كلنا شرق < الرئيسية

كيف تستفيد أفريقيا من قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي والمبادرات الصينية؟

: مشاركة
2024-10-14 18:19:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

عقدت قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي ببكين، في الفترة من الرابع إلى السادس من سبتمبر 2024. ويعد منتدى التعاون الصيني- الأفريقي عنصرا أساسيا في التواصل الدبلوماسي الصيني مع الدول الأفريقية. في جلسة افتتاح القمة، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا رئيسيا أمام أكثر من ثلاثة آلاف من القادة والمسؤولين وممثلي الأعمال من الصين وأفريقيا. وتعد قمة 2024، أول قمة حضورية منذ جائحة كوفيد- 19؛ حيث عقدت القمة السابقة في داكار بالسنغال عبر الإنترنت. ويستثمر القادة الصينيون والأفارقة على حد سواء هذا اللقاء، لعقد اجتماعات ثنائية مختلفة.

قال الرئيس الصيني إنه بعد ما يقرب من 70 عاما من العمل الشاق، تمر العلاقات الصينية- الأفريقية بأفضل فترة لها في التاريخ. واقترح رفع العلاقات الثنائية بين الصين وجميع الدول الأفريقية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الصين، إلى مستوى علاقات إستراتيجية، والارتقاء بالمستوى العام للعلاقات الصينية- الأفريقية إلى مجتمع المستقبل المشترك للصين وأفريقيا في جميع الأحوال خلال العصر الجديد.

وطرح الرئيس شي في كلمته الإجراءات العشرة الرئيسية للشراكة بين الصين وأفريقيا، لتعزيز التحديث بشكل مشترك. على سبيل المثال: (1) الصين على استعداد للتفاوض والتوقيع على اتفاقية إطارية بشأن الشراكة الاقتصادية من أجل التنمية المشتركة مع أفريقيا. (2) الصين على استعداد لإنشاء دائرة نمو للتعاون الصناعي مع أفريقيا، والتركيز على بناء منطقة تجريبية للتعاون الاقتصادي والتجاري العميق بين الصين وأفريقيا، وبناء مركز تعاون التكنولوجيا الرقمية بين الصين وأفريقيا بشكل مشترك. (3) الصين على استعداد لإصدار بيان مشترك مع أفريقيا لتعميق التعاون في إطار "مبادرة التنمية العالمية" وتنفيذ 1000 مشروع "صغير ولكن نافع" لسبل العيش. (4) الصين على استعداد لتعميق خطة "التعليم المهني المستقبلي في أفريقيا" مع أفريقيا، وبناء كليات الهندسة والتكنولوجيا بشكل مشترك، وبناء 10 "ورش لو بان" وما إلى ذلك. (5) الشراكة في مجال الصحة. (6) شراكة للنهوض بالزراعة... إلخ. وأضاف الرئيس الصيني: "أنه من أجل دفع تنفيذ إجراءات الشراكة العشرة، تحرص الحكومة الصينية على تقديم 360 مليار يوان من الدعم المالي في السنوات الثلاث القادمة..."

والجدير بالذكر أن فرق التفاوض الأفريقية والصينية تجتمع مرتين على الأقل في السنة منذ القمة قبل الأخيرة للمنتدى؛ لكن اجتماع الحضور الشخصي يمنح الرؤساء فرصة للمشاركة شخصيا في المفاوضات. ويتميز التحديث العالمي في علاقات الدول، والذي تسعى الصين لتحقيقه، بأن هدفه التنمية السلمية والتعاون المتبادل والمنفعة والازدهار المشتركين.

المبادرات الصينية المتعددة ينبغي أن تستفيد منها كافة دول العالم، خاصة دول الجنوب ومنها الدول الأفريقية بطبيعة الحال. فخلال العقد الأخير، أطلق الرئيس شي العديد من المبادرات والمشروعات والبرامج في إطار سعي الصين لتوسيع علاقاتها وشراكاتها العالمية، وإيجادها لـ"نمطها الخاص" في التعاون الدولي، بعد النجاح الذي حققته كدولة نامية، حيث يعد النموذج الصيني أنجح نموذج تنموي واقتصادي وعلمي، فقد استطاعت الصين خلق "معجزة اقتصادية" في فترة وجيزة لا تتجاوز أربعة عقود.

