كلنا شرق < الرئيسية

التبادل الزراعي بين مصر والصين.. شراكة وتعاون

: مشاركة
2024-03-08 14:03:00 الصين اليوم:Source د. غادة جابر:Author

في الآونة الأخيرة، وخاصة منذ نهاية عام 2019 وحتى الآن، يمر العالم بالعديد من الأزمات، التي كان لها أثر كبير على توضيح القدرة الحقيقية لكل دولة في مواجهة الأزمات، وظهور الصداقات العديدة والحقيقية بين الدول المختلفة، التي تخدم مصالح كل دولة، وتعمل على تحقيق رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مصر والصين من الدول التي ظهرت قوة علاقتهما في السنوات الأخيرة، وخاصة في العقد الأخير، مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر منذ عام 2014، وتولي الرئيس شي جين بينغ رئاسة الصين منذ عام 2013، حيث لدى كل من الزعيمين تطابق رؤى في العديد من الأمور، التي من شأنها المحافظة على الأمن الوطني لكل دولة منهما، والعمل الدائم على التنمية المستدامة، من أجل عالم أفضل ومستقبل مزدهر للأجيال القادمة.

كان كابوس انتشار وباء كوفيد- 19 في العالم مع بداية عام 2020، فارقا كبيرا في حجم التحديات التي واجهت الدول اقتصاديا وأمنيا. وكان التحدى الأهم وقتها هو كيفية المحافظة على الأمن الغذائي، وأضحي أحد أهم أدوات الأمن الوطني للدول. وكان فشل الولايات المتحدة الأمريكية، التي استباحت لعبة القطب الواحد والهيمنة غير المرغوب فيها على هذا العالم لعدة عقود، واضحا أمام العالم في مواجهة أزمة كوفيد- 19، بتدهور الحالة الصحية وعدم كفاءة المستشفيات فيها. وكذلك كان الحال في الدول الغربية أيضا، فمنها دول تفاقم فيها عدد الوفيات بسبب كوفيد- 19، وتدهورت الحالة الصحية بها، وانعدم استقرار تلك الدول اقتصاديا، وبات الاتحاد الأوروبي على شفا الانهيار.

في نفس الوقت، استطاعت الصين مواجهة كوفيد- 19 وتحجيمه بكل انضباط وحكمة، واكتفاء ذاتي من أساليب الوقاية والغذاء، وفاجأت العالم بقدرتها على مواجهة أزمة كورورنا، بتوافر المخزون الكافي من السلع الإستراتيجية التي يحتاج إليها المواطن المصري. ولم يكن غلق حركة التجارة بين الدول له أثر على توافر السلع في السوق المصرية. واستطاعت مصر أن توفر ملاذا آمنا للصحة، وكان عدد الوفيات بها قليلا رغم انتشار الفيروس، بل وأرسلت شاحنات عديدة من مستلزمات الوقاية والعلاج كمساعدات لدول أخرى صديقة. 

ثم جاءت الأزمة الروسية- الأوكرانية، وهما دولتان يعتمد عليهما أكثر من 350 مليون شخص حول العالم لإمدادهم بالقمح والمواد الأولية. هذه الأزمة التي افتعلتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، ودخلت في عامها الثالث من دون جدوى، وذلك من أجل استمرار المحاولات الدائمة من الجانب الغربي لدحر جهود الشرق في الازدهار والتنمية والاستقرار.

وتتوالى الأزمات باندلاع الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023، واستمرارها حتى الآن. بل وهناك مؤشرات لتوسع نطاق هذه الحرب في الشرق الأوسط، وبالتالي أثرها المدمر على الشرق والعالم بأسره. وظهر ذلك بتأثر حركة التجارة في طريق الملاحة الأساسي في البحر الأحمر وباب المندب، وبالتالي قناة السويس. إن رؤية مصر والصين متطابقة لوقف هذه الحرب، وحفظ حق الشعب الفلسطيني، وإعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة، من أجل استقرار هذا العالم وحفظ السلام والتنمية.

وخلال سيطرة هذه الأزمات على الساحة الدولية، أصبح الأمن الغذائي هو الاهتمام الأول لكل الدول، وأصبح الاكتفاء الذاتي من الغذاء هو اللعبة الأكثر ربحا التي تستطيع أن تنتهجها القيادات الحكيمة لمواجهة الأزمات. بعد الدروس المستفادة من توتر العلاقات بين الدول، أو الاضطرار إلى غلق المطارات والموانئ وسُبل التجارة المختلفة، استعادت الزراعة دورها وسطوعها مرة أخرى على مسرح الاقتصاد الدولي، بعد أن توارى بروزها بسبب الثورات الصناعية والتقدم في التصنيع، والذي كان سببا رئيسيا في زيادة تفاقم التغيرات المناخية التي تعاني منها دول العالم الآن، وخاصة دول قارة أفريقيا.  

أهمية قطاع الزراعة وتنمية الريف في مصر والصين

مصر والصين من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، وخاصة أن مصر لديها أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان، وهم من يعيشون على ضفاف النيل وعلى طول قناة السويس، حيث توافر الإنتاج الزراعي والسمكي والحيواني، حيث تبلغ الكثافة السكانية في هذه المناطق 1500 نسمة لكل كيلومتر مربع، في حين أن معدل الكثافة السكانية العام لمصر 90 نسمة لكل كيلو متر مربع. لذلك، تعمل القيادة السياسية المصرية على تعزيز وفرة الإنتاج الزراعي والتوسع الزراعي الأفقي والرأسي، من أجل توفير العيش في مناطق أخرى، تكون أقل اكتظاظا بالسكان. وقد بلغ عدد سكان الصين حتى نهاية عام 2022، مليارا وأربعمائة وأحد عشر مليونا وسبعمائة وخمسين ألف نسمة، والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أكبر دولة مستوردة في العام أيضا.

