أخبار < الرئيسية

معجزة القضاء على الفقر في الصين

: مشاركة
2022-12-19 12:03:00 الصين اليوم:Source كمال جاب الله:Author

سوف يسجل التاريخ الإنساني- بأحرف من نور- أن جمهورية الصين الشعبية تمكنت- لأول مرة في تاريخها- من القضاء على الفقر. الصين التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة، أي ما يقرب من خمس سكان العالم، تغلبت على الصعوبات وحققت نصرا كاملا في الموعد المحدد- 2020- في مكافحتها للفقر، وهي خطوة حاسمة لتحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة.

لأسباب عديدة، تمثل مكافحة الفقر عنصرا جوهريا في فكر الرئيس شي جين بينغ، واللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وفي القلب منها السيد شي، ويمكن رصد ذلك بوضوح في المجلد الثالث لكتاب ((شي جبين بينغ: حول الحكم والإدارة)).

في شهر نوفمبر عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ- لأول مرة عند زيارته مقاطعة هونان بجنوبي الصين- نظرية "مكافحة الفقر بشكل دقيق" والتي أشار فيها إلى وضع مخطط خاص لكل فقير نظرا لاختلاف الحالات المعيشية للأفراد من أجل التخلص من الفقر بشكل تام.

في الخامس والعشرين من فبراير 2021، أعلن الرئيس شي أن الصين حققت "انتصارا كاملا" في معركتها ضد الفقر، وقال إنه تم القضاء على الفقر المدقع في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.

خلال كلمته للدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني لوضع خطة التنمية الصينية من عام 2016 وحتى عام 2020، أي الخطة الخمسية الثالثة عشرة، قال الرئيس شى: "إزالة الفقر في المناطق الريفية هو التحدي الأصعب في بناء مجتمع الحياة الرغيدة." وأضاف: "إذا اتخذت الحكومة إجراءات ملموسة وفعالة، ستتمكن الصين من انتشال عشرة ملايين شخص من الفقر سنويا من 2016 وحتى 2020." وأوضح: "سيشمل نظام التأمين الاجتماعي العشرين مليون فقير المتبقين غير الملائمين للعمل وسيحصلون على مساعدات مالية لضمان أن يعيشوا فوق خط الفقر."

 قصة نجاح الصين في مجال الحد من الفقر، وفلسفتها المرتكزة على الشعب، واتباع إستراتيجيات محددة، ومشاركتها التعاون الدولي، تناولها كاتب هذه الورقة في ثلاثة كتب، صدرت بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للصين، في أعوام 2019 و2020 و2021، على التوالي.

في الكتاب الأول بعنوان "70 عاما من المعجزات"، تناولت العديد من الإنجازات التي حققتها الصين منذ الإعلان عن قيام جمهورية الصين الشعبية، في الأول من أكتوبر عام 1949، وخصصت مساحة بالكتاب لما أسميته بـ"وصفة سهلة للوقاية من الفقر والإرهاب."

في الكتاب الثاني بعنوان "دولة محترمة ومسالمة"، الصادر في أول أكتوبر 2020، وتحت عنوان "دروس مستفادة للقضاء على الفيروس والفقر"، كتبت، نصا: "تجربة بكين في الانتصار على كوفيد- 19، سبقتها تجربة صينية رائدة في القضاء على الفقر." قلت أيضا: "هذه التجربة الرائدة في القضاء على الفقر في الصين، رأيتها بعيني، وتحديدا، في محافظات كاشغر وخوتان وأورومتشي."

 في كتابي الثالث بعنوان "علامات استرشادية لشراكة إستراتيجية"، الصادر في الأول من أكتوبر 2021، وتحت عنوان "عن شينجيانغ والحزب الشيوعي الصيني"، أشرت إلى انعتاق ما يزيد على ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف مواطن صيني في شينجيانغ من براثن الفقر، واختفاء دائرة الفقر تماما في جميع محافظات المنطقة، ضمن خطة الدولة الصينية الشاملة للقضاء على الفقر. أصبحت منطقة شينجيانغ محطة مهمة على خريطة مبادرة الحزام والطريق وبوابة للصين على آسيا الوسطى والعالم الغربي.

