صادف عام 2024 الذكرى السنوية العشرين لإنشاء منتدى التعاون الصيني- العربي والذكرى السنوية العاشرة للتعاون بين الصين والدول العربية في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق". لم يشهد ذلك العام بداية مرحلة جديدة للعلاقات الصينية- العربية على أساس التراكم التاريخي فحسب، وإنما أيضا شهد إنجازات الجانبين في تعميق التعاون ودفع التنمية المشتركة يدا بيد في العولمة. وفي ظل بيئة دولية ووضع إقليمي معقدين ومتغيرين، عززت الصين والدول العربية في عام 2024 الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاقتصادي والتجاري والتبادلات الإنسانية والثقافية والابتكار العلمي والتكنولوجي على نحو شامل، بهدف "بناء مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية في العصر الجديد"، تعظيما لدورهما الإيجابي في الحوكمة العالمية.
مواصلة تعميق الثقة السياسية المتبادلة
حققت الصين والدول العربية تقدما مهما في الثقة السياسية المتبادلة وفي التعاون الدبلوماسي، وعمق الجانبان شراكتهما الإستراتيجية على نحو شامل. بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لإنشاء منتدى التعاون الصيني- العربي، واصلت الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، باعتباره ركيزة مهمة للمنتدى، تفعيل مخرجات القمة الصينية- العربية الأولى، مما وطد الثقة السياسية المتبادلة وارتقى بها بشكل عميق. ومنذ إنشاء منتدى التعاون الصيني- العربي في عام 2004، طور الجانبان العلاقة بينهما من الشراكة إلى الشراكة الإستراتيجية، استنادا إلى تسع عشرة آلية تعاون للمنتدى، الأمر الذي أرسى أساسا متينا للحوار الجماعي والتعاون العملي بين الجانبين. استعرضت الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري للمنتدى الإنجازات التي تحققت خلال السنوات العشرين المنصرمة على نحو شامل، خاصة التوافق الواسع في الآراء بشأن الدعم المتبادل في المصالح الجوهرية ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط، كما أوضحت التوجه الإستراتيجي للتنمية في المستقبل، وأشارت إلى مسار بناء مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية في العصر الجديد.
تلعب الوساطة الدبلوماسية الصينية دورا رئيسيا في القضية الفلسطينية- الإسرائيلية. في يوليو 2024، وقع أربعة عشر فصيلا سياسيا فلسطينيا رئيسيا، منها فتح وحماس، على ((إعلان بكين)) في العاصمة الصينية، فكان ذلك اختراقا تاريخيا في المصالحة الفلسطينية الداخلية. وقد جاء هذا الإنجاز الدبلوماسي الصيني بعد تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران، الأمر الذي يجسد بشكل كاف إنجازا حقيقيا لمبادرة الأمن العالمي. يؤكد ((إعلان بكين)) على مبدأ "حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين"، ويرسي أساسا مهما لإقامة دولة فلسطين المستقلة وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، ويبرز دور الصين البناء في سعيها لتحقيق الإنصاف والعدالة والسلام العالمي.
صادف عام 2024 الذكرى السنوية الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات، وحققت خلاله العلاقات بين البلدين تقدما جديدا. وفي إطار مبادرة "الحزام والطريق"، تقوم الإمارات كمحور للتعاون الإقليمي، بالتواصل الوثيق مع الصين في مجالات التجارة غير النفطية والعملات الرقمية والطاقات الخضراء وغيرها، وتعزز التنمية المتنوعة للتعاون بين الجانبين. ووضعت الصين والإمارات خطة للتعاون معا في المستقبل خلال منتدى دبي الأول الذي عقد في دبي في الرابع والعشرين من أكتوبر 2024، ويعتزمان إنشاء لجنة مشتركة رفيعة المستوى، من أجل تعميق التعاون الإستراتيجي المتعدد المستويات. إن هذه الإنجازات لا توطد الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والدول العربية فحسب، وإنما أيضا تضخ قوة محركة جديدة للسلام الإقليمي والتنمية المستدامة العالمية، وترسي أساسا متينا لتعاون أوثق بين الجانبين في المستقبل.
تعاظم التعاون الاقتصادي والتجاري
التعاون الاقتصادي والتجاري أحد الركائز الجوهرية للعلاقات الصينية- العربية، ويجسد متانة التعاون القوي وآفاقه الواسعة. وقد وصل التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني- العربي، كونه أحد الإنجازات المهمة لمنتدى التعاون الصيني- العربي منذ إنشائه قبل عشرين سنة، إلى مستوى جديد. في الشهور الأربعة الأولى لعام 2024، وصل حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية إلى رقم قياسي لنفس الفترة من التاريخ، إذ بلغ 17ر946 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) بزيادة بلغت نسبتها 8ر3% مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق. زادت صادرات الصين إلى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بنسبة 5ر14%، خاصة في مجالات المنتجات الميكانيكية والكهربائية والمنسوجات والملابس. وبلغت قيمة وارداتها من تلك الدول 06ر487 مليار يوان، بانخفاض بلغت نسبته 7ر4% مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، واستمرت هيمنة التعاون في مجال الطاقة، بنسبة وصلت إلى 6ر81% من إجمالي قيمة واردات الصين. وفي الوقت نفسه، فإن التنامي السريع للتعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة الجديدة، والزيادة الكبيرة في صادرات الصين من منتجات وتقنيات الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح وغيرهما، قد ضخت حيوية جديدة في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين. وبالإضافة إلى ذلك، كانت إنجازات الشركات الخاصة الصينية في التجارة بين الجانبين واضحة، فقد تجاوز حجم وارداتها وصادراتها إلى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية 50% لأول مرة، بنسبة بلغت 5ر52% من حجم التبادل التجاري الصيني- العربي، مما يجسد بشكل كاف التنوع والقوة الدافعة الداخلية لهيكل التجارة بين الجانبين.
وفي مجال الاستثمار، تعمق التعاون في الاستثمار المتبادل بين الصين والدول العربية، خاصة النمو السريع لاستثمارات الدول العربية في الصين. في بداية عام 2024، تم رسميا إطلاق مجمع سابك فوجيان للبتروكيماويات، وهو مشروع مشترك بين الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" ومجموعة فوجيان للطاقة والبتروكيماويات، باستثمارات إجمالية قدرها 4ر6 مليارات دولار أمريكي، مما يضع نموذجا للتعاون المتعمق في مجال الطاقة. وبجانب ذلك، يتعمق التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة. أبرمت شركة هندسة الطاقة الصينية (CEEC) مع السعودية اتفاق مشروع محطة للطاقة الكهروضوئية بقدرة 2 غيغاوات، واستثمرت شركة "TCL" تشونغهوان لتكنولوجيا الطاقة الجديدة المحدودة وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية معا 08ر2 مليار دولار أمريكي لبناء مشروعات لتصنيع رقائق السيليكون، وتخطط شركة جينكو سولار الصينية لاستثمار 985 مليون دولار أمريكي لبناء مصنع لبطاريات ووحدات الطاقة الشمسية في السعودية. وقد عمقت هذه المشروعات الضخمة التعاون بين الجانبين في مجال الطاقة النظيفة.
التعاون العلمي والتكنولوجي نقطة مضيئة أخرى للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية في عام 2024. طرحت الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي آفاقا عالية للتعاون بين الجانبين، مع التركيز على مجالات صحة الحياة والذكاء الاصطناعي وتقليل الانبعاثات الكربونية والزراعة الحديثة، وغيرها من المجالات الرئيسية. ويتعزز التنسيق بين الجانبين بشكل عميق في مجال الابتكار التكنولوجي وحوكمة العلوم العالمية، من خلال تعاونهما في بناء المختبرات المشتركة ومنصات بحث وتطوير التكنولوجيا، الأمر الذي يقدم الدعم التكنولوجي لتنمية الزراعة والتحول نحو ترقية وتحديث الطاقة للدول العربية. لقد شهدت السنوات الأخيرة تقدما ملموسا في التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية. ومن خلال المركز الصيني- العربي لنقل التكنولوجيا، يجرى تطبيق التكنولوجيا الصينية لتحسين التربة والري الموفر للمياه في دول عربية عديدة، مما يدفع تحديث الزراعة المحلية. كما أن تطبيق نظام "بيدو" الصيني للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية في الدول العربية، يرفع مستوى الرصد البيئي وإدارة الموارد، ويقدم قوة محركة جديدة للابتكار العلمي والتكنولوجي الإقليمي.
