تعتبر منطقة الشرق الأوسط نقطة مهمة وصعبة لحوكمة الأمن العالمي. وقد أدت التناقضات الطائفية والنزاعات الإقليمية والإرهاب إلى تقييد السلام والتنمية في الشرق الأوسط. في الثالث والعشرين من يوليو عام 2024، اجتمع 14 فصيلا سياسيا فلسطينيا، ومنها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بكين، ووقعت ((إعلان بكين)) لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، مما يرمز إلى توصل الأطراف المعنية إلى توافق جديد لحل الانقسام الفلسطيني الداخلي الطويل الأمد. وهو ما يعد انتصارا مهما جديدا لدبلوماسية الوساطة الصينية في الشرق الأوسط بعد تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران في مارس عام 2023.
((إعلان بكين)) تطبيق ناجح آخر لمبادرة الأمن العالمي
القضية الفلسطينية ظلت من دون حل لفترة طويلة، وهي القضية الجذرية للنزاعات في الشرق الأوسط. إن إنهاء الانقسامات الداخلية في فلسطين وتحقيق الوحدة الوطنية، هما الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. على الرغم من أن بعض الدول قد حاولت التوسط بين الفصائل السياسية الفلسطينية، فإنها لم تحقق إلا نجاحا ضئيلا.
أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته التي ألقاها في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في عام 2016، إلى أن الصين تريد أن تكون بناءة للسلام في الشرق الأوسط، ودافعة للتنمية في الشرق الأوسط، ومشجعة للتصنيع في الشرق الأوسط، وداعمة لاستقرار الشرق الأوسط، وشريكة لتفاهم عقول وقلوب شعوب الشرق الأوسط. إن الصين لا تبحث عن وكلاء في الشرق الأوسط، بل تشجع على تعزيز محادثات السلام؛ ولا تنخرط في مناطق النفوذ، بل تحفز الجميع على المشاركة في أوساط أصدقاء "الحزام والطريق"؛ ولا تسعى إلى ملء "الفراغ"، بل تحاول نسج شبكة من الشركاء لتحقق المنفعة المتبادلة والربح لكل الأطراف. تتمسك الصين في الشرق الأوسط بالشراكة وليس التحالف، وتشجع على الحوار وليس المواجهة، وتصر على الانطلاق من المصالح الأساسية لشعوب الشرق الأوسط. نجحت الصين في تذليل الخلافات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في عام 2023، الأمر الذي نال تقديرا واسع النطاق من المجتمع الدولي، وتتوقع الفصائل السياسية الفلسطينية أيضا أن تواصل الصين تعزيز محادثات السلام وتقديم طاقة إيجابية للمصالحة الوطنية الفلسطينية.
في عام ٢٠٢٢، طرحت الصين مبادرة الأمن العالمي، وأشارت إلى التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، بهدف القضاء على جذور النزاعات الدولية، وتحسين حوكمة الأمن العالمي، ودفع تحقيق السلام والتنمية المستدامين للمجتمع الدولي، وتحقيق سلسلة من الإنجازات الأولية في الشرق الأوسط. من ناحية، أكدت الصين في المجتمع الدولي على "حل الدولتين" للقضية الفلسطينية، وتعتقد أن التعايش السلمي بين الأمة العربية والأمة اليهودية لن يتحقق إلا على أساس تأسيس دولة فلسطين المستقلة؛ ومن ناحية أخرى، تسعى الصين إلى تعزيز محادثات السلام، ونجحت في دفع الفصائل السياسية الفلسطينية لتوقيع ((إعلان بكين))، مما يقدم مساهمات حقيقية في تحقيق وحدة الأمة وتأسيس دولة فلسطين المستقلة. يمثل ((إعلان بكين)) اختراقا مهما لعملية المصالحة الداخلية لفلسطين، وله مغزى تاريخي وواقعي مهم.
((إعلان بكين)) يحدد "خارطة طريق" للمصالحة الفلسطينية الداخلية
ترجع خلافات فلسطين الداخلية إلى عدة عناصر معقدة وطويلة الأمد، وهي صعبة الحل. تدعو الصين إلى حل الخلافات الصغيرة نسبيا قبل حل الخلافات المستعصية خطوة بخطوة. إن ((إعلان بكين)) يحدد "خارطة طريق" للمصالحة الفلسطينية الداخلية. أولا، التمسك بالمبدأ الأساسي "الشعب الفلسطيني يحكم فلسطين" وإنهاء الانقسامات الداخلية. إن التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني هو أحد الإنجازات الجوهرية لـ((إعلان بكين))، التوصل إلى هذا التوافق يعد خطوة مهمة لإنهاء الانقسامات الفلسطينية الداخلية. إن تعهد الفصائل السياسية الفلسطينية بوقف الاقتتال الداخلي وتحقيق الوحدة يساهم في تعزيز قوة التماسك الداخلية لفلسطين ودفع تقرير المصير الوطني اعتمادا على الذات وتحقيق الاستقلال. إن هذا التوافق لا يثير ردود أفعال إيجابية داخل فلسطين فحسب، وإنما أيضا يحظى بتأييد واسع النطاق من المجتمع الدولي.