أولوية وهدف دولي مشترك

في السادس من شهر إبريل عام 2021، أصدر مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني، كتابا أبيض بعنوان "التخفيف من الفقر: تجربة الصين ومساهمتها"، جاء فيه أن سكان الصين يشكلون ما يقرب من خمس سكان العالم، وقد حقق قضاؤها التام على الفقر المدقع مساهمة مهمة لقضية التخفيف من حدة الفقر في العالم. يشرح الكتاب كيف قضت أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان على الفقر المدقع في الداخل وتعاونت مع بقية العالم لمعالجة واحدة من أكثر التحديات صعوبة في تاريخ البشرية. 

ذكر الكتاب أن القضاء على الفقر أولوية وهدف مشترك للمجتمع الدولي، وعلى مدى عقود، حققت دول في جميع أنحاء العالم، عبر جهود مشتركة دؤوبة، إنجازات ملحوظة في انتشال الشعوب من براثن الفقر وتحسين ظروفهم المعيشية. 

مع ذلك، ووسط التحديات المختلطة لكوفيد- 19 المستعر، والاقتصاد العالمي المترنح، فضلا عن الكوارث المناخية في جميع أنحاء العالم، كان البنك الدولي قد قدر أن نحو 150 مليون شخص ربما انزلقوا إلى براثن الفقر المدقع بنهاية عام 2021. 

في ظل هذه الظروف، تغلبت الصين على الصعوبات وحققت نصرا كاملا في الموعد المحدد في مكافحتها للفقر، وهي خطوة حاسمة وراسخة في الحملة العالمية لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. 

أكد الكتاب أنه ليس من السهل تكرار تجربة الصين وممارستها في مجال الحد من الفقر لأن لكل دولة ظروفها الخاصة، ولكن يمكن دراسة وتعلم بعض عناصر قصة النجاح، مثل الفلسفة المرتكزة على الشعب والإستراتيجيات المناسبة والمشاركة العميقة في التعاون العالمي. 

وأشار الكتاب الأبيض إلى أن الحكومة الصينية تضع دائما الشعب في المقام الأول عند وضع السياسات وتنفيذها، وحتى التفشي المفاجئ لمرض كورونا لم يهز تصميمها أو يعطل الجهود المتضافرة لمكافحة الفقر. ويعكس الانتصار التاريخي الذي تحقق بشق الأنفس، التزام بكين الواضح تجاه شعبها بعدم ترك أي فرد أو منطقة فقيرة وراء الركب على طريق التنمية. 

في حرب مكافحة الفقر، اتبعت الصين سلسلة من الأساليب المناسبة لظروفها الخاصة، وأفسحت الطريق كاملا أمام ميزة منهجية، وقدرتها على تعبئة موارد اجتماعية واقتصادية هائلة وجمع الحكمة ونقاط القوة للتعامل مع القضايا الحرجة. في ظل القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني، أُنشئت شبكة واسعة النطاق للتخفيف من حدة الفقر، مع مشاركة حكومات مركزية ومحلية وجميع الدوائر والصناعات والشركات، وعملها- معا- بشكل كامل لتحقيق الهدف المنشود. 

على الصعيد العالمي، شاركت الصين بنشاط، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم وداعية مخلصة لقضية الحد من الفقر العالمي، في التعاون العالمي والعمل مع الشركاء في جميع أنحاء العالم لتحقيق التنمية والمنافع على الصعيد المشترك، لا سيما في أفريقيا وغيرها من الدول النامية، من خلال آليات مختلفة مثل مبادرة الحزام والطريق. حسب الكتاب، ستدعم الصين تخفيف الفقر الدولي وتحقق مساهمة أكبر في بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك وخال من الفقر ويتمتع بالازدهار العام. 

منجزات عظيمة للأمة الصينية

 الدورة الكاملة السادسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني التي عقدت في بكين خلال الفترة ما بين يومي 8 و11 نوفمبر 2021، أكدت في بيان صادر عنها، أن الأمة الصينية كسبت معركة التغلب على المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر في الموعد المحدد، وتحسين ضمان معيشة الشعب بشكل فعال، وإبقاء الوضع العام الاجتماعي مستقرا. أوضحت الدورة الكاملة- وفقا للبيان- المغزى التاريخي للكفاح الذي خاضه الحزب الشيوعي الصيني لمدة مائة عام، مؤكدة، نصا: "لقد غيّر كفاح الحزب الممتد لمائة عام بشكل جذري مستقبل ومصير الشعب الصيني، وتخلص الشعب الصيني تماما من معاناته من الظلم والاضطهاد والاستعباد، وأصبح سيدا للدولة والمجتمع ولمصير نفسه، وتحولت تطلعاته لحياة سعيدة إلى حقائق واقعية باستمرار؛ وقد شق كفاح الحزب الممتد لمائة عام الطريق الصائب لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، وتمكنت الصين خلال عقود قليلة فقط من إكمال مسيرة التصنيع التي أمضت البلدان المتقدمة عدة قرون لإنجازها." أيضا، جاء في البيان: "قاد الحزب الشيوعي الصيني أبناء الشعب في الاعتماد على النفس وخوض النضال الشاق لتقوية البلاد، فسجل منجزات عظيمة في الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي، مما حقق أوسع تغيير اجتماعي وأعمقه في تاريخ الأمة الصينية، وحقق قفزة عظيمة دخل فيها بلد شرقي شاسع المساحة وفقير متخلف وكثير السكان إلى المجتمع الاشتراكي بخطوات واسعة، وبُني نظام صناعي مستقل ومتكامل نسبيا ونظام اقتصادي، وشهدت ظروف الإنتاج الزراعي تغيرا ملحوظا، وشهدت قضايا التربية والتعليم والعلوم والثقافة والصحة والرياضة تطورا ملموسا، وشهدت قوة جيش التحرير الشعبي ازديادا وارتقاء، ووُضع حدٌ نهائي لدبلوماسية الذل والإهانة التي عانت منها الصين القديمة." 

تعهد مهيب للحزب الشيوعي الصيني

كان التقرير الذي قدمه الرئيس شي جين بينغ للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 18 أكتوبر 2017، أكد أنه تم تحقيق تقدم حاسم في معركة حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر، مشيرا إلى أنه تم تخليص أكثر من 60 مليونا من السكان الفقراء من الفقر بصورة مستقرة، وخفض نسبة حدوث الفقر من 2ر10% إلى ما دون 4%.

 تضمن المجلد الثالث حول الحكم والإدارة للرئيس شي شرحا تفصيليا للتقرير، بخصوص العزم على كسب معركة حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر، مؤكدا أن إدخال السكان الفقراء والمناطق الفقيرة إلى مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل مع سائر البلاد هو تعهد مهيب للحزب الشيوعي الصيني. 

جاء في التقرير نصا: "يتعين علينا تعبئة قوى كل الحزب والبلاد والمجتمع والتمسك بتنفيذ البرنامج الدقيق لمساعدة من يعانون من الفقر وتخليصهم منه وبآلية العمل المتمثلة في التخطيط الشامل من الحكومة المركزية وتحميل المقاطعات المسؤولية العامة وإلزام المدن والمحافظات بالتنفيذ، كما يجب علينا توطيد نظام المسؤولية المتمثل في تحميل المسؤولين الأوائل بالدوائر الحزبية والحكومية المسؤولية العامة، والمثابرة على نمط الحملة الكبرى لمساعدة الفقراء والاهتمام بالجمع بين مساعدتهم على التخلص من الفقر ومساعدتهم على إذكاء همتهم وإظهار ذكائهم، وتعميق التعاون بين المناطق الشرقية والغربية في أعمال مساعدة الفقراء، وتركيز الجهود على إتمام مهمات تخليص المناطق الفقيرة للغاية من الفقر، وضمان تخليص السكان الفقراء الريفيين من الفقر، وإزالة وصمة الفقر عن كل المحافظات الفقيرة وتسوية مشكلة الفقر الكلي بغية التخلص من الفقر الواقعي والتخلص الحقيقي من الفقر بحلول عام 2020 حسب المعيار القائم في بلادنا."

فصل جديد في تاريخ مكافحة الفقر

أيضا، وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس شي جين بينغ في ندوة حول كسب معركة حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر بشكل دقيق وهادف، بتاريخ 12 فبراير عام 2018، تحدث عن تسجيل فصل جديد في تاريخ مكافحة البشرية للفقر، قائلا:

أولا: تم تحقيق أفضل نتيجة في تاريخ الصين لتخفيف حدة الفقر. انخفض عدد الفقراء في الأرياف وفق المعايير الوطنية الحالية من 99ر98 مليون شخص في نهاية عام 2012 إلى 46ر30 مليون شخص في نهاية عام 2017، وذلك يعني أن العدد التراكمي للذين تم تخليصهم من الفقر بلغ 53ر68 مليون شخص في السنوات الخمس الماضية، ووصلت نسبة التخلص من الفقر إلى نحو 70%، وانخفض معدل حدوث الفقر من 2ر10% في نهاية عام 2012 إلى 1ر3% في نهاية عام 2017، أي بانخفاض قدره 1ر7 نقاط مئوية، وبلغ المتوسط السنوي لعدد الأشخاص الفقراء الذين تخلصوا من الفقر 7ر13 مليون شخص، أي ما يعادل 14ر2 ضعف متوسط التخلص السنوي من الفقر في فترة تنفيذ "خطة التغلب على المشكلات المستعصية لتخليص 80 مليون نسمة من الفقر في سبع سنوات" من عام 1994 إلى عام 2000، وتم تخفيض عدد المحافظات الفقيرة لأول مرة، حيث تم محو وصمة المحافظة الفقيرة عن 28 محافظة فقيرة في عام 2016.

ثانيا: تم تعزيز التنمية المتسارعة في المناطق الفقيرة، لقد عززنا تخفيف حدة الفقر بتنمية الصناعات، فتسارعت تنمية الصناعات المتميزة والمتفوقة في المناطق الفقيرة والأشكال الجديدة مثل تخفيف حدة الفقر بتنمية السياحة وبتنمية الطاقة الكهروضوئية وبتنمية التجارة الإلكترونية، مما عزز الحيوية والقوة المحركة المتأصلة للتنمية في المناطق الفقيرة.

ثالثا: تم تشكيل القوة الحاشدة العظيمة لمشاركة المجتمع بأسره في تخفيف حدة الفقر. نتمسك بأن تكون المدخلات الحكومية قواما رئيسيا وأن يكون لها الدور الرئيسي، وندفع بعمق التعاون بين المناطق الشرقية والغربية، وتقديم الأجهزة الحزبية والحكومية المساعدة المستهدفة، وتقديم الجيش وقوات الشرطة المسلحة المساعدة، ومشاركة القوى الاجتماعية في تخفيف حدة الفقر. وخلال التعاون بين المناطق الشرقية والغربية في تخفيف حدة الفقر، ساعدت 342 محافظة متقدمة اقتصاديا بالمناطق الشرقية 570 محافظة فقيرة في المناطق الغربية بأسلوب إقامة علاقة التوأمة، مما عزز حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر، والتنمية الإقليمية المتناسقة في المناطق الغربية.

رابعا: تم إنشاء المنظومة المؤسسية -ذات الخصائص الصينية- لحل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر. لقد عززنا قيادة الحزب الشاملة لأعمال حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر، وأنشأنا منظومة المسؤوليات المتصفة بأن تتحمل كل جهة مسؤوليتها وتؤدي واجباتها، ومنظومة العمل لتحديد حالة الفقر بشكل دقيق وهادف والقضاء على الفقر بشكل دقيق وهادف، ومنظومة السياسات المتسمة بالارتباط بين المستوى الأعلى والمستوى الأدنى والتنسيق الموحد، ومنظومة المدخلات الهادفة لضمان الأموال وتعزيز الموارد البشرية، ومنظومة المساعدة في أن تتناسب الإجراءات مع الظروف المحلية وتنفذ السياسات وفقا للأحوال الواقعية للقرى والأسر والأفراد، ومنظومة التعبئة الاجتماعية المتصفة بالمشاركة الواسعة النطاق وحشد القوى لحل المشكلات المستعصية، ومنظومة المراقبة ذات القنوات والجهات المتعددة، ومنظومة الاختبار والتقييم الأكثر صرامة، وكل ذلك يوفر ضمانا مؤسسيا لحل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر.

إستراتيجية للنهوض بالريف

في الوقت نفسه، وعند رئاسته للجلسة الجماعية الثامنة للمكتب السياسي للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 21 سبتمبر عام 2018، قال الرئيس شي جين بينغ: "كسب معركة حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر مهمة ذات أولوية في إستراتيجية النهوض بالمناطق الريفية. ومركز ثقل أعمال القرى الفقيرة والمحافظات والنواحي التي تنتمي هذه القرى الفقيرة إليها هو حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر. هذا الهدف ثابت لا يتغير، ويحتاج إلى تركيز كل الاهتمامات وكل القوى. بعد إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل في عام 2020، سنقضي على الفقر المطلق، لكن الفقر النسبي سيظل قائما لفترة طويلة. بحلول ذلك الوقت، يجب تعديل التدابير الحالية الرامية إلى حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر المطلق إلى تدابير المساعدة اليومية لمواجهة الفقر النسبي، وإدماجها في الترتيبات الموحدة بموجب إطار إستراتيجية النهوض بالمناطق الريفية. يجب التخطيط لهذه المسألة مبكرا." وفي كلمة ألقاها في ندوة حول حل المشكلات البارزة لتحقيق "عدم القلق على أمرين والضمانات الثلاثة"، بتاريخ 16 إبريل عام 2019، قال الرئيس شي: "تحقيق عدم القلق على الغذاء والكساء، وضمان التعليم الإلزامي والرعاية الطبية الأساسية وسلامة المسكن للسكان الفقراء في الأرياف بشكل مستقر بحلول عام 2020، متطلبات أساسية ومؤشرات محورية لتخليص الفقراء من الفقر، ولها تأثير مباشر على جودة معركة حل المشكلات المستعصية للقضاء على الفقر."

تحقيق حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية

منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2012، وخلال العملية العظيمة لإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وتحقيق الحلم الصيني بالنهضة العظيمة للأمة الصينية، تتمسك لجنة الحزب المركزية، وقلبها شي جين بينغ، بفكرة التنمية التي تتمحور حول الشعب، وتنفذ الإستراتيجية الأساسية التي تستهدف التخفيف والقضاء على الفقر، فأصبحت أعمال الصين لتخفيف الفقر أكثر ثباتا وفعالية، وقدمت مساهمة كبيرة في قضية تخفيف الفقر بالعالم، وحققت معجزة جديدة في تطور حقوق الإنسان بالعالم.

منذ سنوات عديدة، تثابر حكومة الصين للقضاء على الفقر وتحسين معيشة الشعب وتحقيق الرخاء المشترك تدريجيا، ودفع التنمية بالريف. إن نطاق أعمال الصين لتخفيف الفقر واسع جدا، ولا يشمل إنشاء البنية التحتية الزراعية بالريف ورفع مستوى الدخل للفقراء، فحسب، بل يشمل أيضا تقديم الضمان الاجتماعي والخدمات العامة في مجالات الصحة والتعليم والثقافة وغيرها. وتضمنت إجراءات تخفيف الفقر، ما يضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفقراء بشكل شامل، وفي الوقت نفسه، تهيئ الظروف لضمان باقي حقوق الإنسان الأخرى بشكل متزايد.

إن أعمال الصين لتخفيف الفقر تعد أبرز رمز لتقدم قضية حقوق الإنسان في الصين، وفقا لكتاب أبيض، أصدره المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني بتاريخ 17 أكتوبر عام 2016، بشأن أعمال تخفيف الفقر وتقدم حقوق الإنسان. فخلال أكثر من 30 سنة منذ بدء تنفيذ الإصلاح والانفتاح، تخلص أكثر من 700 مليون مواطن من الفقر، وانخفض عدد الفقراء الريفيين إلى 75ر55 مليون نسمة عام 2015، وانخفضت نسبة حدوث الفقر إلى 7ر5%، كما تحسنت البنية التحتية بشكل ملحوظ، وشهد مستوى ضمان الخدمات العامة الأساسية ارتفاعا مطردا، وخطا إبداع آليات تخفيف الفقر خطوة كبيرة، ما عزز بقوة تحقيق الحقوق الأساسية للفقراء، وأرسى أساسا متينا لإنجاز بناء مجتمع معتدل الرفاهية على نحو شامل.

