أخبار < الرئيسية

خدعة "فخ الديون"

: مشاركة
2022-09-09 11:25:00 الصين اليوم:Source منى إسماعيل:Author

في الثامن عشر من أغسطس 2022، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، إن ما يسمى بـ"فخ الديون الصيني" كذبة اختلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى لإلقاء المسؤولية واللوم على غيرها." وأضاف: "عندما تُثار ضجة من سياسيين ووسائل إعلام في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى بشأن ما يسمى بـ'فخ الديون الصيني' على الرغم من وضوح الحقائق، فإن هدفهم الحقيقي هو خلق فخ سردي لغرس الفتنة بين الصين والدول النامية الأخرى، وعرقلة التعاون بين الصين وتلك الدول، وإعاقة نمو الدول النامية. غير أن الدول النامية ومن لديهم نظرة ثاقبة من بقية المجتمع الدولي لن يصدقوا هذه الخدعة."

"فخ الديون"، تهمة أخرى ولن تكون الأخيرة ضد الصين. كانت البداية في الثالث والعشرين من يناير سنة 2017، عندما كتب الباحث الهندي براهما شيلاني مقالة في الموقع الإلكتروني ((Project Syndicate)) بعنوان "دبلوماسية فخ الديون الصينية"، بدأها بالقول: "إذا كان ثمة شيء واحد يتفوق فيه قادة الصين حقا، فهو استخدام الأدوات الاقتصادية لتعزيز المصالح الجيوستراتيجية لبلادهم. فمن خلال مبادرة 'الحزام والطريق' التي تبلغ تكلفتها تريليون دولار أمريكي، تدعم الصين مشروعات البنية التحتية في البلدان النامية ذات الموقع الإستراتيجي، غالبا عن طريق تقديم قروض ضخمة لحكوماتها. ونتيجة لذلك، وقعت تلك البلدان في 'فخ الديون'، مما يجعلها عرضة لنفوذ الصين." واختتمها محذرا: "تعمل الصين، من خلال دمج سياساتها الخارجية والاقتصادية والأمنية، على تعزيز هدفها المتمثل في تشكيل مجال مهيمن للتجارة والاتصالات والنقل والروابط الأمنية. إذا كانت الدول مثقلة بمستويات ديون مرهقة نتيجة لذلك، فإن مشكلاتها المالية لا تساعد إلا في مخططات الصين الاستعمارية الجديدة. يجب على البلدان التي لم تقع بعد في فخ ديون الصين أن تأخذ في الاعتبار، وأن تتخذ كل ما في وسعها من خطوات، لتجنب ذلك.

ولأن الأفعال أقوى من الكلمات، وبشهادة من البنك الدولي، يبدو الواقع مغايرا لما تحدث عنه السيد شيلاني، الذي حصر تفوق قادة الصين في شيء واحد فقط وهو نصب "الفِخاخ" للبلدان الأخرى. موقف براهما شيلاني من الصين معروف، فقد كتب من قبل "التوسع الإمبراطوري المبالغ به للصين"، المنشورة في ((Project Syndicate)) في 24 مايو 2017؛ و"تهديد بيئي عالمي صُنع في الصين"، المنشورة في صحيفة ((العرب)) القطرية في 8 ديسمبر 2018؛ و"الإستراتيجية العظيمة لترامب"، المنشورة في صحيفة ((الوطن)) القطرية في 15 أغسطس 2018، والتي جاء فيها: "خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما وتحت أنظاره، تمكنت الصين من توسيع نفوذها العالمي بشكل سريع وبما في ذلك استخدام القوة في تغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي، بدون تكبد أي تكاليف دولية."

 بعد أن اختلق السيد شيلاني مصطلح "دبلوماسية فخ الديون"، تلقفه ساسة وكتاب غربيون، وراحوا يرددونه في إطار حملة واسعة ذات أبعاد دبلوماسية وتكنولوجية وعسكرية وإعلامية واقتصادية، وغيرها في محاولة لاحتواء الصين وإعاقة مسيرة تنميتها وتعطيل جهودها لإعادة توحيد أراضيها وتحقيق نهضتها. وما حدث في شهر أغسطس في تايوان خير دليل، فالزيارة الاستفزازية التي قادمت بها نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان في الثاني من أغسطس عام 2022، جزء من تلك المحاولة. 

