صدرت الطبعة الأولى للمجلد الرابع لكتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة)) بعدة لغات أجنبية ومنها اللغة العربية في عام 2023، بالتعاون بين كل من دائرة الدعاية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني (مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني)، والمعهد المركزي لبحوث تاريخ الحزب ووثائقه التابع للحزب الشيوعي الصيني، والمجموعة الصينية للإعلام الدولي. وهي توثق للفترة ما بين 3 فبراير 2020 و10 مايو 2022، بما فيها 109 مقالات من الكلمات والأحاديث الخطب وتعليمات ورسائل التهنئة التي أدلى بها الرئيس شي، وذلك من خلال 21 محورا، إضافة إلى 45 صورة للرئيس شي جين بينغ. يقدم الكتاب شرحا لتطبيق الصين الفكر التنموي الجديد القائم على الابتكار والتناسق والخضرة والانفتاح والتنافع، وتحقيق مواكبة التصنيع الجديد والمعلوماتية والتحضر والتحديث الزراعي، فضلا عن تحديث منظومة حوكمة الدولة وقدرة الحوكمة، كما يشرح أيضا رؤية الصين للنظام الدولي والحوكمة العالمية. والقراءة المتفحصة لعناوين فصول المجلد الرابع التي يضمها الكتاب وما تضمنه من أفكار ومفاهيم قيّمة، تجعلنا نستنتج أن هناك ركيزتين أساسيتين يركز عليهما الرئيس شي، ليس من أجل تحقيق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة الصينية فحسب، وإنما أيضا لتحقيق الرفاه والعيش المشترك والسعادة لكافة دول وشعوب العالم.
ويُعد هذا المجلد نبراسا يجسد بشكل كامل مساهمات الحزب في تعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والتشارك في بناء عالم أفضل. وقد أجمع العديد من الباحثين والخبراء على أنه كتاب موثوق به يعكس بصورة شاملة ومنهجية، فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والذي فتح آفاقا جديدة وحقق إنجازات وقفزات جديدة.
وتُعد العلاقات المصرية- الصينية قديمة وتاريخية، من منطلق أنهما دولتان لهما حضارة، وتُعد مصر أول دولة عربية وأفريقية اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في مايو عام 1956. وقام تشو أن لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني في ديسمبر عام 1963 بزيارة مصر، وكانت أول زيارة له إلى المنطقة العربية وأفريقيا، والتي طرح فيها المبادئ الخمسة التي توجِّه علاقات الصين مع الدول العربية والأفريقية.
وانطلاقا مما سبق، وفي ظل التعاون الواضح والكبير خلال السنوات العشر الأخيرة بين مصر والصين والتي تحتفل فيها الدولتان بمرور عقد على الشراكة الإستراتيجية بينهما، يمكن لمصر الاستفادة من رؤى القيادة الصينية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز العلاقات الثنائية. وفي ضوء صدور المجلد الرابع من كتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة))، نحاول هنا اقتطاف بعض الأفكار التي برزت في هذا المجلد، مثل "التخطيط الموحد للوقاية من الوباء والسيطرة عليه وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية" و"التمسك بالتناغم بين الإنسان والطبيعة"، وغيرهما من المحاور الأخرى. وذلك بهدف استكشاف الفرص والتحديات التي تواجهها مصر وكيفة التعاون والاستفادة من التجربة الصينية، والفرص المتاحة والعمل على تذليل العوائق والتحديات.
ففي ظل التحديات العالمية التي فرضتها جائحة كوفيد- 19، وبفضل العلاقات القوية والتاريخية بين مصر والصين، قدمت الدولتان نموذجا يحتذى به في التعاون من أجل مواجهة هذه التحديات بشكل موحد وفعال. إذ تعاونت مصر والصين بشكل مثمر في مواجهة الجائحة، كما عملت الدولتان على تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال عدة مبادرات.
وقد مثّل تحقيق مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل هدفا أساسيا لكل من مصر والصين، حيث يسعى البلدان إلى تحسين مستوى المعيشة والتنمية المستدامة لشعبيهما. وقد خطت مصر والصين خطوات مهمة في هذا الإطار من خلال التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
واتصالا بذلك، يُعد الاقتصاد الرقمي محورا أساسيا لتحقيق التنمية العالية الجودة في العصر الحديث، وتعمل كل من مصر والصين على تعزيز هذا القطاع ليصبح أقوى وأفضل وأكبر حجما، وذلك من خلال تنفيذ إستراتيجيات وخطط متقدمة تدعم الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي.
وبالإضافة إلى ما سبق، تمتلك الصين تجربة رائدة في استخدام الإعلام الدولي لبناء صورة حقيقية وشاملة عن ثقافتها وإنجازاتها، ويمكن لمصر الاستفادة من هذا النموذج لتعزيز قوتها الثقافية وبناء صورة إيجابية على الساحة الدولية. وكذلك الحال فيما يتصل بتجربة الصين في مجال مراقبة الخلفيات المتعلقة بغازات الاحتباس الحراري.
