عين صينية < الرئيسية

موقف الصين السلمي من الأزمة الأوكرانية

: مشاركة
2025-04-14 17:14:00 الصين اليوم:Source وانغ شياو يوي سون ده قانغ:Author

باتت الأزمة الأوكرانية تحديا خطيرا للحوكمة الأمنية الإقليمية، نظرا لتأثيرها العميق على هيكل النظام الدولي السياسي والاقتصادي والأمني وامتداد تداعياتها غير المباشرة إلى الإقليم المحيط بها بل وكل العالم. الآن، وقد انقضى الربع الأول من عام 2025، فإن المجتمع الدولي يبذل جهودا مضنية لدفع محادثات السلام سعيا إلى سلام مستدام وعادل بين طرفي الأزمة. لقد أعربت كل من روسيا وأوكرانيا عن رغبتيهما في تحقيق السلام في عام 2025، وفي إطار الاتحاد الأوروبي، يقوم الاتحاد أيضا بتقييم سياسته الخارجية بعناية من أجل الدفع نحو جهود دبلوماسية أكثر فعالية.

منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير عام 2022، ظلت الصين تدعو إلى حل الخلافات عن طريق المفاوضات بدلا من المواجهة، وتتمسك بأن تكون الأمم المتحدة في صميم جهود حل الأزمة، وتسوية الخلافات بالوسائل السلمية، وتعارض بحزم أي تصرف من شأنه تصعيد توتر الأوضاع. إن موقف الصين ليس مواصلة لمبادئها الدبلوماسية الراسخة فحسب، وإنما أيضا يبين ثبات الصين في الوضع الدولي المتغير والمعقد، وصمودها أمام اختبار الزمن، ويبرز دورها كدولة كبرى تتحمل المسؤولية.

موقف الصين الأساسي..  تعزيز محادثات السلام ومعارضة المجابهة بين التكتلات

الأزمة الأوكرانية لها خلفية تاريخية وجيوسياسية معقدة. وموقف الصين في هذه الأزمة، ثابت وواضح، وهو تسوية الخلافات عبر الحوار والمفاوضات، ومعارضة المجابهة بين التكتلات وعقلية الحرب الباردة. تدعو الصين إلى احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، والمحافظة على الأمن المتوازن، ومنع تصعيد الأزمة، مع دعم الدور البناء لمجلس الأمن للأمم المتحدة في الوساطة الفاعلة لحل الأزمة. انطلاقا من مبادئ ((ميثاق الأمم المتحدة))، تشدد الصين على مفهوم الأمن المشترك ومفهوم الأمن التعاوني، مؤكدة أن أمن أي دولة لا يتحقق على حساب مصالح الدول الأخرى، مع التنبيه إلى أن توسع التكتلات العسكرية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية. في ظل استمرار الأزمة، تدعو الصين جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تفاقم الكوارث الإنسانية، مع دفع تحويل أوكرانيا إلى جسر للتواصل بين الأطراف بدلا من ساحة ميدانية للمواجهات الجيوسياسية.

اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات الملموسة لتعزيز الحل السلمي للأزمة الأوكرانية. في فبراير 2023، أصدرت الصين وثيقة بعنوان "الموقف الصيني حول التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، والتي قدمت اثني عشر مقترحا تشمل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، واستئناف المفاوضات السياسية، وضمان الأمن الإنساني، وتعزيز إعادة الإعمار بعد الحرب، وغيرها. لا يستجيب هذا الموقف للتحديات العاجلة للأزمة الحالية فحسب، وإنما أيضا يركز على بناء إطار سلام مستدام، مما يوفر للمجتمع الدولي حلولا عملية قابلة للتنفيذ. وترى الصين أن الاعتماد المطلق على الحلول العسكرية ليس حلا جذريا للأزمة الأوكرانية، بل قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية والعالمية. لذلك، تبذل الصين جهودا دؤوبة في إطار الدبلوماسية المتعددة الأطراف لتعزيز بقاء قنوات الاتصال وتخفيف الخلافات بين الأطراف المعنية، من أجل تعضيد تشكيل توافق دولي أوسع نطاقا بشأن السلام. وقد لاقت المقترحات الصينية للسلام اهتماما واسعا في المجتمع الدولي وحظيت بتقييمات إيجابية، خاصة بين دول "الجنوب العالمي"، حيث تجسد هذه المقترحات الصوت المشترك للدول الرئيسية في العالم، وتدفع تحول الحوكمة العالمية إلى مسار أكثر شمولا وتوازنا. في ظل تصاعد المنافسة الجيوسياسية، تشهد مبادرات السلام التي طرحتها دول "الجنوب العالمي" مثل الصين والبرازيل والسعودية والإمارات وقطر وتركيا في إطار الأمم المتحدة تأثيرات متزايدة باستمرار، مما يسهم في جمع التوافق الأوسع على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب واستئناف المفاوضات.

