كلنا شرق < الرئيسية

تجربتي في ترجمة كتب الجيب الصينية للسياحة في تونس وظهورها إلى النور

: مشاركة
2024-08-13 15:37:00 :Source عبد الله العفاس:Author

إن الثقافة هي البوابة الرئيسية للتواصل بين الأمم، فالتبادل الثقافي يتيح إمكانيات التعاون في مختلف القطاعات، عندما نتعلم كيف نفهم الآخرين فنحن نحسّن فرصنا في جعل الأمور أفضل في عالم تزداد تعدديته الثقافية ويخلق ذلك نوعا من الترابط العاطفي والمزيد من الثقة التي تؤدي بالتالي إلى التعاون في قطاعات أخرى مثل التجارة والاقتصاد والاستثمار والتعاون الدولي.

ولطالما ساهمت الترجمة في التواصل بين الشعوب والنمو والتعلم من بعضنا البعض، ولطالما فتحت الترجمة الباب أمام قدر هائل من المعرفة التي لولاها لبقيت معزولة عن بقية العالم. فهي تساعد على كسر الحواجز من خلال تمكين الأشخاص من ثقافات مختلفة من التواصل والتفاعل مع بعضهم البعض.


أعمل في مجال النشر منذ 13 عاما، وقد كانت الترجمة جزءا من واجباتي الوظيفية وليست الواجب الأساسي. لقد عملت من قبل كمترجم في تونس وأيضا لدى الأمم المتحدة، ولكن منذ ذلك الحين لم أقم بعمل كبير في مجال الترجمة.

لقد سعدت كثيرا حين أتيحت لي الفرصة لترجمة أربعة كتب جيب "كتب الجيب الصينية للسياحة في تونس" لأن هذه المجموعة هي الأولى من نوعها وهي مخصصة للسوق التونسية. ولذلك أعتبر هذه المجموعة من الكتب بوابة للتقارب والتعلم المتبادل بين تونس والصين، وقد تم تصميم هذه السلسلة من الكتب لسيناريوهات مختلفة: في المطار، في مراكز التسوق، النقل والفنادق.

خلال عملي في مجال النشر، كنت أحاول تحقيق المزيد من التواصل بين تونس بلدي الغالي والصين الحبيبة التي قضيت فيها قرابة نصف عمري، أو أن أكون همزة الوصل بين الصين وتونس. في الواقع حققت ذلك من خلال مشروعات وفعاليات ثقافية، ولكن لم يكن ذلك مُجسّدا في مشروع مكتوب، لذلك وجدت أنها فرصة جيدة لأن أكون جزءا من إنجاز ثمين مثل هذا.

في الآونة الأخيرة قررت الحكومة التونسية إعفاء حاملي جوازات السفر الصينية المسافرين إلى تونس لأغراض السياحة من تأشيرة الدخول إليها، وقد تزايد عدد الصينيين الذين يذهبون إلى تونس بعد هذا القرار. ويعتبر هذا القرار أحد الأسباب التي شجعتني على ترجمة هذه الكتب للانتفاع بها في مجال السياحة التونسية، كما يصادف هذا العام الذكرى السنوية الستين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس.

فاتصلت بالسيد أنور الشتوي، وهو مدير مكتب الديوان الوطني التونسي للسياحة بالصين، وأخبرته عن فكرة نشر سلسلة كتب من شأنها تحسين مستوى اللغة الصينية للتونسيين العاملين في قطاع السياحة مثل المرشدين السياحيين والبائعين والنوادل وموظفي المطارات وكذلك العاملين في مجال النقل. أعجبت الفكرة السيد أنور ووقعت مؤسستنا اتفاقية مع مكتب الديوان الوطني التونسي للسياحة بالصين، حيث نقوم بتأليف المحتوى وأنا أقوم بترجمة الكتب ثم نشرها، ويقوم مكتب الديوان الوطني التونسي للسياحة بتوزيعها في أماكن مختلفة في تونس مثل المطارات ومراكز التسوق والفنادق ومكاتب النقل.

بينما كنت أجلس لبدء ترجمة هذه السلسلة من كتب الجيب، بدأ قلبي بالتسارع ترقبا، وقمت بالتفكير في كل الترجمات الممكنة لعناوين الفصول، وكل المفاهيم التي سأحتاج إلى البحث فيها، وكل المرادفات التي قد أحتاجها، وكل الفروق الدقيقة التي سيقدمها كل سيناريو، وعدد الفصول وطولها، وعدد الكلمات التي سأضطر إلى ترجمتها يوميا، أو أسبوعيا، أو شهريا، للانتهاء في الوقت المحدد، مع الاستمرار في تحويل هذا إلى عمل تعليمي متوازن موثوق بلغتي الأم، ولقد حصل كل هذا بينما كانت عيناي تتنقل بين الصفحات الأولى.


