أخبار < الرئيسية

المجلد الثالث لكتاب الرئيس الصيني شي جين بينغ "حول الحكم والإدارة"

قراءة حول المنجزات الجديدة للثقافة الصينية

: مشاركة
2022-12-19 12:01:00 الصين اليوم:Source أ.د. حسن رجب:Author

يأتي المجلد الثالث لكتاب الزعيم الصيني شي جين بينغ "حول الحكم والإدارة" كامتداد فكري للمجلد الأول والثاني، حيث يحمل هذا المجلد بين دفتيه تسعة عشر فصلا تضم كلمات، وأحاديث، وخطابات الرئيس شي جين بينغ التي ألقاها في الفترة ما بين 18 أكتوبر 2017 حتى 13 يناير 2020، وذلك في 652 صفحة.

ويشتمل المجلد الثالث على خطابات الرئيس شي جين بينغ التي تعتبر وثائق تاريخية تعكس رؤية الصين في العصر الجديد، وأفكار شي جين بينغ التي يتبناها تجاه السياسة الداخلية للصين، وقضايا العالم الخارجي.

وفي مقالي هذا سألقي الضوء على المنجزات الجديدة للثقافة الصينية في عهد الرئيس شي جين بينغ كرؤية تحليلة لباحث مهتم بالشأن الصيني بصفة عامة، والثقافة الصينية بصفة خاصة.

وعندما نذكر أفكار شي جين بينغ لا بد لنا أن نتطرق إلى الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والتي تبلور أفكار الرئيس شي جين بينغ في حُكم الصين وإدارتها، حتى أنها أُطلق عليها الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد للرئيس شي جين بينغ، والتي تتضمن شتى المجالات حتى أنها تشتمل على كل النواحي الثقافية، والحضارية، والإنسانية، وذلك لأن الثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي نتاج للثقافة الصينية التقليدية التي تكمن في طيات التاريخ الحضاري للصين والذي يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام منصهرة في بوتقة الثقافة الثورية، والثقافة الاشتراكية خلال مسيرة الثورة الصينية ضاربة جذورها في تربة الممارسات العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية انطلاقا من واقع الصين المعاصرة وفقا لمبدأ "دع مائة زهرة تتفتح ومائة عالم يتبارى".

شي جين بينغ و"الثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية"

يهتم الرئيس شي جين بينغ اهتماما كبيرا بترسيخ، وإحياء الثقافة الصينية التقليدية باعتبارها أساس الثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهذا واضح وضوح الشمس للخبراء الذين يقومون بتحليل مضامين خطاباته، وكلماته، ويتبلور ذلك في النقاط التالية:

1- أن الرئيس شي جين بينغ دائما ما يدعو الشعب الصيني إلى التمسك بالثقافة الصينية التقليدية في معظم خطاباته، مؤكدا على أن الثقافة الصينية هي جذور الأمة، وأن التاريخ، والواقع أثبتا أن الأمة الصينية لديها إبداع ثقافي قوي، وإسهامات ثقافية مهمة أفادت كل شعوب العالم. ومن وجهة نظره أن الثقافة هي روح كل أمة، وكل دولة، وفي هذا الجانب قال شي جين بينغ: "لا بقاء لدولة، وأمة من دون الروح" (كلمة ألقاها الرئيس شي جين بينغ أثناء حضور اجتماع المناقشة المشتركة لوفود الأوساط الثقافية والفنية في الدورة الثانية للمجلس الوطني الثالث عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.)

والروح التي يقصدها الزعيم شي جين بينغ هُنا هي الثقافة، وذلك انطلاقا من أن الثقافة هي روح أي دولة وأمة، فتنهض الدولة كلما نهضت ثقافتها، وتقوى الأمة كلما قويت ثقافتها، وإن لم تكن للأمة الصينية ثقة تامة في ثقافتها، لما شهدت ازدهارا ثقافيا تحقق خلال نهضتها العظيمة.

ويُشير الرئيس شي جين بينغ هُنا إلى أن الثقافة هي القوة الناعمة الثقافية للصين، من أجل تحقيق حُلم النهضة للأمة الصينية، وبالتالي فهذا الأمر يتطلب تدشين أساس متين لهذه القوة من خلال نشر الثقافة، والقيم الصينية المعاصرة، وإظهار الثقافة الصينية على مستوى الدولة.

