كلنا شرق < الرئيسية

التعاون الإعلامي العربي- الصيني.. رؤية ذاتية

: مشاركة
2022-12-07 16:04:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

يشهد المرء خلال مسيرته المهنية العديد من التجارب والمحطات التي تؤثر بدرجة كبيرة في تكوينه المهني والمعرفي، ولا سيما إذا كان من المنخرطين في مجال العمل الإعلامي والتحليل السياسي. ورغم أن مسيرتي المهنية حفلت بمحطات عدة داخل وخارج مصر، ساهمت إيجابا في صقل وإثراء خبرتي في المجالين الإعلامي والبحثي، فإن ثمة تجربة مهمة كان لها بالغ الأثر على مسيرتي الإعلامية والبحثية، وهي تكليفي في أوائل عام 2019 من قِبل الجهة الإعلامية الرسمية التي أشرف بالانتماء إليها، بالسفر إلى جمهورية الصين الشعبية، في مهمة إعلامية، ضمن وفد إعلامي وصحفي مصري رفيع المستوى، وذلك بهدف التعرف على حقيقة الأوضاع في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم الواقعة في شمال غربي الصين، وخاصة في ظل ما كان يُثار- آنذاك- من جانب وسائل إعلام غربية مناوئة للصين بشأن مراكز التعليم والتدريب المهني في المنطقة، بجانب تعريف الرأي العام المصري بجهود الحكومة المركزية في بكين والحكومة المحلية في منطقة شينجيانغ للنهوض بأوضاعها.

تجربة ذات تأثير بالغ

سنحت لي تجربة السفر إلى الصين خلال الفترة من 22 يناير إلى الأول من فبراير عام 2019، وذلك بدعوة كريمة من المكتب الإعلامي بمجلس الدولة الصيني وسفارة الصين لدى مصر في إطار التعاون الإعلامي بين الهيئة العامة للاستعلامات المصرية والصين. وقد كانت الزيارة حافلة بالفعاليات التي قام الجانب الصيني بترتيبها للوفد الإعلامي المصري الزائر. حيث تمثل الهدف من زيارة منطقة شينجيانغ في الإطلاع على تجربة الصين الرائدة في القضاء على الفقر، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتوفير البيئة الآمنة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لمختلف القوميات بالمنطقة. الأمر الذي ترتب عليه تحقيق تقدم مستمر في التنمية الاجتماعية وتحسين معيشة المواطنين خلال العقد الماضي، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في عام 2021، قرابة 6ر1 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات حاليا)، وهو ضعف الرقم الذي سجلته المنطقة عام 2012.

كانت البداية من العاصمة الصينية بكين، بلقاء وفد رفيع مستوى من الإعلاميين والصحفيين المصريين، مع السيد جيانغ جيان قوه، نائب رئيس دائرة الدعاية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وذلك في إطار التعاون الإعلامي بين مصر والصين. حيث أجاب المسؤول الصيني الكبير، بشفافية وصراحة تامة على جميع الأسئلة الموجهة إليه من الوفد المصري. وقد طرحت على المسؤول الصيني سؤالا بشأن رأيه في آفاق التعاون بين وسائل الإعلام الصينية والمصرية وتوطيد العلاقات بينهما، فأجاب بقوله: "هناك ظروف جيدة لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال الصحافة. أولا: هذا التعاون يمتاز بأساس راسخ، حيث تعود الصداقة بين وسائل الإعلام الصينية والمصرية إلى تاريخ قديم، وهي دائما تقوم بتغطية صحفية موضوعية وفعالة وشاملة وعقلانية، ما يعزز الصداقة بين الشعبين. ثانيا: التبادلات بين الطرفين مكثفة، وقد شهد التعاون بين وسائل الإعلام من الجانبين تعمقا وتوسعا مستمرين، كذلك يتمتع التعاون الصحفي الثنائي بإمكانات هائلة وآفاق واسعة."

