أخبار < الرئيسية

شي جين بينغ وهوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

: مشاركة
2022-12-19 11:57:00 الصين اليوم:Source هند المحلي سلطان:Author

منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، وتحت قيادة اللجنة المركزية للحزب والنهج الجديدة للدبلوماسية الصينية بقيادة الرئيس شي جين بينغ، شهدت الدبلوماسية الصينية إنجازات تاريخية وانتصارات عظيمة وصعبة، محكومة بخطوات تدريجية وحذرة، وتتوافق مع الوضع الدولي والمحلي لتهيئة الظروف المؤاتية لبناء هوية الدولة الكبيرة التي تتمثل في اتخاذ الأفكار الدبلوماسية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تخدم المصالح الجوهرية والأساسية للصين، وإصلاح منظومة الحوكمة العالمية وبناء نظام دولي جديد نحو التعددية القطبية العالمية يقوم على المنفعة المشتركة، وتوسيع شبكة الشراكة العالمية، وتعزيز بناء مبادرة "الحزام والطريق"، والتمسك بالمشاركة النشطة والإيجابية في التحديدات التي يواجهها الأمن العالمي لحماية السلام العالمي وضمان استقرار البيئة الدولية والداخلية والتنمية المستدامة للاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية المشتركة ودفع بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية كجزء من الأعمال الأيديولوجية والسياسية للصين.

تتناول هذه الدراسة مفهوم هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأهداف الدبلوماسية الصينية لتشكيل هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ولاسيما، منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، وتسرد إنجازاتها على المستوى المحلي والدولي.

أولا، مفهوم هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

الدولة مفهوم ديناميكي لأنها مرتبطة بالتغيرات في قوتها الوطنية ومصالحها الوطنية والنظام الدولي. والهوية الوطنية للدولة هي عملية ديناميكية ترتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات في المصالح الوطنية للدولة والقوة الوطنية لأنها تخدم بشكل أساسي مصالحها الوطنية. لذلك، ترتبط التغييرات في الهوية الوطنية للدولة بالعوامل المادية والفكرية، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر أو اعتبار أحدهما أكثر أهمية من الآخر. لذا تسعى القوى الصاعدة إلى تقييم هويتها في المجتمع الدولي، وبالتالي فهي حريصة بشكل خاص على سمعتها الدولية وصورتها في المجتمع الدولي. 

يُعد مفهوم هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إستراتيجية جديدة لدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية التي تواكب العصر الجديد. وهذه الهوية تتطلب إثراء وتطوير مفهوم العمل الدبلوماسي على أساس تلخيص التجارب العملية، بحيث يتبنى العمل الدبلوماسي لبكين خصائص صينية مميزة. وتعزيز مسار السلام والتنمية والتعاون المربح للجانبين، وتنسيق المواقف المحلية والدولية، والتنمية والأمن، وفهم الخط الرئيسي المتمثل في الالتزام بالتنمية السلمية، وتعزيز التجديد الوطني، وحماية المصالح الجوهرية والاساسية للصين، وخلق بيئة دولية أكثر ملاءمة للتنمية السلمية، والحافظ على فترة الفرص الإستراتيجية المهمة لتنمية الصين، وتوفير قوة قوية لتحقيق "الهدفان المئويان" والحلم الصيني بالنهضة الكبرى للأمة الصينية. فهوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تجمع بين العوامل المادية (المصالح الوطنية والقوة الوطنية) وتبني مفاهيم جديدة لتعزيز العوامل الفكرية.

حيث تسعى الأهداف الإستراتيجية الوطنية للصين إلى تحقيق التوازن بين التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية الداخلية والخارجية، وحماية المصالح والمواطنين في الخارج، وضمان التنمية المحلية المستدامة، والمشاركة في شؤون الأمن العالمي لخلق بيئة سلمية. وترتبط المصالح الأساسية للصين بمصالح التنمية، وهي العوامل الرئيسية التي تحدد القوة الوطنية الشاملة للدولة. فالتنمية تعني الرفاه الاقتصادي، وهو الهدف الرئيسي لصناع السياسة في الصين لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي. والإستراتيجية الوطنية للصين هي إستراتيجية دبلوماسية وتنموية، والدبلوماسية تخدم تنمية الصين. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تحقيق إستراتيجية التنمية بدون الأمن.