كما تعمل الصين على تعظيم القيم المشتركة للبشرية وتعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية من خلال سياسات ومبادرات متعددة، حيث يمكن لمصر الاستفادة من هذه التجربة لتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق التنمية المستدامة، وتعظيم القيم المشتركة للبشرية.
وشهدت العلاقات بين مصر والصين تطورا كبيرا في العقود الأخيرة، مما أسفر عن تعاون مثمر في مختلف المجالات، بما في ذلك الحوكمة العالمية والتعددية. يلتزم كلا البلدين بتعزيز القيم المشتركة والانفتاح والشمول، مما يعزز من استقرار النظام العالمي ويحقق التنمية المستدامة.
أولا: التعاون بين مصر والصين في إطار التخطيط الموحد للوقاية من الوباء والسيطرة عليه وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
تضمن المجلد الرابع لكتاب ((شي جين بينغ... حول الحكم والإدارة)) العديد من الأفكار التي طبقتها كل من مصر والصين في سياق استجابتهما للتحدي الذي فرضته جائحة "كوفيد- 19" على الدولتين، وذلك على النحو التالي:
1- التخطيط الموحد للوقاية من الوباء والسيطرة عليه
تعاونت مصر والصين بشكل مثمر في مواجهة جائحة كوفيد- 19، حيث تعد مصر شريكا مهما للصين، ويلتزم الجانب الصيني بالعمل على تعميق الصداقة التقليدية مع مصر. وثمة تعاون إيجابي بين مصر والصين في مجال تصنيع لقاحات فيروس كورونا، تجلت أبرز ملامحه في إعلان الجانب الصيني اعتزامه إرسال وفد من الخبراء الصينين إلى مصر لمعاينة خطوط إنتاج الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاكسيرا"، بعد إشادة منظمة الصحة العالمية بجاهزيتها، وذلك تمهيدا لتوقيع اتفاقية مع شركة (سينوفاك) الصينية لتصنيع لقاحات فيروس كورونا في مصر. وقد قامت الحكومة الصينية بالدعم المستمر لمصر خلال التصدي لجائحة كوفيد- 19 وحرصت على إمدادها بدفعات من اللقاحات لمواجهة جائحة كوفيد- 19، والتي ساهمت في بدء تطعيم الفئات المستحقة من الأطقم الطبية والمواطنين من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، حيث تلقت مصر شحنات لقاحات مهداة من الصين لمواجهة جائحة كوفيد- 19. وكانت مصر قد بادرت بإرسال مواد وأدوية وكمامات إلى الصين فور ظهور الجائحة. وسنسعى هنا لإبراز مدى التعاون بين مصر والصين في هذا المجال، من خلال النقاط التالية:
أ- المساعدات الطبية: قامت الصين بإرسال مساعدات طبية إلى مصر، بما في ذلك معدات الوقاية الشخصية، والأدوية، وأجهزة التنفس الصناعي. كما تم تبادل المعلومات والخبرات بين الأطباء والعلماء من البلدين حول طرق الوقاية والعلاج.
ب- تبادل التكنولوجيا والمعرفة: استفادت مصر من الخبرات الصينية في تطبيق تقنيات التتبع والاختبار السريع للمصابين. كما شارك الخبراء الصينيون في برامج تدريبية للكوادر الطبية المصرية لتحسين إجراءات السيطرة والوقاية.
ج- إنتاج وتوزيع اللقاحات: تعاونت مصر مع الصين في إنتاج لقاحات كوفيد- 19 محليا، مما ساهم في تسريع حملة التطعيم الوطنية وزيادة الوصول إلى اللقاحات في المنطقة. كما ساهمت الاستثمارات الصينية في مشروع تصنيع الكمامات الطبية بالمنطقة الحرة بمدينة نصر بالقاهرة في مواجهة جائحة كوفيد- 19، من خلال تعزيز التعاون بين شركة Ningbo A Plus للاستيراد والتصدير الصينية وشركة Euromed المصرية لتأسيس خمسة خطوط إنتاج للكمامات في مصر، لإنتاج نحو 300 ألف كمامة في اليوم.
2- تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية
بالإضافة إلى التعاون في مجال الصحة، يسعى البلدان إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال عدة مبادرات:
أ- مشروعات البنية التحتية: تعمل الشركات الصينية على تنفيذ مشروعات بنية تحتية كبيرة في مصر، بما في ذلك بناء المدن الذكية والمناطق الصناعية، حيث تساهم هذه المشروعات في توفير فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي.