بعد انتهاء الجزء الخاص بمهمة الوفد الإعلامي والصحفي المصري في بكين، وطبقا للبرنامج الذي تم إعداده من الجانب الصيني، غادر الوفد بكين متجها إلى منطقة شينجيانغ، حيث زار ثلاث مدن، وهي كاشغر، وخوتان، وأورومتشي حاضرة المنطقة. وخلال تواجدي في المدن الثلاث تعرفت بشكل مباشر على جهود الصين في تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي ومكافحة الفقر كأساليب لمكافحة الإرهاب والتطرف واقتلاعه من جذوره في المنطقة. حيث زرت في مدينتي كاشغر وخوتان، مساجد ومستشفيات ومصانع ومزارع ومؤسسات تعليمية وأسواق، فضلا عن العديد من مراكز التعليم والتدريب المهني، التي أقامتها الحكومة الصينية لمساعدة أهالي شينجيانغ، ولا سيما الشباب، في تعلم اللغة الصينية ودراسة القوانين واكتساب المهارات، واستمعت إلى حوارات الوفد الإعلامي المصري مع المتدربات والمتدربين الملتحقين بها، وحضرت حصص تعلم اللغة الصينية والقانون والمهن المختلفة، وقيامهم بأداء فنون الرقص والغناء التي تعبر عن الثقافة الويغورية في شينجيانغ. وشاهدت العديد من العروض الفنية والموسيقية التي تعكس التراث الثقافي للويغور. كما زرت أيضا منازل السكان المحليين الذين تخرجوا في هذه المراكز، ورأيت كيف يعيشون في سعادة وكيف تخلصوا من البطالة والفقر وأصبحوا أعضاء منتجين في مجتمعهم.

في مدينة أورومتشي حاضرة منطقة شينجيانغ، قمت بزيارة متحف شينجيانغ، والذي يحتوي على أكثر من 60 ألف قطعة أثرية ثقافية ومقتنيات متنوعة من شينجيانغ ومناطق على طول طريق الحرير داخل الصين وخارجها. كما زرت أيضا معرض الأحداث الرئيسية للعنف والإرهاب في شينجيانغ، والذي يوثق بالصور والأفلام القصيرة الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها منطقة شينجيانغ في التسعينيات من القرن الماضي. وقبل مغادرة مدينة أورومتشي، تم تنظيم ندوة حوارية موسعة للوفد الصحفي والإعلامي المصري في مقر أكاديمية شينجيانغ للعلوم الاجتماعية، والتي تضم نخبة من الأكاديميين والخبراء من قوميات صينية متعددة.

وقد أجاب خبراء الأكاديمية بشفافية ووضوح تام على كافة تساؤلات الوفد الإعلامي المصري. حيث تساءلت خلال اللقاء عن مدى وجود تعاون من جانب الأكاديمية مع مراكز الأبحاث المصرية لتبادل الخبرات في مجال معالجة الظواهر المختلفة ولا سيما مكافحة الإرهاب سواء في الصين أو مصر، وما هي مجالات التعاون بهذا الشأن. وقد أكد رئيس الأكاديمية، ردا على هذا التساؤل، أن الأكاديمية تتواصل مع باحثين وخبراء مصريين وليس مع مؤسسات أكاديمية، معربا عن أمله في تعزيز التبادل مع الجامعات والمراكز البحثية المصرية في المستقبل.

الاهتمام بالشأن الصيني

الشاهد هنا، أن حالة من الانبهار والإعجاب الشديدين سيطرت على عقلي وتفكيري تجاه هذا البلد، كحال العديد من الذين قاموا بزيارة الصين من قبل، وهو ما دفعني بعد العودة إلى مصر إلى الاهتمام بمتابعة كافة ما يتصل بجمهورية الصين الشعبية من تطورات في معظم المجالات، مع التركيز بشكل خاص على المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، سواء على الصعيد المحلي الصيني، أو على صعيد علاقات الصين الخارجية، ولا سيما علاقاتها مع جمهورية مصر العربية وقارة أفريقيا، والقوى الدولية الكبرى، والتجمعات الاقتصادية الدولية الكبرى، كمجموعة العشرين، وبريكس، وغيرهما، فضلا عن الاهتمام بمبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013.

