أخبار < الرئيسية

التعامل مع التعقيدات.. تدشين الفصل التالي للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي

: مشاركة
2025-09-15 11:57:00 الصين اليوم:Source :Author

قبل خمسين عاما، شكل تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والاتحاد الأوروبي تحولا كبيرا في النظام العالمي ما بعد الحرب. واحتفاء بهذه المناسبة، التقى قادة الجانبين في بكين في الرابع والعشرين من يوليو 2025، وحضروا القمة الخامسة والعشرين بين الصين والاتحاد الأوروبي، في وقت يواجهون فيه أيضا مشهدا عالميا مضطربا يتسم بتوترات جيوسياسية وعدم يقين اقتصادي وقواعد متنازع عليها.

في ظل هذه الخلفية، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال لقائه مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ثلاثة مقترحات: تعزيز الاحترام المتبادل من أجل توطيد الشراكة، ودعم الانفتاح والتعاون من أجل إدارة الاختلافات والتعقيدات، ودعم التعددية من أجل حماية قواعد ولوائح النظام الدولي. هذه المقترحات تمثل خارطة طريق حيوية لتوجيه واحدة من أهم العلاقات الثنائية في العالم، للتعامل مع التحديات المقبلة.

الاحترام المتبادل.. الأساس الذي لا غنى عنه لتجاوز الاختلافات

أكد الرئيس شي أنه رغم اختلاف الصين والاتحاد الأوروبي في التاريخ والثقافة، وفي مسارات وأنظمة التنمية، فإن هذه الاختلافات "لم تكن عائقا في سبيل إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما... ولا ينبغي أن تعيق تطوير العلاقات الثنائية في المستقبل". ويتطلب هذا المبدأ المزيد من التسامح في النظر إلى الاختلافات، باعتبارها خصائص متأصلة تتطلب الاحترام ضمن شراكة ناضجة.

إن مبدأ الاحترام المتبادل متأصل بعمق في التقاليد الثقافية الصينية والأوروبية على حد سواء. والفلسفة الصينية تدعم هذه القيمة الأخلاقية عبر مفهوم "الانسجام في التنوع"، وتؤكد على أهمية التعايش في ظل الاختلاف. وبالمثل، فالفكر الأوروبي يجسد هذه الروح التي تظهر في عبارات كالمثل الإنجليزي "الحياة تتطلب كل أنواع البشر"، والمثل الفرنسي "عاش الاختلاف". ورغم اختلاف وجهات النظر هذه جغرافيا، فإنها تشترك في تقدير عميق للتعايش القائم على الاحترام.

التطلع إلى الاحترام المتبادل له جذور تاريخية راسخة. في عام 1688، كتب ملك فرنسا لويس الرابع عشر، رسالة إلى إمبراطور أسرة تشينغ (1644- 1911م) كانغ شي، مخاطبا إياه بـ"صديقي العزيز الوفي"، معربا عن رغبته في التبادل الثقافي. ورغم أن الرسالة لم تصل إلى الإمبراطور، فإن خمسة من علماء الرياضيات التابعين للملك، قد وصلوا إلى بكين، وساهموا في نشر المعارف الرياضية والطبية والفلكية الغربية في الصين، وقد عمل اثنان منهم في البلاط الإمبراطوري.

في الرابع عشر من يناير 2025، وفي مكالمة هاتفية مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، قال الرئيس شي: "إن تاريخ تطور العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي يثبت أنه طالما حافظ الجانبان على الاحترام المتبادل والتعامل على قدم المساواة، والانخراط في حوار صريح، يمكنهما تعزيز التعاون وتحقيق أشياء عظيمة."

وأكد الرئيس شي على أن التشابه في وجهات النظر يسهم في بناء الشراكة، وأن السعي إلى أرضية مشتركة مع احترام الاختلافات، يحدد الشراكة أيضا. الأساس في كل هذا يكمن في احترام النظم الاجتماعية ومسارات التنمية التي يختارها كل جانب، إضافة إلى المصالح الجوهرية والشواغل الرئيسية لكل منهما. لذا، قد تختلف آراء الصين والاتحاد الأوروبي حول بعض القضايا، لكن الاحترام المتبادل هو النهج الأمثل للتعامل معها.

التعاون المفتوح.. الضرورة الإستراتيجية لمكافحة التشتت

التعاون الاقتصادي هو حجر الأساس في العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي. وبصفتهما من أكبر الاقتصادات في العالم، أقامت الصين والاتحاد الأوروبي شراكة إستراتيجية شاملة، وتطورا ليصبحا شريكين تجاريين مهمين. وفقا للإحصاءات، ارتفع حجم التبادل التجاري السنوي بين الصين والاتحاد الأوروبي من 4ر2 مليار دولار أمريكي عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى 8ر785 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وزاد رصيد الاستثمار المتبادل من الصفر تقريبا إلى حوالي 260 مليار دولار أمريكي.