من الخطوات الأولى في تقدم الصين والقضاء على الفقر، البدء في الإصلاح الزراعي، بمنح المزارعين حق استغلال أراضيهم، مما ساعد في تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من شح المواد الغذائية. واعتمدت الحكومة الصينية إستراتيجية مشتركة لبرنامج الحد من الفقر الريفي في الصين، استنادا إلى مفهوم مجتمع الأسرة الكبيرة الذي يهدف إلى إقامة مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وذلك بالتركيز على التنمية الزراعية السليمة إيكولوجيا، وتعزيز الخدمات المالية والتسويقية للفقراء، وتشجيع أصحاب المبادرات الفردية من القطاع الخاص، والنهوض بمنظمات المزارعين، إلى أن أصبح القطاع الزراعي في الصين هو القطاع الاقتصادى الأكبر ويدخل في التصنيع الزراعي. ويعمل في القطاع الزراعي بالصين أكثر من ثلاثمائة مليون فرد، وتحتل الصين المرتبة الأولى في الإنتاج الزراعي عالميا.

وقطاع الزراعة في مصر من أهم الركائز الأساسية للنهوض بالاقتصاد الوطني، وخاصة أن مصر تتمتع بصدارة دولية في التصدير لعدد من المحاصيل الزراعية. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد العاملين في الزراعة يصل إلى أكثر من سبعة ملايين فرد. وعملت مصر على تنمية الريف المصري من خلال مبادرة "حياة كريمة" لتطوير قرى الريف المصري الأكثر فقرا، ويستفيد من المبادرة 18 مليون مواطن مصري، ويتم تنفيذها على ثلاثة مراحل. وتسعى المبادرة لتحقيق التنمية الشاملة للقرى؛ من تحسين خدمات البيئة الأساسية مثل مياه الشرب والصرف الصحي والطرق والاتصالات، وتحسين مستوى الخدمات العامة كالتعليم والصحة. ويؤدي هذا إلى تحسين مستوى الدخل، عن طريق زيادة الإنتاج وفرص العمل. وتقوم المبادرة على نمط الشراكة بين القطاع الحكومي ومنظمات المجتمع المدني وصندوق "تحيا مصر" والقطاع الخاص ورجال الأعمال، لتعظيم الاستفادة من هذه المبادرة وتحقيق أهداف "رؤية مصر 2023"، والتي من أهم بنودها القضاء على الفقر والجوع والمرض، وتوفير تعليم جيد ومياه نظيفة، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي.

التعاون بين وزارتي الزراعة في مصر والصين    

تعد التنمية الزراعية من أهم وأبرز محطات التعاون بين مصر والصين، فتعمل الدولتان معا من أجل الأمن الغذائي، وخاصة بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ثمانية عشر مليار دولار أمريكي في عام 2022. وتحرص الحكومة المصرية على زيادة الصادرات المصرية للصين، فزادت السلع المصرية في الأسواق الصينية بنسبة 30%. وتحتل الموالح المصرية المركز الثاني بين المنتجات الزراعية التي تصدر إلى الصين من دول العالم. ونجحت مصر في فتح السوق الصينية لصادراتها من المانجو. ولدعم تطوير آليات التعاون مع الصين، تم إنشاء "وحدة الصين" في مجلس الوزراء المصري.

وكانت زيارة وزير الزراعة الصيني تانغ رن جيان إلى مصر في شهر أغسطس 2023، بدعوة من وزير الزراعة السيد القصير، بمثابة توطيد أواصر التعاون بين البلدين. ونتج عن هذه الزيارة التوقيع على خطة عمل للتعاون الزراعي بين البلدين للفترة من عام 2023 إلى عام 2025. وأشار السيد تانغ إلى تاريخ وحضارة مصر المحفورة في قلوب الصينيين، وأعرب عن سعادته بوجوده في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، لبحث التعاون الثنائي في المجال الزراعي. وأكد على أهمية مصر التاريخية وموقعها الإستراتيجي، والعمل على تعزيز الحوار وتبادل الأصناف النباتية المتحملة للملوحة والجفاف، وتقديم كافة الخبرات الصينية والميكنة الزراعية التي تتناسب مع الظروف المصرية، والعمل على دعم منظومة الأمن الغذائي، واستنباط أصناف موفرة للمياه، للتغلب على مشكلة الفقر المائي، ودعم صغار المزارعين. وأكد الوزيران المصري والصيني أن خطة العمل تشمل التدريب وبناء القدرات، وتقديم المنح للعاملين في مراكز البحوث الزراعية المصرية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، والتعاون في مجال البحوث الزراعية، وتشكيل لجنة فنية مشتركة بين الجانبين.

وأكد وزير الزراعة المصري على دور الجانب الصيني في دعم منظومة الأمن الغذائي بدول قارة أفريقيا، وأشاد بموافقة الجانب الصيني على إنشاء مركز تدريب لمكافحة التصحر والاستعداد لإنشاء مركز متميز داخل مركز البحوث الزراعية في مصر، لزراعة الأرز الهجين المتحمل للجفاف لمجابهة مشكلة التغيرات المناخية. وأكد القصير أن مصر اتخذت عددا من الإجراءات الاستباقية، للتغلب على المشكلات والتحديات العالمية، ومن بين هذه الإجراءات التوسع الرأسي لزيادة الإنتاجية وتقليل الفجوة الغذائية، وإقامة المشروعات التنموية العملاقة، مثل تبطين الترع وتحلية المياه ومشروعات الاستزراع السمكي والتوسع الأفقي واستصلاح الأراضي.

--

 

د. غادة جابر، باحثة في العلوم السياسية من مصر.     

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4