كلنا شرق < الرئيسية

منتدى التعاون العربي- الصيني.. التنمية والتعاون في مواجهة التحديات الجيوسياسية بالشرق الأوسط

: مشاركة
2024-05-31 13:36:00 الصين اليوم:Source عماد الأزرق:Author

تحتفل الصين والدول العربية العام الجاري بمرور عشرين عاما على تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني. ومنذ تأسيس المنتدى في يناير من عام 2004، بهدف تعزيز الحوار والتعاون ودفع السلام والتقدم، قطع الجانبان العربي والصيني أشواطا طويلة في التعاون المشترك في كافة المجالات، بما ساهم في بناء جسور قوية بين الجانبين من التفاهمات وزيادة القواسم المشتركة وهي كثيرة بالفعل، وإقامة علاقات إستراتيجية بين الجانبين فرضتها تحديات وطنية وإقليمية ودولية، ووجد الجانبان ضالتهما في أن التعاون المشترك من شأنه أن يعظم من قدرتهما على مواجهة تلك التحديات والتصدي لها، والعمل سويا على تحويل هذه التحديات إلى فرص يمكن الاستفادة منها.

وسعى المنتدى، منذ اللحظة الأولى لانطلاقه، إلى زيادة أطر التعاون المشترك بما يخدم قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبما يعزز بناء القدرات للجانبين، والمساهمة بطرق أكثر فاعلية على تلبية طموحات الشعوب في رفع مستويات المعيشة وتحقيق الرخاء والرفاه.

منتدى التعاون العربي- الصيني والتنمية

تتخذ السياسة الخارجية الصينية من مفهوم "التنمية السلمية"، القائم على التمسك بالسلام والتنمية والتعاون والعمل سويا مع مختلف البلدان لأجل بناء عالم منسجم يسوده السلام الدائم والازدهار المشترك، منهاجا لها في علاقاتها الدولية، وخاصة مع الدول العربية والأفريقية، وكان هذا هو الأساس الذي انطلق منه منتدى التعاون العربي- الصيني وسار عليه على مدار عشرين عاما.

ويأتي مفهوم "التنمية السلمية" في إطار توجهات السياسة الخارجية الصينية، القائمة على التعاون على أسس متساوية يحقق المنافع للجميع والاستفادة المتبادلة والفوز المشترك، وذلك خلافا لما هو شائع من صور التعاون بين القوى والدول الكبرى والدول الصغيرة والنامية القائم على الاستغلال واستنزاف الموارد واستئثار القوى الكبرى بكل المكاسب، وترك الفتات للآخرين.

وقد برز التوجه الصيني للاعتماد على التنمية في مواجهة التحديات المختلفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس شي جين بينغ في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة في 21 يناير عام 2016، بعنوان "التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية- العربية"، والتي وضع خلالها خارطة طريق لحل أزمات المنطقة تكمن في "الحوار والتنمية واحترام التنوع" واضعا ثلاثة مفاتيح لأزمات المنطقة تتمثل في:

أولا: المفتاح لتسوية الخلافات يكمن في تعزيز الحوار، لا تُحل المشكلات بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية "المحصلة الصفرية"، رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلا وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي. ويجب على المجتمع الدولي احترام الإرادة والدور لأصحاب الشأن والدول المجاورة والمنظمات الإقليمية، بدلا من فرض حلول من الخارج، بل ويتحلى بأكبر قدر من الصبر ويفسح أكبر قدر من المجال للحوار.

ثانيا، المفتاح لفك المعضلة يكمن في تسريع عجلة التنمية. إن جميع الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوترات الحالية في الشرق الأوسط ترتبط في الأساس بالتنمية، فلا سبيل لاحتوائها إلا من باب التنمية في نهاية المطاف. إن التنمية قضية الحياة وكرامة الشعوب، وهي سباق مع الزمان وصراع بين الأمل واليأس. وإن تحقيق كرامة الحياة للشباب من خلال تطويرهم وتنميتهم هو الطريق الوحيد لأن ينتصر الأمل على اليأس في عقولهم، وأن يبتعدوا طوعا عن أعمال العنف وموجات التطرف والإرهاب في سلوكهم.