ب- التجارة والاستثمار: تم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية بين البلدين، مما يساهم في تعزيز التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات المشتركة، خاصة وأن مصر تعد بوابة للمنتجات الصينية إلى الأسواق الأفريقية، والأوروبية بينما توفر الصين فرصا كبيرة للمنتجات المصرية في السوق الآسيوية، من خلال المشاركة المصرية بمعرض الصين الدولي للاستيراد السنوي الذي تقيمه الصين، فهو يمثل نافذة مهمة لا بد من الاستفادة منها بشكل قوي.
نخلص من ذلك إلى أن التعاون بين مصر والصين في مجال التخطيط الموحد للوقاية من الوباء والسيطرة عليه، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يمثل نموذجا ناجحا للتعاون الدولي. هذا التعاون يعزز من قدرات البلدين على مواجهة التحديات المشتركة ويساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارا لشعبيهما. ومن خلال التزامهما بهذه الشراكة الإستراتيجية، يمكن لمصر والصين مواصلة تعزيز علاقاتهما وتحقيق مزيد من النجاحات في مختلف المجالات.
ثانيا: إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل:
انطلاقا من فكر شي جين بينغ حول بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، خطت مصر والصين خطوات مهمة في هذا الإطار، ولاسيما من خلال التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- التبادل التجاري المصري- الصيني: اتخذت مصر والصين العديد من الخطوات لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما على مدار السنوات العشر الأخيرة، مما أسفر عن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات لتنظيم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، منها توقيع الجانبين في يناير 2016 على مذكرة تفاهم حول التنفيذ المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، مما نتج عنه دخول العديد من المنتجات الزراعية المصرية كالتمر والبرتقال والفراولة والعنب للسوق الصينية.
وشهدت معدلات التبادل التجاري بين مصر والصين نموا كبيرا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2021 نحو 19 مليارا و970 مليون دولار أمريكي، حيث بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين نحو 18 مليارا و260 مليون دولار أمريكي في عام 2021، مقارنة بنحو 13 مليارا و643 مليون دولار أمريكي خلال عام 2020. بينما قُدرَت الصادرات المصرية إلى السوق الصينية خلال عام 2021 بنحو مليار و710 ملايين دولار أمريكي، مقارنة بـ 922 مليون دولار أمريكي خلال عام 2020، بنسبة زيادة سنوية بلغت نسبتها 85%.
حسب تقرير للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية، فإن أهم الصادرات المصرية إلى الصين هي: منتجات البرتقال والفراولة وأحجار الرخام وسبائك الألومنيوم والبولي إيثيلين. وتعتبر مصر من أولى الدول في منطقة الشرق الأوسط التي حصلت على ترخيص لتصدير المنتجات الزراعية الطازجة للصين، وثاني دول المنطقة في تصدير البرتقال إلى الصين، حيث تصل نسبته إلى نحو 20% من حجم البرتقال المعروض بالأسواق الصينية.
وتمثلت أهم الصادرات الصينية إلى مصر في: أجهزة التليفون المحمول، ولعب الأطفال، والدراجات الهوائية، والسيارات الخفيفة، والأقمشة، والحديد والصلب، ومواد البناء، والمنتجات الكيماوية، والسلع الهندسية والإلكترونية، والمنسوجات والملابس الجاهزة.
2- حجم الاستثمارات الصينية في مصر: بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر نحو 238 مليون دولار أمريكي في عام 2021، بزيادة قُدرَت بـنحو 6ر150% عن عام 2020. واحتلت مصر المرتبة الرابعة بين الدول العربية في جذب الاستثمارات الصينية خلال الفترة من 2005 حتى 2021، بنحو 8ر8 مليارات دولار أمريكي، تشكل 12% من إجمإلى الاستثمارات الصينية في الدول العربية. وقد ساهمت تلك الاستثمارات في توفير ما يقرب من 40 ألف فرصة عمل للمواطنين في مصر.
وتشير إحصاءات وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى تركز الاستثمارات الصينية في مصر في قطاع البترول بنحو 3ر46%، يليه قطاع التصنيع بنحو 5ر31%، بينما يحتل قطاع الإنشاءات المركز الأخير بنحو 8ر5% من إجمالى الاستثمارات الصينية في مصر.
وتشمل قائمة الشركات الموجودة في مصر التي قامت الشركات الصينية بالاستثمار فيها، شركة سينو ثروة للحفر، وشركة نورينكو للبترول الدولية، وشركة تيدا للاستثمار القابضة المحدودة، وشركة كونكو للتكنولوجيا. بالاضافة إلى عدد من المشروعات التي تنفذها بعض الشركات الصينية بنظام التعاقد بالأمر المباشر، ومن أبرز المشروعات الصينية الجاري تنفيذها: مشروع حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ ومنطقة تيدا للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر ومشروع القطار الكهربائي بمدينة العاشر من رمضان؛ علاوة على تمويل البنك الصيني للاستيراد والتصدير تنفيذ مشروع خط سكة حديد لربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة تصل إلى 2ر1 مليار دولار أمريكي.