يفيد تقرير الأهداف الإنمائية للألفية عام 2015 للأمم المتحدة، أن نسبة المعانين من الفقر المدقع في الصين، انخفضت من 61% عام 1990 إلى أدنى من 30% عام 2002، فحققت الصين الانخفاض بنصف النسبة قبل غيرها، ثم انخفضت هذه النسبة إلى 2ر4% عام 2014، وتجاوزت نسبة إسهام الصين في تخفيف الفقر بالعالم 70%. عليه، أصبحت الصين أكثر دولة بالعالم في عدد الذين تم تخليصهم من الفقر، وكذلك أول دولة بالعالم تحقق الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، وقدمت الصين مساهمة كبيرة في قضية تخفيف الفقر بالعالم، وحظيت بثناء واسع النطاق في المجتمع الدولي.

إن هذا المنجز جدير بالتسجيل في تاريخ تطور المجتمع البشري، ويمكنه أن يثبت أمام العالم بشكل كاف، تفوق قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين للقضاء على الفقر في داخلها، فإنها تدعم وتساعد بنشاط الكثير من الدول النامية للقضاء على الفقر. بعد سنوات عديدة من الاستكشاف والممارسات التطبيقية، اكتسبت الصين خبرات ناجحة في تعزيز تطور قضية حقوق الإنسان من خلال تخفيف الفقر، وشقت طريقا ذي خصائص صينية، لتخفيف الفقر ودفع التنمية.

شهادات صينية وعربية ودولية

في عام 2000، وقعت 189 دولة "بيان الألفية للأمم المتحدة" في القمة العالمية للأمم المتحدة، حيث تم تحديد الأهداف الإنمائية للألفية، ومحورها تخفيف الفقر.

في عام 2011، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، في مقابلة مع وسائل الإعلام الصينية، إن الصين هي الدولة الأولي في تحقيق أهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة، لا سيما أنها قدمت مساهمات كبيرة للعالم في تخفيف الفقر. وفقا للإحصاءات، أخرجت الصين 526 مليون نسمة من حالة الفقر بحلول عام 2010، أي 7ر75% من عدد الذين تخلصوا من الفقر في الفترة نفسها في العالم. وفي مارس عام 2015، قال بيل غيتس، رئيس مؤسسة بيل وميليندا غيتس الأمريكية، خلال مشاركته في منتدى بوآو الآسيوي، إن الصين تتمتع بوفرة من التجارب في تخفيف الفقر، ويتعين عليها أن تعمم هذه التجارب في دول إفريقيا والدول الآسيوية الأخرى. مع قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ -بشكل شخصي- جهود تخفيف حدة الفقر، شنت الكوادر المحلية حربا شاملة ضد الفقر. وقاموا بتحديد عدد الأسر الفقيرة على خرائط ووضعوا حلولا للتعاطي مع مشكلة الفقر، وقدموا تعهدات مكتوبة بإنجاز العمل إلى سكرتارية اللجان المحلية للحزب الشيوعي الصيني. 

قفزة غير مسبوقة

 في 20 يناير عام 2020، صرح رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بأن التقدم الذي حققته الصين باتجاه القضاء على الفقر غير مسبوق، مؤكدا أن جهودها لتعزيز التعددية يجب أن تتبناها جميع الدول الأعضاء في المجتمع العالمي من أجل التنمية المشتركة. وقال بورج براندي، وهو سياسي ودبلوماسي نرويجي محنك، في مقابلة مع وكالة شينخوا، إن "الأهداف طموحة جدا، والهدف العام لذلك هو القضاء على كل الفقر المدقع بحلول عام 2030"، والذي سجلت الصين فيه رقما مثيرا للإعجاب.

قال بورج براندي: "منذ عقود، شهدنا انتشال المزيد من الناس من براثن الفقر المدقع في الصين، ربما 800 مليون شخص، ولم نر أبدا عدد الأشخاص الذين انتشلوا من براثن الفقر المدقع من قبل في تاريخ البشرية، إنه إنجاز عظيم للصين." واستطرد: أنه بالرغم من أن الصين تتطور بسرعة كبيرة، هناك بعض المناطق الفقيرة ما زالت موجودة في البلاد مما يجعل النمو الاقتصادي للدولة أكثر تعقيدا، "لذلك يتعين على الصين أن تستمر في النمو... النمو يحتاج الآن إلى عناية أكبر بالمياه النظيفة والهواء النقي. ويتعين عليها أيضا أن تخلق فرص عمل إضافية في سلسلة القيمة." وأضاف: "سيكون من المثير للاهتمام أن نتابع تقدم الصين وكيف ستستمر في تحقيق الازدهار لسكانها مع تحقيق التوازن مع الطبيعة والشمول."