فعلى سبيل المثال، تُعد المصالح الأمنية الخارجية الصينية أيضا جزءا من المصالح الوطنية الأساسية أو الحيوية للصين لحماية أمن مراكز العمليات التجارية الإستراتيجية، والتي لا تقتصر على حدود سيادة الدولة، بل تمتد وتتشابك ضمن نطاق جغرافي. وبالتالي، مشاركة بكين في قضايا الشؤون الأمنية العالمية يحمي مصالحها الاقتصادية ومواطنيها بالخارج، ويعزز سمعتها كقوة مسؤولة في المجتمع الدولي. كما تضمن العوامل الفكرية (الأيديولوجية)، لمفهوم هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية على أيديولوجية "العالم للجمهور" في الثقافة التقليدية للأمة الصينية، وتتوافق مع النداء العالمي للدعوة إلى تحقيق السلام للحضارة الإنسانية، وأيديولوجية " العدالة والمصالح" التي تعد سمة ممتازة في الثقافة التقليدية للأمة الصينية. ونجد الإشارة إلى هذا المفهوم في الخطابات الرسمية للصين منذ قدوم الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة. فعلى سبيل المثال، في 28 نوفمبر 2014، قال شي جين بينغ في خطابه بالمؤتمر المركزي حول العمل المتعلق بالشؤون الخارجية: "يجب أن تتمتع الصين بخصائصها الخاصة لدبلوماسية الدولة الكبيرة". وفي 5 مارس 2016، في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني، تمت الإشارة إلى "مفهوم دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية" بوضوح في تقرير عمل الحكومة لأول مرة. كما أكد التقرير على مواصلة رفع راية السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، وممارسة مفهوم دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية، وحماية السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية. وفي 18 أكتوبر 2017، أشار تقرير شي جين بينغ في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني إلى: "أن الصين ستلتزم بهدف السياسة الخارجية المتمثل في حفظ السلم العالمي وتعزيز التنمية المشتركة: تطوير التعاون الودي بثبات مع الدول الأخرى على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتعزيز دلالات دبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية."

كما أطلقت أيديولوجية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية مفاهيم جديدة مثل نموذج السلام التنموي وبناء نظام دولي جديد، ومجتمع المصير المشترك للبشرية، وتجديد شباب الأمة الصينية، والتنمية المشتركة، والمنفعة المتبادلة وشراكة الإستراتيجية الشاملة وغيرها. ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، ظهرت خطابات القوة المسؤولة وأكدت على مبدأ عدم التدخل بالتزامن مع تغيرات القوة الوطنية للصين، والمصالح الوطنية والمجتمع الدولي. وسعت هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لتعزيز العوامل الفكرية بما يتماشى مع دورها المتصور في السياسة العالمية وحماية مصالحها في الخارج. على سبيل المثال، ألقى شي خطابا رئيسيا في الأمم المتحدة بعنوان "العمل معا لتشكيل شراكة جديدة للتعاون المربح للجانبين وخلق مجتمع المصير المشترك للبشرية"، والذي تم تكريسه في قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وشدد على أن الثقافة الصينية تدعو إلى السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وهي قيم مشتركة للبشرية جمعاء وأهداف عليا للأمم المتحدة. كما دعا إلى الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبناء نوع جديد من العلاقات الدولية يتسم بالتعاون المربح للجانبين. وأطلقت الصين دعوة إلى إصلاح النظام الدولي ووضعت نهجا جديدا في سياساتها تجاه العمليات التشغيلية لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يقوم على نموذج السلام التنموي ويعزز مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول". فكل هذه المفاهيم والخطابات للرئيس شي جين بينغ تؤكد على أن أفكاره حول الدبلوماسية جزءا مهما من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد. وهو إنجاز نظري رئيسي في مجال الدبلوماسية لأفكار اللجنة المركزية للحزب حول الحكم والإدارة.

