في العديد من الفعاليات الدولية، قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤيته للحوكمة العالمية، وذلك في ظل ما يواجهه النظام القائم من تحديات متنوعة جعلته أكثر انحيازا ويغلب عليه عدم الإنصاف وغياب العدالة بشكل أضر بدول الجنوب بشكل كبير، اقتصاديا وتنمويا وبيئيا وغير ذلك. ومن ذلك فالنظام المالي العالمي القائم وما يشهده من هيمنة للدولار الأمريكي كان له تأثيرات متزايدة على الاقتصادات الناشئة بشكل أثر على استقلاليتها الاقتصادية.
والرؤية الصينية للحوكمة العالمية هي رؤية شاملة لا تقتصر على المجال الاقتصادي أو السياسي فحسب، وهي ليست فكرة نظرية فهي رؤية ذات جانب تطبيقي نابعة من جملة من التحديات المتزايدة التي واجهها العالم خلال العقود الأخيرة والتي أوضحت كم المشكلات التي يُعانيها النظام العالمي القائم بشقيه المالي والسياسي، على مستوى السياسات والمؤسسات، والتي دفعت الصين لطرح رؤية أكثر تعبيرا عن مصالح الجنوب العالمي.
ويستند هذا النظام للحوكمة العالمية- وفقا للرؤية الصينية وكما طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى ثلاثة أبعاد؛ مفهوم للعلاقات الدولية يقوم على الاحترام المتبادل، وتنمية اقتصادية أكبر على المستوى العالمي، والتأكيد على أهمية التعددية مع مركزية دور الأمم المتحدة. وفي إطار الأبعاد الثلاثة هناك مجموعة من الجوانب للحوكمة العالمية اقتصادية وبيئية وصحية وأمنية وذلك على النحو التالي:
- العمل على إقامة نمط جديد للعلاقات الدولية: تنطلق الرؤية الصينية من أنه في ظل ما يُعانيه النظام الدولي من مشكلات عدة، فهذا يتطلب إعادة تنظيم العلاقات الدولية بما يضمن مصالح كافة الأطراف ودون تغليب مصلحة طرف على طرف آخر، مع التأكيد على رفض لعبة المحصلة الصفرية، وبدلا من ذلك التركيز على الحوار وخلق مجالات أوسع للتعاون بدلا من التنافس.
"إن فكرة اللعبة الصفرية والفائز يأخذ كل شيء ليست من فلسفة الشعب الصيني. تتمسك الصين بثبات بالسياسة الخارجية السلمية المستقلة، وتعمل على تسوية الخلافات عبر الحوار بحل النزاعات عبر المفاوضات، وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع دول العالم بنشاط على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، في 25 يناير 2021.)
- أهمية النظام الدولي القائم على قواعد القانون الدولي، والتنظيم الدولي الذي مركزه هو الأمم المتحدة واحترام تعددية الأطراف: تؤكد الصين على الدور المحوري للأمم المتحدة كمركز للنظام العالمي في تحقيق السلام في مناطق العالم المختلفة، وفي هذا السياق تدعو الصين إلى إصلاح الأمم المتحدة لتكون أكثر تعبيرا عن أصوات ومصالح الدول النامية مع أهمية أن تراعي في عملها التوازن بين الأمن والتنمية وحقوق الإنسان. وبذلك تدعو الصين لما تُطالب به العديد من دول الجنوب في ضمان العدالة والإنصاف في التعبير عن أصواتها والآليات العادلة لحماية وتعزيز مصالحها.
"يجب على الأمم المتحدة أن ترفع راية تعددية الأطراف الأصلية عاليا، وأن تكون منصة محورية تعمل عليها دول العالم على حماية الأمن العالمي وتقاسم نتائج التنمية وتقرير مصير العالم بشكل مشترك، يجب عليها أن تسعى إلى حفز استقرار النظام الدولي وزيادة التمثيل والأصوات للدول النامية الغفيرة في الشؤون الدولية.. يجب عليها تعزيز العمل المتوازن في المجالات الرئيسية الثلاثة، أي الأمن والتنمية وحقوق الإنسان". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "ترسيخ الثقة والعمل سويا على تجاوز الصعوبات العابرة وبناء عالم أجمل"، في 21 سبتمبر 2021.)