ونجحت مصر والصين في دمج شبكة الطرق والموانئ المصرية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وهو الأمر الذي دفع لتطوير وتشغيل المنطقة الصناعية في العين السخنة قرب قناة السويس، وتسمى منطقة تيدا للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 34ر7 كم مربع، وتربط المنطقة مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" بالإستراتيجية المصرية لتنمية محور قناة السويس؛ وهو ما أسهم في تدفق استثمارات 160 شركة تكنولوجية جديدة تستهدف نقل صناعات تكنولوجية كبيرة من الصين إلى مصر في مجالات أجهزة المحمول، والمنسوجات، وصناعة إنتاج مراوح طواحين الهواء المستخدمة في توليد الكهرباء، وكذلك السيارات الكهربائية، فضلا عن التوسع في إنتاج الأجهزة الكهربائية.
وقد وقّعت مصر مع شركة هاتشيسون الصينية في إطار الاستثمار في المواني المصرية، مذكرة تفاهم من أجل بناء محطة حاويات في البحر المتوسط في أبو قير، والتي تمتلك القدرة على التعامل مع قرابة مليون حاوية سنويا عند الانتهاء من إنجازها في نهاية عام 2025.
علاوة على ما سبق، قامت الصين بتوفير حزمة من القروض والمساعدات المالية- تتراوح قيمتها بين 6 مليارات و8 مليارات دولار أمريكي- لتمويل تنفيذ عدة مشروعات كبرى في إقامة وتشييد البنية التحتية في مصر، من بينها: العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع خارج القاهرة، المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومناطق التجارة الحرة، والقطار الكهربائي الذي يربط بين مدينة العاشر من رمضان والعاصمة الإدارية الجديدة.
وعلى الرغم من القفزات المتواصلة التي حققتها العلاقات المتنامية بين مصر والصين، لا يزال أمامهما الكثير من المجالات أو القطاعات التي يتعين على الطرفين الاهتمام بها في الأمدين القصير والمتوسط، من أجل إنجاز المزيد من النجاح والتنمية والتقدم لشعوبهما. ومن أبرز المقترحات في هذا الشأن قيام وزارة المالية بسرعة إنهاء الإجراءات الخاصة بعملية إصدار السندات المصرية باليوان الصيني في إطار خطتها لتنويع مصادر وأدوات التمويل وجذب مستثمرين جدد وخفض تكلفة تمويل الاستثمارات التنموية، وإجراء حوار فعَّال ومستدام بين مجتمع الأعمال بالبلدين الصديقين؛ بهدف استكشاف المزيد من فرص الاستثمار في المجالات الواعدة والداعمة للتحول الأخضر، بما في ذلك الطاقة المتجددة، وأنشطة البحث العلمي، ونقل تكنولوجيا الصناعات الدوائية، والتوصل إلى اتفاق يضمن لمصر الدخول في سلاسل الإنتاج الصيني، خاصة بعد إعلان الرئيس شي جين بينغ عن نية الصين إقامة مراكز لوجستية وفروع لشركاتها الصناعية الكبرى بالمنطقتين العربية والأفريقية.
ونخلص هنا إلى أن التعاون بين مصر والصين، في إطار إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، يُعد نموذجا يحتذى به للتعاون الدولي. ومن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يمكن للبلدين تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة لشعبيهما. يمثل هذا التعاون خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا، ويعكس التزام مصر والصين ببناء عالم أفضل للجميع.
ثالثا: السير في طريق التنمية العالية الجودة بثبات.. جعل الاقتصاد الرقمي أقوى وأفضل وأكبر حجما- مقارنة بين مصر والصين:
تعمل كل من مصر والصين على تعزيز قطاع الاقتصاد الرقمي ليصبح أقوى وأفضل وأكبر حجما، وذلك من خلال تنفيذ إستراتيجيات وخطط متقدمة تدعم الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي. ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:
1- مقومات النموذج الصيني الناجع في مجال الاقتصاد الرقمي:
أ- البنية التحتية الرقمية: قامت الصين بتطوير بنية تحتية رقمية متقدمة تشمل شبكات الجيل الخامس والألياف البصرية، مما يعزز من سرعة الاتصال ويتيح توفير خدمات رقمية متطورة.
ب- الشركات التكنولوجية العملاقة: تمتلك الصين شركات تكنولوجية عالمية مثل مجموعة علي بابا وشركة تنسنت وشركة بيدو، والتي تسهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد الرقمي من خلال الابتكار وتقديم خدمات متنوعة تشمل التجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
ج- السياسات الحكومية: تدعم الحكومة الصينية الاقتصاد الرقمي من خلال سياسات وتشريعات تشجع على الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا. وتُعد خطة "صنع في الصين 2025" مثالا على الجهود المبذولة لتعزيز الابتكار التكنولوجي والقدرة التنافسية للصناعة الصينية.
د- التعليم والتدريب: تستثمر الصين في تطوير القدرات البشرية من خلال برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية والابتكارية بين الشباب.