تواصل العديد من الشركات الأوروبية الاستثمار في الصين، بهدف تحقيق المنفعة المتبادلة. وشركة مرسيدس- بنز خير مثال على ذلك. بين عامي 2014 و2023، استثمرت مرسيدس- بنز وشركاؤها الصينيون، أكثر من مائة مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) في الصين. وفي عام 2024، أعلنت مرسيدس- بنز وشركاؤها عن استثمار إضافي بقيمة 14 مليار يوان في الصين. هذه الاستثمارات لا تعزز نمو أعمالها فحسب، وإنما أيضا تساهم في توفير فرص العمل والتنمية في الصين.

خلال منتدى تنمية الصين، في مارس 2025، وصف أولا كالينيوس، الرئيس التنفيذي لمجموعة مرسيدس- بنز، السوق الصينية بأنها "ركيزة أساسية" لإستراتيجية مرسيدس- بنز العالمية وقوة دافعة حاسمة لتحولها، وقال: "لا تزال مرسيدس- بنز ملتزمة بالاستثمار الطويل الأجل في الصين. نرى أن استمرار سياسة الصين في الانفتاح على العالم سيطلق العنان لإمكانات سوقها بشكل أكبر."

وإلى جانب شركات صناعة السيارات العملاقة، تستثمر شركات مثل "بوش" في تقنيات المستقبل. ويجسد استثمارها البالغ 950 مليون يورو في تطوير وإنتاج مكونات وسائل التنقل الكهربائي والقيادة الذاتية، في مدينة سوتشو، تعاونا يتجه نحو قطاعات الطاقة الجديدة الحيوية، مؤكدا عمقا يتجاوز الصناعات التقليدية.

وبينما يرسي التعاون الاقتصادي الأساس العملي للعلاقات الثنائية، فإن التعاون في التبادلات الإنسانية يعزز التفاهم المتبادل. خلال زيارته لفرنسا في مايو 2024، أعلن الرئيس شي أن الصين ستزيد عدد الطلاب الفرنسيين الذين يدرسون في الصين إلى أكثر من عشرة آلاف طالب خلال السنوات الثلاث المقبلة، وستضاعف حجم التبادلات الشبابية الأوروبية في الصين.

في هذا السياق، أقيمت فعالية "اللقاء في صالون ((الصين اليوم))- جسر السلام.. حوار بين منطقة الخليج الكبرى والقادة الشبان الأوروبيين"، في هنغتشين بمقاطعة قوانغدونغ في جنوبي الصين، في يوليو 2025. وقد اجتذبت أكثر من 80 ممثلا للشباب من الصين وأوروبا لمناقشة موضوعات، مثل الأوضاع الحالية والاتجاهات المستقبلية لمؤسسات الابتكار العلمي والتكنولوجي ومسؤوليات الشركات في تعزيز التقدم الاجتماعي.

وعلى الرغم من الاحتكاكات التجارية القائمة في قطاعات مثل المركبات الكهربائية والمعدات الطبية، أشار الرئيس شي إلى أن تعزيز القدرة التنافسية ينبغي ألا يعتمد على "بناء الجدران والحواجز"، وأن "فك الارتباط وقطع سلاسل التوريد" لن يؤدي إلا إلى عزلة ذاتية، وأن تقليل الاعتمادية لا يعني تقليل التعاون. وقال إن "جوهر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي يكمن في التكامل والمنفعة المتبادلة، وإن تحقيق التوازن الديناميكي يجب أن يكون، بل ويمكن أن يكون، من خلال التنمية".

إحياء التعددية.. مسؤولية مشتركة من أجل النظام العالمي

بصفتهما فاعلين عالميين مؤثرين، تتقاسم الصين والاتحاد الأوروبي مسؤوليات تعزيز السلام والاستقرار والتنمية. في مايو 2025، دعا الرئيس شي الجانبين إلى دعم التعددية، وحماية العدالة والإنصاف، ومعارضة الأحادية والتنمر، والتكاتف لمواجهة التحديات العالمية، والعمل من أجل عالم متعدد الأقطاب يتصف بالمساواة والانتظام، وعولمة اقتصادية شاملة ومفيدة للجميع، للإسهام بشكل أكبر في السلام والاستقرار والتنمية والازدهار العالمي.

وفيما يتعلق بالصراعات والحروب الإقليمية، كالأزمة الأوكرانية، تتشاطر الصين والاتحاد الأوروبي، مصالح مشتركة في ضمان السلام والاستقرار. في مايو 2025، جدد الرئيس شي موقف الصين من هذه القضية خلال لقائه مع الرئيس الروسي بوتين، قائلا إن الصين تؤيد وتلتزم برؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام على المستوى العالمي، وإنها ترحب بجميع الجهود المؤدية إلى السلام، وتتطلع إلى التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم وملزم بشأن الأزمة الأوكرانية، يحظى بقبول جميع الأطراف المعنية من خلال الحوار.

إن نصف قرن من العلاقات الصينية- الأوروبية يقدم رؤية جوهرية، مفادها أن التقدم المستدام يتطلب احتراما حقيقيا متبادلا، وترابطا يتم من خلال التعاون المنفتح، ومسؤولية مشتركة لدعم تعددية أطراف فعالة. وتجسد مقترحات الرئيس شي ركائز أساسية. إن نجاح السنوات الخمسين القادمة للعلاقات بين الجانبين، لن يقاس بغياب الاختلافات، وإنما بإدارتها بطريقة ثابتة وبناءة.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4