يصادف عام 2024 الذكرى السنوية العشرين لإقامة منتدى التعاون الصيني العربي. قبل عشرين سنة، اتخذت الصين والدول العربية اختيارا إستراتيجيا بإقامة منتدى التعاون الصيني العربي، متوارثة الصداقة التقليدية الصينية العربية وواضعة نصب عينيها التنمية الطويلة الأجل للعلاقات الصينية العربية.
على مدى السنوات العشرين الماضية، تم بناء المنتدى من الصفر، وتعاظم حجمه بخطوات ثابتة وتقدم إلى الأمام بجرأة، مواكبا على الدوام التغيرات في الأوضاع الدولية والإقليمية، ومتوافقا مع احتياجات التنمية في الصين والدول العربية، فأضحى منصة مهمة للصين والدول العربية لإجراء الحوار المتكافئ وتعزيز التعاون العملي بين الجانبين، وقدم مساهمات معتبرة لدفع تطور العلاقات الصينية العربية.
-- الدبلوماسية على مستوى القمة ترشد اتجاه التطور. كانت العشرون عاما التي انقضت منذ إنشاء المنتدى أكثر الأعوام نشاطا في التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين والدول العربية. وخاصة في السنوات العشر الماضية بعد دخول العصر الجديد، أولى الرئيس شي جين بينغ أهمية كبيرة للأعمال المتعلقة بالدول العربية، متخذا بنفسه الإجراءات لتعزيزها، فقاد العلاقات الصينية العربية لدخول "المسار السريع" للتطور المزدهر. في عام 2014، حضر الرئيس شي مراسم افتتاح الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي واقترح لأول مرة بناء المجتمع الصيني العربي للمصالح المشتركة والمصير المشترك. وفي عام 2016، زار مقر جامعة الدول العربية وألقى كلمة مهمة شرح فيها بشكل شامل ومنهجي سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط في العصر الجديد، ووضع خطة تطوير العلاقات الصينية العربية في المستقبل. في عام 2018، حضر مراسم افتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري للمنتدى، وأعلن عن إقامة شراكة إستراتيجية موجهة نحو المستقبل بين الصين والدول العربية من أجل التعاون الشامل والتنمية المشتركة. في عام 2020، بعث برسالة تهنئة إلى الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري للمنتدى، أكد فيها على ضرورة تعميق وتعزيز بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك لتحقيق الفائدة للشعبين الصيني والعربي على نحو أفضل.
في عام 2022، عقدت القمة الصينية العربية الأولى بنجاح، وبتوصية خاصة من الرئيس شي، اتفق الجانبان الصيني والعربي على بذل كل الجهود لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وقيادة العلاقات الصينية العربية إلى عصر جديد من التنمية الشاملة والمتعمقة.
-- الثقة السياسية المتبادلة تزداد تعمقا. منذ عام 2004، حققت العلاقات الصينية العربية "ثلاث قفزات"؛ من "الشراكة" إلى "علاقة التعاون الإستراتيجي" ثم إلى "الشراكة الإستراتيجية". لقد دعمت الصين والدول العربية دائما بعضها البعض بقوة في القضايا المتعلقة بالمصالح الأساسية والشواغل الرئيسية لكل منها. تلتزم الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة، وتدعم الصين في المحافظة على سيادتها ووحدة أراضيها، واعتمد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية قرارات ودية بشأن الصين أكثر من أربعين مرة على التوالي. وتدعم الصين بقوة الدول العربية في تعزيز الاستقلال الإستراتيجي والوحدة والاعتماد على الذات، واتخاذ مسار التنمية الذي يتماشى مع ظروفها الوطنية، وتدعم الدول العربية في جهودها للمحافظة على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. إن جامعة الدول العربية هي أول منظمة إقليمية في العالم أصدرت بشكل مشترك مبادرة تعاون في مجال أمن البيانات مع الصين، وأول منظمة إقليمية أصدرت بيانا مشتركا بشأن تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية وأول منظمة إقليمية وقعت وثيقة تعاون بشأن بناء تحالف مراكز الفكر مع الصين، مما يشكل مثالا رائدا للتعاون فيما بين بلدان الجنوب.