أهداف الدبلوماسية الصينية لتشكيل هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

خلال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، أشار وزير خارجية الصين وانغ يي إلى أنه منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر، كانت هناك ثلاث خصائص مميزة للدبلوماسية ذات الخصائص الصينية: "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت إلى العصر الجديد، واستوعب الاتجاه التاريخي، واقترح أفكارا جديدة." على سبيل المثال، بناء الحوار وليس المواجهة، وإقامة شراكة وليس تحالفات، ونوع جديد من العلاقات الدولية وهو "الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون المربح للجانبين، وأوضح بأن هذا المسار الجديد في العلاقات الدولية يهدف إلى التخلي عن القانون التقليدي للغابة حيث يكون المتنمر القوي ضعيفا، ويقوم على أسس التقاليد الرائعة للدبلوماسية الصينية التي ترى بأن جميع الدول، كبيرها وصغيرها، متساوية ومتفوقة.

وتتخلص أهداف هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في التالي:

أولا، تركيز العمل الدبلوماسي على حماية المصالح الحيوية للصين، والتي تتمثل في المحافظة على سلطة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وتعزيز القيادة المركزية والموحدة للحزب للشؤون الخارجية والالتزام بالمصالح الحيوية الوطنية باعتبارها الأساس لحماية السيادة الوطنية والأمن القومي؛

ثانيا، تركيز العمل الدبلوماسي على اتخاذ الأفكار الدبلوماسية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية كمرشد، والتي تتضمن تبني رؤية عالمية وطموح استراتيجي أوسع، وتعزيز بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يخدم مصالح الصين الحيوية والأساسية، وتعزيز المفاهيم الأيديولوجية الجديدة في الحقبة الجديدة (وهي بناء مجتمع المصير المشترك، الحلم الصيني بتجديد شباب الأمة الصينية، التنمية السلمية والسلام التنموي والمنفعة المتبادلة)، توسيع شبكة الشراكة العالمية (شراكة إستراتيجية شاملة) ودائرة الأصدقاء والتعاون الأوسع لتحقيق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة من خلال تعزيز مبادرة "الحزام والطريق"، وتعزيز القوة الناعمة من خلال نشر حكايات عن الحزب الشيوعي الصيني ومفاهيم الثقافة الصينية القديمة والحديثة وحكايات عن الشعب الصيني. على سبيل المثال، خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، أكد شي جين بينغ على أن الحزب سيصبح دائما الجوهر الرئيسي لقضية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، ومن الضروري سرد ​​قصة الحزب الشيوعي الصيني للعالم بشكل أكبر، وتعزيز التأثير الدولي للحزب بشكل فعال، ونشر التجارب الناجحة في الحكم والإدارة للحزب على نطاق واسع؛

ثالثا، تعزيز القوة المادية للصين في الخارج لحماية مصالحها الخارجية والمصالح المشتركة للبشرية جمعاء، وإظهار هوية الدولة الكبرى المسؤولة عن المحافظة على السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة. فمهمة العمل الدبلوماسي للصين في الحقبة الجديدة هو تنفيذ مفهوم الأمن القومي الشامل، وتعزيز ثقة الشعب في مسار ونظرية ونظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، للمحافظة على استقرار البلاد على المدى الطويل. لان التنمية والأمن لا ينفصلان، فهما يتطلبان المشاركة في الحوكمة العالمية والشؤون المتعددة الأطراف بنشاط، وابراز القوة المادية للصين. فتعزيز السلام الدولي وخلق بيئة دولية مستقرة يساهم في دفع الإصلاح والتنمية المحلية وضمان التنمية المستدامة والاستقرار الداخلي. وتحقيق أهداف "المئويتين" الكفاحية لدفع النهضة العظيمة للأمة الصينية، والذي يتطلب الاستقرار العام للبيئة الدولية والاهتمام بالتحديات المعقدة التي يواجهها الأمن الدولي، والفهم الشامل للاتجاه العام للتقدم المتسارع للتعددية القطبية العالمية، والتغيرات العميقة للعلاقات بين الدول الكبرى، وتعميق التعاون مع الدولة النامية التي تعتبر حليفة طبيعة للصين في الشؤون الدولية؛

