في عام 2024، كانت "القوى المنتجة الحديثة النوعية" واحدة من العبارات الرئيسية الأكثر تكرارا في الحديث عن التنمية العالية الجودة بالصين. أما مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي الذي عقد في ديسمبر واستعرض الوضع الاقتصادي للصين في عام 2024 وأعطى توجيهات للعمل الاقتصادي في عام 2025، فقد دعا إلى تحقيق التوازن بين تعزيز محركات نمو جديدة وإحياء المحركات القديمة، مع تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية" بناء على الظروف المحلية. وهذا يعكس ما أكد عليه الرئيس شي جين بينغ غير مرة، خلال لقاءاته مع نواب المجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، وحواراته مع ممثلي دوائر الأعمال.
مسار أساسي للتحديث
على مدار عام 2024، حث الرئيس شي الحكومات المحلية مرارا، على تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية". في شهر أكتوبر، خلال جولته التفقدية في مقاطعة آنهوي بشرقي الصين، تم إطلاعه على الابتكارات العلمية والتكنولوجية الرئيسية التي أنجزتها المقاطعة، بما في ذلك المركبات الذكية المتصلة، وتكنولوجيا المعلومات من الجيل الجديد، والذكاء الاصطناعي. وتحدث الرئيس مع الباحثين والمديرين التنفيذيين للشركات، وأكد أن الابتكار العلمي والتكنولوجي هو مسار أساسي للتحديث.
آنهوي معروفة بأنها من أفضل المقاطعات أداء في الابتكار العلمي والتكنولوجي في الصين. فقد طورت الحاسوب جيوتشانغ 3.0؛ وهو نموذج أولي لحاسوب فائق كمي قادر على حل مشكلة أخذ العينات من البوزون الغاوسي- وهي مشكلة حوسبة كمية كلاسيكية- بسرعة أعلى بعشرة كوادريليون مرة من أسرع حاسوب فائق في العالم حاليا. وفي تقرير تقييم قدرة الابتكار الإقليمية في الصين لعام 2024، احتلت قدرة الابتكار الإقليمية في آنهوي المرتبة السابعة في الصين.
وقد أكد الرئيس شي، بعد إطلاعه على عمل لجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة آنهوي وحكومة المقاطعة، أهمية تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية" حسب الظروف المحلية، داعيا المقاطعة إلى تسريع التحول والارتقاء بالصناعات التقليدية وتطوير الصناعات الناشئة الإستراتيجية.
وعندما ذهب إلى مقاطعة هوبي في وسط الصين في نوفمبر، في جولة تفقدية أخرى، أعطى توجيهات مماثلة، وأكد أن هوبي يجب أن تعمل على ترقية وتحويل الصناعات التقليدية مع تعزيز ودعم الصناعات الناشئة والموجهة نحو المستقبل، في الوقت نفسه. كما حث المقاطعة على تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية"، وفقا للظروف المحلية وخلق المزيد من العلامات التجارية المعروفة. وفي أوائل مارس 2024، عندما التقى مع نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني من وفد مقاطعة جيانغسو، أكد أيضا على تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية" حسب الظروف المحلية.
بتوجيهات من الرئيس شي، عززت الصين تطوير "قوى منتجة حديثة النوعية". وفقا لأحدث البيانات الاقتصادية، في نوفمبر 2024، زادت القيمة المضافة الإجمالية للمؤسسات الصناعية فوق الحجم المحدد في الصين، بنسبة 4ر5% على أساس سنوي. وزادت القيمة المضافة للتصنيع العالي التقنية بنسبة 8ر7% على أساس سنوي. وسجل إنتاج المركبات التي تعمل بالطاقة الجديدة والروبوتات الصناعية والدوائر المتكاملة، نموا بنسبة 1ر51% و3ر29% و7ر8% على التوالي، على أساس سنوي. كل هذا يمثل شهادة على النمو المطرد لـ"القوى المنتجة الحديثة النوعية".
انفتاح أكبر
خلال عام 2024، واصلت الصين توسيع الانفتاح العالي المستوى، وهو ما تم التأكيد عليه في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، الذي خلص إلى أن "’القوى المنتجة الحديثة النوعية‘ تتطور بشكل مطرد، والإصلاح والانفتاح يواصلان التعمق، والمخاطر في المجالات الرئيسية يتم تخفيها بطريقة منظمة وفعالة، وسبل عيش الناس يتم ضمانها بقوة، وعملية التحديث الصينية تخطو خطوات جديدة وثابتة إلى الأمام".