ومن أبرز المبادرات الصينية العالمية، مبادرة "الحزام والطريق" (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، وقد أطلقها الرئيس شي في شهر سبتمبر 2013. وفي إطار هذه المبادرة، وقعت الصين "علاقات شراكة إستراتيجية شاملة" و"علاقات شراكة إستراتيجية" مع العديد من الدول حول العالم، مما أتاح لهذه الدول استفادة كبيرة من المشروعات التي تم تنفيذها، والتي بلغت قرابة 3000 مشروع.

كما أطلقت الصين مبادرات عالمية أخرى، من بينها "مبادرة التنمية العالمية" التي أطلقها الرئيس شي في سبتمبر 2021. وأكد خلالها أنه "لا بد لنا من العمل على إنعاش الاقتصاد وتحقيق تنمية عالمية أقوى وأكثر اخضرارا وصحة". كما دعا الرئيس شي من منصة الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى تعزيز التعاون في مجالات مثل الحد من الفقر والأمن الغذائي ومكافحة الأوبئة وتوفير اللقاحات وتمويل التنمية ومواجهة تغير المناخ وتشجيع التنمية الخضراء والتصنيع والاقتصاد الرقمي والتواصل.

وتهدف الصين من هذه المبادرة الوصول إلى تضييق الفجوة بين الشمال والجنوب، وكسر اختلالات التنمية، التي توفر "سرعة" للنهوض بخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وتخلق قوة قوية لتعزيز تنمية عالمية أقوى وأكثر اخضرارا وصحة، وبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

المبادرة الصينية الثالثة هي "مبادرة الحضارة العالمية"، وقد أعلن عنها الرئيس شي جين بينغ خلال الاجتماع الرفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية في مارس 2023. وأكد الرئيس شي خلال كلمته التي أعلن فيها عن المبادرة أن التسامح والتعايش والتبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة، كلها أمور تلعب دورا لا غنى عنه في دفع عملية تحديث البشرية وازدهار حديقة الحضارة العالمية، نظرا لأن مصير جميع الدول مرتبط ارتباطا وثيقا في الوقت الراهن.

المبادرة الرابعة هي "مبادرة الحياد الكربوني"، وقد أعلن عنها الرئيس شي جين بينغ في سبتمبر 2020، خلال الدورة السنوية الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد من خلالها سعي بلاده بجهودها القصوى إلى بلوغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها ذروتها قبل حلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني قبل حلول عام 2060. ويرى كثير من الخبراء المنصفين أن هذه المبادرات "طموحة" و"جريئة"، وتساعد كافة دول العالم.

توافق مصري- صيني

يؤكد الزعيمان المصري عبد الفتاح السيسي والصيني شي جين بينغ دوما، على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولى من أجل العمل على معالجة القضايا الساخنة والجوهرية التي تهدد أمن واستقرار العالم، وتحقيق التعافي الاقتصادي ومعالجة قضايا الأمن الغذائي وندرة المياه وتغير المناخ ومكافحة التصحر، إلى جانب ضرورة التزام كافة الدول بمسؤولياتها في هذا الصدد. وأكدا في لقاءاتهما على أن مصر والصين ستواصلان العمل معا لمواجهة تلك التحديات الدولية وتعزيز التعاون والتنسيق المشترك بينهما في المحافل الإقليمية والدولية، بما في ذلك مجموعة "بريكس" و"منظمة شانغهاى للتعاون"، والعمل على تعزيز دور الأسواق الناشئة والدول النامية في النظام الدولي.