كما نعلم جميعا أن هذا الكتاب تعليمي بشكل أساسي، فهو مصمم لمتعلمي اللغة الصينية وللأشخاص الذين يحتاجون إليه للتواصل بشكل أفضل مع السياح الصينيين، إذا قمت بترجمة الجملة الصينية إلى العربية بناءً على المحتوى، فلن يتمكن المتعلم من معرفة الكلمة الصينية المقابلة لها باللغة العربية، ولكن إذا قمت بترجمة الجملة الصينية حرفيا فإن اللغة العربية ستبدو غريبة وغير متماسكة، لذلك كان علي أن أجد التوازن بين هذين الجانبين لتقديم ترجمة جيدة الجودة ومفهومة وواضحة ومتماشية مع القارئ الذي يرغب في تعلم اللغة الصينية باللغة العربية. التحدي الآخر هو أننا في البلاد العربية نتحدث بلهجات مختلفة ولا نتكلم العربية الفصحى في حياتنا اليومية، وخاصة أن لهجتنا في تونس هي مزيج من لغات مختلفة، فانتبهت إلى ذلك وحاولت قصارى جهدي لجعل الترجمة مناسبة وسلسة للقارئ التونسي.

تتكون هذه السلسلة من 4 كتب جيب تحتوي على 100 جملة باللغة الصينية مع الترجمة العربية، وهي تبدو قصيرة وبسيطة ولكن عملي لم يقتصر على الترجمة فحسب، بل شمل أيضا الكثير من الأبحاث حول المحتوى خاصة في كتاب التنقل. ومن الطريف أنني أستطيع الإجابة على أي سؤال فيما يخص السفر داخل الصين لأنني أعيش هنا منذ 18 عاما، ولكن للسفر داخل تونس (بلدي الأم) والتنقل في مدن مختلفة مثل تونس وسوسة وجزيرة جربة، كنت بحاجة إلى إجراء الكثير من الأبحاث.


كنت أعتقد دائما أن الترجمة مهمة سهلة للغاية، ولكن عندما بدأت في ترجمة هذه الكتب، أصبحت مقتنعا بنسبة 100% أن ترجمة أي كتاب ليست بالأمر البسيط، خصوصا وأن هذه السلسلة من الكتب لا تقتصر فقط على محتوى مخصص لغرض تعلم اللغة، وإنما هناك تفاصيل دقيقة يجب الانتباه إليها، لأن هذا الكتاب يعتبر أيضا دليلا يمكن الاعتماد عليه للسياحة في تونس. على سبيل المثال، عند السؤال عن رقم رحلة الطيران إلى مدينة تونس، لا يتم اختيار رقم الرحلة بشكل عشوائي بل يكون رقم الرحلة إلى مدينة تونس حقيقيا وواقعيا. وفي مثال آخر، يتم اختيار رقم الحافلة إلى مكان معين بعناية ليصير هذا الكتاب عملا متكاملا حيث يسهل للقارئ التونسي تعلم وتحسين لغته الصينية، كما يلعب دور الدليل الذي يساعد السائح الصيني على التنقل في تونس واستكشاف معالمها بيسر واستمتاع.

لقد استغرق العمل على هذه المجموعة من الكتب ثلاثة أشهر، لإنهاء الترجمة وتأليف محتوى أحد الكتب (التنقل). لقد كنت أعمل ليلا ونهارا بالتنسيق مع زملائي الذين كانوا يشجعونني ويدعمونني حتى أحافظ على سلاسة الترجمة وأعلى مستوى من الإفادة.

بعدما انتهيت من ترجمة هذه الكتب، تم تنظيم حفل إطلاق النسخة العربية من "مجموعة كتب الجيب الصينية عن السياحة في تونس" بحضور سفير تونس لدى الصين السيد عادل العربي والسيد أنور الشتوي. وبعد مراسم الإطلاق، تبادل السيد يوي تاو نائب رئيس المجموعة الصينية للإعلام الدولي وسفير الجمهورية التونسية لدى الصين، أعمال فن الخط باللغتين الصينية والعربية كتبت عليها معان جميلة عن الصداقة الصينية- التونسية.

هذه الكتب هي ثمرة الكثير من العمل والحب اللذين ساهما في ولادة عمل جيد وعالي الجودة، ونأمل أن يكون هناك المزيد من التعاون بين الصين وتونس لتعزيز العلاقات والتعلم من بعضنا البعض والنمو معا.

--

عبد الله العفاس، مدير مشروعات ثقافية في دار سينولنغوا للنشر التابعة للمجموعة الصينية للإعلام الدولي، ويعيش في الصين منذ 18 عاما وعمل سابقا لدى الأمم المتحدة كمترجم دولي.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4