2- إمكانيات استفادة مصر من تجربة الصين:
يمكن أن تستفيد مصر من التجربة الصينية في مجال تعزيز قطاع الاقتصاد الرقمي، من خلال العناصر الرئيسية التالية:
أ- تحسين البنية التحتية الرقمية: وهو ما شرعت فيه مصر، حيث تعمل مصر على تحسين بنيتها التحتية الرقمية، من خلال إطلاق مشروعات وخطوات قوية وثابتة لتوسيع شبكات الاتصالات وتطوير تكنولوجيا المعلومات، مثل مشروع "مصر الرقمية" الذي يهدف إلى توفير خدمات حكومية رقمية متكاملة.
ب- دعم الشركات الناشئة: حيث تسعى مصر لدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من خلال برامج حاضنات الأعمال، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم لتنمية هذه الشركات.
ج- التعليم والتدريب: تركز مصر على تطوير المهارات الرقمية للشباب من خلال إطلاق مبادرات، مثل "رواد تكنولوجيا المستقبل" التي تهدف إلى تدريب الشباب على أحدث التقنيات الرقمية وتوفير فرص تعليمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وتقوم وزارة الاتصالات المصرية بجهد واضح في هذا الأمر.
د- الشراكات الدولية: تسعى مصر لتعزيز التعاون الدولي في مجال الاقتصاد الرقمي من خلال شراكات مع الصين، مما يسهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة وتبادل الخبرات.
3- المقارنة والخطوات المشتركة:
أ- البنية التحتية الرقمية: بينما تعتبر الصين من الدول الرائدة في مجال البنية التحتية الرقمية، تعمل مصر على تحسين بنيتها التحتية من خلال مشروعات طموحة تهدف إلى توسيع وتحديث شبكات الاتصالات.
ب- الابتكار ودعم الشركات: تمتلك الصين شركات تكنولوجية عملاقة تسهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي على مستوى عالمي. بالمقابل، تركز مصر على دعم الشركات الناشئة من خلال حاضنات الأعمال وبرامج التمويل.
ج- التعليم والتدريب: يشترك البلدان في التركيز على التعليم والتدريب كعنصر أساسي لتطوير المهارات الرقمية، حيث تطلق الصين ومصر برامج تدريبية متقدمة لتعزيز القدرات الابتكارية بين الشباب.
د- السياسات الحكومية: تتبنى كل من مصر والصين سياسات حكومية تشجع على الابتكار والاستثمار في الاقتصاد الرقمي، مع اختلاف في حجم وتأثير هذه السياسات بين البلدين.
وبصفة عامة، يمكن القول إن تعزيز الاقتصاد الرقمي يُعد هدفا مشتركا لكل من مصر والصين، حيث يسعى البلدان إلى تحقيق التنمية العالية الجودة من خلال تحسين البنية التحتية الرقمية، ودعم الابتكار، وتطوير المهارات الرقمية. وعلى الرغم من الفروق بين التجربتين، فإن الخطوات التي تتخذها مصر والصين في هذا المجال تعكس التزامهما بتحقيق اقتصاد رقمي قوي، فعال ومستدام.
رابعا: كيف تستفيد مصر من نموذج الصين في قدرته على تعزيز بناء دولة قوية ثقافيا من خلال استخدام قدرة الاعلام الدولي وبناء صورة حقيقية وشاملة:
من خلال استقراء أفكار شي جين بينغ حول تعزيز بناء قدرة الصين على الإعلام الدولي، ومن خلال الممارسات الإعلامية الصينية، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
1- تجربة الصين في تعزيز القوة الثقافية:
ركزت تجربة الصين في مجال تعزيز قوتها الثقافية، على المحاور الرئيسية التالية:
أ- استخدام الإعلام الدولي: قامت الصين بإنشاء منصات إعلامية دولية مثل (CGTN) شبكة تلفزيون الصين الدولية، وChina Daily، و((الصين اليوم)) ووكالة شينخوا التي تنشر الأخبار والمقالات والتحليلات بلغات متعددة، مما يسهم في نشر الثقافة الصينية وتوضيح سياساتها للعالم.
ب- التبادل الثقافي: تنظم الصين برامج ومهرجانات ثقافية دولية، مثل مهرجان الفنون الصينية، لتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب، كما ترسل بعثات ثقافية وفنية إلى مختلف دول العالم.
ج- التعليم والتبادل الأكاديمي: تستضيف الصين آلاف الطلاب الدوليين وتقدم منحا دراسية لتعزيز التبادل الأكاديمي والثقافي. وتسهم هذه الجهود في بناء جيل جديد من الأصدقاء الدوليين الذين يفهمون ويقدرون الثقافة الصينية.
د- الإنتاج الإعلامي والفني: تستثمر الصين في إنتاج أفلام ومسلسلات تلفزيونية وأعمال فنية تعكس تاريخها وثقافتها، وتعرض هذه الأعمال على منصات دولية بلغات متعددة للوصول إلى جمهور واسع.