-- نتائج مثمرة للتعاون العملي. في إطار المنتدى، تم إنشاء تسعة عشر نشاطا مؤسسيا، تغطي العديد من المجالات مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة والتبادلات الشعبية والابتكار التكنولوجي والطب والصحة والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية وغيرها، فأصبحت آليات فعالة لتخطيط وتعزيز التعاون العملي بين الصين والدول العربية. وتعد الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات عديدة متتالية. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 7ر36 مليار دولار أمريكي في عام 2004، إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة حوالي 11 ضعفا. ووقعت الصين وثائق تعاون بشأن البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" مع الدول العربية الاثنتين والعشرين وجامعة الدول العربية. وقد نفذ الجانبان أكثر من مائتي مشروع كبير في إطار التعاون في بناء "الحزام والطريق"، واستفاد من نتائج التعاون ما يقرب من ملياري شخص من الجانبين. على سبيل المثال، تساعد مصفاة ينبع في السعودية على تحول نمط تنمية الاقتصاد السعودي والارتقاء بمستواه، ويقدم القمر الاصطناعي "مصر سات- 2" خدمات في المسح العام للأراضي والري والزراعة وغيرها من المجالات في مصر، وتم إنجاز بناء نحو ألف محطة قاعدية لشبكة الجيل الخامس في الكويت لتصبح أول دولة تتمتع بتغطية شبكة الجيل الخامس بشكل كامل في منطقة الشرق الأوسط. ويتعمق باطراد التعاون بين الجانبين الصيني والعربي في مجالات جديدة مثل التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والطيران والأقمار الاصطناعية والاتصالات المعلوماتية. وتم إنشاء المركز الصيني العربي الدولي لبحوث الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي، ويعمل المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا والمركز الصيني العربي للطاقة النظيفة ومركز التميز الصيني العربي لنظام "بيدو" وغيرها بفعالية، وتربط المراكز الثنائية لنقل التكنولوجيا آلاف المؤسسات البحثية والشركات الابتكارية في الصين والدول العربية، الأمر الذي يوفر دعما قويا لتعميق التعاون الابتكاري الأخضر.
-- التبادلات الشعبية والثقافية وثيقة بشكل متزايد. أصبح المنتدى قوة مساعدة جبارة لتعزيز التبادلات الشعبية والثقافية بين الصين والدول العربية. في إطار المنتدى، أقيمت أنشطة تبادل ثقافي مختلفة عدة مرات، مثل مهرجان الفنون وندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية ومؤتمر الصداقة الصينية العربية ومنتدى المرأة الصينية العربية ومنتدى التعاون الصيني العربي في مجال الصحة. وكانت سلسلة من أنشطة التبادل الثقافي مثل "عيد الربيع السعيد" و"الرحلة الثقافية الصينية العربية لطريق الحرير" والرحلة الإبداعية في إطار فعالية "التقاء الفنانين في طريق الحرير" رائعة وجامعة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ رسميا تشغيل المركز الصيني العربي للصحافة وموقع بوابة المكتبة الرقمية الصينية العربية، وتم إنشاء تحالف مراكز الفكر الصينية العربية والمركز الثقافي الصيني العربي للنشر. وقد أنجز مشروع ترجمة الكلاسيكيات الصينية العربية ترجمة ونشر نحو مائة كتاب كلاسيكي وعمل أدبي حديث ومعاصر من الصين والدول العربية. وما زالت الدول العربية تشهد إقبالا كبيرا على تعلم اللغة الصينية، وأعلنت السعودية والإمارات ومصر وتونس وغيرها من الدول العربية إدراج اللغة الصينية في المناهج الدراسية الوطنية، وهناك أكثر من عشرين معهد كونفوشيوس في الدول العربية، بالإضافة إلى مئات المدارس التي تقدم دورات في اللغة الصينية. وأحدثت المسلسلات التلفزيونية والأفلام الروائية والأفلام الوثائقية والروايات المنشورة على شبكة الإنترنت وغيرها من الأعمال الفنية والأدبية الصينية الممتازة جولة جديدة من "الولع بالصين"، فقد تم بث المسلسل التلفزيوني ((الهجرة إلى السعادة)) في السعودية ومصر والسودان وغيرها من الدول على التوالي، وبلغ عدد مشاهدات المسلسل التلفزيوني ((انطلق)) مائة مليون مرة، وأصبحت اللغة العربية من أكثر اللغات التي تُترجم إليها المسلسلات التلفزيونية الصينية على منصة الإنترنت.