ثانيا، دفع وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتخفيف توتر الوضع الإقليمي. النقطة المضيئة الأخرى في ((إعلان بكين)) هي الموافقة على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة لإدارة غزة بعد الحرب. اتفقت الفصائل السياسية الفلسطينية على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة لتحمل مسؤولية إدارة غزة وإعادة إعمارها من جديد، مما يساعد في تخفيف التوترات الداخلية، ويضع أساسا للسلام المستدام لقطاع غزة، ويقدم مساهمات في تخفيف الوضع المتوتر الإقليمي في الشرق الأوسط.
ثالثا، إن التمسك بـ"حل الدولتين" هو الحل الجذري لدفع عملية السلام. أكدت الصين في هذا الاجتماع مرة أخرى على المكانة الأساسية لـ"حل الدولتين"، وشددت على أنه لا يمكن تحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط إلا عن طريق تحقيق التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل. لا يوجد فائز في الحرب ولا يوجد خاسر في السلام. يدعو ((إعلان بكين)) بوضوح الأطراف المعنية إلى مساعدة فلسطين في إقامة دولة مستقلة عن طريق عملية السلام في الشرق الأوسط، وفقا لقرارات الأمم المتحدة المعنية.
((إعلان بكين)) يجسد مسؤولية الصين في دفع السلام بالشرق الأوسط
تقف الصين إلى جانب العدالة والإنصاف بشأن قضايا الشرق الأوسط، وتدعو دائما إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، وتلعب دورا مستمرا في تخفيف النزاعات. تؤيد الصين دول الشرق الأوسط في تذليل التناقضات عن طريق الحوار والتشاور وإيجاد النقاط المشتركة وتنحية نقاط الخلاف جانبا، على أساس إطار الأمم المتحدة، لكي تجد القاسم المشترك الأكبر في التعاون.
أولا، بناء منصة للتواصل ودفع الحوار السلمي. دعت الصين الفصائل السياسية الفلسطينية الرئيسية إلى بكين لإجراء التشاورات وجها لوجه، واقترحت حل النزاعات بسبل سلمية، وقدمت منصة تواصل دولية للفصائل السياسية الفلسطينية الرئيسية لحل التناقضات الداخلية، وتساعد في حل التناقضات الداخلية عن طريق التعاون والحوار.
ثانيا، استخدام تأثير الصين الدولي لكسب المزيد من الدعم. لعبت الصين دورا مهما في الوساطة في هذا الاجتماع، ومن خلال تأثيرها الدولي جلبت مزيدا من الاهتمام والدعم من المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، ودفعت المجتمع الدولي للعب دور أكثر نشاطا في القضية الفلسطينية.
ثالثا، السعي للوساطة وإظهار مسؤولية الدول الكبرى. نجاح توقيع ((إعلان بكين)) في ظل جهود الصين يقدم للمجتمع الدولي مثالا ناجحا للوساطة في النزاعات، ويبرز دور الصين الإيجابي والبناء في الشؤون العالمية، ويقدم سبيلا لفلسطين لتحقيق الوحدة الوطنية وتأسيس دولة مستقلة. إن الصين تساهم بالحكمة والقوة في عملية السلام في الشرق الأوسط.
باختصار، الصين هي دافعة لـ((إعلان بكين)) وتأمل أن تعمل كافة الأطراف المعنية على تسوية النزاعات. لا تزال التناقضات الجيوسياسية في الشرق الأوسط حادة، والمصالحة الداخلية في فلسطين ما زالت ضعيفة، الأمر الذي يحتاج إلى الرعاية المشتركة من الدول داخل الإقليم وخارجه. مبادرة الأمن العالمي، باعتبارها مفهوما مهما لمشاركة الصين في حوكمة الأمن العالمي، لا تساعد في تذليل النزاعات بين الدول فحسب، وإنما أيضا تقدم سبيلا جديدا لفصائل الدولة في تعايشها السلمي. تصاعد النزاعات في الشرق الأوسط ليس في مصلحة الجميع، والعنف سوف يزرع المزيد من بذور الكراهية. يجب تطبيق روح ((إعلان بكين)) وتقديم حكمة الصين في تحقيق تأسيس دولة فلسطين المستقلة والسعي لسلام ورفاه شعوب الشرق الأوسط عن طريق العمل معا بتضامن وتعاون.
--
وانغ شياو يوي، نائبة باحث في مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان.
سون ده قانغ، باحث ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان.