في "الدورتين السنويتين" لهذا العام، ويقصد بهما الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب والدورة السنوية للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، شارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في مناقشات مع نواب المجلس الوطني لنواب الشعب من مقاطعة جيانغسو، للعام الثالث على التوالي. كما حضر الاجتماع المشترك لأعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي من الرابطة الديمقراطية الصينية، والجمعية الصينية لتعزيز الديمقراطية، وقطاع التعليم. وخلال تلك المناقشات، أكد شي على الدور الحاسم للابتكار التكنولوجي والصناعي في دفع عجلة التنمية، وحثّ المقاطعات القوية اقتصاديا، مثل جيانغسو، على أخذ زمام المبادرة في التنمية الوطنية. إن عام 2025 هو العام الأخير من الخطة الخمسية الرابعة عشرة، ولهذا تحمل رسالة شي أهمية خاصة، في ظلّ خوض الصين غمار مشهد عالمي متزايد التعقيد.
الابتكار العلمي والتكنولوجي
لقد أثمرت جهود الصين في الابتكار عن نتائج باهرة. فنموذج الذكاء الاصطناعي المفتوح "ديب سيك آر1"، يظهر قدرة الصين على تطوير تقنيات متطورة بتكلفة منخفضة. وحقق مسبار الفضاء "تشانغ آه- 6" إنجازا تاريخيا بجلب عينات من الجانب البعيد للقمر، وهو إنجاز غير مسبوق في جهود البشر لاستكشاف الفضاء. والرحلة التجارية الناجحة للسفينة "أدورا ماجيك سيتي"، وهي أول سفينة سياحية كبيرة صينية الصنع، تبرز التقدم المتحقق في مجال التصنيع العالي الجودة. وهذه الإنجازات تعكس تطور اعتماد الصين على نفسها في مجال التكنولوجيا وقدرتها على قيادة الابتكار العالمي.
هذه الإنجازات نابعة من التزام قوي بالابتكار. خلال ندوة حول الشركات الخاصة، عُقدت في فبراير 2025، كان من بين ستة ممثلي شركات شاركوا بالندوة، خمسة من شركات التكنولوجيا، بما فيها "بي واي دي" و"شياومي" و"يونيتري روبوتكس". كان الرئيس شي قد حثّ هذه الشركات على زيادة مساهماتها في الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتطوير قوى منتجة حديثة النوعية، وتحديث النظام الصناعي.
وفي العام الماضي، عندما شارك الرئيس شي في المناقشات مع النواب من مقاطعة جيانغسو خلال الدورة الثانية للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، أكد على أهمية تطوير قوى منتجة حديثة النوعية وفقا للظروف المحلية. وفي هذا العام، خلال حضوره مرة أخرى المناقشات مع نواب من مقاطعة جيانغسو خلال الدورة الثالثة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني في الخامس من مارس، قال إن الابتكار التكنولوجي والصناعي يشكلان المسارات الأساسية لتطوير قوى منتجة حديثة النوعية. وطرح سؤالا على شيوي قوانغ هوي، النائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ومدير إدارة العلوم والتكنولوجيا بمقاطعة جيانغسو، حول حجم الاستثمارات التي تخصصها المقاطعة للابتكار. أجاب شيوي: "لقد ارتفع استثمار حكومة جيانغسو في الابتكار التكنولوجي من 8ر67 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا) في عام 2022 إلى 8ر78 مليار يوان في عام 2024، بزيادة بلغت نسبتها 2ر16%." هذه الأرقام تشير إلى كيفية توظيف جيانغسو للابتكار لدفع عجلة التنمية.
وبشكل أكثر تحديدا، فيما يتعلق بالابتكار التكنولوجي، أكد شي أنه لتعزيز هذا الابتكار، لا بد من تحديث النظام الصناعي والتنسيق بين التعليم والعلوم والتكنولوجيا وتطوير الأكفاء، مؤكدا ضرورة تحقيق المزيد من التقدم العلمي والتكنولوجي وتحويله إلى قوى منتجة ملموسة. وفيما يتعلق بالابتكار الصناعي، قال إنه لتعزيز هذا الابتكار، من الضروري المحافظة على أساس الاقتصاد الحقيقي، وضمان اتباع نهج متوازن بين تطوير الصناعات التقليدية وتطوير الصناعات الناشئة الإستراتيجية والصناعات المستقبلية.
