بدت لي من الوهلة الأولى عند زيارة مدينة شانغهاي الصينية، أن المنظمة، التي تحمل اسمها كبيرة بمؤسسيها وأكبر بتنظيماتها وعامليها في مختلف المجالات، فبمجرد الاستقبال من المطار أيقنت أن هذه المنظمة لديها فكر قوي ورؤية تحمل الكثير من الفوائد لشعوب الدول الأعضاء وشركاء الحوار. وحسنا فعلت، فلم أتردد لحظة للمشاركة في منتدى التنمية الخضراء لدول منظمة شانغهاي للتعاون، خاصة أنني كنت الصحفي الوحيد من القاهرة، التي تربطها علاقة قوية ببكين. وظهر ذلك من خلال لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى من الصين ودول العالم، الذين شاركوا بكلمات في المنتدى، الذي كان أشبه بعيد ميلاد يشارك فيه الأصدقاء والأحبة والأسرة، لكنها كانت الأسرة الدولية حاضرة ممثلة من الدول الأعضاء وشركاء الحوار، لتؤذن بميلاد فجر جديد في خطوات تعزيز التعددية القطبية، خاصة أن العالم بات يشعر بالضيق بالأحادية القطبية واستئساد دولة بمحاولة السيطرة على مفتاح الحياة، فكانت الصين برعايتها لمخرجات المؤتمر الدولي المعني بمواجهة التغيرات المناخية والعمل على مكافحة الإرهاب الدولي من أجل السلام والاستقرار العالمي ومن أجل الإنسانية. وبهذا الصدد كان لقاء مهما مع نائب الأمين العام لمنظمة شانغهاي للتعاون، شري جانيش كين الذي تحدث معي حول دور المنظمة، التي يبلغ عدد مواطنيها نصف سكان العالم، حيث أن منظمة شانغهاي للتعاون تأسست بغرض تعزيز الثقة المتبادلة والصداقة وحسن الجوار، وتعزيز التعاون المتعدد الأوجه في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار وتعزيزهما في المنطقة، والاستجابة بشكل مشترك للتحديات والتهديدات الجديدة، وتعزيز التعاون الفعال والمتبادل المنفعة في مختلف المجالات، وكذلك تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والثقافية.
وأعتقد أن منظمة شانغهاي للتعاون التي يبلغ إجمالي عدد سكانها أكثر من 5ر3 مليارات نسمة، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، تعتبر منظمة شابة لكن تلعب دورا مهما في الأمن السياسي الدولي بشكل رئيسي في تعزيز الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الأمني بين الدول الأعضاء على أساس "روح شانغهاي"، وتعمل على تعزيز الأمن الإقليمي، والتصدي بشكل مشترك للتهديدات مثل الإرهاب والانفصالية والتطرف من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون، والتدريبات المشتركة ومكافحة الجرائم العابرة للحدود الوطنية، كما أن الدول الأعضاء مهتمة بضمان السلام الداخلي بين الأعراق والأديان. وتسعى الدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون إلى استخدام عملاتها الوطنية لأغراض التجارة والاستثمار، كل هذا يعني أن المنظمة ستنافس في المستقبل القريب دور الأمم المتحدة، وإذا نجحت في القضاء على أي خلافات بين الدول، فستكون قد نجحت في كونها منظمة خالية من التشاحن، بل منظمة للأصدقاء تقوم على حسن الجوار والشراكة الحقيقية.
وأثناء زيارة شانغهاي، التي تحمل اسم المنظمة، تلقيت اتصالات من قبل عدد من الكتاب والمؤرخين والدارسين للغة الصينية والعربية، بأهمية التعرف على تلك المدينة، التي تعتبر "ترانزيت"، لداخل الصين وخارجها. وليس كل هذا فحسب، بل كانت الزيارة التي استغرقت عشرة أيام وتحتاج إلى عشر سنوات للتعرف على تاريخ وحضارة الصين، "الإنسان والطبيعة؛ وهو ما تحدث عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال تهنئته بافتتاح منتدى التنمية الخضراء لدول منظمة شانغهاي للتعاون، لكنني رأيت تطورا كأنه تقدم وتطوير لحظي، في مختلف المجالات، فالشعب الذي يتحرك بسرعة ويطلب الحركة بسرعة، من المؤكد أنه تسارع وسارع بل وسبق في مجالات عديدة، أبرزها في مجال السيارات الكهربائية، وهو ما أثار قلق الغرب والاتحاد الأوروبي الذي سارع في فرض القيود الجمركية، مقابل بطء يتحمل هو مسؤوليته في التراجع عن مواكبة هذا التطور التكنولوجي الهائل، فأراد أن يُعاقب الصين على تقدمها مقابل تراجعه. بات واضحا أن الصين تتقدم ولا تبالي لمن توهموا أن بكين الشرق ستطلب الإذن من الغرب للتقدم التكنولوجي الكبير في مجال السيارات التي يتجاوز تشغيل بطارياتها 500 كيلومتر للشحنة الواحدة، وتستطيع الشحن في محطات وقوف. لا يقتصر الأمر عند السيارات، فالموانئ التي تعمل ذاتيا دون تدخل بشري للشاحنات تتحرك نحو دول العالم بكل سهولة ويسر، حيث رأيت بنفسي طريقة نقل الشاحنات الممتلئة بالبضائع وصولا للسفن، أو نقل الحاويات الفارغة من السفن من أجل التعبئة والملء، فميناء شانغهاي له حكايات عديدة.
ففي ميناء شانغهاي تصطف الشاحنات لنقل البضائع وتظهر الحاويات كأنها قطع حلوى صغيرة، هذا هو حال أكبر ميناء من حيث كميّة الحاويات المعالجة، حيث عالج أكثر من 50 مليون حاوية ويتعامل مع أكثر من 25% من حجم التجارة العالمية ضمن أسرع الموانئ نموا. الوصول إلى الميناء عبر جسر طوله أكثر من 34 كيلومترا فوق بحر الصين الشرقي، وعلى الجانبين تظهر "طواحين الهواء" لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح بتكنولوجيا متقدمة، مما يجعل الميناء لديه استفادة مضاعفة من نقل الحاويات وتوليد الكهرباء.
أما ما جذب انتباهي فهي التكنولوجيا في الروبوت لنقل الأطعمة الذي تجده منتشرا في الفنادق، حيث يقوم بتوصيل الأطعمة للغرف ويقوم برن الجرس، ومن ثم إلقاء التحية وكذلك هو الحال بالنسبة للروبوت في المطاعم لتوصيل الأطعمة إلى الطاولات، وكذلك تعطير الهواء، فضلا عن شركات التوصيل من خلال تطبيقات منها ما هو متعلق بالأدوية والفحوصات الطبية، وهذا يعني أن الصين لم تترك المرضى والمسنين من دون رعاية.
ومع التطور التكنولوجي، الذي تبهرنا به الصين دوما، نجد الأجهزة المنزلية وبالأخص الغسالات وشاشات التلفزيون، فالغسالات متقدمة في عملية التجفيف والكي بالبخار، فلا يحتاج أحد الانتظار من أجل تجفيف الملابس خاصة في فصل الشتاء، أما بالنسبة لشاشات التلفزيون، فقد زرت المقر الرئيسي لشركة هايسنس الرائدة في هذا المجال. يمكن للأساتذة في الجامعات والمعلمون في المدارس استخدام الشاشات بتجربة الكتابة والشرح عليها وقمت بهذه التجربة بنفسي، وهذا يحتاج إلي ترويج تلك المنتجات، فالعالم شغوف لما هو جديد بالنسبة للصناعات التكنولوجية الحديثة.
والترفيه ليس بعيدا عن الشعب الصيني والزائرين والسائحين، بالحدائق العامة المنتشرة بها الورود، والألعاب المبهجة للأطفال من مختلف الأعمار، تجدها وسيلة لاجتماع أسري في هواء متنزه مفتوح مجانا، وعلى كورنيش البحر في تشينغداو، ورغم الأمطار الصيفية، تجد الآلاف منتشرين على الشاطئ حاملين المظلات في طقس لن تجده إلا في دول آسيا ومنها الصين، فتلك المدينة الساحلية تتمتع بالهدوء والتناسق الحضاري والمعماري، كل هذا يجعلها في مقدمة المدن الساحلية الدولية من حيث جذب السياحة.