الاختبار التاريخي.. التمسك بالاستقلال الذاتي في ظل الضغوط والتحديات

خلال الأزمة الأوكرانية، حاولت بعض الدول الغربية تقسيم المجتمع الدولي واختلاق مجابهة على أسس أيديولوجية، وممارسة الضغوط على الصين لمطالبتها بـ"اتخاذ جانب" بل والانضمام إلى إدانة روسيا وتطبيق العقوبات عليها. ترى الصين أن العقوبات والحصار ليسا حلا للأزمة. في مواجهة ضغوط الدول الغربية، تحافظ الصين باستمرار على موقف موضوعي وعادل، وتنتهج سياسة خارجية انطلاقا من مبادئ الدبلوماسية السلمية والاستقلال الذاتي، وليس الانجراف الأعمى وراء أي طرف، مع التأكيد على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وتسوية النزاعات الدولية عبر الحوار والتشاور، وتعزيز دفع النظام العالمي نحو الاستقرار والتعاون. لا يعكس هذا الموقف استمرار مبادئ الدبلوماسية السلمية التي تلتزم بها الصين دائما فحسب، وإنما أيضا يبرز أيضا تمسكها بالعدالة والإنصاف والحفاظ على الثبات الإستراتيجي في التعامل مع القضايا الدولية الكبرى.

لفت موقف الصين المستقل في السياسة الخارجية انتباه المجتمع الدولي، لأن هذا الموقف لا يسهم في تجنب تصعيد الأزمة وامتداد تداعياتها غير المباشرة فحسب، وإنما أيضا يعزز التأثير الإيجابي للصين في الحوكمة الأمنية الإقليمية. ويحظى موقف الصين بدعم فعال من دول "الجنوب العالمي"، حيث ينظر إليه كقوة دافعة لتعددية الأقطاب في العلاقات الدولية وتعزيز الاستقلال الإستراتيجي للدول النامية، كما أنه دفع أيضا بعض الدول الغربية إلى إعادة تقييم سياسة المجابهة التي تنتهجها. في إبريل 2023، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد زيارته للصين مفهوم "الاستقلال الإستراتيجي"، معربا عن أمله في تجنب أوروبا الوقوع في فخ سياسة المجابهة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية.

التأثير الدولي للموقف الصيني.. قوة للاستقرار والسلام

في مواجهة التحديات العالمية الناجمة عن امتداد التداعيات غير المباشرة للأزمة الأوكرانية، تتمسك الصين بموقفها السلمي، وتعمل بنشاط على دفع الحل السياسي، وتلعب دورا رئيسيا في التنسيق الدبلوماسي. في مايو 2023، قام ممثل الصين الخاص لشؤون أوراسيا لي هوي، بزيارة إلى أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا ومقر الاتحاد الأوروبي وروسيا، حيث أجرى حوارات عميقة مع الأطراف المختلفة لاستكشاف حلول سلمية. لا تعكس هذه الخطوة الدبلوماسية القدرة التنسيقية للصين في النزاعات الدولية فحسب، وإنما أيضا تعزز ثقة المجتمع الدولي في إمكانية تسوية الأزمة عبر المفاوضات.

تؤدي الأزمة الأوكرانيا إلى تعطيل سلسلة الإمداد الغذائية العالمية وارتفاع الأسعار، حيث تأثرت الدول النامية بشكل رئيسي. تبذل الصين جهودا نشيطة لاتخاذ إجراءات متنوعة لتحقيق لاستقرار سوق الغذاء العالمية وضمان أمن الإمدادات. وتعمل الصين، كداعم لاتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود التي تقودها الأمم المتحدة، على تعزيز تنفيذ متوازن وشامل للاتفاقية لضمان سلاسة النقل الدولي للغذاء. وفي مواجهة تحديات مواصلة توقيع الاتفاقية، دعت الصين مرارا إلى تعزيز الحوار بين الأطراف للتوصل إلى التوافق على الأمن الغذائي، ومنع تسييس قضية الغذاء. وفي الوقت نفسه، قدمت الصين مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 30 دولة نامية، استفاد منها عشرات الملايين من المتضررين، كما قدمت دعما غذائيا عاجلا في أزمات كالجفاف بجنوبي أفريقيا والأزمة الإنسانية بغزة. وفي إطار منتدى التعاون الصيني- الأفريقي ومنتدى التعاون الصيني- العربي، تشجع الصين الشركات على الاستثمار في سلسلة القيمة الزراعية الكاملة لتعزيز الأمن الغذائي في أفريقيا والدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، دعت الصين في مناسبات دولية عديدة إلى تقليل التدخل في سلاسل إمداد الغذاء والطاقة، مؤكدة على دور التجارة الحرة والتوزيع العادل في استقرار العالم، كما طرحت مبادرة التعاون الدولي للأمن الغذائي، مقدمة حلولا عملية للحوكمة الغذائية العالمية.

بالإضافة إلى مجال الأمن الغذائي، تبذل الصين جهودا نشيطة لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف على الصعيد العالمي، وتعزيز منظومة حوكمة دولية أكثر توازنا وشمولا. في مايو 2024، أصدرت الصين والبرازيل وثيقة ((التوافق الصيني- البرازيلي بشأن الحل السياسي للأزمة الأوكرانية))، وفي سبتمبر من العام ذاته، تعاونت الصين مع البرازيل ودول "الجنوب العالمي" المعنية لدفع إنشاء مجموعة "أصدقاء السلام" بشأن الأزمة الأوكرانية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بهدف إنشاء منصة حوار لتسوية الأزمة بحلول سياسية وحشد المزيد من التوافق الدولي. وفي الوقت ذاته، في إطار الأمم المتحدة، تدعو الصين إلى التشاور السياسي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي وحماية مصالح الدول النامية، سعيا لنظام دولي أكثر إنصافا وعقلانية. بجانب ذلك، تعمق الصين من خلال مبادرة التنمية العالمية تعاونها مع الدول النامية لمساعدتها على تعزيز قدراتها في مجالات الأمن الغذائي واستقرار الطاقة وتنمية الصناعات، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية، وتعزيز التنمية المستدامة.

‌الآفاق المستقبلية.. التأثيرات العميقة لموقف الصين السلمي مستمرة

لا يزال المسار المستقبلي للأزمة الأوكرانية محفوفا بعدم اليقين. تتمسك الصين بموقف التسوية السياسية للأزمة، وتعزيز التنسيق المتعدد الأطراف، وتعزيز التعاون الدولي، والسعي لتحقيق استقرار الأوضاع العالمية، ومنع تصاعد الأزمة بشكل عميق.

أولا، تعزيز التنسيق بين القوى الكبرى لدفع محادثات السلام. إن اتجاه الأزمة الأوكرانية يتأثر بعمق بالهيكل الأمني العالمي والتنافس بين القوى الكبرى. إن تحقيق السلام لا يعتمد على الحوار المباشر بين أوكرانيا وروسيا فحسب، وإنما أيضا يتطلب تنسيقا وتعاونا من المجتمع الدولي، ولا سيما بين القوى الكبرى. إن الصين، كوسيط عالمي يتحمل المسؤولية، تلتزم دائما بموقف منصف وعادل، وتحترم الشواغل الجوهرية لجميع الأطراف، وتؤكد على أولوية الحوار وتجنب تصعيد الخلافات، وتدفع نحو التنسيق والتوافق بين الأطراف في عملية السلام، لتعزيز الثقة وتخفيف الشكوك وتفادي عرقلة الجهود السلمية بسبب المنافسات الجيوسياسية.

ثانيا، تعميق التعاون في الحوكمة العالمية للتخفيف من التداعيات غير المباشرة للأزمة. تؤثر الأزمة الأوكرانية بعمق على النظم العالمية للغذاء والطاقة والاقتصاد، مما زاد من تفاقم الصعوبات الاقتصادية للدول النامية على نحو خاص. في هذا الإطار، تلعب الصين، كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، دورا رئيسيا في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي الإقليمي والعالمي. تعمل الصين من خلال مبادرة "الحزام والطريق" على مساعدة الدول النامية في تحسين البنية التحتية وترقية التعاون الاقتصادي والتجاري، مع تعزيز التعاون المتعدد الأطراف لتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة بالأزمة، ودفع استقرار سلسلة إمداد الغذاء، وتعزيز التوزيع العادل للموارد والطاقة، ورفع قدرات الدول المعنية على مواجهة المخاطر. وفي الوقت ذاته، تعزز الصين من خلال آلية تعاون دول "بريكس" الاعتماد المتبادل في الاقتصاد العالمي، وتقليل الاعتماد على الأسواق الأحادية، ورفع صوت الدول النامية في الشؤون الاقتصادية الدولية. في المستقبل، ستواصل الصين لعب دور بناء في الحوكمة العالمية، من خلال دفع تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" وآلية تعاون دول "بريكس" ومبادرة التنمية العالمية، لتوفير دعم لاستقرار الاقتصاد العالمي وتنميته المستدامة.

ثالثا، الدعوة إلى مفهوم أمني جديد وتعزيز التعاون الأمني العالمي. في ظل التعقيد المتزايد لهيكل الأمن الدولي، طرحت الصين مبادرة "الأمن العالمي" التي تؤكد على تسوية النزاعات الدولية عبر الأمن المشترك والأمن التعاوني، مع التخلي عن عقلية الحرب الباردة والمجابهة بين التكتلات. ترى الصين أن الأمن لا ينبغي أن يتحقق على حساب مصالح الدول الأخرى، بل يجب أن يُبنى على الثقة المتبادلة والتعاون والتشاور المتعدد الأطراف. لا يجسد هذا المفهوم فهم الصين العميق لهيكل الأمن الدولي فحسب، وإنما أيضا يتجاوز النمط التقليدي للأمن العسكري، ويطرح أفكارا أكثر إنصافا وشمولا للحوكمة العالمية. وفي الوقت ذاته، امتد مفهوم "الأمن المشترك" إلى مجالات أمنية غير تقليدية مثل تغير المناخ ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، إذا تؤكد الصين أن الاعتماد على الوسائل العسكرية وحدها لا يكفي لمواجهة التحديات العالمية، وأن السلام والاستقرار الدائمين لا يتحقق إلا عبر التعاون الدولي.

في مواجهة التحديات الأمنية العالمية الناجمة عن تزايد النزاعات الإقليمية مثل الأزمة الأوكرانية، لا تحقق العقوبات والمجابهات أمنا حقيقيا، بل تعمق انقسام المجتمع الدولي، مما يؤدي إلى اتساع العجز العالمي في السلام والأمن والثقة والحوكمة. في هذا السياق، تلتزم الصين دائما بمفهوم التنمية السلمية، وتدعو إلى تسوية النزاعات عبر الحوار والمفاوضات، كما تبذل جهود وساطة نشيطة في القضايا الساخنة الدولية مثل الأزمة الأوكرانية، لدفع الأطراف نحو بناء التوافق. وسواء في تعزيز الحوكمة الأمنية العالمية أو تعميق التعاون المتعدد الأطراف، تساهم حكمة الصين وقوتها في بناء نظام دولي أكثر توازنا وإنصافا. تطلعا إلى المستقبل، ستواصل الصين تعزيز التعاون الأمني الدولي من خلال إجراءات عملية، ودفع تخفيف حدة النزاعات، ولعب دور رئيسي في تطوير منظومة الحوكمة العالمية، لتقديم الحلول الصينية للتعددية القطبية العالمية والسلام الدائم.

--

وانغ شياو يوي، باحثة مساعدة في مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان في شانغهاي.

سون ده قانغ، باحث ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة فودان في شانغهاي.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4