- حوكمة النظام المالي العالمي، وأهمية إحداث تغيير في القواعد المالية الحاكمة، تدعو الصين إلى ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي في ضوء ما يُعانيه من هيمنة غربية، وغياب التمثل الحقيق لدول الجنوب، مع ما تُعانيه المؤسسات المالية القائمة من ازدواجية في المعايير. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تجمع "بريكس" والذي يُنظر إليه كأحد الأدوات في سبيل حوكمة النظام المالي العالمي. بحيث تطرح "بريكس" ذاتها كصوت الجنوب العالمي والمعبر عن مصالحه لرفض الهيمنة الغربية.
أحد النجاحات المهمة لتجمع "بريكس" خلال السنوات الأخيرة تمثلت في إنشاء "بنك التنمية الجديد"؛ ويهدف البنك إلى تقديم المساعدات الفنية لمشروعات التنمية المستدامة في الدول الأعضاء، وكذلك تعزيز قدرة الدول الأعضاء على مواجهة التحديات العالمية الراهنة، والتي يأتي من ضمنها معدلات التضخم المرتفعة، عبر تمويل مشروعات عدة من بينها مشروعات البنية التحتية. فضلا عن إنشاء شبكة واسعة من الشراكات العالمية مع مؤسسات التنمية متعددة الأطراف، والبنوك الوطنية. وتعول بريكس كثيرا على "بنك التنمية الجديد" في إحداث تحوُّل في هيكل النظام المالي العالمي، خاصة أنّ عضوية البنك لا تقتصر على الدول الأعضاء في بريكس. ويبلغ رأس مال البنك نحو 50 مليار دولار أمريكي.
وفي إطار سعيها لتقليل الاعتماد على الدولار أمريكي، كجزء من هدف أوسع وهو إنشاء نظام مالي دولي متعدد الأقطاب استنادا إلى أن النظام المالي الأكثر تعددية سيكون أكثر استقرارا وإنصافا. وفي هذا السياق طُرحت مجموعة من الآليات لتقليل الاعتماد على الدولار أمريكي من بينها إيجاد عملة موحدة لدول بريكس تستخدم في تعاملاتها التجارية المتبادلة.
الرؤية الصينية للحوكمة العالمية
طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤية شاملة للحوكمة العالمية ذات أبعاد اقتصادية ومالية، سياسية وأمنية، صحية وبيئية. وذلك في ضوء تعاظم التحديات التي تواجهها الدول المختلفة، إذ أصبحت ذات طبيعة شاملة معقدة ومتشابكة. فالمشكلات البيئية والصحية أصبحت عابرة للحدود تقود للعديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، وتتطلب مواجهتها تنسيق السياسات ومسؤولية مشتركة بين الدول المختلفة. وتؤكد ذلك أزمة جائحة كوفيد- 19.
"علينا أن نتقن التفكير من خلال التحليل المقارن للدورات التاريخية الطويلة المدى من ناحية، ونراقب بعين ثاقبة التغيرات من خلال فحص الأشياء الدقيقة من ناحية أخرى، ونهيئ فرصا جديدة في ظل الأزمات، ونفتح آفاقا جديدة في ظل التغيرات، بما يحشد قوة جبارة للتغلب على الصعوبات والتحديات". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "تعزيز الثقة والمضي قدما بجرأة والعمل سويا على بناء عالم جميل في عصر ما بعد الجائحة"، في 17 يناير 2022.)
وقد روجت الصين لرؤيتها للنظام العالمي من خلال سياستها الخارجية، ودبلوماسيتها الاقتصادية، ودبلوماسيتها الثقافية، كما اعتمدت على بعض المؤسسات لتحقيق ذلك مثل بنك التنمية الجديد والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. كما تسعى الصين إلى تعزيز رؤيتها للنظام العالمي الجديد؛ من خلال الانغماس بقوة في إقامة علاقات قوية بينها وبين الدول عن طريق الاستثمارات الضخمة، ومن بينها إطلاقها لمبادرة "الحزام والطريق".
ففي الشق الاقتصادي، أكدت الرؤية الصينية على أهمية "بناء اقتصاد عالمي منفتح، وحماية النظام التجاري متعدد الأطراف مع وجود منظمة التجارة العالمية في صميمه". وفي هذا السياق تقوم الرؤية الصينية على الربط بين التنمية الاقتصادية وسعادة الشعوب، مع التأكيد على أهمية العمل من أجل إنعاش الاقتصاد وتحقيق تنمية عالمية أقوى وأكثر اخضرارا وصحة. بحيث لا تتجاهل الدول في مسارها نحو تحقيق التنمية الاقتصادية الأبعاد البيئية والصحية وغيرها وذلك لخطورة تداعياتها على البشرية.
