كلنا شرق < الرئيسية

محمود أبو حرب.. حلم طبيب عربي يتحقق في الصين

: مشاركة
2024-05-31 12:11:00 الصين اليوم:Source هناء لي ينغ:Author

مقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين"، التي تجري على ألسنة العرب منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، لا تعكس الرغبة الشديدة للأمة العربية في العلم فحسب، وإنما أيضا تشهد على العلاقات الودية بين الصينيين والعرب والتي يرجع تاريخها إلى عصور قديمة، والإعجاب المتبادل بينهما.

في العقود الأخيرة، صارت أبواب الصين أكثر انفتاحا على نحو متزايد، وتوسع نطاق ومجالات ومستوى انفتاحها على الخارج باستمرار، فتعاظمت مجالات التعاون الصيني- العربي بشكل مطرد، وتزايدت الزيارات المتبادلة بين الجانبين، وجاء عدد متزايد من الشباب العرب إلى الصين، الدولة الشرقية العريقة، للدراسة والعمل والحياة، وحققوا أحلام حياتهم.

في قسم جراحة القلب بالمستشفى الدولي التابع لجامعة بكين، يرى الناس طبيبا أجنبيا شابا مشغولا، إنه محمود أبو حرب، جرّاح القلب والأوعية الدموية القادم من الأردن. عندما كان عمره تسع عشرة سنة، جاء محمود إلى الصين حاملا حلمه بأن يصبح طبيبا، وبجهوده وتفانيه أجاد علوم الطب فأضحى مؤتمنا على صحة المرضى.


الصين هي الاختيار الأكثر صوابا في حياتي

في عام 1967، وبسبب الحرب، هاجرت عائلة أبو حرب من قطاع غزة الفلسطيني إلى الأردن، حيث وُلد محمود وترعرع في مخيم للاجئين، وسط ظروف صعبة. وبسبب ضعف صحته في صغره، كان يتردد على الأطباء حينا بعد حين. منذ ذلك الوقت، صار حلمه أن يكون طبيبا. اجتهد في الدراسة وعمل لكسب الرزق، حتى حقق نتائج دراسية ممتازة في الاختبارات، وفاز بفرصة للدراسة في الصين بعد تخرجه في المدرسة الثانوية، وانطلق على طريق طلب العلم في الصين.

قال محمود، الذي يبلغ من العمر حاليا اثنتين وثلاثين سنة: "في ذلك الوقت، وقّعت بعض الجامعات الصينية اتفاقية لتبادل الطلاب المبعوثين مع بعض المدارس في الأردن، لتعزيز التبادل بين الصين والدول العربية، ودفع التفاهم والصداقة بين الجانبين. كانت مدرستي واحدة منها، ومن حسن الحظ أنني حصلت على هذه الفرصة الجميلة، ورأيت أملا لتحقيق حلمي."

في عام 2011، جاء محمود إلى الصين للدراسة في جامعة نانتشانغ بمقاطعة جيانغشي. تكيف محمود مع البيئة الجديدة الغريبة بعد وقت قصير، بمساعدة الأساتذة والزملاء، واجتهد في دراسة اللغة الصينية والمواد الطبية الاختصاصية، ونجح في امتحان مستوى اللغة الصينية من الدرجة السادسة، وهي أعلى مستوى لهذا الامتحان، وفاز بجائزة في مسابقة اللغة الصينية للطلاب المبعوثين. كان الأساتذة يأخذونه معهم وهم يجرون العمليات الجراحية ويدربونه يدا بيد، ويعلمونه المعلومات والتجارب بأنفسهم، ويشجعونه على تحسين المهارة الاختصاصية الطبية. قال محمود: "بعد وصولي إلى الصين، وجدت أنها أفضل مما تخيلتها في السابق، فهي دولة آمنة، ويحب الصينيون السلام وهم لطفاء ومهذبون. أعتقد أن ثقافة الصين واسعة وعميقة، ويتطور اقتصادها بسرعة، وهذه البيئة مناسبة للدراسة بالنسبة إلى الطلاب المبعوثين. في البداية، شعرت بتغير البيئة، ولكنني تعودت أن أجتهد طالما جئت إلى مكان آخر، فحققت أفضل النتائج الدراسية وحصلت على منحة دراسية في السنة الأولى، وبعد ذلك، كنت أحصل على المرتبة الأولى في كل سنة. عندما كنت أتدرب في المستشفى الأول التابع لجامعة نانتشانغ، كان أستاذي الطبيب يانغ جيون من مستشفى الصداقة ببكين التابع لجامعة العاصمة للعلوم الطبية، وكان يجعلني أحضر معه أثناء إجراء العمليات الجراحية، وهو أول من علمني كيفية استخدام حامل الإبرة والملقاط الصغير لخياطة الجروح. علّمني كثيرا، وأشكره جدا. أعتبره أخا لي، وما زلنا نحافظ على علاقتنا الوثيقة."

