كلنا شرق < الرئيسية

"الدورتان السنويتان" واستجابة الصين للمتغيرات الدولية

: مشاركة
2025-04-14 17:24:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

"الدورتان السنويتان" اللتان يقصد بهما الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والدورة السنوية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، من أهم الأحداث السياسية في الصين، وتعقدان سنويا في شهر مارس، وتجمعان كبار القادة السياسيين والخبراء وممثلين عن مختلف المجالات، لمناقشة السياسات الوطنية ووضع الخطط الإستراتيجية للعام المقبل. "الدورتان السنويتان" في هذا الشهر، مارس 2025، هما محط أنظار العالم، خاصة في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الصين والعالم.

أهمية "الدورتين السنويتين" في سياق عالمي متغير

تُحدد "الدورتان السنويتان" خارطة الطريق للسياسات الوطنية للصين داخليا وخارجيا. و"الدورتان السنويتان" في عام 2025، أكثر أهمية من أي وقت مضى، نظرا للظروف الدولية المعقدة التي تشهدها كافة دول العالم. فعلى المستوى الداخلي، تعد "الدورتان السنويتان" فرصة لتقييم الإنجازات التي حققتها الصين في إطار خطتها الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025)، خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا والتنمية الخضراء والأمن الوطني. أما على المستوى الخارجي، فسوف تسلط "الدورتان السنويتان" الضوء على استجابة الصين للتحديات الدولية، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية والأزمة الأوكرانية، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، بالإضافة إلى التغيرات المناخية. حيث ستواصل الصين، كقوة عالمية رائدة، طرح رؤاها وأفكارها للعالم، مع التركيز على التعاون المربح للجميع.

تحديات تواجه الصين في عام 2025

تتضمن أجندة "الدورتين السنويتين" لعام 2025، مناقشة العديد من التحديات التي تواجهها الصين والعالم. ومن أبرز هذه التحديات: التوترات الجيوسياسية. فقد استمرت التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة حول قضايا مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى المنافسة التكنولوجية بين البلدين؛ التباطؤ الاقتصادي العالمي. يواجه الاقتصاد العالمي تباطؤا بسبب ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 2ر5% في عام 2023، وهو معدل أقل من التوقعات السابقة بسبب تباطؤ الطلب العالمي؛ التغيرات المناخية. أصبحت قضية التغيرات المناخية من أهم الأولويات العالمية. وكانت الصين قد تعهدت بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. في عام 2024، أضافت الصين التي تحتل مكانة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حوالي 277 غيغاوات من الطاقة الشمسية، متجاوزة الرقم القياسي في عام 2023، الذي بلغ 217 غيغاوات، حسب بيان صادر عن إدارة الطاقة الوطنية الصينية، وهو ما يعني أن الصين قد حققت هدفها للطاقة المتجددة لعام 2030 قبل ست سنوات كاملة، مما يعكس التزامها بتحقيق أهدافها البيئية؛ التحديات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2024، تخطت قيمة الصادرات الصينية لأول مرة 25 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا)، بزيادة بلغت نسبتها 1ر7% عن 2023، فيما ارتفعت الواردات إلى 39ر18 تريليون يوان، بزيادة بلغت نسبتها 3ر2% عن العام السابق، وحسب بيانات الجمارك الصينية، ارتفع الفائض التجاري إلى مستوى غير مسبوق بلغ 992 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بزيادة بلغت نسبتها 21% عن العام الأسبق، وبصورة عامة سجلت التجارة الخارجية الصينية نموا بنسبة 5% في عام 2024 بالمقارنة مع العام الأسبق، محققة مستوى قياسيا قدره 85ر43 تريليون يوان.

والحقيقة التي لا مفر منها أنه من بين التحديات الرئيسية التي تواجهها الصين في عام 2025، هي السياسات التجارية الأمريكية، خاصة مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة مرة ثانية، والذي قام خلال فترة رئاسته الأولى (2017- 2021)، بفرض سلسلة من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بقيمة وصلت إلى 370 مليار دولار أمريكي، مما أدى إلى تصاعد التوترات التجارية بين البلدين. ومن المتوقع أن يواصل سياساته الحمائية، والتي قد تشمل فرض ضرائب إضافية على الصين بنسب تتراوح بين 10% إلى 25% على مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك الإلكترونيات والمنتجات الصناعية. وفي وقت سابق، هدد ترامب بفرض ضرائب تصل إلى 60% على الصين. ولا بد أن ننظر إلى التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على مجموعة "بريكس" باعتباره خطوة جريئة لحماية الدولار الأمريكي، وهو الأساس الذي تقوم عليه القوة المالية الأمريكية.

