اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية الثامنة بعد السبعين، قرارا اقترحته الصين باعتبار العاشر من يونيو كل سنة اليوم الدولي للحوار بين الحضارات.
مع تزايد التناقضات واستمرار النزاعات في العصر الحديث، لا يزال شبح عقلية الحرب الباردة قائما. فكيف تقدم مبادرة الحضارة العالمية التي طرحتها الصين أملا جديدا في ظل تصاعد سوء الفهم وعجز التواصل بين البلدان والحضارات المختلفة؟
مبادرة الحضارة العالمية مستمدة من خمسة آلاف سنة من التقاليد الثقافية للأمة الصينية، وتسطع بالحكمة الصينية. إن فلسفة "السعي إلى الانسجام والتعايش" تعزز الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة وتتجاوز التناقضات وتقلل النزاعات بين حضارات وبلدان العالم. هذه المبادرة تكسر الرؤية الخاطئة المتمثلة في "التحديث هو التغريب"، وأفضل من نظريات "صراع الحضارات" و"تفوق الحضارة الغربية" و"لعبة المحصلة الصفرية" و"المعارضة الثنائية" وغيرها، وتقدم حلول الصين لقضية "إلى أين تتجه الحضارة البشرية؟".
التنوع الثقافي.. السعي لإيجاد نقاط مشتركة وتنحية نقاط الخلاف جانبا
التنوع هو الميزة الجوهرية للحضارة البشرية. يعتقد المؤرخ البريطاني أرنولد جوزف توينبي أن البشرية عرفت في تاريخها 26 حضارة، وأن مسيرة تطور الحضارات البشرية متنوعة. تعتقد نظرية المركزية الغربية ونظرية تفوق الحضارة الغربية أن الحضارة الغربية متقدمة ومثالية، وأن الحضارات الأخرى تتسم بالجهل والوحشية. تعتقد الدول الغربية أنها تحمل مهمة نشر "الحضارة المتقدمة" إلى الدول غير الغربية ورسالة "التنوير الحضاري". وتعتقد أيضا أن طريق التحديث الغربي للدول هو الطريق الصحيح والوحيد لتحقيق التحديث، ويجب على الدول الأخرى اتباع طريق الدول الغربية لتحقيق التحديث. إن هذه الرؤى أظهرت نية الدول الغربية للاستعمار والنهب ونشر "القيم العالمية" في جميع أنحاء الأرض، وهي السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى النزاعات المستمرة في العصر الحديث.
اختلافا عن ذلك، تشكلت الحضارة الصينية من حضارات صغيرة إقليمية. كما قال عالم الآثار يان ون مينغ إن الصين محاطة بالجبال والصحاري والمروج والبحار، وأصبحت وحدة جغرافية مستقلة نسبيا. الصين ذات مساحة شاسعة وفيها بيئات متنوعة، مما ساعد في تشكيل الحضارات الإقليمية بصورة سهلة. إن اندماج هذه الحضارات الإقليمية هو ما يجعل الحضارة الصينية تظهر تنوعا وشمولا قويين.
إن تاريخ تطور الحضارة الصينية هو تاريخ اندماج الحضارات الإقليمية على أساس تنوع مصادر الحضارات والتاريخ، مما شكل توافق الأمة وتوافق الثقافة تدريجيا.
بالاستفادة من تفاصيل التاريخ والثقافة المشار إليها أعلاه، يتمسك الشعب الصيني بفلسفة "السعي لإيجاد النقاط المشتركة وتنحية نقاط الخلاف جانبا" و"يجب أن تزدهر جميع الكائنات الحية دون الإضرار ببعضها البعض؛ ويجب أن تزدهر جميع طرق الحياة دون إعاقة بعضها البعض"، الأمر الذي يوفر نهجا فلسفيا مهما للتبادلات والتواصل بين الحضارات المختلفة.
تدعو مبادرة الحضارة العالمية إلى احترام تنوع الحضارات العالمية، وإلى التمسك بالمساواة والتعلم المتبادل والتشاور والتسامح، وإلى درء الانقسامات من خلال الوحدة ومنع التنازع بالتعاون وإحلال التسامح محل الإقصاء، مما يجسد حكمة الصين. وبذلك ظهرت صورة جديدة تختلف عن التحديث الغربي، وتشير إلى اتجاه جديد لتقدم الحضارات البشرية.
بناء نظام دولي جديد
من ناحية، تتمسك بعض الدول بعقلية المجابهة ومنطق الهيمنة المتمثل في "إذا لم تكن أنت على طاولة النظام الدولي، فقد تكون على القائمة" للتعامل مع العلاقات الدولية، وتصر على المجابهة، الأمر الذي يضر كثيرا بسلام العالم وتنميته. ومن ناحية أخرى، تزداد قوة الدول الناشئة بسرعة باعتبار الصين ممثلة لها، وتتطور العولمة بسرعة، مما يقلل تأثير وصواب نظريات العلاقات الدولية التقليدية الغربية. "ماذا حدث للعالم؟ وماذا سنفعل؟" أصبح سؤالا يفكر فيها كل العالم.