ثالثا، مفتاح الاختيار يكمن في تطابق الطريق مع الخصوصيات الوطنية. ليست عملية التحديث سؤالا بجواب واحد فقط. فطابع التنوع للتاريخ يُحدد من الطابع التعددي للطرق التي تختارها مختلف البلدان لتحقيق التنمية. وإن الاستنساخ طريق مسدود والمحاكاة أسلوب مضلل، والخطوات على الأرض هي وحدها نبضة القلب في مسيرة تلمّس نمط التنمية. والطريق الذي تتبعه الدولة يتحدد فقط بوراثتها التاريخية وتقاليدها الثقافية ومستواها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وبناء على هذا التوجه، الذي حدده الرئيس شي في كلمته بجامعة الدول العربية، فقد سعت الصين والدول العربية إلى إطلاق سبل جديدة للتعاون في مختلف المجالات التنموية وعمد الجانبان على تسريع وتيرة المشروعات التنموية المشتركة بما يساهم في رفع معدلات النمو في الجانبين ويزيد من القدرات الاقتصادية خاصة للدول العربية. وأخذ التعاون الاقتصادي بين الجانبين منحى جديدا، يركز على القيمة المضافة وتوطين التكنولوجيا والصناعات المتقدمة، ويؤسس لبناء شراكات بين المؤسسات الاقتصادية، ويعزز البنية التحتية للدول بما يجعلها أكثر قدرة على استيعاب المشروعات التنموية والاستثمارية الضخمة.

آليات التعاون العربي- الصيني

بانطلاق منتدى التعاون العربي- الصيني في 30 يناير 2004، عمل الجانبان على تأسيس عدد من الآليات لتعزيز الحوار ووضع أسس التعاون المشترك واستشراف التحديات في مختلف المجالات ووضع سيناريوهات التعامل معها واحتوائها مبكرا، وكان نتيجة هذا العمل الدؤوب وضع نحو سبع عشرة آلية تعاون مشترك، برزت أهميتها في حجم التعاون المشترك على مدار عشرين عاما، مع توقعات بمضاعفة حجم التعاون خلال السنوات المقبلة، بناء على ما تحقق. ومن بين هذه الآليات التي وضعت في إطار منتدى التعاون العربي- الصيني، الاجتماع الوزاري، اجتماع كبار المسؤولين والحوار السياسي الإستراتيجي على مستوى كبار المسؤولين، ندوة العلاقات الصينية- العربية، الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، المنتدى الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، مؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب، ندوة الاستثمارات، مؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة، مهرجان الفنون العربية/ مهرجان الفنون الصينية، ندوة التعاون الصيني- العربي في مجال الإعلام، مؤتمر الصداقة الصينية- العربية، ملتقى المدن الصينية- العربية، منتدى التعاون الصيني- العربي لنظام بيدو، منتدى المرأة الصينية- العربية، منتدى التعاون الصيني- العربي في مجال الصحة، ملتقى التعاون الصيني- العربي في مجالات الإذاعة والتلفزيون، اجتماع الخبراء الصينيين والعرب في مجال المكتبات والمعلومات، مؤتمر التعاون الصيني- العربي لنقل التكنولوجيا والإبداع.

لم يتوقف الأمر على هذه الآليات التي تعمل على تعزيز التعاون المشترك على مدار العام، وإنما كانت الدول العربية مدعوة للمشاركة بشكل دائم وبارز في مختلف المعارض التي تنظمها الصين على تعددها وتنوعها، وكذلك في كافة الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية وغيرها، والإسهام بشكل بارز فيها، كما تشارك الصين في كافة الفعاليات التي تنظمها الدول العربية، وأصبح التواجد المتبادل في الجانبين أمرا طبيعيا وغير لافت للانتباه، كما كان الأمر في بداية إطلاق المنتدى، مما ساهم في قبول الآخر وزيادة التفاهم المشترك خاصة على المستوى الشعبي.

ثمار منتدى التعاون العربي- الصيني

نتيجة لهذه التوجهات من القيادات السياسية الصينية والعربية، والتي تمت ترجمتها إلى أعمال دؤوبة وملموسة على أرض الواقع، شاركت فيها الجهات الرسمية والشعبية على حد سواء، فقد أتت ثمارها بقوة، ومن ثمار هذا التعاون ما يلي:

أولا، زادت قدرة الجانبين، وخاصة الدول العربية، على التصدي للتحديات الجيوسياسية في المنطقة، وبرز ذلك من خلال التصدي ورفض صفقة القرن التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية، ورفض تشكيل ناتو شرق أوسطي مصغر لمواجهة إيران، بل ونجحت بكين في نزع فتيل الأزمة بين الرياض وطهران واستعادت المملكة العربية السعودية وإيران كامل علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية بجهود حميدة من الصين؛

ثانيا، تعتبر الصين الدولة الدائمة العضوية بمجلس الأمن الأكثر دعما ومساندة للحق الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك دعم كل المطالب الفلسطينية. وطرح الرئيس شي جين بينغ أكثر من مبادرة لحل القضية الفلسطينية وتأكيد الموقف الصيني الثابت من القضية، كما كانت الصين داعمة لكل المواقف العربية، خاصة الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان وغيرها من الدول العربية؛

ثالثا، حظيت دعوة الصين بإقامة نظام دولي سواء سياسي أو اقتصادي يحقق الإنصاف والعدالة لجميع الدول بتأييد ودعم شديدين من الدول العربية، باعتبار الأخيرة الأكثر تضررا وتأثرا بغياب العدالة والإنصاف في النظام الدولي، وانفراد قوة واحدة بقيادة العالم وتوجيهه بما عاد على المنطقة بضرر بالغ على مر سنوات طويلة، حيث وجددت الدول العربية في دعوة الصين سبيلا لإيقاف هذه الأضرار؛

رابعا، من أهم ما يميز السياسة الخارجية الصينية، لا سيما في علاقاتها مع الدول العربية، احترامها ودعمها لكافة الدول في اختيار طرقها التنموية بإرادتها المستقلة وفقا لظروفها الوطنية ومقدراتها الوطنية، دون ضغوط أو اشتراطات أو إملاءات سياسية أو اقتصادية. وقد تجلى ذلك في أعقاب ما عرف بـ "الربيع العربي" وسعي بعض الدول الكبرى لاستغلاله للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، حيث دعمت الصين بثبات الدول العربية لاستكشاف الطرق التنموية بإرادتها المستقلة وتحقيق الاستقرار والتنمية، وعارضت تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية وتغيير النظام فيها تحت شعار ما يسمى بـ"الديمقراطية"؛

خامسا، منذ انطلاق منتدى التعاون العربي- الصيني، تم رفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية والشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين واثنتي عشرة دولة عربية، كما وقعت اثنتان وعشرون دولة عربية وجامعة الدول العربية على وثائق مبادرة "الحزام والطريق"، ما يؤشر على ما وصلت إليه العلاقات بين الجانبين من قوة وتميز كبيرين؛

سادسا، تعتبر الصين الآن الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، سواء على المستوى الجماعي أو الثنائي، ووصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين في عام 2022 إلى 4ر431 مليار دولار أمريكي مقارنة بنحو 7ر36 مليار دولار أمريكي في عام 2004 عند تدشين منتدى التعاون العربي- الصيني، كما بلغت استثمارات الصين في الدول العربية نحو 9ر213 مليار دولار أمريكي في الفترة من عام 2005 إلى عام 2021؛

سابعا، زيادة الاستثمارات الصينية في الدول العربية يساعد الدول العربية في تحقيق خططها للإصلاح الاقتصادي الهيكلي، وبناء اقتصادات قوية تعتمد على قيمة مضافة عالية، بعيدا عن الاقتصادات الريعية الشديدة التأثر بالمتغيرات والأزمات الدولية، ويساعد الدول العربية على تجاوز أزمات سلاسل الإمداد والتوريد؛

ثامنا، من أبرز وأهم مجالات التعاون العربي- الصيني المشترك، التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة والحديثة، وتنفيذ خطة عمل "الحزام والطريق" للابتكار التكنولوجي في إطار الشراكة التكنولوجية المشتركة، للاستفادة الكاملة من المزايا التكنولوجية الصينية وتوظيف الدور التحفيزي للتكنولوجيا المتقدمة والحديثة. والاستخدام السلمي للطاقة النووية مع كل من الإمارات والسعودية والسودان وغيرها من الدول. وفي مجال الجيل الخامس للاتصالات، أصبحت الشركات الصينية شركاء محوريين للدول العربية في مجال الجيل الخامس للاتصالات، وهي تحتل حصة سوقية كبيرة في مصر والسعودية والإمارات وعمان والبحرين وغيرها من الدول؛

تاسعا، كل ذلك وغيره يزيد من قوة وقدرة الدول العربية على مواجهة التحديات الجيوسياسية والضغوط الدولية، سواء السياسية أو الاقتصادية أو التكنولوجية وغيرها، ويمنح الدول العربية القدرة على المناورة السياسية ويتيح فرصة للاختيار المتعدد بين البدائل المختلفة، الأمر الذي كان غائبا خلال فترة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها بالمشهد، حيث نجحت الصين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث تغيير نوعي كبير في حسابات الدول العربية والتعاطي مع التحديات الجيوسياسية للمنطقة بشكل مختلف.

--

عماد الأزرق، رئيس مركز التحرير للدراسات بالقاهرة.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4