وفي الشأن البيئي، يُعدّ التدهور البيئي أحد أبرز مصادر انعدام الأمن البشري، حيث
بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في مايو 2022 مستوى أعلى بنسبة 50% مما كان عليه خلال حقبة ما قبل الصناعة. وخلال السنوات الأخيرة تزايد تكرار موجات الجفاف والحر الشديد مما أثر على معدلات الأمن الغذائي. وخلال عام 2021 عانى 127 مليون شخص إضافي عبر العالم من درجات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي، وأدى تلوث الهواء خارج المنزل إلى وفاة 5ر1 مليون شخص. ووفقا للأمم المتحدة يموت أكثر من 7ر8 ملايين شخص في العالم بسبب تلوث الهواء كل سنة، ومن المتوقع بحلول 2050 أن تزداد الوفيات الناجمة عن سوء الأحوال الجوية بمعدل 370%.
وفي ضوء تعاظم التحديات البيئية أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في العديد من المناسبات على أهمية التمسك بالحياد الكربوني والتأكيد على أهمية التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. وتنطلق الرؤية الصينية من أهمية تحقيق التنمية الخضراء والمستدامة عبر التعايش المتناغم، مع أهمية تنفيذ اتفاق "باريس" بشأن تغير المناخ بصورة شاملة. وفي هذا السياق تؤكد الصين على أهمية مراعاة الفروق بين الدول المتقدمة والنامية فعلى الدول المتقدمة أن تراعي الصعوبات التي تعانيها الدول النامية وأن تفي بتعهداتها المتعلقة بتخفيض الانبعاثات وتقديم الدعم اللازم للدول النامية خاصة في مجال بناء القدرات والدعم التكنولوجي.
كما أكدت الصين على قيامها بالوفاء بتعهداتها في مجال البيئة والتزامها بالحياد الكربوني في عام 2060، مع التأكيد على استعداد الصين لتحمل مسؤوليات دولية بما يتوافق مع مستوى التنمية الخاصة بها. وفي هذا السياق تؤكد الرؤية الصينية على فكرة "المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة"، والمقصود بذلك أن تتحمل كل دولة المسؤولية وفقا لمستوى التنمية الذي وصلت إليه.
وفي الشأن الصحي، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أنه "من المرجح أن تتكرر حالات الطوارئ للصحة العامة مثل جائحة كوفيد- 19، فيجب تعزيز الحوكمة العالمية للصحة العامة بإلحاح". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، في 25 يناير 2021.)
وقبل جائحة كوفيد- 19، طرحت الصين رؤية مهمة تتمثل في "طريق الحرير الصحي"، ففي عام 2017 طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة "طريق الحرير الصحي"، كجزء من مبادرة "الحزام والطريق"، وذلك بهدف تحسين الصحة العامة في البلدان المشاركة في بناء "الحزام والطريق". وتشمل المبادرة نقل المستلزمات الطبية الرئيسة لضمان توفير التغطية الصحية الشاملة، بما يشمله ذلك من توافر البنية التحتية الصحية وإتاحة الأدوية والمستلزمات الطبية مع توفير العنصر البشري المتخصص في المجال الطبي، إضافة إلى تبادل الخبرات في مواجهة الأمراض. وقد هدفت الصين من المبادرة إلى تعزيز مكانتها كقوة صحية عالمية.
ومع تفشي جائحة كوفيد- 19، برزت أهمية المبادرة الصينية في التأكيد على الدور التنموي للمرات الدولية والذي يتجاوز فكرة نقل البضائع والسلع من نقطة لأخرى.
وفي المجال الأمني، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ، في العديد من المناسبات إلى ضرورة حوكمة الأمن العالمي، للوصول إلى الهدف الأهم؛ وهو أن ينعم العالم بالسلم والأمن في ظل مشهد عالمي شديد الاضطراب مع انعدام الأمن على العديد من المستويات والدوائر. وقد طرحت الصين في الحادي والعشرين من فبراير 2023، ورقة عمل فيما يخص "مبادرة الأمن العالمي". وهي مبادرة طموحة للغاية سبق أن طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في إبريل 2022 خلال منتدى بوآو السنوي. حيث دعا الرئيس الصيني إلى ضرورة التكيف مع المشهد الدولي شديد التغير من خلال التضامن، والتصدي للتحديات الأمنية شديدة التعقيد والتشابك، والقضاء على الأسباب الجذرية للنزاعات الدولية، مع تعزيز حوكمة الأمن العالمي، ودعم الجهود الدولية لتحقيق المزيد من الاستقرار الدولي، مع تعزيز السلام الدائم والتنمية في العالم. أي أن جوهر المبادرة هو تعزيز الأمن العالمي في ظل تزايد التحديات الأمنية شديدة التعقيد وذلك عبر اللجوء للآليات السلمية والمساعدة في إيجاد حلول جذرية للصراعات ووجود أطر ملائمة لحوكمة الأمن عالميا وهو الأمر الذي من شأنه المساهمة في تحقيق الاستقرار العالمي.
وقد حددت المبادرة 6 مبادئ رئيسة هي: الالتزام برؤية للأمن المشترك والشامل والتعاون المستدام، والالتزام باحترام وسيادة ووحدة أراضي جميع الدول، الالتزام بالمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، والالتزام بأخذ المخاوف الأمنية المشروعة لجميع الدول على محمل الجد، وأخيرا الالتزام بالحل السلمي للخلافات بين الدول من خلال الحوار والتشاور. وفي هذه الجزئية تحديدا أشارت الوثيقة إلى أن الحروب والعقوبات ليست حلا جوهريا للنزاعات، وأن الحوار والتشاور هما الوسيلة الأكثر فاعلية في حل الخلافات. حيث دعت الوثيقة الدول لتعزيز التواصل الإستراتيجي وتعزيز الثقة الأمنية المتبادلة وإدارة الخلافات. وأخيرا الالتزام بالحفاظ على الأمن في كل من المجالات التقليدية وغير التقليدية.
أما عن أولويات التعاون فقد أشارت الوثيقة إلى أن الطموح الصيني يتمثل في تحقيق سلام عالمي دائم بما يمكن كافة الدول من التمتع ببيئة خارجية آمنة ومستقرة. وبما يمكن شعوبها من العيش بسلام واستقرار وبناء عالم خال من الخوف ينعم بالأمن العالمي. وفي هذا السياق أشارت الوثيقة إلى أن لتحقيق هذه الرؤية فإن الصين مستعدة لإجراء تعاون أمني ثنائي ومتعدد الأطراف مع جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية في إطار المبادرة. بما يسهم في زيادة التنسيق الفعال وتقريب المصالح. كما تدعو الصين كافة الأطراف إلى الدخول في تعاون سواء كان ثنائي أو متعدد الأطراف من أجل تعزيز السلم العالمي.
وفي مجال أمن المعلومات، فقد شهد العالم خلال السنوات الماضية تطورا تكنولوجيا هائلا سمح بتدفق الأفكار وانتشارها بسرعة كبيرة داخل وعبر المجتمعات. وقد أسهم ذلك في تعزيز حرية التعبير والتواصل بين الأفراد، إلا أنه في الوقت ذاته، أصبح آلية لتأجيج الصراعات، وأصبح مجالا خصبا لممارسة أشكال مختلفة من الجرائم التي أضحت تهدد كل من أمن الأفراد واستقرار المجتمعات. وتُشير الإحصاءات إلى أنه خلال عام 2022 تعرض نحو 40% من مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم إلى جرائم إلكترونية. هذه الجرائم تتنوع في أشكالها ودرجة تأثيرها على أمن الأفراد.
هذه الجرائم لها تكلفة اقتصادية مرتفعة على الأفراد والدول، وتؤثر على مسارات التنمية في الدول مما ينعكس سلبا على احتياجات الأفراد. إذ تُشير التقديرات إلى أنه خلال عام 2023 بلغت التكلفة الاقتصادية للهجمات السيبرانية 8 تريليون دولار أمريكي، أي في المتوسط 9ر21 بليون دولار أمريكي يوميا. هذه المبالغ كان يمكن تخصيصها لأغراض تنموية تصب في مصالح الأفراد في المجتمعات المختلفة. وفقا لإحدى الدراسات، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يقل عدد العاملين بها عن 100 عامل أكثر عرضة لتلك الهجمات بمعدل ثلاث مرات أكثر مقارنة بالشركات الكبرى، وهو الأمر الذي من شأنه التأثير على العاملين بتلك الشركات والتي قد تصبح أكثر عرضة للتوقف عن العمل. وبذلك يتضح حجم التأثير الكبير للجرائم الإلكترونية على أمن الأفراد.
ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الاقتصادية للهجمات السيبرانية 5ر10 تريليونات دولار أمريكي بحلول 2025. أي في المتوسط 8ر28 بليون دولار أمريكي يوميا. بمعدل زيادة بلغ بين عامي 2023 و2025 ما نسبته 5ر31%. وبذلك يتضح حجم التطور الكبير في التأثير الاقتصادي لتلك الجرائم في وقت يُعاني فيه الاقتصاد العالمي والأمن الاقتصادي للأفراد من مشكلات عدة.