وليس هناك شك في أنه إذا نجحت مجموعة "بريكس" في خلق عملة بديلة، فإن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في السوق العالمية سوف يتأثر بشكل خطير. ويدرك الرئيس الأمريكي هذا الأمر جيدا، وهو على استعداد لبذل كل ما في وسعه لمنع حدوث هذا السيناريو. وعلى نحو مماثل، فإن ضغوطه على بنما والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا تظهر أنه لا يخشى مواجهة الحلفاء والمعارضين على حد سواء، لحماية المصالح الأمريكية.

ووفقا لتقديرات معهد "بيترسون للاقتصاد الدولي"، فإن فرض ضرائب إضافية بنسبة 25% على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة تصل إلى 8ر0% سنويا. كما أن هذه الإجراءات قد تؤثر على حجم التبادل التجاري بين البلدين.

الاستجابة المتوقعة للصين

انطلاقا من التحديات السابقة، سنحاول استقراء مشهد استجابة الصين المتوقعة في ضوء مخرجات "الدورتين السنويتين" لهذا العام. حيث من المتوقع أن تستند الصين إلى تعزيز قدرتها على الصمود وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية. ومن المتوقع أن تشمل الإستراتيجية الصينية عدة محاور رئيسية، ومنها:

أولا: تنويع أسواق التصدير. ستسعى الصين إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى، خاصة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، حيث بلغت قيمة التجارة بين الصين ودول المبادرة نحو 1ر22 تريليون يوان في عام 2024. ومن المتوقع أن تزيد الصين من استثماراتها في هذه الدول لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية. ثانيا: تعزيز الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. ستواصل الصين استثماراتها الضخمة في البحث والتطوير لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات التكنولوجية الحيوية، مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. وقد تجاوز إجمالي إنفاق الصين على البحث والتطوير خلال عام 2024 ما مقداره 6ر3 تريليونات يوان، بزيادة بلغت نسبتها 3ر8% على أساس سنوي، وقد شكل هذا الإنفاق 68ر2% من الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2024، بزيادة بلغت 1ر0 نقطة مئوية مقارنة بعام 2023. ومع استمرار دفع الابتكار، تظل الصين في المرتبة الثانية عالميا من حيث إجمالي نسبة الإنفاق في مجال البحث والتطوير، وقد شغلت الصين المركز الثاني عشر من بين الدول الكبرى في العالم من حيث "الكثافة" في عمليات البحث والتطوير، والتي بلغت نسبتها 68ر2%، وهي أعلى من المعدل المتوسط الذي حققته دول الاتحاد الأوروبي والذي بلغ 11ر2%، واقتربت من نسبة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تبلغ 73ر2%. وقد ارتفعت نسبة الاستثمار في مجال البحث الأساسي في الصين بنسبة 5ر10% خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023 لتصل إلى 7ر249 مليار يوان، وهو ما يمثل 91ر6% من إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير العالمي، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى 3% بحلول عام 2025؛ ثالثا: تحفيز الطلب المحلي. تسعى الصين إلى تعزيز الطلب المحلي كبديل عن الصادرات. في عام 2023، ساهم الاستهلاك المحلي بنسبة 55% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى 60% في عام 2025، من خلال سياسات تحفيزية تشمل تخفيضات ضريبية ودعم للشركات المحلية. رابعا: التعاون مع الشركاء الدوليين. ستسعى الصين إلى تعزيز تحالفاتها الاقتصادية مع دول مثل روسيا والاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرقي آسيا. وقد بلغت قيمة التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي حوالي 850 مليار دولار في عام 2023، مما يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للصين؛ خامسا: الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية. قد ترد الصين بفرض رسوم جمركية مماثلة على الواردات الأمريكية، خاصة في قطاعات مثل الزراعة والطائرات، والتي تعد حيوية للاقتصاد الأمريكي.