-- تعزيز السلام ودعم الإنصاف معا. يهدف المنتدى إلى تعزيز الحوار والتعاون ودعم السلام والتنمية، وبناء التوافق حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتعزيز التعاون الصيني العربي في الشؤون الدولية والإقليمية. وبدعم قوي من الصين، حققت المملكة العربية السعودية وإيران مصالحة تاريخية، مما أطلق "موجة المصالحة" في الشرق الأوسط، وعادت سوريا إلى أسرة جامعة الدول العربية، واستأنفت قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسوريا وتونس والمملكة العربية السعودية وتركيا ومصر وغيرها العلاقات الدبلوماسية أو قامت بتطبيع العلاقات بينها. وفي إطار المنتدى، كانت القضية الفلسطينية دائما موضوعا مهما للمناقشة بين الصين والدول العربية في الاجتماعات الوزارية السابقة للمنتدى، والاجتماعات الرسمية الرفيعة المستوى، والحوار السياسي الإستراتيجي على مستوى كبار المسؤولين وغيرها من الأنشطة التي شاركت فيها الصين والدول العربية، وجرى تبادل عميق للآراء بشأن القضية الفلسطينية وتم التوصل إلى توافق واسع النطاق. في يناير عام 2024، التقى وزير خارجية الصين وانغ يي، وهو أيضا عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في القاهرة، حيث أصدر الجانبان بيانا مشتركا بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وستعمل الصين مع الدول العربية على دعم الإنصاف والمساهمة في وقف إطلاق النار ووقف العنف وحماية المدنيين وتخفيف الأزمة الإنسانية في فلسطين، ودفع إيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين" في أسرع وقت ممكن.
في الوقت الحالي، يشهد العالم تغيرات لم يسبق لها مثيل منذ مائة سنة. تجمع بين الصين والدول العربية صداقة حقيقية وشراكة جيدة وأخوة طيبة، كما أنهما قوة مهمة لتعزيز سلام وتنمية العالم. تُعتبر القمة الصينية العربية الأولى معلما مهما في تاريخ العلاقات الصينية العربية، وتقود العلاقات الصينية العربية لدخول عصر جديد من التنمية الشاملة والمتعمقة. وبالوقوف عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة، يجب على الجانبين الصيني والعربي أن يواصلا التضامن والتعاون، لدفع بناء المنتدى ليتمتع بمزيد من الحيوية ويحقق منجزات جديدة، وتعميق تطور العلاقات الصينية العربية، وتقديم مساهمات أكبر في قضية سلام وتنمية العالم.
سوف نتخذ مع الجانب العربي خطوات جديدة لبناء مجتمع المستقبل المشترك. إن بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هي الاتجاه العام وطموح الشعوب. وكلما أصبح الوضع الدولي أكثر تعقيدا وتغيرا باستمرار، كلما زادت حاجة الصين والدول العربية إلى تعزيز الوحدة والتعاون، وكلما زاد التزامهما بالاتجاه الأساسي لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك. وبناء على التوافق المهم الذي توصل إليه القادة في القمة، يتعين على الصين والدول العربية تعزيز مواءمة مبادرة "الحزام والطريق" مع إستراتيجيات التنمية للدول العربية، وبناء نمط جديد من العلاقات الدولية يتسم بالاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون المربح للجانبين، ودفع الحوكمة العالمية المتميزة بالتشاور المكثف والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة، وممارسة القيم المشتركة للسلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية للبشرية جمعاء، والعمل معا للاستجابة للتحديات، وتحقيق الرخاء المشترك، ودفع العالم نحو مستقبل مشرق ينعم بالسلام والأمن والرخاء والتقدم.
