استضافت مدينة هاربين بمقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرقي الصين، في الفترة من السابع إلى الرابع عشر من فبراير 2025، الدورة التاسعة للألعاب الآسيوية الشتوية. هذه هي المرة الثانية التي تحظى فيها "مدينة الجليد" الصينية بهذا الشرف، والمرة الثالثة للصين. وقد جاء هذا الحدث بعد ثلاث سنوات من استضافة الصين لحدث كبير آخر للرياضات الشتوية، هو دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022. لقد بذلت الصين، على مدى سنوات، جهودا كبيرة لتحقيق هدف "دفع ثلاثمائة مليون شخص للمشاركة في رياضات الجليد والثلج"، وتحويل اقتصاد الجليد والثلج إلى محرك آخر للنمو.
جدير بالذكر هنا، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، قال في مأدبة الترحيب، التي أعقبت حفل افتتاح الألعاب الآسيوية الشتوية في هاربين: "من أولمبياد بكين الشتوية، إلى دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في هاربين، اجتاح الشغف برياضات الجليد والثلج جميع أنحاء البلاد."
إستراتيجية ذات رؤية
لقد أدرك الرئيس شي، في وقت مبكر، إمكانيات وفوائد الرياضات الشتوية. في عام 2014، وخلال لقائه مع توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، بمدينة سوتشي في روسيا، قال الرئيس شي: "في الصين، الرياضات الشتوية لا تمتد إلى ما وراء جنوب سور الصين العظيم. وإذا أمكن الترويج للرياضات الشتوية في جنوب سور الصين العظيم، فمن المتوقع أن يشارك فيها ما بين 200 مليون إلى 300 مليون شخص، وبالتالي إيقاد شعلة الرياضات الشتوية في الصين."
ويمكن أن نرى الأهمية التي يوليها الرئيس شي لتطوير الرياضات الشتوية، من حقيقة أنه قام بجولة تفقدية ميدانية للوقوف على الاستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين خمس مرات. في مارس عام 2016، وبعد الاستماع إلى تقارير حول الاستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، والألعاب البارالمبية الشتوية في بكين، قال الرئيس شي: "يتعين علينا مواصلة العمل بحيوية لتعزيز تعميم الرياضات الشتوية، وتطوير الأنشطة الشتوية لعامة الشعب، وتحسين الأداء التنافسي في الرياضات الشتوية، وتسريع نمو قطاع الجليد والثلج، وتعزيز الرياضات العامة الشتوية، وتعزيز اللياقة البدنية للشعب."
لقد حققت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين نجاحا باهرا، واستمر العمل على تعزيز الرياضات الشتوية. وفي حفل استعراض وتوزيع جوائز دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، والألعاب البارالمبية الشتوية 2022، في بكين، في إبريل، أوجز شي خطة تطوير الرياضات الشتوية، قائلا: "سوف نواصل جعل رياضات الجليد والثلج أكثر انتشارا من خلال تعزيز التخطيط الإستراتيجي أثناء بناء الملاعب والمرافق الرياضية والاستفادة منها بأفضل صورة ممكنة. سنسعى لتنمية الاقتصاد الشتوي، وإقامة العديد من الأحداث الرياضية على الجليد والثلج، بما يسهم في تأجيج حماسة عامة الشعب لهذه الرياضات."
وحققت الجهود المبذولة لتعزيز الرياضات الشتوية نتائج مشجعة. وفقا لبيانات رسمية، فإنه بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022، بلغ عدد المشاركين في الرياضات الشتوية في أنحاء الصين 313 مليونا حتى إبريل عام 2024، أي أن 13ر22% من الصينيين شاركوا فيها. إضافة لذلك، زاد عدد أماكن ممارسة الرياضات الشتوية في الصين، فحتى عام 2023، بلغ عددها 2847، بزيادة بلغت نسبتها 1ر16% مقارنة بعام 2022.
تجتذب الرياضات الشتوية أيضا أبناء جنوبي الصين، حيث الطقس الأكثر دفئا. على سبيل المثال، يقبل المزيد من الناس على منتجع بونسكي في قوانغتشو بمقاطعة قوانغدونغ الذي افتتح في عام 2019، وهو أكبر منتجع داخلي للتزلج في جنوبي الصين. وحتى النصف الأول من عام 2024، استقبل هذا المنتجع أكثر من أربعة ملايين زائر. وقال بعض الزوار المحليين لوسائل إعلام محلية: "لقد جئنا من هونغ كونغ، وهي ليست بعيدة، ومن السهل جدا الوصول إلى هنا." وأضافوا: "هناك العديد من الأنشطة، وكلها منظمة بشكل جيد. نحن نستمتع فعلا بالمجيء إلى هنا، كما أن الطعام والإقامة مريحان للغاية. نأتي إلى هنا مرة واحدة كل شهر، نحب أجواء التزلج هنا."
اقتصاد الجليد والثلج
الرياضات الشتوية، إلى جانب إسهامها في تعزيز اللياقة البدنية والصحية لممارسيها، تساهم أيضا في النمو الاقتصادي الوطني. في مارس 2016، قال الرئيس شي خلال مشاركته في حلقة نقاش لوفد هيلونغجيانغ في الدورتين السنويتين للمجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني: "الجليد والثلج لهما نفس قيمة الذهب والفضة." وقال أيضا: "الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من الذهب وجبال من الفضة، وكذلك الجليد والثلج في هيلونغجيانغ." وقد أكد على نفس المعني لتوماس باخ في عام 2022، مشيرا إلى أن استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، ساهمت في نمو صناعات الرياضات الشتوية واقتصاد الجليد والثلج في الصين.