مرحلة جديدة من التنمية

في 8 ديسمبر عام 2020، صرح الاقتصادي الشهير والمؤلف الأكثر مبيعا، جيفري ساكس، بأن القضاء على الفقر المدقع في الصين هو "إنجاز تاريخي عظيم"، يجلب الأمل ويقدم الدروس للبلدان الفقيرة في العالم. أضاف ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، في مقابلة مع شينخوا: "هذه أخبار رائعة. إنه إنجاز تاريخي عظيم. لقد فعلت الصين الكثير للحد من الفقر المدقع، خلال فترة زمنية قصيرة، أكثر من أية دولة أخرى في التاريخ."

في ظل وباء كوفيد- 19، لم تؤجل القيادة الصينية هدف القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2020، بل اتخذت إجراءات قوية لاحتواء انتشار الفيروس واستمرت في مكافحة الفقر، وفقا لساكس الذي هو أيضا أحد كبار مستشاري الأمم المتحدة. وأوضح قائلا: "بدلا من تأجيل الهدف، قالت الصين إننا بحاجة إلى وقف الفيروس. وأعتقد أن هذه كانت الإستراتيجية الصحيحة، ولا أحد يعرف ما إذا كان يمكن القيام بذلك، لكن الصين أظهرت أنه يمكن القيام بذلك." وقال ساكس: "إذا نظرنا إلى الوراء، فقد تبنت الصين مجموعة متنوعة من إستراتيجيات التخفيف من حدة الفقر في فترات مختلفة، وإن الإستراتيجية الشاملة التي بدأت بحوالي عام 1980 كانت لتعزيز تنمية اقتصادية واسعة النطاق."

في إشارته إلى أن الإصلاح والانفتاح أمران حاسمان، قال ساكس: "الصين حققت نموا عالي السرعة خلال العقود الماضية، وهو استثنائي." وأضاف: "ذلك إنجاز رائع، وهو الجزء الأساسي في القضاء على الفقر."

وقال: "ثم وجّهت الحكومة الموارد للتنمية البشرية، لا سيما التعليم والرعاية الصحية والتغذية اللائقة، ما أدى إلى سكان أكثر صحة وتعليما وإنتاجية." لأن المناطق الساحلية نمت بشكل أسرع من المناطق الداخلية، وجهت الصين الاهتمام إلى المناطق المتأخرة نسبيا وطرحت برامج خاصة لمعالجة هذه القضية، وفقا لقوله.

أكد ساكس: "لقد تعرفت على العديد من المقاطعات في غرب الصين، على الأقل كزائر، ورأيت أن هناك إصرارا من قبل المسؤولين المحليين ومسؤولي المناطق ومسؤولي البلديات، على جلب أعمال تجارية جديدة ووظائف جديدة وبنية تحتية جديدة. وكان ذلك أمرا رائعا جدا." بتصميم وخطط واضحة وسليمة واستثمارات في البنية التحتية، أصبحت المنطقة الداخلية مصدرا جديدا للنمو الاقتصادي.

خلال السنوات الأخيرة، ومع انخفاض معدل الفقر، وجهت الحكومة الصينية الاهتمام إلى أسر فردية لمعالجة المشكلات الخاصة بكل أسرة. أوضح قائلا: "هناك إستراتيجية تعمل على عدة مستويات"، و"إنه تقدم هائل في الرفاهية وهو أيضا إطار عمل قوي جدا." ورغم تنوع الظروف في مختلف البلدان، لكن جهود الصين لتخفيف حدة الفقر، توفر دروسا قيّمة للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم.

أضاف: "هناك الكثير من الدروس حول التنمية طويلة الأمد، تأتي من تجربة الصين خلال السنوات الـ40 الماضية."