من جانب آخر، طمأن الرئيس شي المجتمع الدولي مرارا، بشأن عزم الصين على الانفتاح على نطاق أوسع. ففي مراسم افتتاح قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024 في سبتمبر، أعلنت الصين عن إلغاء التعريفات الجمركية بنسبة 100% على خطوط التعريفات الجمركية لجميع البلدان الأقل نموا التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، بما في ذلك ثلاث وثلاثون دولة في أفريقيا. وبذلك أصبحت الصين أول دولة نامية كبرى وأول اقتصاد رئيسي يفعل ذلك. ثم في قمة مجموعة العشرين في نوفمبر، دعا الرئيس شي إلى تعزيز بيئة منفتحة وشاملة وغير تمييزية للتعاون الاقتصادي الدولي. وفي الشهر التالي، أكد الرئيس شي عزم الصين على المزيد من الانفتاح، خلال لقائه مع قادة المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى، ومنهم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، ورئيس مجموعة البنك الدولي أجاي بانغا، والمديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا. وقال إن الصين ستواصل توسيع الانفتاح، وتبادر للتوافق مع القواعد الاقتصادية والتجارية الدولية العالية المستوى، وستعزز بيئة أعمال من الدرجة الأولى موجهة نحو السوق وقائمة على القانون ودولية، وسيتم إرساء أنظمة جديدة لاقتصاد مفتوح بمستوى أعلى. وستتاح المزيد من الفرص لتنمية البلدان الأخرى، وستتم مشاطرة المزيد من فوائد التنمية الخاصة بالصين مع بقية العالم.
هذا الالتزام تم دعمه من خلال إجراءات فعلية. حيث خفضت القائمة السلبية الأخيرة للاستثمار الأجنبي في الصين، والتي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر، المجالات المحظورة على المستثمرين الأجانب إلى 29 مجالا. والجدير بالذكر أنه تم رفع جميع القيود المفروضة على وصول المستثمرين الأجانب إلى السوق في قطاع التصنيع.
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت الصين سياسة دخول بدون تأشيرة لحاملي جوازات سفر ثمان وثلاثين دولة، مما يسمح لهم بالبقاء في الصين لمدة أقصاها ثلاثين يوما، مما سيساعدهم على اكتساب فهم أفضل للصين. ووفقا للإدارة الوطنية للهجرة بالصين، بلغ عدد مرات دخول الأجانب إلى الصين أكثر من ثمانية ملايين مرة في الربع الثالث من عام 2024، بزيادة بلغت نسبتها 8ر48% على أساس سنوي. وشمل ذلك أربعة ملايين وثمانمائة ألف وافد بدون تأشيرة، بزيادة بلغت نسبتها 6ر78% على أساس سنوي.
وقد أعربت شركات أجنبية عديدة عن ثقتها في انفتاح الصين. على سبيل المثال، قال الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك، خلال لقائه مع وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصيني جين تشوانغ لونغ، إن شركة آبل حريصة على اغتنام الفرص التي يوفرها انفتاح الصين، وستواصل زيادة استثماراتها في الصين.
مهام عام 2025
خلال عام 2024، واجه النمو الاقتصادي في الصين تحديات مختلفة. وقد أشار اجتماع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في سبتمبر، إلى ضرورة تبني وجهة نظر شاملة وموضوعية وجادة للوضع الاقتصادي الحالي. واقترح الاجتماع حلولا، بما فيها "تكثيف الجهود الرامية لطرح سياسات تدريجية"، و"تعديل سياسة القيود المفروضة على شراء المساكن"، و"خفض أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري القائمة". وفي هذا الاجتماع، أطلقت الصين سلسلة من سياسات التحفيز بهدف معالجة الصعوبات الاقتصادية.
ووفقا للمكتب الوطني للإحصاء، فإن النمو الاقتصادي في الصين يظهر علامات إيجابية في التصنيع والطلب المحلي. في نوفمبر 2024، بلغ مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع في الصين، 3ر50%، بزيادة 2ر0 نقطة مئوية مقارنة بالشهر السابق، مما يشير إلى تسارع توسع قطاع التصنيع. وخلال الفترة من يناير إلى نوفمبر من عام 2024، تجاوز إجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية 44 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا)، بزيادة بلغت نسبتها 5ر3% على أساس سنوي، مما يدل على الزخم القوي في الطلب المحلي.
كان عام 2024 عاما حاسما لتنفيذ أهداف ومهام الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين (2021- 2025). وقد خلص مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، إلى "أن أداء الاقتصاد الصيني مستقر بشكل عام، بينما أحرز تقدما في عام 2024، مع تحقيق تقدم قوي في التنمية العالية الجودة، وإنجاز الأهداف والمهام السنوية الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بنجاح".
وقد حددت الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، تسع أولويات اقتصادية لعام 2025، ومنها "تعزيز الاستهلاك بقوة وتحسين كفاءة الاستثمار وتوسيع الطلب المحلي في جميع الجوانب"، و"قيادة تطوير ’قوى منتجة حديثة النوعية‘ من خلال الابتكار التكنولوجي وبناء نظام صناعي حديث"، و"توسيع الانفتاح العالي المستوى". وهذا من شأنه أن يعزز اليقين والثقة في الجهود الرامية لتحقيق أهداف ومهام الخطة الخمسية الرابعة عشرة.