رؤية الرئيس شي جين بينغ للاقتصاد الصيني

في مقال نشره الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو أيضا الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، في العدد الخامس لعام 2025 من مجلة ((تشيوشي))، وهي مجلة مهمة تابعة للجنة المركزية للحزب، أشار إلى أن الاقتصاد الصيني يواجه صعوبات وتحديات بسبب التأثيرات السلبية الناجمة عن البيئة الخارجية المتقلبة. ومع ذلك، أكد الرئيس شي أن الاقتصاد الصيني مدعوم بأساس مستقر وقوى وفيرة وقدرة كبيرة على الصمود وإمكانات هائلة، وأن الظروف الداعمة للاقتصاد الصيني لم تتغير، ولا الاتجاه الأساسي له المتمثل في النمو على المدى الطويل. كما أكد شي على ضرورة مواجهة الصعوبات وتعزيز الثقة والسعي بقوة لتحويل كل العوامل الإيجابية إلى إنجازات فعلية في التنمية. كما أشار إلى أن العمل الاقتصادي معقد ومتعدد الأوجه، وأن هناك خمس علاقات رئيسية يجب التعامل معها بشكل مناسب، وهي:

(1) العلاقة بين السوق الفعالة والحكومة الجيدة الأداء. يجب على الحكومة أن تتصرف بحزم عندما يكون ذلك ضروريا، وأن تعرف في الوقت نفسه متى تمتنع عن التدخل؛ (2) العلاقة بين إجمالي العرض وإجمالي الطلب. يجب ضمان سلاسة الدورة الاقتصادية، مع التركيز على معالجة ضعف الطلب المحلي، حيث يجب أن يعمل الطلب المحلي كمحرك رئيسي للنمو؛ (3) العلاقة بين خلق محركات نمو جديدة وتطوير الصناعات التقليدية. يجب تحقيق التوازن بين الابتكار والمحافظة على الصناعات القائمة؛ (4) العلاقة بين تحسين الموارد الإضافية والاستخدام الجيد للموارد الحالية. يجب تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة؛ (5) العلاقة بين تحسين الجودة وتوسيع النطاق. يجب التركيز على الجودة في جميع جوانب التنمية الاقتصادية.

"الدورتان السنويتان".. المحاور الداخلية والخارجية

من أهم المحاور الداخلية والخارجية التي تبحثها "الدورتان السنويتان" لعام 2025، ما يلي: (1) تعزيز الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. في ظل المنافسة التكنولوجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ستستمر الصين في تعزيز استثماراتها في البحث والتطوير. ومن المتوقع أن تزيد الصين من استثماراتها في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والرقمنة وتكنولوجيا أشباه الموصلات؛ (2) تعزيز التعاون الدولي. في ظل التوترات مع الغرب، ستسعى الصين إلى تعزيز علاقاتها مع دول الجنوب العالمي، خاصة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، مما يعكس استمرار الصين في تعزيز نفوذها الاقتصادي عالميا؛ (3) التحول نحو الاقتصاد الأخضر. ستستمر الصين في تنفيذ خططها للتحول نحو الاقتصاد الأخضر. وقد أعلنت الصين عن زيادة قدراتها في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في عام 2024، بنسبة 20%، مما يعكس التزامها بتحقيق أهدافها البيئية؛ (4) تعزيز الأمن الوطني. في ظل التحديات الأمنية، ستستمر الصين في تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية. في 2024، أعلنت الصين زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 2ر7% لتبلغ 231 مليار دولار تقريبا، في وقت تتفاقم فيه التوترات بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، مما يعكس تركيزها على تعزيز أمنها الوطني.

"الدورتان السنويتان" لعام 2025، فرصة لتقييم الإنجازات والتحديات التي واجهتها الصين خلال العامين الماضيين. ووفقا لتصريحات نائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وانغ تشن، فإن "تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للصين في ظل الظروف الدولية المعقدة" من أهم محاور مناقشات "الدورتين السنويتين" لعام 2025. وأشارت صحيفة ((الشعب اليومية))، الصينية، إلى أن "الدورتين السنويتين" فرصة لتعزيز وحدة الشعب الصيني وقيادته نحو تحقيق الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

نخلص من ذلك إلى أن "الدورتين السنويتين" للصين محطة مهمة لتقييم استجابة الصين للتحديات الدولية، في ظل المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية، وستواصل الصين تعزيز إستراتيجياتها لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز أمنها الوطني، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والتعاون الدولي، حيث تسعى الصين إلى تعزيز مكانتها كقوة عالمية رائدة في القرن الحادي والعشرين.

 

--

أحمد سلام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين، وعضو جمعية الصداقة المصرية- الصينية.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4