في أكتوبر 2023، شنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وهي جماعة فلسطينية مسلحة تنشط بشكل أساسي في قطاع غزة الفلسطيني، هجوما مفاجئا على إسرائيل، مما أدى إلى جولة جديدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. هذه الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي هي الصراع العسكري الأكثر مأساوية بين فلسطين وإسرائيل منذ بداية القرن الجديد، ولم تتسبب في خسائر فادحة لكل من فلسطين وإسرائيل فحسب، وإنما أيضا جلبت سلسلة من التداعيات السلبية الخطيرة على استقرار الشرق الأوسط. في الوقت الحاضر، يتجه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى مدى طويل وانتشر تأثيره وتوسع حجمه، وأصبحت آفاق عملية السلام في الشرق الأوسط و"حل الدولتين" مثيرة للقلق أكثر من أي وقت مضى. في الفترة الأخيرة، حولت إسرائيل أهدافها الحربية إلى إيران وحزب الله في لبنان، وازداد خطر تصاعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى حرب إقليمية بشكل كبير. كما أصبح اندلاع وتصعيد هذه الجولة من الصراع، التي لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية دورا مهما، موضوعا مهما لانتقاد إدارة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية. وعلى النقيض من ذلك، اجتذب الدور الإيجابي للصين في السلام والتنمية الحاليين في الشرق الأوسط انتباه العالم.
تداعيات خطيرة على الاستقرار الإستراتيجي في الشرق الأوسط
تسبب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام في خسائر فادحة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ولم يؤد العنف المتصاعد إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من كلا الجانبين فحسب، وإنما أيضا أدى إلى تشريد الملايين من الناس وتسبب في كارثة إنسانية هائلة. على الجانب الإسرائيلي، أسفر هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز 251 شخصا كرهائن. وحتى اليوم السابع من أكتوبر 2024، قتل 728 إسرائيليا من الجنود والجنود الاحتياط وأفراد الأمن وجرح 4576 آخرين في الاشتباكات. وعلى الجانب الفلسطيني، قتلت القوات الإسرائيلية نحو 17 ألفا من أعضاء حماس وغيرهم من أعضاء الجماعات المسلحة في قطاع غزة ونحو 690 فلسطينيا في الضفة الغربية، واعتقلت أكثر من 5250 فلسطينيا، وفقا لبيانات عسكرية إسرائيلية. ووفقا لإحصاء الأمم المتحدة، قتل 42000 فلسطيني، وجرح مائة ألف شخص، وشرد 9ر1 مليون شخص، ودمر أكثر من 60% من منازل غزة، ووصل مليونا شخص إلى أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي. يمكن القول إن سكان غزة البالغ عددهم 3ر2 مليون نسمة يواجهون أزمة إنسانية خطيرة ذات أبعاد غير مسبوقة.
الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي له تداعيات سلبية خطيرة على الاستقرار الإقليمي. فمن ناحية، استمر الصراع في التصاعد، مما أدى إلى أخطر صراع بين الجانبين في السنوات الخمسين الماضية، وزاد من تعميق الكراهية بين فلسطين وإسرائيل وبين العرب وإسرائيل، وأغرق عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية في أزمة، وأصبح "حل الدولتين" أكثر قتامة يوما بعد يوم. من ناحية أخرى، يستمر الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في الانتشار إلى المنطقة بأسرها، وتحارب إسرائيل حاليا على "سبع جبهات" في نفس الوقت: غزة والضفة الغربية في فلسطين، ولبنان، واليمن والبحر الأحمر، وسوريا، والعراق، وإيران. ودعما لأعمال حماس، قام "محور المقاومة" الإقليمي وفي القلب منه إيران (إيران وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن، وحماس في فلسطين والميليشيات الشيعية في سوريا والميليشيات الشيعة في العراق) بأعمال عسكرية ضد إسرائيل، مما أجبر إسرائيل على فتح جبهات متعددة. بصرف النظر عن الحرب في غزة، فإن الصراع بين حزب الله اللبناني وإسرائيل هو الأكثر حدة. وفي الاتجاه اللبناني، هاجمت القوات الإسرائيلية ما يقرب من 11000 هدف من أهداف حزب الله، مما أسفر عن مقتل أكثر من 800 شخص.
انتشار الصراع يزعزع الاستقرار الإقليمي
بالإضافة إلى "الجبهات السبع" المذكورة أعلاه، يتجلى الانعكاس القوي غير المباشر للصراع بين حماس وإسرائيل أيضا في حقيقة أن الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قد أثرت أيضا على زخم تخفيف التوترات الإقليمية، وهددت الاتجاه العام للتنمية والتحول الإقليميين. منذ عام 2020، كان هناك زخم تخفيف التوترات في الشرق الأوسط التي نجمت عن اضطرابات "الربيع العربي"، فتحسنت العلاقات بين تركيا وإسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، وتخطط لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وقامت سوريا بتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية، وخففت إيران بشكل كبير توتر علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر ودول عربية أخرى بوساطة الصين، مما أدى إلى تحسن كبير في التوترات الإقليمية. وقد أسهم ذلك في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وفي الوقت نفسه، وبعد سنوات من الاضطرابات السياسية، تحولت معظم بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك تونس والجزائر ومصر والعراق ودول الخليج، إلى التركيز على التنمية في السنوات الأخيرة، مما يدفع إصلاحاتها الاقتصادية وتحولها الإنمائي. ما يؤسف له أن زخم تخفيف التوترات وتعزيز التنمية قد تأثر سلبا بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي أبطأ، بل وأوقف زخم تخفيف التوترات. كما ألقت الصراعات المستمرة والمتصاعدة في المنطقة بظلالها القوية على بيئة التنمية الإقليمية. ينقسم الشرق الأوسط بشكل متزايد إلى معسكرين؛ محور المقاومة الإقليمية وإيران من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من ناحية أخرى، والذي يشكل مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار الإقليمي.