تواصل ازدهار التبادلات الإنسانية والثقافية
وصلت التبادلات الإنسانية والثقافية الصينية- العربية إلى مستوى أعلى، وأصبح تعليم اللغة والتبادلات الشبابية نقطة مضيئة مهمة في تعميق العلاقات. استنادا إلى طريق الحرير القديم ومبادرة "الحزام والطريق"، ومن خلال التصميم الرفيع المستوى والتعاون المتعدد المستويات، واصلت الصين والدول العربية الابتكار في مجالات التعليم والثقافة والسياحة والتبادلات الشبابية، مما دفع التبادلات الإنسانية والثقافية إلى مستوى جديد ووضع أساسا اجتماعيا متينا للتعاون بين الجانبين.
واصل التعاون الصيني- العربي التقدم وحقق إنجازات مثمرة في مجال اللغة والثقافة. فقد تعاظم تأثير "معهد كونفوشيوس" و"جسر اللغة الصينية" بشكل مطرد منذ إدراج اللغة الصينية في نظام التعليم الوطني في الإمارات والسعودية، مما يوفر جسرا مهما للشباب العرب لفهم الثقافة الصينية. على سبيل المثال، يعزز التوسع المستمر لمشروع "المائة مدرسة" في الإمارات تعميم وتعميق تعليم اللغة الصينية. في عام 2024، أقام معهد كونفوشيوس بجامعة زايد نهائيات منطقة الإمارات العربية المتحدة لمسابقة جسر اللغة الصينية لطلاب المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والطلبة الجامعيين"، التي شارك فيها أكثر من خمسمائة طالب، وحضرها أفراد من الأسر الحاكمة وحظيت باهتمام واسع من كافة الأطياف هناك، الأمر الذي يجسد التطور السريع لتعليم اللغة الصينية في الإمارات. أشار سفير الصين لدى الإمارات تشانغ يي مينغ، في كلمته في نهائيات منطقة الإمارات لهذه المسابقة، إلى أن رد الرئيس شي جين بينغ على رسالة ممثلي مشروع "المائة مدرسة"، أثارت حماسة اليافعين والشباب المحليين لتعلم اللغة الصينية، مما يضخ قوة محركة قوية للتبادلات الثقافية بين الشباب الصينيين والعرب.
لقد أصبحت التبادلات بين الشباب الصينيين والعرب وجها مهما للتعاون بين الجانبين. أصبح المنتدى الصيني- العربي للسياسيين الشباب الذي تأسس في عام 2021، منصة مهمة للحوار بين الشباب الصينيين والعرب. يركز هذا المنتدى على البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة "الحضارة العالمية" وغيرهما من الموضوعات الأخرى، ويدفع التفاعل العميق بين الشباب الصينيين والعرب في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وغيرها. يدعو هذا المنتدى إلى احترام تنوع الحضارات العالمية وتعظيم القيم المشتركة لكل البشرية، ويضخ حيوية جديدة للحوار والتعاون بين الحضارات العالمية. وفي الوقت ذاته، يعمق هذا المنتدى التفاهم والصداقة بين الشباب الصينيين والعرب ويعزز الحوار والتعاون بين الأحزاب الصينية والعربية عن طريق التفاعلات المتعددة المستويات بين الحكومات المحلية ومراكز الفكر والجامعات والمنظمات الشعبية. إن هذه التبادلات الإنسانية والثقافية ونشاطات التفاعل بين الأحزاب الصينية والعربية لا تقلل المسافات بين الشعوب فحسب، وإنما أيضا تضخ قوة محركة مستدامة للتطور الطويل الأجل للعلاقات الصينية- العربية، وترسي أساسا متينا لبناء مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية في العصر الجديد.