وفي هذا السياق فقد أطلقت الصين "مبادرة أمن البيانات العالمية"، وتهدف إلى بناء فضاء سيبراني سلمي وآمن ومنفتح مع ربط ذلك بالجوانب الاقتصادي عبر تعزيز التنمية السليمة للاقتصاد الرقمي.
وبذلك فقد طرحت الصين رؤية متعدد الأبعاد فيما يتعلق بالحوكمة العالمية في المجالات الاقتصادية والأمنية والصحية والبيئية وغيرها.
متطلبات مواجهة التحديات المتزايدة
رؤية القيادة الصينية فيما يخص الحوكمة العالمية ليست رؤية نظرية، فهي رؤية ذات طابع عملي وتطبيقي تؤكد أن التنفيذ يتطلب مجموعة من المتطلبات المُسبقة، إذ تؤكد الرؤية الصينية أن مُضي العالم قدما نحو الأفضل، وفي ظل التحديات المتزايدة، يتطلب مسبقا إنجاز مجموعة من المهام، في مقدمتها تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي، من خلال تضافر الجهود لتحقيق النمو القوي والمستدام المتوازن والشامل للاقتصاد العالمي. وقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في 25 يناير 2021: "نحتاج إلى النظر إلى المستقبل والتصميم على تغيير القوى المحركة والأنماط للاقتصاد العالمي وتعديل هيكلته، بما يضمن سير الاقتصاد العالمي على طريق النمو السليم والمستقر الطويل المدى."
وتستند الرؤية الصينية إلى أن إخراج الاقتصاد العالمي من أزمته وتحقيق الانتعاش الاقتصادي يتطلب تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي وهو ما يتطلب زيادة شفافية السياسات ومشاركة المعلومات وتنسيق السياسات المالية والنقدية وذلك من أجل تجنب معاناة الاقتصاد العالمي من أزمات، وهذه هي المهمة الأولى.
أما المهمة الثانية فهي رفض "التحيز الأيديولوجي"، من خلال التأكيد على الخصوصية الثقافية والحضارية لكل أمة، ورفض الادعاء بخصوصية أو أسبقية حضارة أو أيديولوجية. وحتى فيما يتعلق بالقيم السياسية فهناك خصوصية ثقافية في التطبيق، فحتى بالنسبة لقيم مثل الديمقراطية فهناك خصوصية ثقافية لكل نموذج ديمقراطي، ولا يوجد نموذج واحد قابل للتطبيق في كل الدول.
"لكل دولة ميزة في تاريخها وثقافتها ونظامها الاجتماعي، لا دولة تتفوق على دولة أخرى، إن أهم شيء هو ما إذا كان نظامها الاجتماعي يتفق مع ظروفها الوطنية، ويلاقي دعم الشعب، ويسهم في الاستقرار السياسي والتقدم الاجتماعي وتحسين مستوى الشعب وقضية تقدم البشرية". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، في 25 يناير 2021.)
وتتعلق المهمة الثالثة بتجاوز الفجوة التنموية بين الدول المتقدمة والنامية، إذ يؤكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن هناك العديد من التناقضات التي تؤثر على مسار التنمية عالميا، من بين تزايد الفجوة بين الجنوب والشمال، والهوة التكنولوجية المتزايدة، والتفاوت في مستويات التنمية، مع تزايد عدد الفقراء في العالم بشكل كبير وتزايد معدلات غياب الأمن الغذائي.
"تتزايد أوجه عدم المساواة باستمرار، ويتعين سد الفجوة بين الجنوب والشمال، وتواجه التنمية المستدامة تحديات خطيرة... يواجه الفرق في التنمية بين الجنوب والشمال مخاطر التوسع وحتى التثبت... يجب تعزيز المساواة في الحقوق والفرص والقواعد، بما يمكن شعوب العالم من تقاسم الفرص والإنجازات التنموية". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، في 25 يناير 2021.)
يُضاف إلى ذلك التأكيد رفض إساءة توظيف بعض القيم لتحقيق أهداف أخرى، ومن ذلك تأكيد الرئيس الصيني على "رفض إساءة استخدام مفهوم الأمن القومي لأغراض الحمائية".
أما المهمة الرابعة فتتمثل في التأكيد على أهمية التعاون كمطلب مسبق للمساعدة على مواجهة التحديات الكونية وإيجاد مستقبل أفضل للبشرية في ظل التحديات التي تفرضها التطورات المتلاحقة. حيث أكد الرئيس الصيني على أهمية: "العمل سويا على مواجهة التحديات الكونية وخلق مستقبل أجمل للبشرية في عصر العولمة الاقتصادية".