رابعا، العمل الدبلوماسي من خلال السعي وراء تطوير المؤسسات الدبلوماسية، وبناء قيادات دبلوماسية مؤهلة سياسيا وأيديولوجيا لإتقان الأعمال الأيديولوجية والسياسية، والإلمام التام بنظريات الحزب وخطواته ومبادئه وسياساته، والالتزام الصارم بالانضباط السياسي والقواعد السياسة للحزب، فالسلطة الدبلوماسية هي للجنة المركزية للحزب التي تمارس القيادة المركزية والموحدة للأعمال الدبلوماسية. وتحقيق هذا عن طريق التخطيط الموحد تحت القيادة المركزية والموحدة للجنة الأعمال الخارجية للجنة المركزية للحزب، ومتابعة الأعمال الرئيسية لدوائر الشؤون الخارجية والإشراف عليها بشكل جيد ومنظم لضمان دفع إصلاح نظام والية الأعمال الخارجية وتطبيق قرارات وترتيبات الأعمال الخارجية للجنة المركزية للحزب بفاعلية. فإصلاح نظام وآلية العمل الدبلوماسي مطلب متأصل لدفع تحديث نظام الحوكمة في الصين، وتعزيز بناء الحزب للمؤسسات الدبلوماسية، وتشكيل نظام إدارة للمؤسسات الدبلوماسية يلبي متطلبات العصر الجديد؛

ثانيا، إنجازات العمل الدبلوماسي لتعزيز هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية

لقد تمكن العمل الدبلوماسي في السنوات الأخيرة من تحقيق نجاحات وإنجازات جديدة تعزز هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. فقد نجح في عقد فعاليات دبلوماسية كبرى مثل المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي، وقمة تشينغداو لمنظمة شانغهاي للتعاون، وقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي. قام الرئيس شي جين بينغ وقادة آخرون بزيارة العديد من البلدان وحضروا الأحداث الكبرى مثل اجتماع القادة الاقتصاديين لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، وقمة قادة مجموعة العشرين، واجتماع قادة البريكس، وقمة منتدى "آسيا-أوروبا"، واجتماعات القادة بشأن التعاون في شرق آسيا.

أقامت الصين شبكة شراكات عالمية لتهيئة بيئة دولية مواتية لدعم تنميتها الإستراتيجية والمحلية الوطنية والتنمية العالمية المشتركة. وفتحت مبادرة الحزام والطريق فصلاً جديدا للانفتاح والتعاون والمنفعة المتبادلة، وتعزيز العوامل المادية والفكرية التي خلقت وضعا جديدا لهوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. شاركت الصين بنشاط وإيجابية في الشؤون العالمية لمعالجة التهديدات والتحديات للأمن التقليدي وغير التقليدي في العالم، وحماية مصالحها في الخارج وتعزيز صورتها الدولية كدولة كبيرة، وتهيئة بيئة دولية سلمية لمواصلة التنمية المستدامة للصين. وأطلقت مفاهيم جديدة مثل "مجتمع المصير المشترك"، لتغيير مفاهيم النظام الدولي الحالي، وتقديم نموذج عادل ومعقول يدعو إلى مكافحة التصحر والوئام والتعاون المربح والتنمية المرتبطة بالسلام، والتي تُعد جزء لا يتجزأ من الصفات الأخلاقية للثقافة الصينية التقليدية التي تدعو إلى السلام والوئام والتعاون وترفض التوسع والحرب

تنبت الصين مسار التنمية السلمية في معالجة الاضطرابات والصراعات الإقليمية والدولية، يحمل أفكارا منهجية حول السلام والتعايش السلمي والتنمية المشتركة واحترام مسار الدول في اختيار نهج التنمية الخاص بها. فعدلت الصين سياستها تجاه عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وبدأت في زيادة في بعثات حفظ السلام الدولية، وظهر دورها المؤثر في مناقشات تطوير العمليات التنفيذية وتغيير قواعد وسياسات عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي تعبر جميعها عن تحملها لمسؤولياتها في الأمن الدولي. وجميع توجهات الصين تتركز على دعم السياسات التي تركز على الدولة واحترام السيادة. وأصبحت الصين ثاني أكبر مساهم في ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام وأكبر مساهم بقوات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. كما تبنت بكين نهج "الحذر والاختيار" الأكثر مرونة من خلال نموذجها "السلام التنموي" الذي يفضى إلى التنمية والاستقرار الداخلي واحترام سيادة الدول. على سبيل المثال، تم دمج مفهوم بناء "مجتمع المصير المشترك" لأول مرة في قرار الأمم المتحدة بشأن التنمية الأفريقية في فبراير 2017.