هذا الاهتمام بالشأن الصيني، تمت ترجمته مهنيا على الصعيد العملي، من خلال التخصص- كدارس للعلوم السياسية ومناهج البحث السياسي- في متابعة الشؤون الصينية، وكتابة العديد من المقالات والتعليقات عن التطورات الداخلية في الصين، وكذلك علاقاتها الخارجية، والتي قامت بنشرها العديد من وسائل الإعلام المتخصصة المقرؤة والمرئية، ومنها: مجلة ((الصين اليوم))، ومجلة ((السياسة الدولية)) التي تصدرها مؤسسة الأهرام، ومجلة ((آفاق آسيوية)) ومجلة ((آفاق أفريقية)) اللتان تصدرهما الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، والموقع العربي لشبكة تليفزيون الصين الدولية، وموقع الصين بعيون عربية، وموقع شبكة طريق الحرير الإخبارية الصينية. بالإضافة إلى المشاركة في تقرير ((الصين في عام 2021))، الصادر عن مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، بدراسة بعنوان "المجتمع الصيني.. متلازمة التنوع والانسجام". هذا بجانب حضور والمشاركة في الفعاليات المتنوعة التي ينظمها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة. فضلا عن المشاركة في الصالون الثقافي الذي أقيم بالقاهرة في الثامن عشر من أكتوبر 2022، بعنوان "قراءة في أفكار الرئيس شي حول الحكم والإدارة"، والذي ناقش خلاله خبراء ومتخصصون المجلد الثالث لكتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة))، وذلك في إطار منتدى "مصر والصين في عشر سنوات.. التقدم مستمر".

ملاحظات ومقترحات

على الرغم مما حققه التعاون بين الجانبين العربي والصيني في المجال الإعلامي من زخم كبير خلال الفترة الماضية، سواء في إطار علاقات الصين مع الدول العربية فرادى أو في الإطار الجماعي ممثلا في منتدى التعاون الصيني- العربي ومنتدى التعاون الإعلامي لدول مبادرة "الحزام والطريق"، فإن هناك حاجة إلى البناء على ما تحقق في الفترة السابقة، وذلك لمواكبة التطورات العديدة المتلاحقة التي تهم الجانبين العربي والصيني. حيث يمكن طرح الملاحظات والمقترحات الآتية:

أولا، ضرورة تفعيل وتعزيز أطر التعاون الإعلامي بين الجانبين، ولا سيما فيما يتصل بالتبادل الإعلامي وزيارات الوفود الإعلامية من الجانبين، ومن الأهمية بمكان أن تعمل الصين على زيادة الدعوات للإعلاميين والباحثين العرب المهتمين بالشأن الصيني لزيارة الصين، للتعرف على التجربة الصينية عن قرب.

ثانيا، ثمة حاجة من الجانب العربي إلى تفعيل وتعزيز أطر التواصل الإعلامي مع الجانب الصيني، ولا سيما تواجد وسائل الإعلام العربية الرئيسية في الصين، سواء من خلال التمثيل الإعلامي الرسمي عبر السفارات العربية لدى بكين، أو من خلال تدشين مكاتب تمثيلية للصحف والمؤسسات الإعلامية العربية الكبرى في بكين. وفي هذا السياق، وفي إطار التعاون الإعلامي بين مصر والصين، من الأهمية بمكان العمل على إعادة افتتاح المكتب الإعلامي المصري بالسفارة المصرية لدى بكين، في ضوء الدور المهم الذي قام به خلال الفترة السابقة على إغلاقه، في التعريف بصورة مصر لدى الرأي العام الصيني، ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام الصينية.