هذه الأحاديث تعكس ما أشار إليه شي خلال جولاته التفقدية. على سبيل المثال، خلال جولته في مقاطعة لياونينغ بشمال شرقي الصين في يناير 2025، زار مصنعا لدرفلة الصلب على البارد، تابعا لمجموعة بنستيل في بنشي. وفي مركز التحكم، تم إطلاع الرئيس شي على آلية عمل نظام التحكم الذكي المتكامل، حيث استفسر عن عملية الدرفلة على البارد، والابتكار التكنولوجي، وظروف الإنتاج في ورش العمل. ووصف صناعة الصلب بأنها صناعة أساسية مهمة في البلاد، وحثّ قطاع التصنيع على انتهاج "التنمية الراقية والذكية والخضراء، وتعزيز المحتوى التكنولوجي والقيمة المضافة لمنتجاتها بشكل مستمر". وفي وقت لاحق، قال شي لمسؤولين محليين: "مفتاح تعزيز وتوسيع الصناعات الناشئة الإستراتيجية، يكمن في تعزيز التكامل العميق بين الابتكارين التكنولوجي والصناعي مع تطوير قوى منتجة حديثة النوعية، وفقا للظروف المحلية."
في جولاته التفقدية الأخرى، دعا شي باستمرار الحكومات المحلية إلى الاهتمام بالابتكار التكنولوجي والابتكار الصناعي. في مارس 2024، قال لمسؤولين من مقاطعة هونان في وسط الصين، إن الابتكار العلمي والتكنولوجي هو العنصر الأساسي في تطوير قوى منتجة حديثة النوعية، وحثّ على بذل جهود أكبر للاستفادة من الابتكار التكنولوجي لدفع عجلة الابتكار الصناعي.
وفي أكتوبر 2024، دعا مسؤولي مقاطعة فوجيان في شرقي الصين، إلى استكشاف سبل جديدة للتكامل العميق بين الابتكار التكنولوجي والصناعي. هذه الأحاديث تظهر تركيز شي على الابتكار التكنولوجي والابتكار الصناعي.
التقدم لا ينفصل عن التعليم
لا ينفصل التقدم العلمي والتكنولوجي للصين عن جهودها الرامية لتحسين التعليم. خلال لقائه مع أعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي من الرابطة الديمقراطية الصينية والجمعية الصينية لتعزيز الديمقراطية وقطاع التعليم، الذين حضروا الدورة الثالثة للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أكد شي على تعزيز دور التعليم في دعم التقدم العلمي والتكنولوجي، وتطوير الأكفاء. وقال: "لتحقيق تفاعل سليم بين الابتكار العلمي والتكنولوجي المستقل، وتدريب الأكفاء اعتمادا على الذات، ينبغي على التعليم أن يلعب دوره الأساسي والرائد في دعم هذه القضية."
قال تشنغ جيا جيان، عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني الرابع عشر ورئيس جامعة فوجيان للمعلمين، إنه بدءا من التقرير المقدم للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في عام 2022، وحتى القرار المعتمد في الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني في عام 2024، تم التأكيد باستمرار على مفهوم تعزيز التنمية المتكاملة للتعليم والعلوم والتكنولوجيا والأكفاء. وأضاف: "يجب علينا تعميق الإصلاح بشكل شامل لتعزيز التعليم العالي وتقديم دعم قوي للتحديث الصيني النمط."
وخلال المؤتمر الوطني للتعليم، الذي عُقد في سبتمبر 2024، دعا شي إلى التنفيذ المنسق لإستراتيجية النهوض بالوطن من خلال العلم والتعليم، وإستراتيجية تنمية القوى العاملة، وإستراتيجية التنمية القائمة على الابتكار. وقال: "يجب تعزيز تطوير التعليم، والابتكار العلمي والتكنولوجي، وتطوير الأكفاء كجهد متكامل."
انعكست هذه التوجيهات في تقرير أعمال الحكومة لهذا العام، والذي جاء فيه أنه "يتعين علينا مواصلة الالتزام بالتنمية القائمة على الابتكار وتحقيق تقدم متكامل في التعليم والابتكار العلمي والتكنولوجي وتطوير الأكفاء، من أجل تعزيز الأسس الإستراتيجية للتحديث الصيني النمط".
وعلى هامش "الدورتين السنويتين" لهذا العام، قال وزير التعليم الصيني هواي جين بنغ: "في الآونة الأخيرة، جذبت تقنية ديب سيك، والروبوتات (الصينية)، اهتماما واسع النطاق على الصعيدين المحلي والدولي، وهو ما يعكس إنجازات الابتكار التكنولوجي وتطوير الأكفاء بالصين."