وأعود للحديث عن شانغهاي، فمعرض الآثار المصرية الذي تم افتتاحه تحت عنوان "على قمة الهرم.. حضارة مصر القديمة"، لمدة عام، يهدف لتنشيط السياحة وتعزيز التعاون الثقافي بين القاهرة وبكين، فضلا عن تعريف السائحين الصينيين بالحضارة المصرية قبل زيارتهم إلى مصر، ففي المعرض المقام بمتحف شانغهاي يظهر تمثال الملك مرنبتاح في ساحة الشعب، كما تظهر رأس "الإله آمون"، ويضم المعرض أكثر من 780 قطعة أثرية ثقافية ترجع إلى فترات مختلفة من عصور مصر القديمة، وفي رأيي أن شانغهاي تعتبر من أكبر المدن في الصين سواء من حيث عدد السكان والسائحين أو المسافرين، الذين قد يستغلونها كـ"ترانزيت" أثناء السفر إلى الصين أو دول آسيا، مما يعزز التعريف بالحضارة المصرية لسكان العالم، وهذه هي "روح الصين" و"روح شانغهاي".
وأرى أن الصين دولة آمنة فكاميرات المراقبة المنتشرة في الشوارع والميادين، تجعل الشخص منا يسير في طرقاتها بأمن وأمان دون أدنى شعور بالخوف باعتباره سائحا أو أجنبيا، وذلك مقارنة بعدة دول قد زرتها، فأهلها يحذرونك من السير في الشوارع وحدك أو على الأقل بعد غروب الشمس، لكن الصين تشعرك بالاطمئنان على حياتك فتسير فيها في أي وقت وأي مكان كأنك في مصر.
وعودة أيضا للترفيه والانبهار بدقة وروعة التصميم، فقد وقفت في طابور متعدد الجنسيات يضم الآلاف يحملون تذاكر ورقية وإلكترونية، في انتظار الصعود لبرج لؤلؤة الشرق لرؤية شانغهاي بزاوية 360 درجة، على ارتفاع 468 مترا، فترى المباني الشاهقة وناطحات السحاب في منطقة بودونغ الواقعة على ضفة نهر هوانغبو، والبرج الطويل يعتبر مدينة متكاملة للمعارض والسياحة وتناول الأطعمة والترفيه، وفقا لرغبات الزوار بالصعود لعشرات الطوابق من خلال المصاعد الكهربائية السريعة حيث يتم الصعود بسرعة 7 أمتار في الثانية الواحدة.
وفي أحد الطوابق هناك مطاعم متحركة بزاوية 360 درجة، يمكن من خلاله مشاهدة معالم المدينة وكذلك السفن والمراكب العابرة في النهر أسفل البرج، فيما تستغرق الدورة الكاملة نحو ساعة ونصف الساعة.
على أي حال، الصين بمدنها الكبيرة ومقاطعاتها الشاسعة تحتاج إلى أشهر وسنوات لاكتشافها من حيث الإنسان والطبيعة والتقدم، فقد خضت فيها تجربة استقلال القطار من شانغهاي إلي بكين بسرعة 310 كيلومترات في الساعة من دون الشعور بالملل، فهناك شاشات التلفزيون مثل الطائرات والأطعمة فضلا عن الاستمتاع بالطبيعة الخلابة للزراعة، حيث تشق القطارات تلك الأراضي، فترى الأراضي الخضراء والبحار، وكذلك توربينات توليد الكهرباء بالرياح. ما جذب انتباهي أيضا هو علم مصر وعملتها الورقية في مجلد لبيع العملات لعدد من الدول، وهو ما يظهر كيف تعمل الصين على التقارب بين الدول، ولم يبعد القطار الفائق السرعة عن العقلية الصينية بطبيعتها الفائقة السرعة عن الفضاء، فالتقدم في صناعة قطارات تقترب من سرعة الطائرة، يشير إلى ما تكشف عنه الأيام المقبلة بمدى التطور التكنولوجي في الفضاء.
--
خالد الشامي، صحفي في صحيفة ((المصري اليوم)) المصرية.