بعد الحصول على درجة البكالوريوس، واصل محمود الدراسة في جامعة الطب في داليان بمقاطعة لياونينغ، وحصل على درجة الماجستير، ثم حصل على درجة الدكتوراه في قسم القلب والأوعية الدموية بجامعة العاصمة للعلوم الطبية. في أغسطس عام 2023، بدأ محمود عمله في المستشفى الدولي التابع لجامعة بكين، وحقق حلمه بأن يصبح طبيبا. قال متأثرا: "الصين هي الاختيار الأكثر صوابا في حياتي، فيها حققت حلمي، فلها مني الشكر."

الصين احتضنتني وأود أن أرد الجميل لها

من المعروف أن العمل في قسم جراحة القلب مرهق للغاية، بسبب الأمراض المعقدة والعمليات الجراحية الصعبة وعدد المرضى الكبير، فالعملية الجراحية الواحدة قد تستغرق خمس عشرة أو ست عشرة ساعة أحيانا، ولكن محمود لا يشعر بالتعب. قال: "كل معلوماتي الطبية تعلمتها هنا. الصين جعلتني ما أنا عليه اليوم. لا يمكن أن أغادرها بعد حصولي على الدرجات العلمية، بل يجب علي أن أنقذ مزيدا من المرضى لرد الجميل للصين."

قال محمود إن المرضى يندهشون عندما يرونه لأنه أجنبي، ويحاولون الحديث معه باللغة الإنجليزية، ولكن ما إن يسمعونه يتكلم باللغة الصينية حتى تبدو عليهم علامات الارتياح والثقة به، بل ويسألونه "من أين جئت" و"أين تعلمت اللغة الصينية" و"كم سنة بقيت في الصين"، لدرجة أن منهم من ينسى استشارته بشأن حالتهم وصحتهم. رغم أن محمود من خلفية ثقافية مختلفة، يشيد زملاؤه ومرضاه بعمله. وحينا بعد حين، يأتي أفراد أسر المرضى إلى المستشفى للتعبير عن شكرهم له على إنقاذ حياة ذويهم. أصبح كل المرضى أصدقاءه، ويشجع المرضى أولادهم على التعلم من محمود ليجتهدوا في الدراسة. قال محمود: "أكرس جهدي داخل غرفة العمليات، لأنها مكان إزالة المرض ومكان السعي إلى أمل الحياة. نبذل أقصى جهودنا في إعادة نبضات القلب في كل عملية، وتلك أجمل لحظة في عملي بقسم جراحة القلب. أود أن أكون طبيبا طيبا وذكيا ومهذبا."

بعد اندلاع وباء كوفيد- 19 في مقاطعة هوبي الصينية في بداية عام 2020، تبرع محمود وبعض أصدقائه العرب بالأموال، وحاول بمختلف الطرق شراء الكمامات والمطهرات وغيرها من مواد مكافحة الوباء من الأردن، وإرسالها إلى مدينة ووهان حاضرة مقاطعة هوبي. في إبريل عام 2022، عندما تفشى الوباء في بكين، بادر محمود إلى المشاركة في أعمال مكافحة الوباء، فارتدى الملابس الواقية وأجرى اختبارات الحمض النووي في مختلف التجمعات السكنية. قال: "الفيروسات لا تعرف الحدود. أعتقد أننا سواء صينيين أو أجانب، علينا أن نواجهه. يجب علي أن أذهب إلى الجبهة الأمامية لمكافحة الوباء مع الصينيين، لأن هذه مسؤوليتي، وقد احتضنتني الصين، ومنحتني كثيرا من فرص الدراسة وبيئة الحياة الطيبة، فكيف لا أرد الجميل لها."