ردا على اتهام مبادرة "الحزام والطريق" الصينية بأنها "فخ للديون"، قال المتحدث باسم وزارة خارجية الصين تشاو لي جيان، في السابع والعشرين من يونيو 2022، مستشهدا بتقارير البنك الدولي، إنه إذا تم تنفيذ جميع مشروعات البنية التحتية للنقل في ظل مبادرة "الحزام والطريق" بحلول عام 2030، فإن مبادرة "الحزام والطريق" ستدر 6ر1 تريليون دولار أمريكي من الإيرادات للعالم، أي 3ر1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وستتقاسم البلدان الشريكة ما يصل إلى 90% من الإيرادات، ومن المتوقع أن تستفيد الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمنخفض أكثر من غيرها. وفي الثامن عشر من أغسطس 2022، في كلمته للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، قال وزير خارجية الصين وانغ يي، وفقا للنص المنشور على موقع وزارة الخارجية الصينية: "ستتنازل الصين عن 23 قرضا بدون فوائد لـسبع عشرة دولة أفريقية، وتلك القروض كانت مستحقة السداد في نهاية عام 2021."

ثمة استهجان واسع لوصم الصين بـ"فخ الديون"، فقد قال جيمس لورنسون، وهو أستاذ في جامعة التكنولوجيا في سيدني بأستراليا، إن مفهوم "دبلوماسية فخ الديون" الصينية "مفهوم غريب"، ووصف أنتوني رولي، ومؤلف كتاب "أسس المستقبل- المعركة العالمية للبنية التحتية" ما يسمى بـ"دبلوماسية فخ الديون" بالخرافة، وقال: "تُتهم الصين غالبا باستخدام دبلوماسية ’’فخ الديون‘‘ لإغراء الدول النامية بالاقتراض أكثر مما تستطيع تحمله لتمويل مشروعات البنية التحتية ثم الاستيلاء على الأصول الإستراتيجية كضمان للقروض.... إن سلسلة من البيانات والدراسات تتحدى فكرة أن بكين اتبعت بالفعل مثل هذه الإستراتيجيات الميكافيلية." يرى السيد رولي أن التهم الموجهة إلى الصين تستند جزئيا إلى سوء فهم، مستعرضا عددا من المشروعات الممولة بقروض صينية في سريلانكا وماليزيا لتأكيد فساد أسانيد دبلوماسية "فخ الديون".

في الثاني عشر من أكتوبر 2020، أكد تشاو لي جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، أن الصين لم تغب أبدا عندما يتعلق الأمر بدعم أفريقيا، وستحل قضية الديون من خلال المشاورات الودية مع أفريقيا. وقال إن الصين تولي اهتماما كبيرا لقضية تعليق وتخفيف مدفوعات الديون في أفريقيا، وإنها ملتزمة بالتطبيق الكامل لمبادرة مجموعة العشرين (بشأن تعليق خدمة الديون للدول الأشد فقرا). وهذا ما أكدته حقائق كثيرة، ومنها ما أعلنه وزير خارجية الصين وانغ يي في الاجتماع الوزاري الأخير لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي.