هيلونغجيانغ غنية بموارد الجليد والثلج، وتجذب عددا كبيرا من السياح كل شتاء. وتعد حديقة "عالم الجليد والثلج" في هاربين من المقاصد السياحية الأكثر شعبية، وهي أكبر حديقة ترفيهية للجليد والثلج في العالم، وتتميز بمنحوتات الجليد المذهلة التي تعجب الزوار الذين يتمتعون كذلك بالمأكولات المحلية ويستمتعون بالعروض الضوئية. وفي موسم شتاء 2023- 2024، وصلت إيرادات مقاطعة هيلونغجيانغ من سياحة الجليد والثلج إلى 19ر171 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا)، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 553%.
يتمتع اقتصاد سياحة الجليد والثلج بزخم حيوي قوي على الصعيد الوطني. وفقا لـ((تقرير تنمية سياحة الجليد والثلج في الصين لسنة 2025))، الصادر عن أكاديمية السياحة الصينية، سجلت الصين في موسم شتاء 2023- 2024، أكثر من 430 مليون رحلة سياحية ترفيهية على الجليد والثلج، بإيرادات بلغت 7ر524 مليار يوان. وفي موسم شتاء 2024- 2025، من المتوقع أن يصل عدد الرحلات السياحية الترفيهية على الجليد والثلج في الصين إلى 520 مليون رحلة، مع توقعات بأن تتجاوز إيرادات السياحة 630 مليار يوان.
تعد سياحة الجليد والثلج قمة اقتصاد الجليد والثلج. في سبتمبر 2023، قال الرئيس شي خلال جولته التفقدية في هيلونغجيانغ، إنه ينبغي تطوير السياحة ذات السمات الثقافية المميزة. وينبغي تعزيز الاقتصاد الشتوي كمصدر جديد للنمو، وتعزيز التنمية الشاملة للرياضة والثقافة والمعدات والسياحة المتعلقة بالجليد والثلج.
وفي نوفمبر 2024، أصدر مجلس الدولة الصيني "المبادئ التوجيهية لتحفيز حيوية اقتصاد الجليد والثلج من خلال التنمية العالية الجودة للرياضات الشتوية". واقترحت "المبادئ التوجيهية" 24 إجراء في ثمانية مجالات لضمان وصول حجم اقتصاد الجليد والثلج إلى 2ر1 تريليون يوان بحلول عام 2027، وإلى 5ر1 تريليون يوان بحلول عام 2030.
وفي الدورة التاسعة للألعاب الآسيوية الشتوية، وصف الرئيس شي مدينة هاربين بأنها مهد الرياضات الشتوية الحديثة في الصين، قائلا: "إننا نشعر حقا هنا بأن الجليد والثلج لهما نفس قيمة الذهب والفضة. لقد أصبحت ثقافة واقتصاد الجليد والثلج، قوة دافعة جديدة للتنمية العالية الجودة في هاربين، ورابطة جديدة تربط المدينة بالعالم."
تبادلات دولية
أشار الرئيس شي إلى أن شغف الصينيين بالجليد والثلج قد أنعش الرياضات الشتوية في جميع أنحاء العالم، مضيفا أن الرياضات الشتوية رائعة لأنها تتطلب الشغف والتعاون، وقال إن الصين عملت على تعزيز التعاون والتبادلات الدولية في مجال الرياضات الشتوية.
إن الدورة التاسعة للألعاب الآسيوية الشتوية هي ذاتها مثال على ذلك. فقد تنافس خلالها أكثر من 1200 رياضي من 34 دولة ومنطقة، بما فيها دول لديها القليل من الجليد والثلج، مثل كمبوديا، وهو رقم قياسي في تاريخ الألعاب الآسيوية الشتوية.
وفقا لرئيس منتجع بونسكي في قوانغتشو، فإن المنتجع يجذب الزوار من مدن أخرى في قوانغدونغ وكذلك من المقاطعات المحيطة بها، وحتى السياح الدوليين من جنوب شرقي آسيا. وفي عام 2024، تم استقبال أكثر من مائة فوج سياحي دولي من جنوب شرقي آسيا.
المعارض الشتوية هي طريقة أخرى لتنمية اقتصاد الجليد والثلج. في أكتوبر 2024، استضافت الصين الدورة الثامنة للمعرض العالمي للرياضات الشتوية (بكين)، الذي شهد مشاركة أكثر من 400 علامة تجارية من أكثر من عشرين دولة، منها النمسا وإيطاليا وألمانيا واليابان. وقال يوي تساى تشينغ، عضو اللجنة الأولمبية الدولية ونائب رئيس اللجنة الأولمبية الصينية، في حفل افتتاح المعرض: "لقد أضحت الرياضات الشتوية، بسحرها الفريد ومشاركتها الواسعة، جسرا مهما لتعزيز التبادل والتعاون الدوليين، فضلا عن تعزيز الصداقة بين الشعوب." ووصف إيفو فيرياني، رئيس الاتحاد الدولي لمنافسات زلاجات البوبسليد والسكيليتون، معرض الرياضات الشتوية، بأنه منصة لتعزيز التبادلات الدولية.
إن شعار الدورة التاسعة للألعاب الآسيوية الشتوية "حلم الشتاء.. المحبة بين آسيا"، يجسد الطموح والرغبة المشتركة لشعوب آسيا في السلام والتنمية والصداقة. ومع استمرار الصين في دفع اقتصاد الجليد والثلج، فإنها ستشارك بقية العالم هذا الطموح والرغبة.