الصين من أفضل الدول في العالم الآن

درس محمود ويعيش في الصين منذ بضع عشرة سنة، وشهد ارتفاع المستوى الطبي الصيني وتطور المجتمع الصيني. قال: "أعتقد أن الطب يتطور في الصين أسرع فأسرع يوما بعد يوم. في السابق، كنا نعالج معظم الأمراض الخطيرة من خلال إجراء عمليات القلب المفتوح، ولكن الآن يمكن إجراء العمليات بالمنظار التي تتميز بالجرح الأصغر وفترة نقاهة أقصر. كما يمكن إجراء العمليات القلبية بالروبوت. أعتقد أن المستوى الطبي العالمي يتطور باستمرار، وتحتل الصين الصدارة في هذا المجال بالتأكيد. يتمتع الأطباء الصينيون بالتجارب الوافرة، ومهارتهم رائعة جدا."

أصدقاء محمود يرون أنه ليس بارعا في الدراسة فحسب، وإنما أيضا متعدد الاهتمامات، فهو شغوف بالرياضة البدنية، وخاصة الركض والملاكمة والتزحلق على الثلج، ويشارك في مسابقات الماراثون، وقد فاز مرتين بالحزام الذهبي لبطولة الملاكمة التي تقيمها جمعية بكين للملاكمة. ويحب السياحة، وقد زار أماكن كثيرة في الصين، ومنها بكين وتيانجين وخبي ولياونينغ وشانغهاي وتشجيانغ وجيانغشي وهوبي وسيتشوان وقانسو وقوانغتشو وماكاو. قال: "أحب أن أشعر بسحر الثقافة الصينية في السفر. وفي الصين تتمتع كل منطقة بتاريخها الخاص وثقافتها المميزة. كلما ذهبت إلى مكان، أتعلم قليلا من اللهجة المحلية وأجرب الثقافة التقليدية وأتذوق الأطعمة الخاصة فيها. يبدو أن الصينيين متحمسون من صميم قلوبهم، فيكرمون الضيوف بدون تمييز بين الصينيين والأجانب. في كل عيد وعطلة، يدعوني الأصدقاء الصينيون إلى العشاء أو الإقامة في بيوتهم، كأنني من أفراد أسرتهم، وأتأثر بذلك دائما. أعيش في الصين منذ ثلاث عشرة سنة، حيث قضيت أجمل أوقات حياتي، فهي موطني الثاني."

في ديسمبر عام 2023، منحت الحكومة الصينية محمود بطاقة الإقامة الدائمة للأجانب (تُسمى بـ"بطاقة الخمس نجوم"). عن اسمه الصيني المدون بالبطاقة، "هوا يي بوه"، قال: "المقطع ’هوا‘ هو الاسم المختصر للصين، كما يشير إلى ’هوا توه‘ الطبيب القديم المشهور في الصين، والمقطع ’يي‘ يعني ’الطب‘ في اللغة الصينية، أما المقطع ’بوه‘، فهو يشير إلى ’الدكتور‘. وقد اخترت هذا الاسم لتشجيع نفسي على أن أكون طبيبا ممتازا ينقذ المرضى. يسألني كثير من الناس ’لماذا جئت إلى الصين‘ واليوم أنا أسألهم لماذا لا أختار الصين، إنها دولة آمنة ووضعها مستقر ويتطور اقتصادها بسرعة والمستوى الطبي فيها مرتفع. يقول المثل ’ليس من سمع كمن رأى‘، فأقترح على الأصدقاء من الدول الأخرى أن يزوروا الصين ويجربوا الحياة فيها بأنفسهم، فإنها من أفضل الدول في العالم الآن."

 


©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4