2- وإذا نظرنا إلى الخطاب الصيني في العصر الجديد، سنجد أنه يحمل ملامح الثقافة الصينية التقليدية في الكثير من السياقات. فسواء كانت خطابات شي جين بينغ موجهة إلى الشعب الصيني في إطار السياسة الداخلية، أو موجهة إلى العالم كدبلوماسية دولية، لا يخلو أي خطاب له من الأقوال المأثورة المقتبسة من الفكر الصيني القديم، والكلاسيكيات الصينية مثل: كتاب ))محاورات كونفوشيوس((، وكتاب ))الطقوس((، وغيرها من الأعمال الكلاسيكية.

3- ونجد الرئيس شي جين بينغ يُركز في خطاباته على إحياء الملامح الفكرية لفكر الطاو، والكونفوشية، ويعتبر أنها هي الأساس الذي قامت عليه الثقافة الصينية، وهي جذور الفكر الصيني، ففي الأجزاء الثلاثة لكتاب ))حول الحُكم والإدارة(( لشي جين بينغ نجد أنه في معظم الخطابات يستخدم مصطلحات، وكلمات تعكس المذاهب الفكرية الصينية التقليدية، وهذا يعكس تمسكه بالحفاظ على الهوية الثقافية للصين.

4- إن تمسُك شي جين بينغ بالفكر الصيني التقليدي واضحا في السياسة الداخلية والخارجية للصين، فالسياسة الداخلية للصين تقوم على الفكر الفلسفي الحكيم الذي يحترم رغبات الشعب في الحكم والإدارة، وهو "التركيز على الشعب"، وهو مبدأ مقتبس من الفكر الصيني القديم من خلال اتخاذ الشعب كمحور لإدارة البلاد.

5- إن مزج الدبلوماسية الصينية الجديدة مع الثقافة الصينية التقليدية هو خُطوة في غاية الذكاء، وهو أمر واضح في المبادرات الصينية في القرن الحادي والعشرين، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، فمثلا تبنى الرئيس شي قول "الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة" هو دعوة إلى الاقتصاد الأخضر، والتنمية الخضراء، والاستفادة من الموارد الطبيعية باعتبارها كنز عظيم، ومزج التطور العلمي والتكنولوجي مع الطبيعة أيضا هو انعكاس لمبدأ "انسجام الإنسان مع الطبيعة"، والذي دعت إليه المذاهب الفكرية الصينية مثل: الطاوية، والكونفوشية.   

6- ونجد أن كل هذه الأقوال تبلورت في عدة أعمال للرئيس الصيني شي جين بينغ مثل: كتاب ((اقتباسات شي جين بينغ)) الذي نُشر على جزئين، وغيره من الكتب التي تجمع كل الأقوال المأثورة التي يقتبسها الرئيس الصيني في خطاباته.

7- قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ للثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية شرحا وافيا خلال الكلمة التي ألقاها في الجلسة الكاملة الأولى للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في 25 أكتوبر 2017، حيث قال الرئيس شي: "إن أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد وبرنامجها الشامل الأساسي ليست هابطة من السماء، ولا مختلقة من منظور ذاتي، بل هي نظرية يستقصيها جميع أعضاء الحزب وأبناء الشعب بمختلف قومياتهم، وبلورة لحكمة يبتدعونها، ويخلقونها منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب، وذلك على أساس تعزيز الابتكار في النظرية والممارسة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وخاصة منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج. إن شجرة الحياة ستظل خضراء."

ومما سبق يتضح أن طريق التنمية التي سلكته الصين هو طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأن هذا الطريق كان اختيارا تاريخيا وسعيا بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 خلال ما يقرب من 40 عاما في الإصلاح، والانفتاح حيث شهدت الصين خلالها تغييرات هائلة وعميقة جعلتها تتربع على عرش ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

8- ثقافة المفهوم "المشترك": 

العيش المشترك، أو المصير المشترك هو مفهوم متجذر في الثقافة الصينية منذ آلاف السنين الضاربة في جذور التاريخ، وذلك استلهاما من القول الصيني المأثور "عندما تسود مبادئ الحق يكون العالم ملجأ لجميع البشر" (خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماع الدورة السبعين للأمم المتحدة 28 سبتمبر 2018.)