وقد ثمّن الرئيس السيسي "مبادرة التنمية العالمية"، التي أطلقها الرئيس شى، باعتبارها إحدى المبادرات العالمية التي تسهم في الإسراع بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقا لأجندة 2030 للأمم المتحدة. وأكد الرئيس السيسي، أن مصر "ستواصل المشاركة بنشاط في التعاون بكافة المجالات في إطار هذه المبادرة، مثمنا "مبادرة الأمن العالمي" التي طرحها الجانب الصيني، معلنا استعداد مصر لتعزيز التواصل والبحث في التعاون مع الجانب الصيني حول سبل حفظ السلام والأمن العالميين وتعزيزهما. ولفت الرئيس السيسي إلى أن مصر تُقدّر "مبادرة الحضارة العالمية" التي أطلقها الجانب الصيني، لا سيما وأن مصر تشارك الصين ذات المبادئ القائمة على احترام الثقافات والحضارات الإنسانية على أساس من المساواة، مؤكدا أن مصر والصين حضارتان عريقتان تضربان بجذورهما في أعماق التاريخ، ولهما إسهامات كبيرة في التاريخ الإنساني.

ولا شك أن تعاون الدول صاحبة الحضارة مثل مصر والصين، مع دول أخرى ذات سيادة قوية، يُساهم بشكل كبير في منع هيمنة أي دولة أو مجموعة من الدول على النظام الدولي، ويُعزز من تعدد الأصوات والآراء في الساحة العالمية، كما أن مصر والصين تقدمان نموذجا مهما للبلدان النامية خاصة الأفريقية، التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة دون تدخل خارجي. وتُؤكّد شراكتهما على أهمية احترام السيادة الوطنية واختيار مسارات التنمية التي تناسب الظروف المحلية لكل دولة. كما يمكن أن تُساهم كل من مصر والصين بنشاط في الجهود الرامية إلى إصلاح نظام الحوكمة العالمية لجعله أكثر عدلا وإنصافا. ويدافع البلدان عن دور أكبر للدول النامية في صنع القرار الدولي، ويطالبان بنظام تجاري عالمي أكثر إنصافا.

ويمكننا تقييم صدق الصين في جهودها لتعزيز التحديث المشترك بين الصين وأفريقيا، من خلال عدة نقاط رئيسية تؤكدها الحقائق والأرقام. فقد أظهرت الصين التزاما واضحا بتعزيز الشراكة مع أفريقيا على مدى السنوات الماضية، سواء من خلال مبادرة "الحزام والطريق" أو التعاون في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والتكنولوجيا. إن استمرار هذه المبادرات ودعمها بمشروعات جديدة يعكس الجدية في دفع عجلة التنمية المشتركة.

والحقيقة أن ما يميز خطاب الرئيس شي في قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي 2024، هو التركيز على مشروعات محددة وموجهة، مثل إنشاء مناطق التعاون الصناعي، مراكز التكنولوجيا الرقمية، والمشروعات الصغيرة لسبل العيش. تعكس هذه المبادرات حرص الصين على تقديم حلول ملموسة وقابلة للتنفيذ، وليست مجرد وعود أو توجهات عامة. فالصين تؤكد دائما على مفهوم الشراكة المتكافئة والمصالح المشتركة، والاستفادة المتبادلة، حيث لا تسعى للهيمنة بل لتعزيز التعاون الذي يفيد كل الأطراف. وهذا النهج يعزز من مصداقية الصين كشريك إستراتيجي لأفريقيا.

ونستخلص من هذه القمة أن التعاون الصيني- الأفريقي لديه القدرة على أن يكون قوة دافعة لتحويل الجنوب العالمي إلى كتلة اقتصادية قوية ومستدامة، تعتمد على التكنولوجيا والتعاون المثمر بين دول الجنوب. ومع ازدياد أهمية الاقتصاد الرقمي، من المتوقع أن يشهد التعاون الصيني- الأفريقي في هذا المجال نموا ملحوظا، وسيساعد إنشاء مراكز للتكنولوجيا الرقمية في نقل المعرفة وتعزيز الابتكار في الاقتصادات الأفريقية.

كذلك فإن تعزيز المناطق الصناعية سيكون له تأثير كبير على التنمية الاقتصادية في أفريقيا، حيث سيساعد في تطوير سلاسل التوريد المحلية ويخلق فرص عمل، ما يساهم في تحسين مستويات المعيشة.

--

أحمد سلام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين وخبير في الشؤون الصينية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4