تولي الصين في السنوات الأخيرة اهتماما بالغا بحماية تراثها الثقافي. في يوليو 2024، تم إدراج المحور المركزي لبكين رسميا في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وفي 4 ديسمبر 2024، تم إدراج مهرجان الربيع في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. وقد زاد وعي الصينيين كثيرا بأهمية الحفاظ على المواقع التاريخية وتعزيز توارث الحضارة الصينية والاحتفاء بها. بهذه المناسبة، أجرت مجلة ((الصين وأفريقيا)) التابعة لمركز أوروبا الغربية وأفريقيا مقابلة مع الدكتور خالد العناني، سفير السياحة لدى منظمة الأمم المتحدة للسياحة، وزير السياحة والآثار المصري السابق، والمرشح لمنصب المدير العام لليونسكو، للاستماع إلى رؤيته حول التبادل الحضاري وحماية التراث التاريخي.
((الصين وأفريقيا)): صادف عام 2024 الذكرى السنوية العاشرة لإقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر. وقد جذبت الأحداث الثقافية، مثل معارض الحضارة المصرية، التي أقيمت في بكين وشانغهاي اهتماما واسع النطاق. ما هي الإنجازات التي تحققت في التعاون بين الصين ومصر في مجال المحافظة على التراث الثقافي والسياحة؟ وما هي الاتجاهات المستقبلية للتعاون في هذا المجال؟
د. خالد العناني: في الواقع، يمثل 2024 علامة فارقة في الشراكة بين مصر والصين، للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للصداقة والشراكة الشاملة، خاصة في الحفاظ على التراث الثقافي والسياحة. عندما كنت وزيرا للسياحة والآثار في مصر، قمت بتسهيل العديد من أوجه التعاون الثقافي الدولي، مثل مشروع المتحف المصري الكبير، الذي جمع خبراء من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين، لحماية تراث مصر. بالنظر إلى المستقبل، يمكننا البناء على هذه الإنجازات من خلال تعميق تعاوننا في التحول الرقمي الذي يخدم الحفاظ على التراث. على سبيل المثال، يمكن أن تلهم رقمنة الصين لكهوف موقاو جهودا مماثلة لوادي الملوك في مصر، مما يجعل هذه الكنوز أكثر سهولة في الوصول إليها على مستوى العالم.
والتزامي بالسلام والتعاون الدولي يكمن في صميم رؤيتي لليونسكو. وأؤمن إيمانا راسخا بأن تعزيز الثقافة وسيلة قوية للسلام، وقادرة على جمع الناس معا.
((الصين وأفريقيا)): الصين ومصر، كحضارتين قديمتين لهما تاريخ غني، ما هي أوجه التشابه والاختلاف في التحديات التي يواجهها البلدان في الحفاظ على تراثهما التاريخي ونهجهما في معالجتها؟ ماذا يمكن أن تتعلم الصين من تجارب مصر؟
د. خالد العناني: مصر والصين من أقدم وأبرز حضارات العالم، ولكل منهما تاريخ عميق وهما فخر لكل البشرية. وفي حين أن التحديات التي نواجهها في الحفاظ على التراث التاريخي متجذرة في ثراء ماضينا، فإنها تعكس أيضا ضغوط الحاضر. يواجه كلا البلدين قضايا مماثلة: خطر فقدان التراث بسبب الاتجار غير المشروع، وضغط الموازنة بين التحول الحضري السريع والحفاظ على التراث، والحاجة إلى إشراك الأجيال الشابة في فهم وتقييم جذورها الثقافية.
يتمثل أحد أوجه التشابه الرئيسية في الأهمية التي نعلقها على رؤية التراث، ليس فقط كارتباط بماضينا، ولكن أيضا كأساس لمستقبلنا. تدرك كل من مصر والصين أن حماية ومشاركة إرثنا الثقافي أمر ضروري لتعزيز الفخر الوطني والتفاهم العالمي. ومع ذلك، تختلف مناهجنا أحيانا بسبب سياقاتنا الفريدة. على سبيل المثال، أنشأت مشاركة مصر الطويلة الأمد مع علماء الآثار الدوليين نظاما واسعا للتعاون مع الشركاء العالميين، مما ساعدنا في اكتشاف كنوزنا وتوثيقها وحمايتها.
من ناحية أخرى، الصين رائدة في دمج أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية في الحفاظ على التراث. هذا مجال تتوق مصر للتعلم من تجربة الصين فيه. في الوقت نفسه، أعتقد أن الصين يمكن أن تستفيد من مناهج مصر لتعزيز المشاركة العامة والسياحة المستدامة كأدوات للحفاظ على التراث الثقافي.