وأضاف أن وزارة التعليم ستطلق إجراءات إستراتيجية لتسريع وتعزيز تطوير الأكفاء بما يخدم الإستراتيجيات الوطنية والتطوير التكنولوجي. ويشمل ذلك تحسين هياكل التخصصات بناء على الاحتياجات الوطنية للتطوير الإستراتيجي والتكنولوجي، وتشجيع تطوير الأكفاء في المجالات الناشئة والمتعددة التخصصات، وتعزيز تطوير الأكفاء بما يتماشى مع أنماط الثورة التكنولوجية والتحول الصناعي، وتسريع تطوير التخصصات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة الجديدة والمواد الجديدة.
في يناير 2025، صدرت الخطة العامة للفترة 2024- 2035 لتحويل الصين إلى دولة رائدة في مجال التعليم، بهدف إنشاء آلية منسقة للتقدم المتكامل للتعليم والتكنولوجيا والكفاءات، فضلا عن تعزيز الدور الداعم للتعليم في تنمية التكنولوجيا وتطوير الأكفاء. في الآونة الأخيرة، أعلنت العديد من مؤسسات التعليم العالي البارزة في الصين، بما فيها جامعة بكين وجامعة تشينغهوا وجامعة ووهان، عن خطط لزيادة أعداد طلاب البكالوريوس الملتحقين بها، لا سيما في التخصصات الرائدة. وتُعد هذه خطوة ملموسة أخرى لدفع عجلة التطور العلمي والتكنولوجي من خلال التعليم.
دور "نموذجي" لجيانغسو
في المناقشات مع وفد المجلس الوطني لنواب الشعب من جيانغسو، أكد شي أن المقاطعات الكبرى ذات النمو الاقتصادي الأسرع، ينبغي أن تشق طريقا جديدا وتلعب دورا نموذجيا في تعزيز الرخاء المشترك، وحث جيانغسو على لعب دور رئيسي في التنمية الوطنية.
يُولي شي أهمية كبيرة لجيانغسو. في يوليو 2023، زار المقاطعة، وأشاد بأساسها الصناعي المتين، ومواردها العلمية والتعليمية الغنية، وبيئتها التجارية السليمة، وسوقها الضخمة. وحثّ المقاطعة على أن تكون قدوة في دفع عجلة التحديث الصيني النمط.
تعد جيانغسو قوة اقتصادية ضخمة، حيث احتل الناتج المحلي الإجمالي لها المرتبة الثانية على مستوى الصين في عام 2024. ووفقا لتقرير أعمال حكومة جيانغسو لعام 2025، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة 7ر13 تريليون يوان في عام 2024، بمعدل نمو سنوي 8ر5%، وهو أكبر معدل نمو على مستوى الصين. وتساهم جيانغسو، التي لا تتجاوز مساحتها 1% من مساحة الصين، ويمثل سكانها 6% من إجمالي السكان، بأكثر من 10% من الناتج الاقتصادي الوطني.
أما قطاع العلوم والتكنولوجيا بالمقاطعة، فيُظهر قوة هائلة. فعدد شركات التكنولوجيا الفائقة يتجاوز 57 ألف شركة، وهو أعلى عدد من الشركات الناشئة الجديدة وشركات "يونيكورن" في الصين. يونيكورن هي الشركة الناشئة الخاصة التي تُقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار أمريكي. ثم أضيفت إلى هذا العدد 711 شركة "عملاقة صغيرة" تستخدم تقنيات خاصة ومتطورة لإنتاج منتجات جديدة وفريدة من نوعها، ليصل الإجمالي إلى 2215 شركة، وبذلك تحتل جيانغسو المرتبة الأولى في الصين في كلا المجالين.
وأعطى شي توجيهات محددة لمقاطعة جيانغسو، بما فيها قيادة دمج الابتكار التكنولوجي مع الابتكار الصناعي، ودفع الإصلاحات العميقة والانفتاح العالي المستوى، وتنفيذ إستراتيجيات التنمية الوطنية الرئيسية. كما ينبغي لمقاطعة جيانغسو أن تكون قدوة في السعي لتحقيق الرخاء المشترك.
هناك قول شائع في الصين مفاده أن بعض أبناء الشعب وبعض المناطق، يمكن أن يحققوا النمو والازدهار قبل غيرهم، حتى يتمكنوا من مساعدة المناطق الأقل نموا على اللحاق بالركب نحو الرخاء المشترك. وبتوجيه من شي، تستعد جيانغسو لريادة إنجازات جديدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والإصلاح الصناعي. إن نجاحها لن يسهم في دفع عجلة الرخاء الإقليمي فحسب، وإنما أيضا سيُشكل نموذجا يُحتذى لجهود التحديث الأوسع نطاقا بالصين خلال السنوات المقبلة.