وهذا ما تبتغيه  الصين من خلال مفهوم العيش المشترك والذي أطلقه الحزب الشيوعي الصيني، وتبناه الرئيس شي جين بينغ منذ بداية توليه الحكم كدعوة مقدمة من الصين للبشرية جمعاء بحكم العيش على أرض واحدة وهي دعوة صينية لوعي، واستنهاض العالم من أجل إقامة شراكة متكافئة، تقوم على الفهم المتبادل، وإنشاء نظام عالمي يتسم بالعدالة، والإنصاف، والمشاركة، والتسامح، والمنفعة المتبادلة، والكسب المشترك من خلال تعزيز التبادل بين الحضارات، والثقافات من خلال التوافق، والتسامح، مع وجود الاختلاف، وهو ما يعتبر استنباط لمفهوم الثقافة الكونفوشية في قول كونفوشيوس في كتاب ((المحاورات)): "نختلف لكن كُلنا واحد"، وتطوير هذا المفهوم لينعكس في مبادرة الصين "بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية"، ومبادرة "الحزام والطريق" كمشروع عظيم  للتقارب والتعاون بين الشعوب بحكم أننا نعيش جميعا على كوكب واحد تتلاشى فيه الحدود الوطنية في حالة الأزمات، والكوارث، وتجمعنا القيم الإنسانية. وهذا ظهر جليا خلال أزمة جائحة كورونا التي ضربت العالم أجمع منذ عامين، وأثبتت صحة رؤية الصين، ومنهاج الثقافة الصينية في التصدي للجائحة ليس في الصين فقط، بل ومساعدة كل دول العالم على مواجهة الوباء، وكل هذا لن يأتي إلا بالمسئولية المشتركة بين كافة الشعوب. وهذه هي الرؤية الثقافية الصينية في ثوبها الجديد.

وامتدادا للمجلدين الأول والثاني للكتاب، يتميز المجلد الثالث بكثير من الاستعارات والتشبيهات البلاغية والأقوال والأفكار المستمدة من الأعمال الكلاسيكية في الأدب والثقافة الصينية، ينهل منها شي جين بينغ لشرح رؤاه، وبيان أفكاره. فأثناء ترأسه الدراسة الاجتماعية الثانية عشرة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في 25 يناير 2019 قال الرئيس شي: يعلم الجميع من خلال سجلات التاريخ أن كتاب "ليوي شي تشون تشيو" (حوليات الربيع والخريف) جاء فيه أن الإمبراطور نصَّب طبلا كبيرا خارج البلاط الإمبراطوري وبعده أقام الإمبراطور شون خشبة كبيرة خارج البلاد يمكن لمن لديه اقتراح أو شكوى أن يدق الطبلة أو الخشبة، والهدف من هذا الطبل هو تشجيع عامة الناس على إبداء آرائهم لجمع الرأي العام.

ومُجمل القول بأن المجلد الثالث لكتاب الرئيس شي جين بينغ "حول الحكم والإدارة" هو مجلد فكري وثقافي صيني يحمل بين دفتيه رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ كمفكر وأديب بارع، وقائد موسوعي المعرفة والثقافة، يعرف كيف يسوس الناس بالحزم، والحسم، ويتميز بالحكمة والحنكة، والخبرة الكبيرة في إدارة البلاد وحُكمها، والوصول إلى العالمية.

ونهاية قولي إن الثقافة التقليدية المترسخة في الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد هي انعكاس للسلام، والود، والمنفعة المتبادلة التي تتبناها الصين الآن مع دول العالم أجمع، والتي تهدف إلى نشر مبادئ التسامح، والتشارك، والبناء، وتعود بالخير والمنفعة على كل شعوب العالم.

--

أ.د. حسن رجب، أستاذ الدراسات الصينية وعميد كلية الألسن ومدير معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس- مصر.

 

 

   

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4