ففي أفريقيا، نشرت بكين وحدات حفظ السلام في مناطق الصراع في مناطق مختلفة من القارة. وتنوعت مهام قوات حفظ السلام الصينية في القارة، بما في ذلك وحدات الهندسة والنقل والوحدات الطبية وقوات المشاة الصينية. كما وضعت الصين قواعد لإجراءات التشغيل المعيارية لبعض وحداتها. على سبيل المثال، بدأت الخدمة الطبية في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وفقا لإجراءات التشغيل القياسية التي وضعتها الوحدة الصينية في مارس 2017. وفي الوقت نفسه، رحب عدد كبير من الحكومات الأفريقية بالدعم الصيني والجهود المبذولة في بناء وتطوير البنية التحتية الإلكترونية، واستخدام تقنيتها للتحكم في المعلومات ومراقبتها. وفي "منتدى حول التعاون الإعلامي بين الصين وأفريقيا" في يونيو 2016، وضعت الصين ودول أفريقية خطة تعاون مستقبلية لتشكيل الخطابات الإعلامية عبر الإنترنت في البلدان الأفريقية لزيادة تأثيرها في الساحة الدولية لتقديم دعم إيجابي لكلا الجانبين لتحقيق التنمية المشتركة. منذ عام 2016، حافظت الصين على تصوراتها وتجاربها بشأن التنمية المتعلقة بالأمن في اجتماعات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. على سبيل المثال، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل 2016، دعا نائب وزير الخارجية لي باودونغ إلى ربط أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 بأهداف السياسة الأمنية الأوسع. وشاركت الصين بنشاط في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي شهدت تغييرات ملحوظة على المستويين العملي والمنهجي. وشملت التغييرات الأكثر أهمية المبادئ التقليدية للأمم المتحدة، مثل حماية المدنيين، واستخدام القوة، ومسؤولية الحماية، مع التأكيد على الدور الرئيسي للمنظمات الإقليمية في تعزيز الأمن الإقليمي.

أدركت الصين من خلال مصالحها الخارجية المتنامية أهمية زيادة الوعي بأن عدم الاستقرار في الخارج يمكن أن يضر بعدم الاستقرار في الداخل وأن الأزمات في البلدان الأفريقية قد تهدد بشكل مباشر استثمارات الصين وواردات الموارد التي تخدم تنميتها المحلية. فشاركت قوات حفظ السلام الصينية بنشاط وإيجابية في بناء الطرق والجسور والمستشفيات ومعسكرات الحماية المدنية والكثير من البنية التحتية، وتحسين البيئة المعيشية للبلد المضيف.

تحدد المصالح الوطنية للصين هويتها، وهويتها الوطنية هي العامل الأساسي في تحديد سلوك سياستها الخارجية. إن "الحلم الصيني"، وهو بناء دولة اشتراكية حديثة وقوية بحلول عام 2035، والتحديث هو أساس التجديد العظيم للأمة الصينية في العصر الجديد. بمجرد أن تصبح الصين دولة اشتراكية حديثة ومزدهرة وقوية، يمكن تحويل وضعها في النظام الدولي من متلقي سلبي للمعايير الدولية إلى مشارك وقائد في وضع المعايير الدولية.

يحتاج فهم هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد إلى دراسة جذورها في الثقافة التقليدية الصينية. حيث ترتبط خطابات شي جين بينغ الرسمية دائما بالثقافة الصينية التقليدية التي تضمن السلام والوئام والمنفعة المتبادلة والتعاون المتبادل. وتجمع بكين بين تنميتها والتنمية المشتركة للبلدان النامية، ليس فقط من خلال تقديم المساعدة دون أي شروط سياسية، ولكن أيضا من خلال توسيع نطاق التنمية من خلال المنظمات متعددة الأطراف، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومنظمة شانغهاي للتعاون، ومبادرة الحزام والطريق.

والجدير بالذكر أيضا أن مشاركة الصين المتزايد في قضايا الأمن العالمي ترتبط بإستراتيجية فهم الاتجاه العام للتبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة، وأيضا الانتباه إلى حقيقة أن الأيديولوجيات والثقافات المختلفة تربط بعضها البعض. مع تجنب الضياع في الفوضى الدولية العديدة والمتغيرة باستمرار، وتحليل مختلف الظواهر الدولية بهدوء وبما يتوافق مع فترة التقارب التاريخي لتحقيق "هدفي الذكرى المئوية" للصين، وإبراز المكانة الدولية للصين ودورها في تطور الهيكل العالمي. فالتطورات التي تمر بها الصين منذ العصر الحديث، والتحديات والتحولات العميقة التي يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، هما متشابكان ومضطران في وقت واحد. لذا تتطلب دائما العمل بشكل جيد ووضع خطط شاملة للشؤون الخارجية ودفعها إلى الأمام.