دفع تطور الحوكمة العالمية يدا بيد
حققت الصين والدول العربية تقدما مهما في مجال الحوكمة العالمية، مما يجسد عزمهما الراسخ على الحفاظ على النظام العالمي العادل والمنصف يدا بيد. في عام 2024، ضخت الصين والدول العربية، كقوة مهمة بين دول الجنوب العالمي، قوة محركة قوية لحماية المصالح المشتركة للدول النامية ودفع تقدم الحوكمة العالمية إلى الاتجاه الأكثر شمولا وتعددية، اعتمادا على التعاون العميق في إطار المنصات المتعددة الأطراف، ومن بينها مجموعة بريكس ومجموعة العشرين.
أولا، انضمام ثلاث دول عربية إلى بريكس رسميا يفتح عصر "بريكس الكبرى". إن انضمام السعودية والإمارات ومصر إلى بريكس لا يعزز بشكل ملموس تمثيل بريكس وحقها في الكلام في الحوكمة العالمية فحسب، وإنما أيضا يوطد مكانة بريكس الجوهرية في سلسلة التوريد العالمية بفضل تفوقات هذه الدول الثلاث في مجالات الطاقة والمال واللوجستيات، وعن طريق تحقيق تكامل الموارد مع الدول الأعضاء الأخرى في بريكس. وفي الوقت ذاته، يعزز انضمامها دور آلية بريكس في الاستقرار الإقليمي وأمن الطاقة والتعاون الاقتصادي، ويدفع تحول بريكس إلى منصة أكثر شمولا وفعالية في الحوكمة العالمية.
ثانيا، تدفع الصين والدول العربية معا تعزيز أجندة حوكمة عالمية أكثر تنوعا في قمة مجموعة العشرين، الأمر الذي يجسد القوة الجماعية للدول النامية. إن الدول العربية، كممثلة للشرق الأوسط والعالم العربي، تؤكد أهمية الاستقرار الإقليمي والتعاون العالمي، وتشارك بنشاط في موضوعات البحث الرئيسية بشأن أمن الطاقات والتنمية المستدامة وغيرهما، وتضخ حيوية جديدة للحوكمة العالمية. تعمق الصين والدول العربية التعاون الاقتصادي والسياسي والتنسيق المتعدد الأطراف مع البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، مما يجسد القدرة القيادية لدول الجنوب العالمي في تشكيل المشهد الدولي. لا يثري هذا التعاون العابر للحدود موضوعات البحث للحوكمة العالمية فحسب، وإنما أيضا يعزز القدرة على العمل الجماعي لدول الجنوب العالمي في التصدي للتحديات المشتركة يدا بيد.
أخيرا، يوضح ((إعلان بكين)) و"البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني- العربي بين عامي 2024- 2026" اللذان اعتمدتهما الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، بصورة عميقة، اتجاه التعاون في الحوكمة العالمية في المستقبل. أعرب الجانبان عن تقديرهما البالغ لمبادرة "التنمية العالمية" ومبادرة "الأمن العالمي" ومبادرة "الحضارة العالمية" التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، وأكدا مجددا تعهداتهما بمواجهة تغير المناخ وحوكمة الذكاء الاصطناعي ومكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف وغيرها من التحديات العالمية. تدفع الصين والدول العربية إصلاح آلية الحوكمة العالمية باعتبار الأمم المتحدة نواتها، عن طريق الدعوة إلى تعددية الأطراف السلمية والمنصفة، والسعى لبناء نظام عالمي أكثر عدالة وشمولا.
في عام 2024، تعمق التعاون الصيني- العربي على نحو شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية والعلمية والتكنولوجية وفي مجال الحوكمة العالمية، مما يضخ حيوية جديدة للعلاقات بين الجانبين، ويرسى أساسا متينا لتوسيع التعاون بينهما في المستقبل. وانطلاقا من نقطة البداية التاريخية الجديدة، نثق بأن الصين والدول العربية سوف تدفع التعاون بينهما إلى مستوى أعلى، وتواصل ضخ طاقة إيجابية للسلام الإقليمي والتنمية المستدامة العالمية، اعتمادا على إطار مبادرة "الحزام والطريق".
--
وانغ شياو يوي، نائبة باحث في مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان في شانغهاي.
سون ده قانغ، باحث ومدير في مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان في شانغهاي.