2- كيفية استفادة مصر من نموذج الصين:
يمكن أن تستفيد مصر من النموذج الصيني والممارسات الإعلامية الصينية، من خلال العناصر الرئيسية التالية:
أ- تعزيز الإعلام الدولي: يمكن لمصر تعزيز قدراتها الإعلامية الدولية من خلال تطوير منصات إعلامية تبث بلغات متعددة، مثل قناة النيل الدولية يمكن توسيع نطاق هذه القنوات لتشمل تغطية شاملة للأخبار والثقافة المصرية، وتقديم محتوى يجذب الجمهور الدولي.
ب- التبادل الثقافي: تنظيم مهرجانات وبرامج ثقافية دولية، مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لتعزيز التفاهم والتبادل الثقافي. ويمكن أيضا إرسال بعثات ثقافية وفنية إلى مختلف دول العالم لتعريف الشعوب بالثقافة المصرية الغنية.
ج- التعليم والتبادل الأكاديمي: تقديم منح دراسية للطلاب الدوليين للدراسة في الجامعات المصرية، وتعزيز برامج التبادل الأكاديمي مع الجامعات العالمية. وهو ما سيسهم في بناء علاقات ثقافية وأكاديمية قوية.
د- الإنتاج الإعلامي والفني: الاستثمار في إنتاج أفلام ومسلسلات تلفزيونية تعكس التاريخ والثقافة المصرية، وتوزيعها على منصات دولية مثل نتفليكس، وأمازون برايم للوصول إلى جمهور عالمي واسع.
هـ- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: تعزيز الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حسابات رسمية تنشر محتوى متنوع وجذاب عن مصر وثقافتها وتاريخها. ويمكن استخدام منصات مثل إكس وانستغرام ويوتيوب للوصول إلى جمهور دولي شاب.
و- التعاون الإعلامي: التعاون مع وسائل الإعلام الدولية لتبادل الأخبار والمحتوى الثقافي، وإجراء مقابلات وبرامج مشتركة تسلط الضوء على الثقافة المصرية.
خامسا: كيفية استفادة مصر من تجربة الصين في التمسك بالتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة:
يحتوي المجلد الرابع لكتاب ((شي جين بينغ... حول الحكم والإدارة)) على مجموعة من الأفكار الرائدة في مجال التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، ويمكن توضيح ذلك في إطار العلاقات المصرية- الصينية في النقاط التالية:
1- التجربة الصينية في التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة:
أ- السياسات البيئية الصارمة: قامت الصين بتطبيق سياسات بيئية صارمة لحماية الموارد الطبيعية وتقليل التلوث. وتشمل هذه السياسات تنظيم الصناعات الملوثة، وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة، فضلا عن تطوير التكنولوجيا البيئية.
ب- مشروعات إعادة التشجير: أطلقت الصين مبادرات واسعة لإعادة التشجير وزراعة الأشجار بهدف مكافحة التصحر وتغير المناخ. ويعد مشروع "السور الأخضر العظيم" هو أحد الأمثلة على هذه المبادرات، حيث يهدف إلى إنشاء غابة ضخمة لمكافحة التصحر في المناطق الشمالية.
ج- المدن الذكية والمستدامة: تعمل الصين على تطوير المدن الذكية والمستدامة التي تعتمد على التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة البيئية. ويتم تصميم هذه المدن لتكون صديقة للبيئة، مع تركيز على تقليل انبعاثات الكربون وتحسين جودة الهواء والمياه.
د- التعليم والتوعية البيئية: تركز الصين على التعليم والتوعية بأهمية حماية البيئة من خلال المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية. ويتم تعزيز الوعي البيئي بين المواطنين، خاصة الشباب، لتشجيعهم على المشاركة في الجهود البيئية.
2- كيفية استفادة مصر من تجربة الصين:
أ- تطبيق سياسات بيئية صارمة: يمكن لمصر تبني سياسات بيئية صارمة لحماية الموارد الطبيعية وتقليل التلوث. ويشمل ذلك تنظيم الصناعات الملوثة، وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة، وتطوير التكنولوجيا البيئية، وهنا تلعب وزارة البيئة المصرية بالتعاون مع العديد من الأجهزة في الدولة دورا في تنقيح وتطوير القوانين المساعدة في هذا الإطار.
ب- إطلاق مشروعات إعادة التشجير: يمكن لمصر إطلاق مبادرات لإعادة التشجير وزراعة الأشجار بهدف مكافحة التصحر وتغير المناخ. ويمكن أن تشمل هذه المبادرات زراعة الغابات على طول المناطق الصحراوية واستخدام النباتات المحلية المقاومة للجفاف.