وعلى مستوى تطوير العمل الدبلوماسي، منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، بدأت القيادة المركزية والموحدة للجنة المركزية للحزب في تعزيز مجال الحماية القنصلية، والتنسيق الشامل للإدارات المختلفة، وتعزز بناء قدرات وآليات وأساليب والموارد المتاحة لأعمال الحماية القنصلية بشكل متنوع ومستمر. منذ عام 2012، واصلت الحماية القنصلية الصينية بشكل عام نموذج الحماية القنصلية الحالي، واستكشفت بناء نظام حماية قنصلية بخصائص صينية في الممارسة العملية مع السفارات والقنصليات المتمركزة في الخارج باعتبارها الهيئة الرئيسية، والتنسيق بين الحكومات وبين الوزارات كضامن، ومع الشركات والقوات العسكرية والمدنية كقوات تكميلية مهمة، وتبنت بناء نظام حماية قنصلية ثلاثي الأبعاد ومتعدد الأبعاد (بناء حماية المصالح الخارجية ونظام الإنذار المبكر والوقاية من المخاطر، وتحسين آلية عمل الحماية القنصلية) الذي يهدف إلى تعزيز تغيير هيكل الحماية القنصلية.

كما أطلقت الحكومة الصينية آلية استجابة للطوارئ "خمسة في واحد" تشمل المراكز المركزية والمحلية والسفارات والقنصليات في الخارج والشركات والأفراد. تم إجلاء العديد من المواطنين الصينيين بأمان من المناطق الخطرة والمضطربة. وفي عام 2015، أقر الاجتماع الخامس عشر للجنة الدائمة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب "قانون الأمن القومي لجمهورية الصين الشعبية"، الذي أدرج الحماية القنصلية الخارجية كمهمة مهمة للمحافظة على الأمن القومي. في مارس 2018، أصدرت وزارة الخارجية "لوائح جمهورية الصين الشعبية بشأن الحماية القنصلية وأعمال المساعدة (مسودة)"، والتي أوضحت بشكل أكبر مسؤوليات الحكومة وحقوق والتزامات المواطنين.

وأصبح أول تشريع خاص للصين يستهدف سلامة المواطنين الصينيين والشركات الصينية في الخارج. لقد أدى إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" إلى بداية مرحلة جديدة في توسيع مصالح الصين الخارجية، كما تم الارتقاء بالحماية القنصلية الصينية إلى مستوى استراتيجي غير مسبوق. بعد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، قامت الصين بتصميم رفيع المستوى لدبلوماسية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والتأكيد على التزام الحماية القنصلية الصينية بمبدأ "دبلوماسية من أجل الشعب" و"مجتمع المصير المشترك للبشرية".

ونختم بالقول إن هوية الدولة الكبيرة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي وراثة وتطوير السياسة الصين الخارجية الجديدة المتسقة مع متطلبات العصر الجديد. تنتهج الصين بحزم سياسة خارجية مستقلة للسلام، وتحترم حق شعوب جميع البلدان في اختيار مسارات التنمية الخاصة بها، وتعارض فرض إرادتها على الآخرين، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والبلطجة على الضعفاء، وتنفيذ التفكير الدبلوماسي الاشتراكي بخصائص صينية في العصر الجديد بشكل كامل، وتهيئة الظروف لخلق ظروف خارجية مواتية لتحقيق الحلم الصيني بتجديد شباب الأمة الصينية وتعزيز بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، والالتزام بحماية مصالحها الحيوية والأساسية. فالصين لن تتخلى عن حقوقها ومصالحها المشروعة، فهي تنتهج سياسة دفاعية وطنية قوية. ولا تشكل تنمية الصين خطرا على أي دولة، فبغض النظر عن المدى الذي تطورت فيه الصين، فإنها لن تسعى أبدا إلى الهيمنة ولن تنخرط في التوسع.

 

--

هند المحلي سلطان، مدرس بكلية الاقتصاد والتجارة الدولية- الجامعة المصرية- الصينية، ومسؤول وحدة الدراسات الآسيوية بمركز رع بالقاهرة.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4