الضوابط والقيم الحاكمة التي سيتم العمل عليها
لضمان تنفيذ رؤيتها فيما يتعلق بالحوكمة العالمية، فقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة تبني مجموعة من القيم على المستوى العالمي، وتتمثل تلك القيم في: السلام والعدالة والإنصاف والديمقراطية والتنمية والحرية. "يمثل السلام والتنمية قضيتنا المشتركة، ويمثل الإنصاف والعدالة مثلنا العليا المشتركة، وتمثل الديمقراطية والحرية سعينا المشترك". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ في مؤتمر إحياء الذكرى السنوية الخمسين لاستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، 25 أكتوبر 2021.)
كما تم وضع مجموعة من الضوابط لضمان تنفيذ تلك الرؤية تمثلت في: التمسك بالانفتاح والشمول، الالتزام بالقانون الدولي والقواعد الدولية، والتمسك بالقيم المشتركة للبشرية، والالتزام بسيادة القانون الدولي والمحافظة على المنظومة الدولية المتمحورة حول الأمم المتحدة، والالتزام بالتشاور والتعاون بدلا من التصادم والمجابهة، ونبذ عقلية الحرب الباردة ورفض لعبة المحصلة الصفرية، مع التحرك الاستباقي في مواجهة التهديدات العالمية، وكذلك مواكبة العصر في ظل التطورات المتلاحقة. وكذلك التمسك بمفهوم "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية".
"لنعمل يدا بيد ونجعل شعلة تعددية الأطراف تُضئ طريق البشرية إلى الأمام، ونتقدم باستمرار نحو إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، وتستند الرؤية الصينية لـ"مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، على خمسة عناصر هي: التعددية، أهمية التعاون المربح للجانبين، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتنمية المشتركة، والتنمية الخضراء.
كما طرحت القيادة الصينية وفي إطار الأمم المتحدة "مبادرة للتنمية العالمية" تقوم على عدد من الضوابط تتمثل في: التمسك بإعطاء الأولوية للتنمية، والتمسك بالتمحور حول الشعوب، والتمسك بالمنفعة العامة والشمول، والتمسك بالتنمية المدفوعة بالابتكار (عبر إتاحة الفرصة التي أتاحتها الثورة العلمية والتكنولوجية والتحول الصناعي مع العمل على تسريع عملية تحويل الإنجازات العلمية والتكنولوجية إلى قوى منتجة واقعية)، والتمسك بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. وكذلك التركيز على العمل، من خلال زيادة الاستثمار في الموارد التنموية والتعاون في مجالات الحد من الفقر والأمن الغذائي وغير ذلك من المجالات.
ووفقا للرؤية الصينية فإن مواجهة التحديات المتزايدة التي يواجهها العالم يتطلب التعاون من أجل تحقيق التنمية عبر التعاون في العديد من المجالات وتشمل تخفيف حدة الفقر، والأمن الغذائي، وتمويل التنمية، وتغير المناخ، والاقتصاد الرقمي، والتصنيع، وغير ذلك بحيث يسمح التعاون الدولي في تلك المجالات في المساهمة في تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030.
ومن الضوابط التي أكدت عليها الصين لضمان تحقيق المستقبل المشترك تمثلت في أهمية التعاون الدولي في مواجهة القضايا الكونية والتحديات التي تواجه البشرية. وفي هذا السياق يربط الرئيس الصيني بين التطور في طبيعة التحديات وضرورة التعاون الدولي في المواجهة.
"في وجه النزاعات الإقليمية والإرهاب وتغير المناخ وتأمن السيبراني والأمن البيولوجي وغيرها من القضايا الكونية، لا يمكن للمجتمع الدولي مواجهتها بشكل فعال إلا من خلال تكوين حوكمة عالمية أكثر شمولًا وآليات متعددة الأطراف أكثر كفاءة وتعاون إقليمي أكثر نشاطا". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ في مؤتمر إحياء الذكرى السنوية الخمسين لاستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، 25 أكتوبر 2021.)
ومن أجل تحقيق الرؤية الصينية فيما يخص حوكمة النظام العالمي، تم التأكيد على عدد من النقاط من بينها ضرورة تبني منظور طويل الأجل، وتحسين منظومة وقواعد الحوكمة الاقتصادية العالمية، وترسيخ شبكة الأمان المالي الدولية. وكذلك صيانة النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، وإصلاح منظمة التجارة العالمية عبر تعزيز دورها في حماية حقوق الدول النامية ومسارات التنمية بها، مع ضرورة استعادة العمل الطبيعي آلية تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء.