((الصين وأفريقيا)): تم إدراج المحور المركزي لبكين كموقع للتراث العالمي لليونسكو. ما هي أهمية هذا الإنجاز بالنسبة للحفاظ على التراث الثقافي للصين وتأثيره العالمي؟
د. خالد العناني: يعد الإدراج الناجح لمحور بكين المركزي كموقع للتراث العالمي لليونسكو إنجازا يؤكد تفاني الصين في الحفاظ على التراث الثقافي، وتأثيرها على خطاب التراث العالمي. يجسد هذا الموقع، الذي يتجه بشكل رائع من الشمال إلى الجنوب، قرونا من مبادئ التخطيط الحضري المتجذرة في المثل الكونفوشية. ويحكي قصة الحوكمة والطقوس والانسجام، محافظا على التقاليد التي شكلت ليس فقط بكين وإنما أيضا الأنظمة الثقافية والسياسية على نطاق واسع في شرقي وجنوب شرقي آسيا.
إن المحور المركزي لبكين شهادة على جهود الصين لحماية تاريخها الغني وإبرازه، ونموذج لقدرة الصين على الموازنة بين التحديث والحفاظ على التراث. يعمل الحفاظ الدقيق على تخطيط المحور وهندسته المعمارية والطقوس المرتبطة به، جنبا إلى جنب مع ((إستراتيجيات الإدارة المبتكرة مثل خطة الحفظ والإدارة 2022- 2035))، كمثال للدول الأخرى التي تواجه تعقيدات الحفاظ على التراث في ظل التحول الحضري.
على الصعيد العالمي، يعظم هذا الاعتراف دور الصين كبلد مسؤول في الحفاظ على التراث العالمي، ويوفر منصة لمشاركة نهجها في حماية الهوية الثقافية مع تعزيز التنمية المستدامة.
وأنا أثني على الصين لما حققته من إنجازات في إدراج تراثها، وهو ما يسلط الضوء على أهمية دمج الحفاظ على التراث الثقافي في التخطيط الحضري الحديث وضمان بقاء المواقع التاريخية كمراكز حيوية للفخر المجتمعي والتعلم على المستوى العالمي.
((الصين وأفريقيا)): كيف تقيم التقدم الذي أحرزته الصين مؤخرا في الحفاظ على التراث الثقافي وإدماجه مع الأساليب المبتكرة، مثل الاتجاه المتزايد للجولات التعليمية ذات الطابع التاريخي والثقافي، والانتشار العالمي للعبة "الأسطورة السوداء.. سون وو كونغ" التي أثارت اهتماما متجددا بالمواقع التاريخية والتراث الثقافي؟ وما أهمية هذه المبادرات في تعزيز الروابط بين الشعوب وتعزيز الثقة المتبادلة بين البلدان؟
د. خالد العناني: لقد تأثرت كثيرا بنهج الصين المبتكر في رصد مواقع التراث والحفاظ عليها والاحتفاء بها. لم تعد الرقمنة خيارا؛ بل ضرورة. أعتقد أنه يجب على اليونسكو أن تقود الطريق في تكييف التعليم والثقافة مع التقنيات الجديدة. أتصور مستقبلا لا تحمي فيه اليونسكو التراث الثقافي فحسب، بل وتشاركه أيضا على نطاق عالمي من خلال التكنولوجيا والمسارات التعليمية الحديثة. تتماشى هذه الجهود مع الاتجاه المتزايد لاستخدام التراث الثقافي كأداة للتعليم والترفيه والتمجيد الثقافي.
((الصين وأفريقيا)): اكتسبت مبادرة الحضارة العالمية اهتماما عالميا. ما رأيك في قدرتها على تعزيز التفاهم والتعاون بين الثقافات؟
د. خالد العناني: مبادرة الحضارة العالمية إطار ذو رؤية، ويتردد صداها بعمق مع معتقداتي حول أهمية تعزيز التفاهم والتعاون بين الثقافات. إنها تذكير قوي بأنه على الرغم من اختلافاتنا، فإن تنوع الحضارات الإنسانية مصدر قوة وإلهام وتقدم.
بصفتي مرشحا لمنصب المدير العام لليونسكو، أرى أن مبادرة الحضارة العالمية تتماشى تماما مع مهمة اليونسكو لتعزيز الحوار بين الثقافات، والحفاظ على التراث الثقافي، وتشجيع التعلم المتبادل بين الدول. وتعكس مبادئ المبادرة احترام التنوع الثقافي والحوار والسعي المشترك لتحقيق الأهداف المشتركة والقيم الأساسية لليونسكو، ويمكن أن تكون حجر الزاوية لتعزيز السلام العالمي والتنمية المستدامة.
ألهمني بشكل خاص تركيز مبادرة الحضارة العالمية على المساواة بين الحضارات. إن ذلك يشجعنا على رفض فكرة التسلسلات الهرمية الثقافية، والاعتراف بدلا من ذلك بمساهمات كل حضارة في تقدم البشرية. مصر والصين، كحضارتين قديمتين لهما تاريخ عميق، هما مثالان حيان لكيفية توجيه القيم المشتركة، مثل الانسجام والتوازن والاحترام للتقدم البشري.
إذا تم انتخابي، فسأضمن أن تعمل اليونسكو جنبا إلى جنب مع مبادرات لتوسيع منابر الحوار، مثل دعم الحفاظ على التراث الثقافي المتنوع، وتعزيز البرامج التعليمية المشتركة التي تقرب الناس من بعضهم البعض.