كلنا شرق < الرئيسية

قراءة في فكر الرئيس شي حول الاقتصاد الصيني

: مشاركة
2025-04-14 17:28:00 الصين اليوم:Source محمد علّام:Author

في صباح يوم الأحد، الثاني من مارس 2025، كان بوسع الصينيين اقتناء أحدث ما نشر عن الفكر الاقتصادي لرئيسهم، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية شي جين بينغ، بعدما أصبح متاحا في جميع أنحاء البلاد.

إنه مجلد مقسم إلى أربعة وسبعين جزءا، كل واحد منها يضم أهم أعمال الرئيس شي في مجال التنمية الاقتصادية منذ وصوله إلى سدة الحكم في منتصف شهر نوفمبر عام 2012، وحتى ديسمبر عام 2024. أجزاء هذا المجلد تأتي في أشكال مختلفة، فبعضها خطب، والبعض الآخر إرشادات وتعليمات، وإن اشتركت جميعها في كونها من إلقاء الرئيس شي على مدار أكثر من اثنتي عشرة سنة، وبعض منها يتم نشره لأول مرة. وقد جاء نشر هذا المجلد تحت اسم ((الأعمال المختارة للأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ حول الاقتصاد))، قبل أيام قليلة من انعقاد الدورة الثالثة للمؤتمر الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني ليكون بمثابة "المصدر الموثوق" لأعضاء الحزب وقياداته بل وكافة أبناء القوميات في جميع أنحاء الصين عن فكر شي جين بينغ بشأن "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد"، وخصوصا ما يتعلق بفكر الأمين العام للحزب بشأن الاقتصاد. وقد قام بجمع هذا المجلد، الذي يعتبر الأول ضمن سلسلة من المنتظر أن يتوالى نشرها خلال الفترة المقبلة، معهد تاريخ وآداب الحزب التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فيما تولى مسؤولية نشره دار نشر أدب الحزب المركزية.

مقال في مجلة ((تشيوشي)).. خمسة علاقات رئيسية

تزامن نشر هذا المجلد مع نشر مقال، كتب أيضا بقلم الرئيس شي جين بينغ، حول طريقة التعامل السليم مع العديد من الملفات الاقتصادية. هذا المقال بالتحديد تم نشره في مطلع شهر مارس 2025 في مجلة ((تشيوشي)) التابعة للحزب الشيوعي الصيني، وأشار فيه الرئيس إلى التأثيرات السلبية الناجمة عن التغيرات الخارجية والتي جلبت على الاقتصاد الصيني العديد من الصعوبات والتحديات. في الوقت نفسه، أشار الرئيس في مقاله، إلى أن الاقتصاد الصيني مدعوم بأساس مستقر وقوى وفيرة ومرونة قوية وإمكانات هائلة، كما لم تتغير الظروف الداعمة له والوجهة الأساسية للنمو على المدى الطويل. يقول الرئيس شي في المقال: "يجب علينا مواجهة الصعوبات وتعزيز ثقتنا، والسعي لتحويل كل العوامل الإيجابية إلى إنجازات حقيقية في التنمية." الرئيس وبعد أن أوضح وجهة نظره في العمل الاقتصادي من حيث كونه يتصف بالتعقيد وتعدد الأوجه، حدد خمس علاقات رئيسية يجب التعامل معها بشكل صحيح على صعيد الاقتصاد.

الأولى: ضرورة تنسيق العلاقة بين السوق الفعالة والحكومة العاملة بشكل جيد، وأن على الحكومة أن تتصرف بحزم عند الضرورة، مع معرفة متى تمتنع عن التدخل. الثانية: العلاقة بين العرض والطلب الكلي لضمان سلاسة الدورة الاقتصادية، ووجوب بذل الجهود لمعالجة الضعف في الطلب والاستهلاك المحلي، والذي ينبغي أن يعمل كمحرك رئيسي ومثبت للنمو، وهذه النقطة بالتحديد يعرفها بعض علماء الاقتصاد باسم "التصدير للداخل". الثالثة: العلاقة بين تطوير محركات نمو جديدة، وتطوير الصناعات التقليدية. الرابعة: الإدارة السليمة للعلاقة بين إيجاد موارد إضافية والاستخدام الجيد للموارد الحالية. الخامسة: العلاقة بين تحسين الجودة وتوسيع النطاق.