ومن الأفكار التي طرحتها الصين في هذا الشأن هي الربط بين المحلي والدولي من خلال التأكيد على أنه لا يمكن تحقيق التنمية داخليا دون ربطها بالخارج.
"سنعمل على تطبيق الفكرة التنموية الجديدة وإنشاء نمط تنموي جديد يركز على التداول المحلي الكبير ويتميز بالتعزيز المتبادل بين التداول المزدوج المحلي والدولي، وبذل جهود مشتركة مع دول العالم في بناء عالم منفتح وشامل ونظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن السائد والازدهار المشترك". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ بعنوان "لنجعل شعلة تعددية الأطراف تضيء طريق البشرية إلى الأمام"، في 25 يناير 2021.)
كما تربط الصين التنمية الاقتصادية بالابتكار، من خلال التأكيد على الدور المحوري للابتكار والتكنولوجية في دفع وتعزيز التنمية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الدور المحوري للابتكار في التصدي للتحديات المتزايدة التي تواجه البشرية في الوقت الراهن. بما يتطلبه ذلك من أهمية إطلاق العنان للنمو المدفوع بالابتكار.
كما تم التأكيد على الدور المحوري للبنية التحتية في تحقيق التنمية، وفي هذا السياق فقد بذلك الصين جهودا مهمة فيما يخص التشارك في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، والتي أعلن عنها الرئيس الصيني عام 2013. وتهدف إلى إقامة شبكة من الطرق البرية والبحرية لربطها بمختلف مناطق العالم، حيث تركز المبادرة على البني التحتية وخاصة الموانئ والطرق، والشبكات الكهربائية، وخطوط الاتصالات، وأنابيب لنقل النفط والغاز. هذا، وقد دعت دول العالم للانضمام للمبادرة لما تحققه من فائدة مشتركة من خلال دورها في زيادة التجارة والاستثمارات المشتركة. وتنقسم المبادرة إلى مسارين إحداهما بري، يشتمل على مجموعة من الطرق البرية وخطوط السكك الحديدية لربط الصين والدول الآسيوية وأوروبا عبر ثلاثة طرق هي: الجسر البري الأوراسي الجديد، الممر الاقتصادي بين الصين وروسيا ومنغوليا، والممر الاقتصادي بين الصين ووسط وغرب آسيا. أما المسار البحري فيهدف إلى تأمين النقل البحري عبر المحيط الهندي مرورا بقناة السويس من خلال ربط وتطوير الموانئ الرئيسية على طول الطريق، ويشتمل على 3 ممرات هي الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الممر الاقتصادي بين بنجلاديش والصين والهند وميانمار، والممر الاقتصادي بين الصين وشبه الجزيرة الهندية الصينية. وبذلك تخلق الصين من خلال المبادرة واقع اقتصادي عالمي جديد حيث كل الطرق تقود إلى بكين.
وتؤكد الصين على دور هذا التعاون والتطوير في البنية التحتية على التنمية الاقتصادية في الدول المشاركة في المبادرة، وتشير الأرقام إلى أن تجارة الصين مع الدول الواقعة على مسار "الحزام والطريق" ارتفعت بنسبة 4ر19% عام 2022 مقارنة بالعام السابق، إذ وقعت الصين اتفاقيات تعاون مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية.
الدور الصيني في تنفيذ الرؤية
مع التأكيد على أن الرؤية الصينية فيما يخص الحوكمة العالمية هي رؤية ذات طبيعة عالمية بما يتطلبه ذلك من تعاون دولي أكبر في مواجهة التحديات المتزايدة، والتعبير عن مصالح الجميع، والبعد عن التحيزات، ومع ذلك فقد حددت القيادة السياسية دور محدد تقوم بتنفيذه الصين ضمن تنفيذ تلك الرؤية. ويتمثل ذلك في قيام الصين بالعديد من الجوانب تتمثل في:
- مواصلة الصين لسياسة الانفتاح القائمة على أساس المنفعة المتبادلة والكسب المشترك.
- قيام الصين بمواصلة تعزيز التنمية المستدامة والالتزام بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030. حيث تؤكد الصين على أن تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 يواجه في الوقت الراهن تحديات غير مسبوقة.
- مواصلة الصين لتعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي، وذلك لأهمية التطور العلمي والتكنولوجي في تقدم البشرية.
- تمسك الصين ببناء "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، عبر العمل على بناء عالم يسوده السلام والأمن والازدهار، والمضي قدما نحو خلق مجتمع أفضل للبشرية.
دور الشعوب في تحقيق التنمية
نجح الشعب الصيني على مدار عقود في تحقيق إنجازات مهمة في العديد من المجالات التنموية، بحيث قدم الشعب الصيني نموذجا فيما يتعلق بتطور الصين والبشرية؛ من خلال تقديم نموذج للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. عبر تطوير القوى المنتجة ورفع مستوى المعيشة لتصبح الصين ثاني أقوى اقتصاد في العالم.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في العديد من المناسبات الدولية على محورية دور الشعوب في تحقيق التنمية، والتي أطلق عليها "التنمية المتحورة حول الشعب"، وذلك استنادا لنجاح الشعب الصيني في هذا المجال، ونجاحه في التعاون مع شعوب العالم على مدار عقود مضت، مؤكدا على أهمية التضامن بين الشعوب من خلال تعاون الشعب الصيني على مدار 50 عاما مع مختلف شعوب العالم لضمان الإنصاف والعدل على المستوى الدولي. مؤكدا دعم الشعب الصيني للنضال العادل للدول النامية في سبيل سعيها لحماية مصالحها التنموية وتحقيق التنمية المشتركة. مشيرا إلى أن العالم تمكن من الحفاظ على الاستقرار كنتيجة للجهود المشتركة من قبل شعوب العالم المتضافرة.
"لا قوة دافعة للتنمية إلا بالاعتماد على الشعب، فيجب على مختلف الدول في العالم بالالتزام بالتمحور حول الشعوب.. من الضروري تعزيز قدرة الشعوب على التنمية، وتهيئة بيئة تنموية يُشارك فيها الجميع ويستفيد منها الجميع". (من كلمة الرئيس شي جين بينغ في مؤتمر إحياء الذكرى السنوية الخمسين لاستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، 25 أكتوبر 2021.)
وعلى مستوى التنظيم الدولي، أكد الرئيس الصيني على نجاح الشعب الصيني على مدار عقود في المحافظة على سلطة الأمم المتحدة والمحافظة على تعددية الأطراف مما زاد من التعاون بين الصين والأمم المتحدة، كما كان للصين دور في إرساء السلم العالمي من خلال المشاركة في قوات حفظ السلم عالميا.
وتُشير المصادر إلى أنه من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي كانت الصين الدولة الأكبر في إرسال عدد من قوات حفظ السلام، حيث شاركت في نحو 30 عملية حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، حيث شاركت بنحو 50 ألف جندي تم إرسالهم إلى 20 دولة من دول العالم. كما تعد الصين ثاني أكبر مساهم في تحمل نفقات عمليات حفظ السلام. وفي 30 يونيو 2024 كان هناك 1844 جندي صيني مشاركًا في عمليات حفظ السلام. وعلى مستوى العالم فقد جاءت الصين في الترتيب الثامن عالميا في 30 يونيو 2024 بعد كل من نيبال والهند ورواندا وبنجلاديش وباكستان وإندونيسيا وغانا.
وختاما، طرحت الصين رؤية شاملة فيما يتعلق بالحوكمة العالمية ذات أبعاد متعددة اقتصادية وسياسية وتنموية وبيئية وأمنية وذلك استنادا لما يواجهه العالم من تحديات متزايدة تتطلب تضافر كافة دول العالم، إذ تؤكد الصين على أن الإصلاح المنشود يتطلب تضافر جهود كافة دول العالم، حيث تطلب من تلك الدول الالتزام بالتعددية بما يحقق المصلحة للجميع. فهناك مجموعة من القوالب التي يجب الخروج منها، وهو ما تؤكده القيادة الصينية من خلال التركيز على الانفتاح والاندماج كبديل للانعزال وفك الارتباط، والعمل على كسر الجدار بدلا من بنائه، مع وضع قواعد فعالة ومقبولة للجميع، وتهيئة بيئة منفتحة وعادلة وغير تمييزية مواتية للتطور والابتكار العلمي والتكنولوجي.
هذه الرؤية ذات الطبيعة الإستراتيجية بحاجة للنقاش التفصيلي لكل بعد من أبعادها لتحويلها لمسارات للتطبيق بما يُسهم في التخفيف من حدة التحديات التي تواجهها دول العالم المختلفة. ويمكن لمراكز الفكر أن تقوم بدور مهم في هذا الشأن.
--
د. خديجة عرفة، باحثة سياسية من مصر.