. 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4