الرئيس المفكر

بجانب هذا المجلد وتلك المقالة، فهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها كتب أو مؤلفات أو مجلدات أو مقالات تحمل أفكار الرئيس شي، سواء الاقتصادية أو السياسية أو حتى الإدارية. فالرئيس شي من بين قلة من زعماء العالم، يجمعون بين القيادة السياسية، وصفة "المفكر" في نفس الوقت. ولا مجال للقول هنا إن هذا الكلام فيه مبالغة أو مجاملة للرئيس، فالأمين العام للحزب الشيوعي الصيني يواصل تأليف الكتب وطرح الأفكار بداية من عام 2007، حينما نشر أول مؤلفاته قبل أن يصل حتى إلى منصب الرئاسة. كان ذلك كتاب ((تشجيانغ شينيوي)) ويعني باللغة العربية "كلمات جديدة لتشجيانغ" وضع فيه شي جين بينغ أفكاره حينما كان يشغل منصب أمين لجنة الحزب الشيوعي في مقاطعة تشجيانغ، والذي استمر فيه خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2007. ثم السلسلة الأشهر من بين جميع ما كتبه الرئيس شي، والتي ترجمت إلى الكثير من لغات العالم، ونقصد هنا سلسلة ((حول الحكم والإدارة)) التي صدرت في أربعة مجلدات، وتعتبر المرجع الأهم والأكبر ليس لأفكار الرئيس شي جين بينغ فحسب، وإنما أيضا لرؤية الصين نفسها لنفسها خلال القرن الحادي والعشرين.

لدينا كذلك كتاب ((سلسلة الخطابات المهمة للأمين العام شي جين بينغ))، المنشور في عام 2014، والذي حمل في طياته الكثير من أفكار الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، والتي عبر عنها في خطاباته كما هو واضح في عنوان الكتاب. هناك أيضا كتاب ((الحلم الصيني بالتجديد العظيم للأمة الصينية)) المنشور في عام 2014، وفي عام 2016 صدر كتاب ((الصعود والخروج من الفقر.. خطب مختارة في فوجيان)).

إذن فالمجلد الجديد هو حلقة جديدة من حلقات عرض مستمرة، يعرض فيها الرئيس الصيني أفكاره وطموحاته لوطنه، والمستمرة منذ عام 2007. في المجلد الجديد أيضا تجد كيف يفكر الرئيس شي في تعزيز التنمية الاقتصادية العالية الجودة، وفي نفس الوقت طريقة تفكيره لمواجهة المخاطر والتحديات الكبرى التي تواجه اقتصاد وطنه، للوصول في النهاية إلى بناء دولة اشتراكية حديثة بشكل كامل. في هذا المجلد الجديد، يمكننا أن نرى بوضوح تلخيص فكر الرئيس بشكل منهجي للتجربة العملية للتنمية الاقتصادية في العصر الجديد. ولعل كل هذه الترسانة من الأفكار والخطط والآمال كانت هي السبب الأساسي في مرور الصين وسط العديد من العواصف التي واجهتها مؤخرا، من أزمة كوفيد- 19 ثم الحرب التجارية التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية. تلك الحرب التي انتهى فصلها الأول بانتصار صيني، قال عنه الأستاذ الدكتور حسن الصادي، الأكاديمي والخبير الاقتصادي والمالي المصري: "الصين حسمت الحرب التجارية لصالحها، والولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تحافظ على قوتها الاقتصادية، وفي حال فشلها ستحاول إحداث فوضى." ولعل كل ذلك أيضا قد يصدق بحقه ما جاء في مقالة نشرها "مركز إعلام الصين (CNS)"، تعليقا على نشر مجلد الأعمال المختارة، بأنه "بلورة أيديولوجية قيمة شكلها استكشاف الحزب الشيوعي الصيني الدؤوب لمسار التنمية الاقتصادية الاشتراكية".

كاتب المقالة المشار إليها، أضاف معبرا عن وجهة نظره في أفكار الرئيس شي جين بينغ الاقتصادية: "لقد فتحت مجالا جديدا للاقتصاد السياسي الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، وقدمت مساهمات أصلية مهمة في إثراء وتطوير الاقتصاد السياسي، ووفرت أسلحة أيديولوجية حادة لتعزيز التنمية الاقتصادية العالية الجودة في الصين، والاستجابة العلمية للمخاطر والتحديات الكبرى، وبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل."