سوق داعمة للفقراء

ولدت معجزة الحد من الفقر مجالا جديدا للدراسة، وفقا لتقرير بعنوان "دراسات صينية للتخفيف من حدة الفقر: منظور الاقتصاد السياسي" والذي أصدرته، بتاريخ 28 فبراير 2012، مؤسسة نيو تشاينا ريسيرش، وهي مركز أبحاث تابع لوكالة أنباء شينخوا. التقرير، الذي يعتمد على خطابات الرئيس الصيني شي جين بينغ حول التخفيف من حدة الفقر باعتبارها الأسس الأيديولوجية والنظرية، يحل شفرة "معادلة الانتصار" في مكافحة الفقر في الصين، ويستكشف الأساس المنطقي لهذه المعركة ويناقش آثارها العالمية.

نقل التقرير عن شي قوله: "بناء على ظروفنا الوطنية واتباع قانون الحد من الفقر، تبنت الصين سلسلة من السياسات والتدابير غير العادية وأنشأت مجموعة كاملة من الأنظمة التي تغطي السياسات والعمل والمؤسسات، وشقّت طريقا للحد من الفقر ووضعت نظرية مكافحة الفقر بخصائص صينية."

على مدى السنوات الثماني الماضية، تم انتشال 99ر98 مليون فرد من سكان الريف الفقراء في الصين من براثن الفقر المدقع. حققت الدولة هدف القضاء على الفقر المحدد في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 للأمم المتحدة قبل عشر سنوات من الموعد المحدد. لفت التقرير إلى أن الحد من الفقر في الصين يعرض نظرية الاقتصاد السياسي القائم على التوزيع التي أفضت إلى الحد من الفقر وإلى التنمية، حيث تهدف هذه النظرية إلى الحفاظ على هدف الرخاء الوطني المشترك من خلال بناء "سوق مؤيدة للفقراء" تعمل فيه الحكومة والسوق والمجتمع بشكل مشترك لتحرير إنتاجية الفقراء وجعلهم مساهمين في النمو. اختتم التقرير بقوله: "الصين، استنادا إلى خبرتها الخاصة وأفكارها النظرية في الحد من الفقر، ترد الجميل للقضية الإنسانية المتمثلة في إنهاء الفقر وتقدم مرجعا جديدا للدول والمناطق الأخرى."

مصدر إلهام للعالم والمنطقة العربية

في يوم 20 سبتمبر 2018، ذكرت خبيرة بارزة بالأمم المتحدة أن إستراتيجية الصين الدقيقة للحد من الفقر تعد مصدر إلهام حيث يعد الأطفال الأشد تضررا من "الفقر متعدد الأبعاد" في العالم.

قالت سابينا ألكير مديرة مبادرة أكسفورد بشأن الفقر والتنمية البشرية إن عملية مكافحة الفقر التي تقودها الحكومة الصينية تعد مثالا جيدا ليحتذي به العالم النامي، حيث أن مكافحة الفقر في الصين تتم على أساس المكافحة من قرية إلى قرية ومن بيت إلى بيت ومن منطقة إلى منطقة، ما يجعل الحد من الفقر في البلاد أكثر كفاءة.

إن مكافحة الفقر في الصين لا تعد محط إشادة المجتمع الدولي فحسب، وإنما تقدم خبرات قيمة لبعض الدول العربية التي تتشابه مع الصين في الظروف الوطنية. في هذا الصدد، ذكر محللون صينيون أن مصر على سبيل مثال تبذل جهودها الحثيثة لتخفيض الفقر في البلاد مع وضع جدول شامل للقضاء على الفقر المطلق في عام 2030 وفقا لخطتها للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030" كونها دولة متشابهة الظروف مع الصين.

ختاما، أرى أن النهج الذي اتبعته جمهورية الصين الشعبية في مكافحة الفقر، بإرشاد من فكر الرئيس شي جين بينغ، كما يبين المجلد الثالث لكتاب ((شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة))، يمثل إضافة ثرية ونبراسا للعديد من بلدان العالم للخروج من دائرة الفقر والسير على طريق التنمية.

--

الأستاذ كمال جاب الله، كاتب صحفي كبير وخبير في الشؤون الآسيوية، ومدير تحرير جريدة ((الأهرام)) الأسبق- مصر.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4