إن "السعي إلى الانسجام والتعايش" هو الحكمة الفلسفية المتأصلة في الثقافة الصينية التقليدية، وهذه الحكمة تدفع ظهور وجهة النظر المتمثلة في أن "كل الناس تحت السماء من عائلة واحدة ويجب على جميع الأمم أن تعيش في وئام" و"السعي إلى حسن النية مع الجيران"، وتساهم في الإجابة على سؤال "ماذا حدث للعالم؟ وماذا سنفعل؟" وفي كسر فخ المجابهات بين القوى الكبرى.
تخترق الحضارة الصينية القيود الضيقة للمفاهيم العرقية والإقليمية، وتعمل على نشر الثقافة الممتازة إلى العالم، وتدعو إلى المحافظة على سلام العالم عن طريق الأخلاق والثقافة الممتازة، وتحقق التعايش السلمي بين بلدان العالم عن طريق التعايش المنسجم. وترفع مفهوم "رن" (الرحمة والعدالة) من مستوى معالجة العلاقة بين الناس إلى مستوى معالجة العلاقات الدولية، وتدعو إلى اعتبار دول الجيران أصدقاء والمحافظة على العلاقات الطيبة بينها.
إن "تعظيم قيم البشرية المشتركة" وعدم الإصرار على المجابهات الأيديولوجية وعدم فرض مفهوم القيم على الآخرين وتعزيز التعاون الإنساني العالمي ودفع تقارب شعوب العالم، التي طرحتها مبادرة الحضارة العالمية، هي تجسيد حي للحكمة الصينية.
السعي إلى الانسجام والتعايش والتنمية المشتركة
إن بناء مجتمع المستقبل المشترك هو مستقبل مشرق للشعوب العالمية. دفع بناء مجتمع المستقبل المشترك يعني "تقاسم المصالح والتمتع بالحقوق وتحمل المسؤوليات في الشؤون العالمية بين الدول المختلفة، وبناء نظام اجتماعي وأيديولوجي وثقافة وتاريخ وتحقيق التنمية معا". يسعى مجتمع المستقبل المشترك إلى عالم نظيف وجميل يتمتع بالسلام الدائم والأمن العام والازدهار المشترك والتسامح والانفتاح والتناغم. إن نواة مجتمع المستقبل المشترك تؤكد "التشارك" وتدفع "الاندماج" وتدعو إلى "الانسجام"، الأمر الذي يبرز حكمة مبادرة الحضارة العالمية. وفي الوقت نفسه، تضخ مبادرة الحضارة العالمية قوة ثقافية جبارة ودائمة لدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك.
من ناحية، فإن مبادرة الحضارة العالمية تعزز التوافق الحضاري لبناء مجتمع المستقبل المشترك. يمكن القول إن مجتمع المستقبل المشترك هو مجتمع ذو قيمة مشتركة متمثلة في السعي لإيجاد النقاط المشتركة وتنحية نقاط الخلاف جانبا إلى حد ما. إن "الدعوة إلى تعظيم قيمة البشرية المشتركة يدا بيد"، وتعظيم سعي الشعوب المشترك المتمثل في السلام والتنمية والمساواة والعدالة والديمقراطية والحرية، يمكنها أن تجمع بشكل أفضل القواسم المشتركة بين البلدان ومفاهيم القيم الحضارية المختلفة، الأمر الذي يعمق قوة واستدامة مجتمع المستقبل المشترك.
ومن ناحية أخرى، فإن مبادرة الحضارة العالمية توجه بناء مجتمع المستقبل المشترك. إن "الدعوة إلى تعزيز التعاون والتواصل الإنساني العالمي يدا بيد، تعزز بناء شبكة تعاون للحوار بين الحضارات العالمية، وتثري محتويات التواصل، وتوسع وسائل التعاون"، وتقدم مسار تطبيق ملموسا لبناء مجتمع المستقبل المشترك. وتحت إرشاد هذه المبادرة، تقوم الصين بنشاطات الحوار بين الحضارات المتنوعة، بما فيها منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي، ومنتدى ليانغتشو، والحوار حول التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات، مما يدفع التواصل والتعاون بين بلدان العالم.
إن مبادرة الحضارة العالمية والحكمة المتمثلة في السعي للانسجام والتعايش التي تجسدها المبادرة، تتجاوز عقلية "المعارضة الثنائية" التي يتبعها الغرب، وتساعد في دفع التعلم المتبادل على أساس المساواة، والسعي لإيجاد النقاط المشتركة وتنحية نقاط الخلاف جانبا، والتنمية المشتركة بين الحضارات المختلفة، وتساهم أيضا في مساعدة البلدان والحضارات العالمية في التصدي للتحديات التي تواجه البشرية.
--
وانغ دونغ تشي، سكرتير التعليم في قسم بناء الحزب لمدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
يانغ جيان تشونغ، أستاذ في مدرسة الحزب التابعة للجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة شاندونغ.