من منظور مستقبلي، تتزايد احتمالات استمرار تصاعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتوسعه إلى صراع إقليمي. ومنذ سبتمبر 2024، شنت إسرائيل عملية عسكرية برية في جنوب لبنان بالتوازي مع الهجمات التي قتلت زعيم حزب الله حسن نصر الله والعديد من كبار قادة الحزب الآخرين. وفي الوقت نفسه، شنت إسرائيل هجمات متكررة على سوريا. والأكثر من ذلك، أطلقت إيران ما يقرب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل في الأول من أكتوبر ردا على اغتيال إسرائيل لزعيم حماس إسماعيل هنية وزعيم حزب الله حسن نصر الله. ردا على هجوم إيران على إسرائيل، شنت إسرائيل ضربة انتقامية ضد إيران في صباح يوم 26 أكتوبر. من المرجح أن يصبح الصراع العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل أكبر تحد أمني في الشرق الأوسط في المستقبل. ومن المرجح أيضا أن يتصاعد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي اقتصر إلى حد كبير على غزة منذ أكتوبر عام 2023، إلى صراع إقليمي في الشرق الأوسط.
دور بارز للصين في تعزيز التنمية وصون الاستقرار
من المظاهر الصارخة الأخرى لانتشار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أن إسرائيل والدول الغربية قد دعست بأقدامها النظام الدولي، والمتمثل في الأمم المتحدة والمحكمة الدولية، بشكل صارخ، وتم الكشف عن الوجه الزائف للديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتباهى بها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. إن الحملة العسكرية الواسعة النطاق التي تشنها إسرائيل على فلسطين تشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي برفضها قبول قرار محكمة العدل الدولية والامتثال لقرارات الأمم المتحدة. قتلت إسرائيل أكثر من 250 من موظفي الأمم المتحدة وهاجمت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، وطردت أيضا بشكل صارخ موظفي الأمم المتحدة وأعلنت أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "شخصا غير مرغوب فيه" ومنعته من دخول إسرائيل، وهي المرة الأولى في التاريخ التي تتخذ فيها دولة عضو في الأمم المتحدة مثل هذا الإجراء ضد الأمين العام للأمم المتحدة.
وتعزى جرأة إسرائيل على التصرف بهذه الطريقة إلى حد كبير إلى دعم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. فمن ناحية، تزعم الولايات المتحدة الأمريكية السعي لتحقيق وقف إطلاق النار بين فلسطين وإسرائيلي وحماية المدنيين الفلسطينيين، ولكن من ناحية أخرى، تدعم بأغلبية ساحقة العمل العسكري الإسرائيلي ضد حماس سياسيا وعسكريا، وتواصل ضخ الأسلحة إلى إسرائيل. وفقا لصحيفة ((واشنطن بوست))، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية 9ر17 مليار دولار أمريكي من المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ أكتوبر 2023. إن المعايير المزدوجة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية جعلت العالم يرى بوضوح الوجه الحقيقي لما يسمى بـ"النظام الدولي القائم على القواعد" والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتباهى بها الولايات المتحدة الأمريكية، كما فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها في الدول العربية الإسلامية. ليس ذلك فحسب، بل تعرضت إدارة بايدن أيضا للسخرية من قبل دونالد ترامب والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعرب الناخبون المسلمون والديمقراطيون التقدميون عن استيائهم الشديد من إدارة بايدن- هاريس، وصار المجتمع الأمريكي منقسما بشدة حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وعلى النقيض من ذلك، تلعب الصين دورا مهما في تعزيز السلام والتنمية في الشرق الأوسط، وهي قوة إيجابية لصون وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المتصاعد، قامت الصين بقدر كبير من العمل الدبلوماسي لوقف الحرب في أقرب وقت ممكن، وتخفيف الكارثة الإنسانية، وتعزيز إقامة دولة فلسطين في أقرب وقت ممكن، وتقديم المساعدة الإنسانية لفلسطين. أظهر استطلاع رأي أجري مؤخرا في جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، أن شعبية الصين تتجاوز كثيرا شعبية الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الشرق الأوسط المنكوب بالصراعات، تلتزم الصين دائما بدعم العدالة وتعزيز السلام من خلال الحوار وتعزيز الاستقرار من خلال التنمية، وتضمن أن يواصل الشرق الأوسط المضي قدما في الاتجاه العام للتنمية والاستقرار من خلال دبلوماسية الوساطة النشيطة والتعاون الإنمائي. منذ عام 2023، نجحت الصين في التوسط في الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتوسطت بين 14 فصيلا فلسطينيا، وقدمت مساهمات كبيرة للسلام في الشرق الأوسط، وكبحت بشكل فعال توسع وتصعيد الصراع في الشرق الأوسط، وأعربت بقوة عن الدعوة إلى السلام وحل النزاعات من خلال الحوار.
--
تانغ تشي تشاو، باحث ومدير مكتب البحوث السياسية بمعهد دراسات غربي آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.