ج- تطوير المدن الذكية والمستدامة: يمكن لمصر الاستفادة من تجربة الصين في تطوير المدن الذكية والمستدامة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال استخدام التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة البيئية، وتصميم المدن لتكون صديقة للبيئة، والتركيز على تقليل انبعاثات الكربون وتحسين جودة الهواء والمياه.
د- تعزيز التعليم والتوعية البيئية: يمكن لمصر تعزيز التعليم والتوعية البيئية من خلال المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية. ويجب تعزيز الوعي البيئي بين المواطنين، خاصة الشباب، وتشجيعهم على المشاركة في الجهود البيئية.
هـ- التعاون الدولي: يمكن لمصر تعزيز التعاون الدولي مع الصين ودول أخرى لتبادل الخبرات والتكنولوجيا في مجال الاستدامة البيئية. ويمكن أن يشمل ذلك تنفيذ مشروعات مشتركة وتبادل المعرفة حول أفضل الممارسات البيئية.
و- تشجيع البحث والابتكار: يمكن لمصر تشجيع البحث والابتكار في مجالات التكنولوجيا البيئية والطاقة المتجددة. ويمكن إنشاء مراكز أبحاث ومختبرات تعمل على تطوير حلول مبتكرة للتحديات البيئية.
سادسا: تعظيم القيم المشتركة للبشرية وتعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية:
يمكن لمصر تعظيم القيم المشتركة للبشرية وتعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في إطار تجربة الصين، من خلال ما جاء في المجلد الرابع لكتاب ((شي جين بينغ... حول الإدارة والحكم))، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1- التجربة الصينية في تعظيم القيم المشتركة للبشرية:
أ- مبادرة "الحزام والطريق": تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول، وبناء البنية التحتية، وتسهيل التبادل الثقافي والمعرفي. وتشجع الصين من خلال هذه المبادرة على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. كما تسعى الصين لتعزيز التعاون الدولي في مجالات متعددة مثل الصحة، التعليم، التكنولوجيا، والبيئة. ومن خلال الشراكات مع دول أخرى، تسهم الصين في تعزيز التنمية المستدامة والتبادل الثقافي، حيث تلتزم الصين بتعزيز الاستدامة البيئية من خلال تطبيق سياسات بيئية صارمة وتطوير التكنولوجيا الخضراء. وترى الصين أن حماية البيئة هي قيمة مشتركة يجب أن تسعى جميع الدول لتحقيقها.
ب- التعليم والتبادل الثقافي: تركز الصين على تعزيز التفاهم الثقافي من خلال برامج التبادل الأكاديمي والثقافي. وتستضيف آلاف الطلاب الدوليين وتقدم منح دراسية لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي.
2- كيفية استفادة مصر من تجربة الصين:
يمكن لمصر تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال الاستفادة من المبادرات الصينية، مثل مبادرة "الحزام والطريق"، مما يسهم في تحسين البنية التحتية، زيادة الاستثمارات، وتعزيز التبادل التجاري مع دول أخرى. كما يمكن لمصر تعزيز التعاون الدولي في مجالات مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا والبيئة. ويمكن أيضا تنفيذ مشروعات مشتركة مع دول أخرى، وتبادل المعرفة والتكنولوجيا، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة.
ومن المهم هنا تبني سياسات بيئية صارمة وتعزيز استخدام التكنولوجيا الخضراء لحماية البيئة. ويشمل ذلك تطوير مشروعات الطاقة المتجددة، وتعزيز إعادة التشجير، وتقليل التلوث. كما يمكن لمصر تعزيز برامج التبادل الأكاديمي والثقافي مع الصين، مما يسهل تقديم منح دراسية للطلاب الدوليين واستضافة برامج تعليمية مشتركة لتعزيز التفاهم الثقافي.
سابعا: تحسين الحوكمة العالمية وممارسة تعددية الأطراف:
تتعاون مصر والصين في مجال تحسين الحوكمة العالمية وتعزيز التعددية الحقيقية والانفتاح والشمول، وذلك على النحو التالي:
1- الحوكمة العالمية: تعتبر الحوكمة العالمية إطارا أساسيا للتعاون الدولي، حيث تسعى الدول إلى التنسيق والتعاون من أجل مواجهة التحديات العالمية المشتركة مثل تغير المناخ، والأزمات الاقتصادية، والأمن الغذائي. في هذا السياق، تعزز مصر والصين من تعاونهما من خلال:
أ- التعاون في المنظمات الدولية: يشارك البلدان بفعالية في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي. وتدعم كل من مصر والصين الإصلاحات اللازمة لضمان أن تكون هذه المؤسسات أكثر شمولا وعدالة.
ب- التبادل الثقافي والتعليمي: يعمل البلدان على تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي من خلال برامج التبادل الأكاديمي والتدريب المهني، مما يسهم في بناء قدرات الجيل الجديد من القادة القادرين على التعامل مع التحديات العالمية بفعالية.
2- تعزيز التعددية الحقيقية: التعددية هي أساس النظام الدولي الذي يسمح لجميع الدول بالمشاركة في صنع القرارات العالمية. وتعمل مصر والصين معا لتعزيز هذا المبدأ من خلال:
أ- التمسك بالقوانين الدولية: يشدد البلدان على أهمية احترام القوانين الدولية والمعاهدات لضمان أن تكون العلاقات الدولية مبنية على الاحترام المتبادل والمساواة.
ب- دعم التنمية المستدامة: يعزز البلدان من تعاونهما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، مما يضمن تحقيق تقدم شامل ومستدام في جميع أنحاء العالم.
3- الانفتاح والشمول: تؤمن كل من مصر والصين بأن الانفتاح والشمول هما مفتاح لتحقيق التقدم والتنمية. ويتم تحقيق ذلك من خلال:
أ- تعزيز التجارة والاستثمار: يعمل البلدان على تسهيل التجارة الثنائية وزيادة الاستثمارات المشتركة، مما يسهم فيتحقيق نمو اقتصادي مستدام ويخلق فرص عمل جديدة.
ب- التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار: تتعاون مصر والصين في مجالات التكنولوجيا والابتكار، من خلال إنشاء مراكز بحثية مشتركة وتبادل الخبرات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
نخلص هنا إلى أن مصر والصين تتمسكان بالاستقلال وتحافظان على المصالح المشتركة. وتدعم الصين مصر بقوة في استكشاف مسارات التنمية التي تناسب الظروف الوطنية بشكل مستقل. وتحافظ كل من مصر والصين على اتصالات وتعاون وثيقين داخل مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون والآليات الأخرى لتعزيز الحوكمة العالمية في اتجاه أكثر عدلا ومعقولية.
وهناك توافق في الرؤى بين الزعيمين عبد الفتاح السيسي وشي جين بينغ، حيث يسعيان لبناء نموذج رائد للتعاون الدولي البناء. وتُظهر شراكتهما فوائد التعاون بين الدول ذات الثقافات والنظم السياسية المختلفة لتحقيق أهداف مشتركة.
ويصادف عام 2024 احتفال مصر والصين بمرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الدولتين، وانضمام مصر لمجموعة بريكس في بداية عام 2024. وأيضا الاحتفال بالذكرى السنوية الثامنة والستين لاقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، حيث كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية.
وفي الحقيقة يأتي التعاون الجاد والوثيق بين مصر والصين في ظل العديد من التغيرات على دول العالم بشكل غير مسبوق، حيث يظهر في الأفق تعدد الأقطاب. فمن ناحية، يمثل السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك برعاية الصين ومبادراتها العادلة التي أطلقها الرئيس شي منذ توليه حكم الصين تيارا تاريخيا مهما. ومن ناحية أخرى، تأتي تصرفات الهيمنة الأمريكية والغربية وسياسة القوة وفرض الأمر الواقع، بما فيها القتل والسلب والنهب وكسب المصالح الأنانية والكيل بمكيالين.
ويُشكل تعاون الدول صاحبة الحضارة، مثل مصر والصين وبالتعاون مع دول أخرى ذات سيادة، أهمية كبرى في منع هيمنة أي دولة أو مجموعة من الدول على النظام الدولي، ويُعزز من تعدد الأصوات والآراء في الساحة العالمية.
ولا شك أن مصر والصين تقدمان نموذجا مهما للبلدان النامية التي تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة دون تدخل خارجي وتُؤكّد شراكتهما على أهمية احترام السيادة الوطنية واختيار مسارات التنمية التي تناسب الظروف المحلية لكل دولة.
ويمكن أن تُساهم كل من مصر والصين بنشاط مهم في الجهود الرامية إلى إصلاح نظام الحوكمة العالمية لجعله أكثر عدلا وإنصافا. وتُدافع مصر والصين عن دور أكبر للدول النامية في صنع القرار الدولي، وتُطالبان بنظام تجاري عالمي أكثر إنصافا وبنموذج لتعاون دول الجنوب. وهناك أيضا تعاون كبير بين الدولتين في معالجة القضايا العالمية الخطيرة والملحة مثل تغير المناخ ومكافحة الإرهاب.. إلخ.
وفي المجمل، يمكن القول إن المجلد الرابع لكتاب ((شي جين بينغ... حول الحكم والإدارة))، يحتوي على مجموعة من الأفكار والرؤى الثاقبة التي تعكس رؤية وإدراكات وتصورات الرئيس شي جين بينغ حول إدارة كافة أمور وشؤون الدولة، وهي الأفكار التي يمكن لمصر الاستفادة منها- وفقا لظروفها الوطنية- في معالجة ما تواجهه من تحديات مشابهة لما واجهته الصين في الفترات السابقة، ونجحت في التعامل الإيجابي معها، انطلاقا من أفكار شي جين بينغ، وذلك في ضوء علاقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تجمع بين مصر والصين.