سنعمل مع الجانب العربي على استكشاف الإمكانيات الكامنة الجديدة للتعاون العملي بشكل عميق. يجب على الجانبين اغتنام فرص تنفيذ "الأعمال الثمانية المشتركة" للتعاون العملي الصيني العربي وغيرها من مخرجات القمة الصينية العربية الأولى، واستخدام أفكار جديدة وطرح تدابير جديدة وتوسيع آليات جديدة، لتوطيد التعاون في الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والمنشآت التحتية والثقافة والسياحة وغيرها من المجالات التقليدية، وتوسيع التعاون في التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والاقتصاد الرقمي والذكي الاصطناعي والاتصالات المعلوماتية والطيران والأقمار الاصطناعية وغيرها من المجالات الناشئة، لإطلاق مزيد من القوة الكامنة للتعاون، وتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بجودة أعلى وعلى مستوى أعمق، وتكامل التفوقات والتنمية المشتركة على مستوى أعلى، وجلب المصالح الملموسة لشعوب الجانبين.
سنعمل مع الجانب العربي على تعزيز القوى الجديدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب. يجب على الجانبين أن يواصلا البناء المشترك العالي الجودة لـ"الحزام والطريق" والتنفيذ المشترك لـ"المبادرات العالمية الثلاث"، ودفع التعاون في المجالات المهمة بنشاط، ومواجهة مخاطر وتحديات الأمن من مختلف الأنواع يدا بيد، والتمسك بمفهوم الحضارة المتمثل في المساواة والاستفادة المتبادلة والحوار والشمول، والمحافظة على مصالح الدول النامية، والدفاع عن حقوق ومصالح الدول النامية، وتعزيز تعددية أقطاب عالمية متساوية ومنظمة وعولمة اقتصادية شاملة ومتسامحة. ويتعين على الجانبين تعزيز التعاون ضمن أطر التعاون المتعددة الأطراف مثل بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون ومجموعة العشرين، لتحقيق نتيجة "واحد و22 أكثر من ثلاثة وعشرين (1+22>23)"، وإضافة القوة الحيوية للجنوب العالمي إلى القضية العادلة لسلام وتنمية العالم.
سنعمل مع الجانب العربي على إيجاد الطرق الجديدة لبناء المنتدى. يجب على الجانبين التكيف مع تغيرات الوضع ومتطلبات تطور العلاقات الصينية العربية، وتأدية دور المنتدى في تخطيط وإرشاد ودفع التعاون الصيني العربي بشكل متزايد، واستكشاف أفكار جديدة وطرق جديدة لتطوير المنتدى، وإبداع أنماط التعاون للمنتدى، وإثراء وإكمال آلية التعاون بشكل مطرد، وتعزيز قوة الحشد والتأثير للمنتدى، لإضافة قوة محركة دائمة لتوارث العلاقات الودية بين الصين والدول العربية، وتوفير الضمان الثابت لتعزيز الثقة المتبادلة السياسية بين الصين والدول العربية، وتقديم منصة تواصل لدفع التعاون العملي الصيني العربي، وتمتين الدعم المعنوي لتقوية الصداقة التقليدية الصينية العربية، لجعل كعكة التعاون أكبر وبناء آليات أقوى وتنفيذ المزيد من الإجراءات العملية لنخدم بشكل أفضل بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك.
لقد حققنا منجزات رائعة في الماضي، وينبغي لنا أن نواصل التقدم في المستقبل. مهما تغيرت الأوضاع الدولية، لن يتوقف بناء منتدى التعاون الصيني العربي، ولن ينقطع تطور العلاقات الصينية العربية. ستعقد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري للمنتدى في الصين، وهذه أول دورة للاجتماع الوزاري للمنتدى تُعقد بعد القمة الصينية العربية الأولى، ولها مغزى مهم. سنعمل مع الجانب العربي على مواصلة تنفيذ مخرجات القمة، ودفع مواصلة إظهار الحيوية الجديدة للشراكة الإستراتيجية الصينية العربية اغتناما لفرصة إقامة الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري للمنتدى، لتحقيق منجزات جديدة في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.
--
لي تشن، سفير شؤون منتدى التعاون الصيني العربي بوزارة الخارجية الصينية.