قال ليانغ هاي مينغ، عميد معهد "الحزام والطريق" في جامعة هاينان الصينية: "إن ربط الصين بديون بلدان مبادرة 'الحزام والطريق' ووصف مبادرة 'الحزام والطريق' التي اقترحتها الصين بـ'دبلوماسية الديون' أو 'فخ الديون' اتهامات غير منطقية." وأضاف، في مقالة نشرتها صحيفة هوانتشيو (غلوبال تايمز) الصينية في التاسع عشر من مارس 2019: "لا تتعلق قضايا ديون بلدان 'الحزام والطريق' بالضرورة بمشروعات 'الحزام والطريق'. في الواقع، قبل الانضمام إلى مبادرة 'الحزام والطريق'، كانت مستويات ديون العديد من تلك الدول مرتفعة بالفعل. كانت الصين حديثة العهد، وبالتأكيد ليست أكبر دائن لتلك الدول. وقد تراكمت هذه الديون في المقام الأول نتيجة الاقتراض الطويل الأجل من البلدان الأخرى ومن المنظمات المالية الدولية. لقد ظلت العديد من دول مبادرة 'الحزام والطريق' تتلقى قروضا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وحتى الهند. لماذا تُعتبر الاستثمارات من تلك الدول، ذات 'الديون' المتطابقة تقريبا، 'فطائر حلوة' بينما يُنظر إلى الاستثمارات من الصين على أنها 'فخ ديون'؟" ويجيب البروفيسور ليانغ بالقول: "السبب هو أن الدول الغربية تروج لـ'فخ الديون' الصينية لحماية مصالحها الخاصة. إنها لا تريد رؤية دول مبادرة 'الحزام والطريق' تلجأ إلى الصين للحصول على مزيد من القروض بعد الاقتراض منها، لأنها تخشى أن هذه الدول قد تسدد للصين قبلها، مما يؤثر على فوائدها. لم تطلب الصين قط ولن تطلب من دول مبادرة 'الحزام والطريق' سداد القروض بأموال مقترضة من أطراف ثالثة." 

"دبلوماسية فخ الديون"، ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة متصلة من محاولات تشويه صورة الصين، وخاصة لدى الدول النامية. اتُهمت الصين بـ"الاستعمار الجديد لأفريقيا"، وقبل ذلك اتُهمت بتزييف بيانات الناتج المحلي الإجمالي لها، واختُلقت لها نظرية "التهديد الصيني"، وغيرها. إن أحد أهم أدوات التحليل السياسي هو النظر إلى السلوك السابق لاستشراف السلوك المتوقع لأي دولة أو منظمة. وقد ثبت، على الأقل خلال الأكثر من أربعين سنة مضت، أن الصين دولة مسؤولة تفي بالتزاماتها وتعهداتها ولا تمثل تهديدا وإنما تسعى بكل ما في وسعها لبناء عالم متناغم يسوده السلام وتعمه التنمية، ومن هنا جاءت مبادراتها العديدة ومنها "الحزام والطريق" و"البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية"، و"المصير المشترك للبشرية".

في الثامن عشر من أغسطس 2022، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بِين، أن الدول النامية تقترض بشكل رئيسي من المقرضين التجاريين والمتعددي الأطراف. وأوضحت إحصاءات الديون الدولية للبنك الدولي، أنه بنهاية 2020، شكلت ديون الدائنين التجاريين 40% وديون المتعددي الأطراف 34% من الدين العام الخارجي لاثنتين وثمانين دولة من الدول ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط الأدنى، وتبلغ نسبة الدين العام الخارجي المستحقة على هذه الدول من جانب الدائنين الرسميين الثنائيين 26%، منها أقل من 10% للصين.

وأوضحت إحصاءات البنك الدولي أنه بين عامي 2015 و2020، شكلت الديون التجارية والتعددية والثنائية الرسمية 42% و35% و23% على التوالي من 2ر475 مليار دولار أمريكي هي قيمة الديون العامة الخارجية الجديدة للدول ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط الأدنى. وأشار وانغ ون بِين إلى أن مدفوعات الديون المتوسطة والطويلة الأجل المستحقة على الدول النامية تدفقت بشكل رئيسي إلى المقرضين التجاريين والمؤسسات التعددية في الغرب. وأوضح أن الاقتراض من المقرضين التجاريين الغربيين أكثر كُلفة بدرجة كبيرة مقارنة بالصين. وإذا ضربنا مثالا بأفريقيا، فإن مؤسسة ((عدالة الديون)) البريطانية ذكرت بناء على بيانات صادرة عن البنك الدولي، أن نسب الفائدة على القروض الرسمية والتجارية الصينية إلى الدول الأفريقية أقل من نسب الفائدة على القروض التجارية التي تقدمها الدول الأخرى (والتي تبلغ 5%). كما أنها أقل أيضا بكثير من نسب الفائدة (التي تبلغ من 4% إلى 10%) على السندات الحكومية التي مدتها عشر سنوات، بحسب الأرقام الصادرة عن بنك التنمية الأفريقي.

--

منى إسماعيل، باحثة مصرية متخصصة في السياسة الدولية.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4