ثالثا، على الرغم من اتفاق الجانبين العربي والصيني على عقد آلية ندوة التعاون العربي- الصيني في مجال الإعلام بشكل دوري كل عامين، فإنه يلاحظ عدم الانتظام في عقد دورات هذه الندوة، حيث نجد أنه في حين تم عقد الدورات الثلاثة الأولى بانتظام في أعوام 2008 و2010 و2012، فقد عُقدت الدورة الرابعة في عام 2020، أي بعد ما يزيد على ثماني سنوات من انعقاد الدورة السابقة لها. ومن هنا، فإن ثمة حاجة إلى الالتزام بدورية انعقاد هذه الآلية المهمة للتعاون الإعلامي بين الجانبين العربي والصيني، ولا سيما في ظل تزايد التحديات المشتركة التي يواجهها الجانبان في الآونة الأخيرة.

رابعا، رغم ما تحظى به المنطقة العربية والقارة الأفريقية من أهمية خاصة بالنسبة للصين، تعكسها التفاعلات الكثيفة التي أطرافها الصين والمنطقة العربية وأفريقيا، فإن المتابع للحالة البحثية والأكاديمية العربية فيما يتعلق بالاهتمام بالشأن الصيني يكاد يلحظ انخفاض- إن لم يكن ندرة- عدد المؤسسات البحثية المستقلة المعنية بالشأن الصيني في مصر والمنطقة العربية- ربما باستثناء محاولات قليلة يغلب عليها الطابع الإعلامي، وليس الأكاديمي والبحثي، ناهيك عن تركيزها على جوانب محددة في اهتماماتها ونشاطاتها البحثية. وبالتالي، فإن ثمة حاجة فعلية إلى تأسيس مركز بحثي مستقل وخاص بالشؤون الصينية، لرصد وتحليل الشأن الصيني في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال حصر ورصد وتحليل وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي ورؤية شعوب المنطقة لجمهورية الصين الشعبية عموما. وتنبع أهمية وجدوى فكرة تأسيس مؤسسة بحثية متخصصة في الشؤون الصينية، من اعتبارات عدة، يأتي على رأسها أن المستقبل يسير باتجاه تنامي التفاعلات والمصالح الصينية في المنطقة العربية وفي القارة السمراء، بل وارتباط هذه التفاعلات والمصالح بتفاعلات ومصالح قوى دولية كبرى أخرى منافسة للصين في المنطقة العربية وأفريقيا. وقد عكفت نخبة من الإعلاميين والخبراء في الشأن الصيني على إعداد تصور متكامل لتأسيس المؤسسة البحثية المقترحة، ويمكن مناقشته مع الجهات المعنية لدى الجانبين المصري والصيني، لوضعه موضع التطبيق العملي على أرض الواقع.

خامسا، مع ترقب انعقاد أول قمة عربية- صينية من نوعها في التاريخ في ديسمبر 2022 بالمملكة العربية السعودية، وهي القمة التي يُعول عليها كثيرا في ضخ مزيد من الزخم في العلاقات العربية- الصينية ودفعها إلى آفاق أكثر رحابة، بما يمثل مرحلة جديدة لتطور هذه العلاقات في العصر الجديد، نأمل أن يحظى الجزء الخاص بالتعاون الإعلامي بين الدول العربية والصين وسُبل تفعليه باهتمام متزايد من الجانبين للبناء على ما حققه هذا التعاون في الفترة السابقة من تعريف بما يشهده الجانبان من تطورات في كافة المجالات من جهة، وكسر احتكار وسائل الإعلام الغربية للمعرفة عن الدول العربية والصين في ضوء هيمنة الاعتبارات السياسية والأيديولوجية على ما تنشره من أخبار ومعلومات عن الجانبين من جهة أخرى.

--

عادل علي، إعلامي وباحث في الشؤون الصينية- مصر.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4