هذا الفكر الاقتصادي للرئيس شي هو ما حسن معيشة الشعب الصيني. حسب بيانات نشرت في مارس 2025، بلغ متوسط العمر المتوقع للفرد في الصين 79 عاما في عام 2024، بزيادة سنوية قدرها 4ر0 أعوام، وأصبح أكثر من 90% من عيادات القرى فى الصين مشمولة بالتأمين الصحي الأساسي، وتعتزم الصين طرح سياسات جديدة لدعم تشغيل الشباب، بمن فيهم خريجو الجامعات، وضمان تقديم المساعدة في الوقت المناسب للأشخاص الذين يواجهون صعوبات.

لا يزال هناك الكثير من العمل

الفكر الاقتصادي للرئيس شي جين بينغ، ذكرني بما سمعته من الدكتور محمود محيي الدين، وهو أستاذ جامعي وسياسي ووزير مصري سابق، يشغل حاليا منصب المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، في حوار أجرته معه قناة (حلول للسياسات البديلة) على منصة يوتيوب. في هذا الحوار، قال الدكتور محيي الدين إنه عندما يسافر إلى الصين، ويلتقي هناك بمسؤولين صينيين فإنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من الإعراب عن "انبهاره" بما يراه في شانغهاي وبكين. لكن الاجابات تأتيه دوما بأن الصين بلد كبير، وأنه لم ير الأماكن الأكثر وعورة في الوصول إليها، والأكثر فقرا والأكثر احتياجا. ويضيف الدكتور محيي الدين، إنه يجد نفسه أمام رجال مقتنعين تماما بأن أمامهم الكثير لفعله، واصفا إياهم بقوله: "إنهم من خريجي مدرسة الحزب الشيوعي الصيني." لدرجة أنه أحيانا قد يشعر بحاجته إلى الاعتذار عن كونه قد أثنى عليهم.

يذكرنا هذا كله بالأفكار التي يواصل الرئيس شي جين بينغ طرحها، بأنه نعم لقد فعلنا الكثير من الأشياء الجيدة، لكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل لإنجازه. وهذا كله يندرج تحت "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد"، ففي النهاية الصين دولة اشتراكية، كانت تعتبر نفسها هكذا ولا تزال، وطالما لم ينعم كل المواطنين الصينيين بآثار النهضة الاقتصادية التي حققتها، فما زال هناك عمل لإنجازه. وقد ضرب الرئيس شي بنفسه مثالا على ذلك في الأسبوع الثاني من شهر مارس 2025، حينما تحدث بشكل عملي عن مشكلة التعليم ما قبل المدرسي في الصين. فهناك حاليا أعداد معتبرة من رياض الأطفال غير المستخدمة في بعض الأماكن، ومناطق أخرى لا تزال رياض الأطفال الجيدة فيها أقل من الاحتياج الفعلي. الرئيس شي قال إن حل هذه المشكلة لن يحدث إلا بعد خطة أو خطتين خمسيتين، ولكن إذا لم نبدأ في التخطيط الآن، فسوف يكون الأوان قد فات بحلول هذا الوقت.

ماذا ينتظر العالم؟

في النهاية دعونا نطرح سؤالا.. أو بشكل أدق نعقد "مقارنة" محورها الأساسي هو: ماذا ينتظر العالم من زعيمي أكبر دولتين في العالم؟

فبينما لم يمر على حكم دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية إلا وقت قصير، فإنه كان كافيا تماما لإعادة الحرب التجارية، وهي ليست مع الصين فحسب هذه المرة، والشجار علنا مع رؤساء حكومات ودول، والتهديد باحتلال جزر بل ودول كاملة ذات سيادة واعتراف دولي وعضوية في الأمم المتحدة، ومحاولة نزع أبناء الشعب الفلسطيني من جذورهم في بلادهم وركلهم في البحر. هذا للأسف الشديد ما يسمعه العالم عن الرئيس الأمريكي، فما كان هذا المقال إلا ليستمع العالم ولو لدقائق قدر وقت قراءة هذه الصفحات، عما يصنعه شي جين بينغ في بلاده.

--

محمد علّام، كاتب وباحث مصري.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4